الفصل الثالث:الأسئلة والأجوبة في انجيل متى

الفصل الثالث
الأسئلة والأجوبة في انجيل متى

هناك تقليد قديم حافظت عليه الكنيسة على مدِّ عصورها، أمّا نحن فنكتفي بما تركه لنا تيودور بركوني، ذاك الراهب الذي عاش في القرن السابع وكتب لإخوته الرهبان. نتذكَّر هنا أنَّ تيودور ترك لنا الدريسات Scolies التي جاءت في أحد عشر كتابًا (أو: ميمرًا، مقالاً) والكتاب السابع يتحدَّث عن الأناجيل.
أمّا السؤال الأوَّل فهو: الميمر السابع الذي هو السبب الذي دعا متّى الطوباويّ لأن يسلِّم في كتاب كرازة الإنجيل.
إذًا، بعد أن بيَّنَّا بإيجاز، في الميمر السابق، معنى القوانين المستقيمة التي تُفيد في تكوُّن وتعليم المبتدئين، والتي تحمل في الوقت عينه الصورة وإيقونة الكلام المعتاد والكتب الإلهيَّة، ننطلق منذ الآن بحسب وعدنا في السابق وندخل في فردوس (العهد) الجديد لكي نستطيع أن نأكل من شجرة الحياة التي حُرم منها آدم. بعد أن تجرَّأ وسرق من الشجرة التي مُنع منها. وبحسب الترتيب نقرع باب متّى، لا كأنَّه عشّار، بل لكي نقبل مثله الحلَّ من الذنوب والانتقال نحو (الأعمال) الصالحة (أو: الصالحات). ونبيِّن قبل كلِّ شيء ما هو السبب الذي دفع الرسول أن يفعل هذا: تشتُّت الرسل من اليهوديَّة الذي كانت بدايته رجم إسطفانس. ولهذا حين رأى المؤمنون أنَّهم سوف ينفصلون عن الرسل، طلبوا من متّى الطوباويّ أن يسلِّم إليهم في كتاب كلَّ ما قاله ربُّنا وعمله.
السؤال الثاني: أيَّ نهج (ܢܝܫܐ) استعمله في كتابة الإنجيل؟
ما كتبه بحسب [الترتيب] الذي فيه تكلَّم ربُّنا وعمل، بل في نهج آخر من التعليم ذاك الذي به ظنَّ أنَّ الأمور تلتحم بعضها ببعض بحيث تكون نسيجًا واحدًا جميلاً من التعليم. ولهذا ما استعمل الترتيب الذي فيه تكلَّم ربُّنا وعمل. وما قال في البداية ما كان في البداية، وفي النهاية ما كان بعد ذلك، بل أعدَّ لها تأليفًا (تركيبًا، ܪܘܟܒܐ) آخر.
وهذا ما يقدر الإنسان أن يتعلَّمه من أقوال الإنجيليِّين الآخرين، وخصوصًا من الطوباويّ يوحنّا الذي، إذ أراد هو أيضًا أن يسلِّم في كتاب تلك التي نقصت من الإنجيليِّين الآخرين. اهتمَّ اهتمامًا عظيمًا بأن يضع الأقوال والأعمال بالترتيب عينه الذي فيه قيلت أو عُملت من قبل ربِّنا. ولهذا يُرى مرارًا وهو يضع هذه قبل تلك، مع أنَّه ترك هو أيضًا أمورًا كثيرة قالها رفاقه.
فها هو متّى الطوباويّ يضع كلمات الصلاة بعد الكلمات المتعلِّقة بالرحمة مقابل الوصايا التي وضعها الناموس (أو: الشريعة). أمّا لوقا الطوباويّ فتصرَّف بشكل آخر حين وضعها. قال: «إذ كان يسوع مرَّة يصلِّي، ولمّا أنهى صلاته اقترب تلميذ من تلاميذه وقال له: يا معلِّمنا، علِّمنا أن نصلِّي» (لو 1: 1-4). وهو سلَّمهم الصلاة التي هي أبانا الذي في السماوات.
هي عادة أخرى لدى متّى، فهو يضع أقوال ربِّنا في عريها، وبدون إضافة من عنده.
وتتوالى الأسئلة: لماذا شدَّدت الأناجيلُ الإزائيَّة على الناسوت في المسيح على حساب اللاهوت؟ ثمَّ ما هي بداية الإنجيل؟ (الجواب): معموديَّة الربّ. ونأتي إلى أسئلة تتعلَّق بأناجيل الطفولة عند متّى (ف 1-2).
السؤال الخامس: لماذا متّى في رأس كتابه لم يَقُل عن المسيح إنَّه ابن يوسف أو ابن مريم، بل ابن داود، ابن إبراهيم؟
كانت المواعيد من قبلُ لإبراهيم: «في زرعه (أو: زرعك) تتبارك كلُّ الشعوب (أو: الأمم)» (تك 22: 18). وفي الأخير تجدَّدت لداود: «زرعه يكون إلى الأبد، فيقيم عرشه مثل الشمس» (مز 89: 37). إذ أراد الإنجيليّ أن يبيِّن أنَّ مواعيد الله تمَّت للأبرار بتدبير المسيح، سبق فرسم أسماء الآباء في رأس كتابته لكي يوبِّخ المعارضين ويشجِّع المؤمنين.
بالنسبة إلى بعض الناس، ذاك كان سؤال، كما قال المفسِّر (تيودور المصيصيّ) الطوباويّ: لماذا وُضع داود أوَّلاً ثمَّ إبراهيم؟ ولكن لا فرق في شيء أن يضع هذا قبل ذاك، لأنَّ الإنجيليّ لا يقول: المسيح ابن داود الذي هو ابن إبراهيم، بل المسيح ابن داود. ثمَّ داود ابن إبراهيم، وهذا إن يكن هو ابن الاثنين.
السؤال السادس: لماذا ترك الإنجيليّ النساء الفاضلات، سارة ورفقة، وذكر تامار وراحاب وراعوت وامرأة أوريّا الحثِّيّ؟
حُرِّم على اليهود الاختلاط بالأمم (أو: الشعوب) اللامختونة (الغرلة، ܥܘܪܠܐ)، ولهذا افتخروا وكأنَّ كلَّ برٍّ اكتمل بهذا. وإذ أراد متّى الطوباويّ أن يوبِّخ بلادة فكرهم ويعلِّمهم أنَّه ليست العشيرة هي الموقَّرة بل الوجدان الذي يخاف الله، اهتمَّ حالاً ومنذ البدء أن يبيِّن في ما يخصُّ داود الطوباويّ (المحسوب) عظيمًا فيما بينهم أنَّ نسله (ܓܢܣܗ) جرى من نسب بلا ناموس.
فتامار كانت من الأمم، وكانت كنَّة يهوذا، والحمو ما فقه أنَّه تجامع مع كنَّته.
وراعوت كانت موآبيَّة (را 1: 4). وقد تقرَّر أنَّ العمونيِّين والموآبيِّين لا يدخلون في جماعة الربِّ إلى الأبد (تث 23: 3).
وراحاب أيضًا كانت من الأمم. ومع أنَّ وجهها (أو: شخصها) لم يكن معروفًا بدقَّة في الكتب، هناك من يقول بأنَّها كانت الزانية التي استقبلت الجواسيس في أريحا (يش 2: 1). وداود أيضًا ذكرها، قال: «أذكرُ رحب وبابل، معارفي». أي انظر! ليس كما صنعت راحاب تجاه أبناء شعبنا. صنعت بابل التي إليها سُبينا، قيل إنَّه في الكتب العتيقة كُتب «رحوب» بدل «راحاب». قال العبريّ ܝܡ̈ܐ (اليم، البحر) بدل راحاب، وسمّى بابل «البحر». ولكن هذه تكفي بالنسبة إلى راحاب. أمّا بتشابع مع أنَّها كانت حقًّا خاطئة، إلاَّ أنَّ داود تجامع معها في البدء خارجًا عن الناموس (2 صم 11-22). وها منها وُلد سليمان الحكيم (2 صم 12: 24).
إذًا حين ذكر متّى الطوباويّ هذه (الأمور)، أخجل اليهود المتشامخين بأنَّهم من عشيرة بيت إبراهيم، وإذ فرغوا من التدابير (الصالحة) اغتاظوا من دخول الأمم إلى البيتوتة الإلهيَّة.
تستحقُّ الضحك كلمةُ هؤلاء الذين تركوا الحقيقة وتمسَّكوا بالكذب، وأرادوا أن يفسِّروا تفاسير جديدة في هذا الموضع. جبلوا (استنبطوا) وأقاموا رمزًا وشرحوا كأنَّ «تامار» دعَت ربَّنا إليها: «ܬܐ ܡܪܝ (تعال ربِّي) اسكن فيَّ! «وراحاب» على أنَّها ܚܒܪܘܬܐ (رفيقة) الشعب مع الشعوب و«راعوت» على أنَّها ܬܪܥܘܬܐ (المصالحة).
السؤال السابع: لماذا ترك متّى ثلاثة أجيال في سلسلة الملوك: أحزيا، يوآش، أمصيا؟ ما تركهم الإنجيليّ، حتّى لا بسبب شرِّ آبائهم، كما ظنَّ أناس: تُرك أحزيا لأنَّه كان ختن (عريس) بيت أخاب (2 مل 8: 27). ويوآش لأنَّه كان ابن هذا (2 مل 11: 12). وأمصيا أيضًا على أنَّه ابن يوآش (2 مل 14: 1). ولكن هو خطأ من الكاتب (الذي نسخ) حسب كلمة الطوباويّ المفسِّر (أي تيودور): ساعة وجب أن يكتب أحزيا بعد يورام. اختلف الاسم وكتب عزيّا بسبب الشبه وقرابة الاسم.
وهدف الإنجيليّ أيضًا لم يكن أن يذكر الأموات فقط. فهكذا وجب عليه أن يترك يورام قبلهم كلِّهم، لأنَّه اتَّخذ امرأة آثمة (عثليا) (2 مل 8: 14)، لا ذاك الذي وُلد منه. فالذي يُولد ليس له أن يختار من أيِّ أبوين (يريد) أن يُولَد.
وما صنع هذا أيضًا ليستقيم عدد 14 جيلاً، من داود إلى جلاء بابل. فها من جلاء بابل إلى المسيح كان 13 جيلاً، ولا يُمنَع أن نقول 14 (جيلاً)، لأنَّ حساب العدد في توزيع الأجيال إلى ثلاثة أقسام ما كان يهمُّه. ولكنَّ هذا كان خطأ (الكاتب) كما قلنا.
ومن الجنون أن يأتي بعضُ الناس إلى الوسط بثرثارين ليقولوا: هو الإنجيليّ ترك هذه الأجيال مردِّدين روايات بليدة. ولكن أظنُّ أن ليس الوقت الآن بأن نردَّ لأنَّنا نحتفظ بالردِّ عليهم إلى الوقت اللازم.
هي جملة أسئلة طُرحَتْ وتُطرَح إلى الآن. وها نحن ننتقل إلى مت 2 مع كلام عن المجوس.
السؤال الخامس عشر: ما هو سبب مجيء المجوس؟
بعض الناس فكَّروا أنَّ تعليم المجوس صادق، لأنَّه في زمن ميلاد ربِّنا، تبيَّن بواسطة نجم (كوكب) للذين تمرَّسوا في هذا الفنّ. ولكنَّهم ضلُّوا كثيرًا عن الحقيقة. أوَّلاً، ما كان هذا الذي تراءى نجمًا طبيعيًّا، بل شبه نجم. وهذا واضح بأنَّه لم يكن يجري بشكل مستقيم، بل من المشرق إلى الجنوب. ولأنَّه اختفى حين بلغ إلى أورشليم بحيث إنَّهم سألوا، ومن سؤالهم كرزَتْ ولادةُ المسيح. ولأنَّ هذا (النجم) كان يتراءى لهم في الليل وفي النهار.
وأيضًا الملوك الذين يولدون بحسب النجوم (أو الكواكب)، بحسب بلبلة الكلدائيِّين، يتثبَّت سلطانهم بالحرب وإراقة الدماء، وبغنى كثير فيُبرزون مُلكهم. أمّا لدى ربِّنا فعكس كلِّ هذا: المغارة، المذود، مريم، يوسف، وفي النهاية اثنا عشر تلميذًا أُمروا بأن يحتملوا الشرور، لا بأن يحمِّلوا الشرور للآخرين. وغناه هذا كان بأنَّه لم يكن له موضع يُسند إليه رأسه (مت 8: 20؛ لو 9: 58).
وأيضًا لم يكن فنُّ الكلدائيِّين يقيم موضع الولادة بنجم واحد، بل من سبعة هي التي ندعوها السيّارة، ومن اثني عشر هي صور البروج...
أن يكون بشَّر بمولده للغرباء قبل أهل البيت، فهذا أوَّلاً لأنَّ العدوَّ يكون صادقًا حين يشهد الحقيقة على معاديه. وثانيًا، لكي يوبِّخ اليهود. فإذ هم كانوا نائمين في ثقل الأمور المشينة، أسرعت الأمم والخلائق (أو: البرايا) لمقابلة المسيح.
وكان حسنًا أن يجتذب المجوس بواسطة نجم اعتادوا عليه، وبأن يصطادهم. هذا يُشبه ما صنع لبلعام (عد 24: 17).
الهدايا التي أخذوا للسجود له، هي حكمة التدبير: الذهب كما للملك. المرّ، علامة موته. اللبان (أو: البخور) تبيانًا للاهوته. ما أبلد الناس الذين يقولون إنَّ التقادم التي قدَّمها المجوس لربِّنا كان آدم قد وضعها في مغارة الكنوز، وأنَّه أمر شيتًا ابنه بأن ينقلها، لكي ينقلها المجوس حين يظهر المسيح، لإكرامه. وأبلد من هذا من يقول إنَّ المجوس أتوا من شبأ. ويثبتون هذا: «ملوك شبأ وسبأ يقرِّبون القرابين» (مز 72: 10). وقالوا: في زمن نبوخذ نصَّر أتى أناس من شبأ ليتعلَّموا لسان الكلدانيِّين. فقيل لهم: كُتب أنَّه حين يُولَد المسيح، يَسجد له بالقرابين ملوك شبأ. ولهذا، قيل، حين سمعوا أنَّه وُلد أتوا للسجود له، وتراءى النجم للمجوس مع مولد ربِّنا.
أن يكون هيرودس أمر بأن يُقتَل الصبيان بعد سنتين وما دون (مت 2: 16)، لا يعني أنَّ المجوس احتاجوا إلى وقت طويل ليسيروا في الطريق، ولكن حصل أنَّهم تاهوا (أو: تأخَّروا) في موضعهم أو في الطريق. وأيضًا هو ما أمر بأن يُقتَل الأطفال ساعة التقى بالمجوس، بل مرَّ زمنٌ في الوسط وانتظر أن يأتيه منهم خبر.
وهي بلادة أن نقول: كان ربُّنا سبب قتل الأولاد. فهكذا يُحرَّر هيجان هيرودس من الملامة، مع أنَّ شرَّ هيرودس هو الذي ذبح الأولاد. ولكن لأنَّهم ماتوا من أجل المسيح فسوف ينعمون بالملكوت وإن هم لم يتعبوا. وهذا الشرِّير نال من ذلك الوقت عربون الحكم الآتي. فهذا كتب يوسيفس في شأنه: سقط في مرض آكل: الدود، كآبة الروح، واهتراء العضو التناسليّ. وإذ جعلوا عليه الحرارة والزيت انقلبت عيناه وعادوا به إلى أريحا. فخرج شقيًّا من العالم بعد أن قتل امرأته وأبناءه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM