الفصل التاسع:تيودور بركوني الصلاة والصلاة الربِّيَّة

الفصل التاسع
تيودور بركوني
الصلاة والصلاة الربِّيَّة

السؤال 34: ما هو هدف أقوال الصلاة التي سلَّمها ربُّنا إلى تلاميذه، وما هي الصلاة؟
كلُّ صلاة سواء كانت سؤالاً أو طلبة، تقرَّب من قبل أشخاص ناطقين إلى الله من أجل الأمور الضروريَّة. وهناك أيضًا اعتناء مع الله. لهذا حين أراد مخلِّصنا أن يحثَّ تلاميذه على أعمال الفضيلة علَّمهم بأقوال قصيرة صلاة لا تتطلَّب الأقوال الطويلة وخصوصًا أنَّه كان يُرى وهو يستعملها على الدوام، ليس أنَّه يحتاج أن يصلِّي، لا يقال أيضًا إنَّ ملكًا يسجد لتاجه وكاهنًا لدرجته، بل لكي يعلِّمنا ماذا نختار في تصرُّفاتنا.
هذه الكلمة: تثرثروا مثل الوثنيِّين (مت 6: 7). هو لا يلقِّب ثرثرة كثرة الصلاة، بل أن يسأل الإنسان ما هو خارج مشيئة الله. كما أنَّ هناك أناسًا يسألون أن تأتي القصاصات على أعدائهم (5: 44).
فبدأ: أبانا الذي في السماوات، ليُقدَّس اسمك (مت 9:6). هو يقول: افعلوا هذه واطلبوا ما به يُقدَّس الله ويمجَّد. أبانا لكي يعلِّمنا أيَّة عظمة صرنا لها أهلاً بأن ندعو الله أبًا. الذي في السماوات لكي يبيِّن أين وُضع الغنى الذي نتوق إليه.
ليأتِ ملكوتك (6: 10). أو ذاك الذي سبق له وأتى بتدبير ربِّنا، أو ذاك المزمع أن يأتي في القيامة العامَّة. قال: ينبغي أيضًا أن نطلب الملكوت (6: 33)، مسمِّيًا الملكوت حين ننال شركة الملكوت ونُحفَظ في اللاهوت.
لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض أيضًا (مت 6: 10). فكما في السماء لا معارضة أبدًا، يحثُّنا لأن نسأل (أن يكون هذا) على الأرض أيضًا. أي في هذه الحياة تكون النعمة ذاتها وتحلُّ علينا من لدنه بحيث نستطيع أن نكمِّل مشيئته في كلِّ شيء.
هب لنا خبز حاجتنا اليوم (6: 11). بلفظ الخبز يحدِّد كلَّ الحاجات الضروريَّة. اليوم. ليقول إنَّنا ما دُمنا في هذه الحياة وما سلكنا في عالم الموت.
واترك لنا ذنوبنا كما نحن أيضًا تركنا للمذنبين إلينا (6: 12). عظيمة هي هذه الكلمة! إن نحن نحتاج أن يُغفَر لنا من قِبل الله كيف لا نكون نحن مدعوِّين خصوصًا بأن نغفر الذنوب للذين قدَّموا أعذارًا عنها؟ لهذا قال في جانب آخر: «إن لم تغفروا للناس زلاّتهم، فأبوكم الذي في السماء لا يغفر لكم أيضًا زلاّتكم» (مت 6: 14).
ولا تدخلنا في التجربة (6: 13). لا تهملنا في واحدة من التجارب. وإذا أُخذنا فيها نتوسَّل ليكون لنا منها حلاًّ بسرعة.
لكن نجِّنا من الشرِّير (6: 13). وأيضًا هذا يليق جدًّا بالذين هم في الفضيلة، بأن يسألوا المساعدة من الله في الحرب ضدَّ الشرِّير.
لأنَّ لك الملك والقوَّة والمجد إلى أبد الأبدين. وضعها بدل الخاتمة ليقول إنَّ الطبيعة الإلهيَّة، بصفتها كلِّيَّة القدرة، يليق بها المجد والإكرام الدائم.

السؤال 33: كم هي الأماكن التي يُظنُّ فيها أنَّ أقوال الإنجيليِّين تتعارض الواحد مع الآخر؟ هي عشرة.
1-     الأوَّل، حين دخول ربِّنا إلى أورشليم، وهو راكب على جحش. ساعة الأخرون قالوا: حمار مع جحش. قال مرقس فقط: جحش. وإذ قال يوحنّا مرَّتين: دخل ربُّنا إلى الهيكل وقلب موائد الصيارفة، قال آخرون إنَّه صنع ذلك مرَّة واحدة حين دخل واستقبلته الجموع بالتسابيح. يبدو أنَّ (يسوع) صنع هذا مرَّتين: أولى حين ركب على جحش. وأخرى قبل ذلك. وإذ نقصت لدى الآخرين وضعها يوحنّا في كتابه. هذا واضح من أنَّه يشير إلى ذلك في دخوله على جحش، ولا يكرِّر مرَّتين ما كان مرَّة واحدة.
2-     الثاني، في فتح (عيون) الأعميين على طريق أريحا. إذ قال متّى اثنين (20: 30)، قال مرقس (10: 46) ولوقا (18: 35): واحد. يبدو لأنَّه كانت مسافة قليلة بين شفاء الواحد ورفيقه، تركا الأوَّل وتحدَّثا عن الآخر. أمّا متّى فأشار إلى اثنين.
3-    الثالث، شفاء هذين المتشيطنين اللذين كانا في القبور. قال متّى: اثنان (8: 28) ومرقس (5: 2) ولوقا (8: 27): واحد. يبدو أنَّ الواحد كان أكثر شرًّا، فتركا واحدًا وتكلَّما عن واحد.
4-     الرابع، في خبر مريم التي مسحت بالعطر رجلَيْ ربِّنا: قال لوقا (7: 37): كانت خاطئة، وكانت في بيت سمعان الفرِّيسيّ. ومرقس (14: 3): في بيت عنيا وفي بيت سمعان الأبرص. هناك من قال: كانتا اثنتين، بسبب اختلاف المكان. وهناك من قال: كانت هي هي. ومسحت ربَّنا مرَّتين. وكانت أخت لعازر (يو 11: 1). ولُقِّبتْ بالمجدليَّة (لو 8: 2). مرَّة أولى مسحت (يسوع) في بيت سمعان الفرِّيسيّ، وحين دمدم الفرِّيسيّ (لو 7: 39) لامه ربُّنا وغفر لها خطاياها (آ47). وهي التي تمثَّلها الإنجيليّ بسبعة شياطين (لو 8: 2). وحين اقترب (يسوع) من الآلام، مسحته أيضًا فرمزت إلى دفنه (ܩܒܘܪܬܗ). فوبَّخها يهوذا (يو 12: 3-7) وذكر يوحنّا (آ3) أيضًا مسح الرجلين. بما أنَّ (الأمور) هنا قليلة، على كلِّ إنسان أن يتقبَّل (الخبر) كما يرتئي.
5-     الخامس، قال مرقس (14: 1) : قال يسوع لتلاميذه: تعلمون أنَّه بعد يومين يكون الفصح. وهكذا أيضًا قال متّى (26: 2). أمّا يوحنّا فقال: ستَّة أيَّام قبل الفصح، أتى يسوع إلى بيت عنيا (12: 1). ووحده قال: السبت الذي قبل أحد الأوشعنا.
ولكن لا تعارض في هذه. فربُّنا أكل الفصح في فجر الجمعة وأتى إلى بيت عنيا يوم السبت. فمن السبت الذي فيه أتى إلى بيت عنيا حتّى فجر الجمعة كانت ستَّة أيَّام. هذا هو العدد الذي وضعه يوحنّا في كتابه. ولكنَّ متّى ومرقس قالا عددًا آخر ̤ لأنَّهم كانوا يحفظون ثلاثة أيَّام إكرامًا للعيد، من قبله وثلاثة أيَّام بعده، قالا اثنين هما الأحد والاثنين. وأمّا الثلاثاء فيكون البداية. كان هناك سبعة أيَّام العيد، وكانوا يستعملون (هذه العادة) في العدد. ذاك ما عمل متّى ومرقس في صعود ربِّنا إلى الجبل مع بيت سمعان وتبدَّل أمام عيونهم. إذ قال متّى: بعد ستَّة أيَّام (17: 1)، قال لوقا: ثمانية أيَّام تقريبًا (9: 28). وهكذا هنا أيضًا ̤ إذ وضع يوحنّا عدد (ثمانية) أيَّام حتّى يوم الفصح، دعاه متّى ومرقس الفصح منذ بداية أسبوع العيد.
وبالنسبة إلى الفصح، هناك من يقول: صنع ربُّنا (الفصح) في يوم الفصح الناموسيّ عينه. وهناك من قال: في اليوم الذي قبله. أمّا هؤلاء الذي قالوا: ليس في اليوم عينه، فقد عادوا إلى ما قيل: هم لم يدخلوا إلى دار الولاية لئلاَّ يتنجَّسوا قبل أن يأكلوا الفصح (يو 18: 28). وبما قال يوحنّا: قبل عيد الفصح (13: 1)، ولكن يجب أن نبحث في هذا: كيف يستطيع ربُّنا أن يذبح الفصح قبل يومه؟ فلو فعل، لكانوا اتَّهموه بقوَّة. ولو فعل، لما كانوا احتاجوا إلى اتِّهام آخر. أن لا يتنجَّسوا قبل أن يأكلوا الفصح، فهذا ما قاله عن اليوم السيِّديّ للفصح، بل عن كلِّ الأسبوع الذي أمروا أن يكونوا فيه مقدَّسين منقَّين.
6-     السادس، في صياح الديك، قال متّى (26: 34): قبل أن يصيح الديك ثلاث مرَّات، تنكرني. وقال مرقس (14: 30): قبل أن يصيح الديك مرَّتين تنكرني ثلاث مرَّات. وهذه أيضًا إذ نظنُّها متعارضة إلاَّ أنَّها جدّ متوافقة. فكما قال مرقس: قبل أن يصيح الديك مرَّتين، كان بطرس قد أنكر ثلاث مرَّات (كما يقول متّى). فبحسب ما يقول متّى بدأ بطرس فكفر ثلاث مرَّات، وعندئذٍ صاح الديك للمرَّة الثانية، الأولى قبل نكرانه (الأوَّل) (مت 26: 69)، والثانية بعد سؤال الخادمة (آ72، ܥܠܝܡܬܐ) ومرَّة بعد نكران المرَّة الثالثة وسؤال الذين أمسكوه (آ74). يبدو أنَّه في المرَّة الأولى لم يكن صياح الديك طبيعيًّا. ولكن لكي يوبِّخ بطرس.
ونلاحظ أيضًا أنَّ يوحنّا الإنجيليّ قال إنَّ بطرس أنكر في بيت حنان حين خرج ربُّنا ليمضي إلى بيت قيافا وهو مقيَّد (يو 18: 24-25). فنظر (يسوع) إلى سمعان الذي تذكَّر وبكى (لو 22: 61-62).
7-    السابع، قال لوقا: إنَّ هيرودس ألبسه (أي يسوع) ثيابًا لمّاعة وأرسله إلى بيلاطس (23: 11). وقال مرقس: ألبسه قميص أرجوان (15: 17).
8-     الثامن، قال يوحنّا: خرج وهو حامل صليبه (19: 17). والآخرون: سخَّروا سمعان القيروانيّ ليحمل صليبه. الأمران حصلا. أوَّلاً، حين الخروج من دار الولاية حمل هو صليبه. وبعد أن خرج إلى الخارج التقوا بسمعان وسخَّروه.
9-     التاسع، قال مرقس: وهبوا له ليشرب خمرًا مخلوطًا بالمرّ (15: 23). أمّا متّى فقال: خلاًَّ (27: 34). الأمران حصلا وكلُّ واحد منهما تكلَّم عن واحد.
10-     العاشر، على زمن ووقت قيامته. فإنَّ يوليان الشرِّير اتَّهم الإنجيليِّين هنا كما في جميع الأمور وقال: لم تتَّفق أقوالهم بعضها مع بعض حول الأوقات والساعات. فمتّى (28: 1) قال: في السبت مساء، حين أطلَّ الأحد، أتَين يرين القبر. لوقا (24: 1): في الأحد وبعدُ ظلمة، أتين إلى القبر. وقال يوحنّا (20: 1): في الأحد أتت مريم المجدليَّة. ومرقس (16: 2): في سحَر الأحد أتين إلى القبر إذ أشرقت الشمس.
فلو عرف يوليان الضالّ أنَّ جميع البشر لا يمتلكون في مساواة رأيًا (واحدًا) حول بداية الأيّام، بل إنَّ من يحسب من المساء الذي هو البداية، ومن (يحسب) من الصباح كما يحسب الأرمن كلُّهم، لما أتى إلى هذه الضلالة. فكما يبدو، تمسَّك متّى الطوباويّ بعادة الأرمن. لهذا قال على ليل الأحد: إنَّه السبت. أمّا مرقس ورفاقه فحسبوا الأحد كما نحن نَعُدُّ.
وأمر آخر. لو أنَّهم كلَّهم لم يكتبوا بالتساوي عن القيامة أنَّها حصلت، أو على يوم ليس هو هو، أو لو أنَّهم ما قالوا كلُّهم بالتساوي على أنَّ النساء أتين إلى القبر، لربَّما شكَّ إنسان. ولكن جميع الإنجيليِّين كتبوا عن اليوم وعن النساء، ونجد في أقوالهم اتِّفاقًا كبيرًا إن تفحَّصها الإنسان باهتمام. فعادة الكتاب (المقدَّس) أن لا يدعو المساء والصباح بداية الليل والنهار، بل الأزمنة ذاتها كما يشهد موسى: كان مساء وكان صباح يوم واحد (تك 1: 5). فإنَّ ظنَّ إنسان أنَّ الإنجيليِّين دعوا هنا زمن المساء والصباح فليعرف هنا أيضًا أنَّ عادة الكتاب أن تسمِّي الجزء، الشيء كلَّه، كما قال داود: إليك يأتي كلُّ بشر (مز 65: 2) وهنا أيضًا هكذا بالقسم يسمِّي الكلّ، أي الليل والنهار. وهذا ما قال لوقا: في المساء وكان بعدُ ظلام. وهذا ما قال يوحنّا: في الصباح وبعدُ ظلام. كلُّ هذا يمتلك مفهومًا واحدًا. فنحن ندعو الصباح الزمن الذي يسبق شروق الشمس، حين يبدأ النور ينجلي (ويبقى) بعدُ ظلامُ قليل. قال (متّى): إذ أطلَّ الأحد، فدلَّ أنَّ في هذا الليل بدأ نهار الأحد، لا بداية السبت.
وإذ نال اللوم هؤلاء الضالّون يلجأون إلى كلمة مرقس: أتين في السحر إذ أشرقت الشمس (21: 2). ما فهموا أنَّ عادة الكتاب هي أن يمزج ويخلط مفهومين في قول واحد عبارة: «حين أشرقت الشمس» التحمت بما يلي. قال: في الصباح أتين. وعبارة «حين أشرقت» أعلنت أشياء أخرى عُملَتْ إذ سكتت فما قالت عن هذه التي عُملَت في الوسط: مضَين إلى سمعان ويوحنّا (يو 20: 2) وبقيَّة ما كتب يوحنّا حتّى «أتين ثمَّ مضين» (آ4-9). وإذ شرعت مريم قائمة تبكي (آ11)، وجب أن تشرق الشمس ويبدأ النهار. إذًا ما كذب مرقس حين تكلَّم عن وقتين وكلُّ واحد منهما تمَّ.
ذكر يوحنّا مريم المجدليَّة وترك (النساء) الأخريات اللواتي تكلَّم عنهنَّ رفاقه. فترتيب الأمور فرض عليه أن يفعل هذا. حين (النساء) الأخريات لم يجدن الجسد، عدن أدراجهنَّ. أمّا مريم فما استطاعت أن تنثني بسبب الألم العميق، بل مضت وأخبرت التلاميذ أنَّ الجسد ليس في القبر لأنَّها فكَّرت أنَّها باهتمامهم تستطيع أن تجده. فكَّرت أنَّ إنسانًا آخر نقله (أي الجسد) إلى مكان ما. ولمّا أتت معهما إلى القبر وما وجدته، عادا هما، وهنا أيضًا ما اقتنعت أن تنثني، بحيث إنَّها استحقَّت أن ترى ربَّنا بعد أن قام. إذًا، صنع هذا يوحنّا بعد أن أجبره ترتيب الأمور أن يعمل ما عمل. أمّا النساء الأخريات فمضينَ معها من قبْل وبعد ذلك تركْنَها، فما فكَّر أن يعرض ذلك، لأنَّ هدفه كان أن يروي بترتيب ما حصل وأن يشير إلى حبِّ مريم.
قلن في نفوسهنَّ: من يدحرج لنا الحجر عن الباب؟ (مر 16: 3). ونظرن فرأين ملاكًا جالسًا عن اليمين (آ5)، كآية عن عظمة ذاك الذي قام. أمّا مريم المجدليَّة فكانت أخت لعازر (يو 11: 1) وهي التي أخرج منها ربُّنا سبعة شياطين (لو 8: 2). عن مريم أمِّ يعقوب الصغير ويوسي (مر 15: 40)، هناك من قال إنَّها أمُّ ربِّنا بسبب خطبتها مع يوسف. وكما أنَّ ربَّنا دُعيَ ابن يوسف، كذلك أبناء يوسف لُقِّبوا أبناء مريم وإخوة ربِّنا. ولكن هناك من قال إنَّ مريم هذه هي زوجة كلاوبا أخي يوسف وإنَّ يعقوب ويوسي كانا ابنيها، لهذا قال مرقس: يعقوب الصغير ليميِّزه عن يعقوب أخي ربِّنا. ولكن لا يبدو أنَّه لأجل ذلك دُعيَ الصغير لأنَّ يعقوب هو أخو ربِّنا، ولكن بسبب يعقوب بن زبدى. وليست أيضًا المرأة التي اسمها مريم هي التي أخذها يوسف وكان أبناؤها يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا. ولا ما يُقال شرًّا إنَّه بعد ولادة ربِّنا، أخذ يوسف مريم وولدت له هؤلاء الأبناء وإلاَّ كيف يوكل بها يوحنّا في رفقة صليبه ولها قال: يا امرأة، ها هو ابنك (يو 19: 26).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM