الفصل الثاني:المواعظ في انجيل متى

الفصل الثاني
المواعظ في انجيل متى

سبق لنا وتحدَّثنا عن مواعظ الذهبيّ الفم حول متّى، التي انتقلت إلى السريانيَّة. وها نحن بعد أن نذكر عظة حول صلاة الأبانا، نقدِّم شاعرَين، واحدًا من الكنيسة الشرقيَّة، هو نرساي، وآخر من الكنيسة الغربيَّة هو يعقوب السروجيّ. هذان الاثنان شرحا المقاطع الكتابيَّة قبل تطبيقها على حياة الشعب، في أسلوب شيِّق يجتذب المؤمنين إلى السماع.
6: 9    فصلُّوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات...
انظر كيف يدفع السامع ويذكِّره بسخاء الله. لأنَّ من يدعو الله أبًا، يكتشف في هذا اللقب أنَّ خطاياه غُفرَت، وأنَّه صار أخًا للمولود الجديد. وأضاف: الروح القدس. فلا يمكن للإنسان أن يدعو الله أبًا إلاَّ إذا سبق له وحصل على البركات.
الذي في السماوات. هذا لا يعني أنَّنا نحصر الله هناك، بل هو يسوع ينتزع المؤمن من على الأرض ويثبِّته في الأماكن السماويَّة وفي الديار العلويَّة.
ويعلِّمنا ربُّنا أن تكون صلاتنا مشتركة، لا فرديَّة. فنذكر إخوتنا. فهو لا يقول: أبي الذي في السماوات، بل أبانا. وهكذا يقدِّم توسُّله من أجل الجسد المشترك. فالمصلّي لا ينظر إلى مصلحته الخاصَّة، بل إلى مصلحة قريبه. وهكذا يُبعد الكراهية، ويقمع الكبرياء ويطرد الحسد... ويَقضي على التفاوت، ويُظهر المقدار الذي تصل إليه المساواة بين الملك والفقير.
ليتقدَّس اسمك. من يدعو الله أباه، يجدر به في صلاته أن لا يطلب شيئًا قبل مجد أبيه. فكلُّ شيء يبقى في الدرجة الثانية بالنسبة إلى عمل التمجيد. لأنَّ ليتقدَّس يعني: يتمجَّد. لقد أمر الربُّ مَن يصلِّي أن يطلب أيضًا تمجيد الآب في حياته. قال: «ليضئ نوركم هكذا قدَّام الناس فيروا أعمالكم الصالحة ويمجِّدوا أباكم الذي في السماء» (مت 5: 16).
6: 10    ليأتِ ملكوتك، لتكن مشيئتك...
هذه أيضًا لغة الابن، الذي لا يُخدَع بالأمور المنظورة، ولا يَحسب الأمور الحاضرة شيئًا عظيمًا. فالمطلوب أن نسرع إلى أبينا ونتوق إلى الأمور الآتية، العتيدة. وكلُّ هذا ينبع من ضمير مستقيم ونفس تحرَّرت من أمور الأرض. هذا ما كان يتوق إليه بولس كلَّ يوم. قال: «نحن الذين لنا باكورة الروح، نئنُّ في أنفسنا منتظرين نعمة التبنِّي وافتداء أجسادنا» (رو 8: 23). فمن امتلك هذا الشوق، لا يتوقَّف عند أمور هذه الحياة، ولا يُتعب نفسه بأحزانها. فهو محرَّر من كلِّ اضطراب وكأنَّه يقيم في السماء.
لتكن مشيئتك. أمرَنا ربُّنا أن نتشوَّق إلى الأمور العتيدة. قال: ينبغي أن تتوقوا إلى السماء والأمور التي في السماء. وهكذا نجعل الأرض سماء. نتحدَّث، نعمل وكأنَّنا لم نَعُد على الأرض. هذا يعني أنَّ هدف صلاتنا لا يكون إلاَّ الربّ. وإذ نحن نسكن على الأرض نفعل وكأنَّنا منذ الآن مقيمون في السماء. فالملائكة لا يطيعون نصف طاعة ولا يعصون نصف عصيان. فهم «المقتدرون الذين يطيعون أمره حين يسمعون صوته» (مز 103: 20). ونحن البشر نصنع مشيئتك يا ربّ ونتمِّم الأمور بحسب إرادتك.
أرأيتم كم علَّمنا أن نكون متواضعين، فأوضح لنا أنَّ الفضيلة لا تكون فقط نتيجة سعينا، بل هي أيضًا ثمرة النعمة الآتية من عَلُ. فهو ما قال: لتكن مشيئتك فيَّ، بل: فينا، في كلِّ مكان على الأرض، في العالم كلِّه. وهكذا يزول الضلال وتُغرَس الحقيقة. يُقصى الشرُّ وتعود الفضيلة، بحيث لن يكون فرق بين ما يُعمَل على الأرض وما يُعمَل في السماء.
6: 11    أعطنا خبزنا اليوم
خبزنا اليوم. أو: الخبز اليوميّ، الذي يكفينا ليوم واحد. هو يطلب الطعام الضروريّ. لا الثروة ولا العيش في الرفاهيَّة ولا في الملابس الثمينة. أمرنا الربُّ أن نجعل صلاتنا فقط من أجل الخبز وحده. قال: «لا تهتمُّوا للغد» (مت 6: 24). لهذا أمرنا أن نقوم «اليوم»، بحيث لا نتعب نفوسنا باهتمامات اليوم التالي. فإن كنتَ لا تعرف أنَّك سترى اليوم التالي، فكيف تهتمُّ له.
6: 12    واغفر لنا ذنوبنا كما غفرنا
كيف نأتي إلى الربِّ ونحن مثقَلون بالخطايا! لهذا نحتاج إلى الطبيب. فلأجل محبَّته لنا يدعونا إليه. انظروا الرحمة الفائقة. فبعد المعموديَّة وغسل التجديد، يحتاج المؤمن المغفرة إن كان خطئ ثانية. فقوانين الكنيسة تدعونا نحن المؤمنين أن نتوسَّل غفران خطايانا. فبعد جرن المعموديَّة نتضرَّع لكي تُغسَل آثامُنا. وإذ نتذكَّر خطايانا يحثُّنا ربُّنا لكي نكون متواضعين. وإذ يأمرنا أن نغفر فهو يحرِّرنا من قيود الحقد والبغضاء. هو يأمرنا ويشدِّد: «إن كنتم تغفرون للناس زلاّتهم، يغفر لكم أبوكم السماويّ زلاّتكم» (6: 14).
نحن نغفر فيُغفر لنا الله. فالحكم الذي يصدر علينا مرتبط بنا. إن غفرتَ لخادمك فسوف تنال الغفران، مع أنَّ غفرانك لا يساوي غفران الله: أنت تغفر لحاجتك لكي يغفر الله لك. أمّا الله فلا يحتاج إلى أحد. أنت تغفر لخادمك، أمّا الله فيغفر لعبده. أنت متَّهم بذنوب لا عدَّ لها، ولكنَّ الله بدون خطيئة.
6: 13    ولا تدخلنا في التجربة، لكن نجِّنا من الشرِّير
يعلِّمنا ربُّنا هنا حقارتنا وينبِّهنا لكي نقمع كبرياءنا واندفاعنا المتسرِّع. لا حاجة للانطلاق إلى القتال، بل ننتظر بهدوء، وعندما نُجَرُّ نصمد ولا نتراخى حين تأتي المعركة. نتحرَّر من الأهواء ومن المجد الباطل وننتظر عمل الروح. يدعو الربُّ الشيطان الشرِّير، يأمرنا أن نشنَّ عليه حربًا لا تهدأ. والشرُّ ليس في الأمور التي نجدها في الطبيعة، بل في تلك التي نضيفها إلى الطبيعة، باختيارنا الذاتيّ. ودُعيَ الشيطان هكذا بصفته، لأنَّ شرَّه عظيم وهو لا يني يحاربنا. لهذا لم يقل: نجِّنا من الأشرار، بل «من الشرِّير». فحربُنا ليست مع الذين حولنا الذين ندعوهم «أشرارًا»، بل مع الشيطان الذي هو السبب الأوَّل لكلِّ ما يصيبنا.
لأنَّ لك المُلك والقوَّة والمجد إلى الأبد. آمين.
طلبنا خبزنا. سألنا غفرانَ خطايانا، وذكَّرنا ربَّنا قبل المعركة بالعدوِّ الذي يتربِّص بنا. ودعانا أن لا نتواني ولا نتكاسل، فشجَّع أرواحنا ورفعها واضعًا أمامنا المُلك الذي ينتظرنا. هذا يعني أنَّنا لا نخاف. فالمُلك لله لا للبشر، ومن يستطيع أن يصمد أمام الله ويقاسمه السلطان. فعندما يقول لأنَّ لك المُلك فهو يضع أمامنا ذاك الذي يشنُّ حربًا ضدَّنا. منذ الآن، أُخضع الشيطان وإن بدا أنَّه ما زال يقاوم، بسماح من الله. ففي الحقيقة، الشيطان هو أيضًا من خدَّام الله، ولا يجرؤ أن يهاجم زملاءه «خدَّام الله» إن لم ينل أذنًا من العلاء. ويقول: والقوَّة. فمهما تكن ضعيفًا، كن واثقًا لأنَّ الحقَّ بجانبك. فالقادر على كلِّ شيء هو بجانبك، ويريد أن ينجز كلَّ شيء بسهولة، بواسطتك.
والمجد إلى الأبد. آمين. فالله لا يعتقك فقط من المخاطر التي تقترب منك، بل بإمكانه أن يجعلك متألِّقًا وممجَّدًا أيضًا. فكما أنَّ قوَّته عظيمة، هكذا لا حدود لمجده اللاموصوف ولا نهاية.
6: 14    فإن كنتم تغفرون للناس...
نحن أولاد الله بالنعمة. ولكن نكون بأعمالنا أيضًا. فلا شيء يجعلنا نتشبَّه بالله إلاَّ إذا كنّا مستعدِّين أن نسامح فاعلي الشرِّ والخطيئة. لهذا السبب نفسه، يأمرنا الربُّ أيضًا أن نجعل صلواتنا مشتركة. «أبانا». «لتكن مشيئتك في السماء كما على الأرض». «اغفر لنا». «لا تدخلنا في تجربة». «نجِّنا». وهكذا يأمرنا دومًا بأن نستعمل صيغة الجمع لئلاَّ يبقى فينا أيُّ أثر للغضب ضدَّ قريبنا.
فكم يكون قاسيًا العقاب الذي يستحقُّه أولئك الذين يطلبون إلى الله أن يثأر لأعدائهم، بعد مثل هذه الصلاة! فبما أنَّ المحبَّة هي في أصل كلِّ خير، فإنَّ ربَّنا يُزيل كلَّ ما يُفسدها. ثمَّ يجمعنا معًا بل يلصقنا الواحد بالآخر. فلا أحد، لا أبَ ولا أمّ ولا صديق أحبَّنا مثل الله الذي خلقنا!
*  *  *
وننتقل من العالم اليونانيّ إلى الكنيسة المشرقيَّة مع نرساي، الذي وُلد في شمال العراق، في قرية عين دلبي (أدلب)، سنة 399 (؟) كما يقول التاريخ السعرديّ. تعلَّم في الرها، وإن هو تنقَّل إلى هنا وهناك، فما زال يحنُّ إلى الرها. حسَب عبديشوع الصوباويّ، ترك نرساي الشروح في الكتاب المقدَّس، أمّا نحن فنذكر بعض الأشعار من ميمر حول العذارى العشر، والعنوان المثل كما في الإنجيل.
25    بين استعارات رسمتَها أنتَ، سلكتُ أنا
فنصحني فكري أن أطلب قوَّة الوعظ التي فيها.
«يشبه ملكوت السماء عشر عذارى،
انتظرن بالمصابيح لقاء الختن (السماويّ).
خمسٌ منهنَّ حكيمات في مخافة الحقيقة،
30    وخمس جاهلات في ما ينبغي للكمال.
أخذت الحكيمات زيتًا مع المصابيح،
وما تنبَّهت الجاهلاتُ فما أخذن زيتًا.
مرَّ الوقتُ وتأخَّر الختن عن الجييء،
وتغلَّب النعاسُ فنامت (العذارى) العشر».
35    وقال: «في نصف الليل، زعق صوتُ البوق،
فبشَّر بمجيء الختن السماويّ.
فقامت الحكيمات وهيَّأن المصابيح،
ليستقبلن بالنور عريسًا يحلُّ في النور».
في الحال قامت معًا، الجاهلات والحكيمات،
40    كنَّ متساويات، ولكن ما تساوينَ في التساوي الواحد.
نقص الزيت في مصابيح الجاهلات،
فشرعن يسألن رفيقاتهنَّ إحسانًا ونعمة.
فأجابت المستعدّات: «لا يكفينا ويكفيكنَّ.
فاذهبن إلى مَن يبيعكنَّ، إن أمكن البيع».
45    «سمعن ومضين يشترين زيتًا لا يُشترى،
فأتى العريس ودخلت المستعدَّات، وهنَّ (= الجاهلات) ما دخلن».
خارج الباب لبثْن، بعد أن أغفلن الواجب،
وشرعن يقرعن ويتَّكلن على سلوكهنَّ:
«افتح لنا، ربَّنا، باب العذوبة في ملكوتك،
50    فندخل لنأخذ أجر أعمالنا في البتوليَّة».
فأجاب صوت الختن: «لا أعرفكنَّ،
وما اقتنعتُ يومًا ببتوليَّة حفظتنَّ لي».
*  *  *
قصائد يعقوب السروجيّ 763 قصيدة، أوَّلها في مركبة حزقيال، و«الأخيرة في العذراء القديسة»، كما قال ألبير أبونا في أدب اللغة الأراميَّة (ص 196-197). هذا الشاعر الغزير الذي بلغت قصائده المئات وتعدَّى بعضها الألف، وُلد حوالى سنة 451، وتوفِّي في 29 تشرين الثاني سنة 521. ألَّف في أسفار العهد القديم والعهد الجديد، ونحن نختار بعض عظته في شرح مثل الوزنات (مت 25: 14-30). قصيدة تتألَّف من 550 بيتًا. بعد المقدِّمة، يرد المثل:
65    كُتب في البشارة: قال ربُّنا وهو يعلِّم
كان رجلٌ غنيٌّ وصاحبُ أموال
طلب أن يسافر فدعا عبيده ووهبهم وزنات
خمس وزنات، وزنتين، وزنة واحدة.
وهب للأوَّل خمسًا، كما سُمع.
70    وللثاني اثنتين وللأخير (وزنة) واحدة.
وهب الحساب وأمرهم وشدَّ (الرحال) في طريقه.
ونبَّههم أنَّه يطلب ما له مع رباه.
ها لكم: اهتمُّوا، اربحوا، اغتنوا إلى أن آتي.
وحين آتي أدعوكم إلى الحساب.
75    بالاستقامة أطلبه من أيديكم
أفعل حتّى الفلس (الأخير) ولا أنساه.
وهبَ في أيديهم، وعلَّمهم، وحذَّرهم،
وشدَّ (الرحال) ومضى كما قالت الكلمة: شدَّ (الرحال)
وشرع العبيد (يتاجرون)، كلُّ واحد منهم كما شاء.
80    دبَّر، أعطى، أقرض، أخذ، حفر، طمر.
أخذ الأوَّل خمس وزنات وخرج واعتنى
عمل، ركض، دبَّر الفضَّة التي وهبها له سيِّده.
والثاني الذي أخذ اثنتين، اجتهد
فجمع الفضَّة التي أخذ مع ربحها.
85    أمّا ذاك التعيس الذي أخذ فقط وزنة واحدة
فمضى وحفر وطمر في الأرض الفضَّة التي أخذ.
وطبَّق السروجيّ المثل: الأوَّل عبد صالح والثاني مثله، أمّا الثالث  فعبد شرِّير.
151    والعبد الشرِّير أخرجوه من هنا إلى موضع الظلام
هناك، حيث البكاء العظيم وصريف الأسنان.
وبعد نظرة لاهوتيَّة إلى دور الابن في الخلاص، بحث الشاعر عن الشخص الذي ينطبق عليه المثل. صاحب الخمس وزنات هو موسى: فالوزنات الخمس هي أسفار التوراة الخمسة المليئة بالأسرار. أخذها موسى وعلَّمها للشعب فصار عظيمًا لأنَّه علَّم وعمل (مت 5: 19). والعبد الثاني هو سمعان. والوزنتان هما جسد ابن الله ودمه. كيف تاجر بهما؟ خلط جسد الابن بجسد البشر ودم الإنسان مزجه بدم الابن، والثالث هو يهوذا.
235    لنسمع الآن من هو ربُّ البيت
ومن هم العبيد وما هي الوزنات التي أخذوا.
من هو العبد الأوَّل الذي أخذ خمس (وزنات)
واستغلَّ الفضَّة التي أتت بألفٍ لربِّ البيت؟
ومن هو العبد الثاني الذي أخذ الوزنتين
240    وركض وتعب وضاعف تجارته مثل الأوَّل؟
ومن هو الذي أخذ الوزنة فدعاه عبدًا تعيسًا
حفر وطمرها فصار طريدًا من بيت سيِّده؟
الله ربُّ العوالم هو السيِّد
وهؤلاء هم العبيد الذين دعاهم ووهب في أيديهم.

245    ذاك الأوَّل الذي أخذ خمسًا هو موسى العظيم
هو الجبّار القويّ الذي تعلَّم أسرار بيت الله.
والوزنات الخمس التي قيل إنَّه أخذها
هي الأسفار الخمسة التي في التوراة، المملوءة أسرارًا.
أخذها من جبل سيناء وخرج وعلَّمها
250    للشعب ليكون شعبًا للربِّ إن (أراد) أن يسمعها.
ركض، جدَّ، تعب، علَّم فصار عظيمًا
كما قيل: من يعلِّم ويعمل يكون عظيمًا
جعله الربُّ عظيمًا للشعب حين علَّمه
ولأنَّه عمل وعلَّم ها قد جُعل عظيمًا في الملكوت.

255    ليأتِ الآن العبد الثاني الذي أخذ وزنتين.
لنرَ من هو وما هما الوزنتان اللتان أخذ.
سمعان الصفا (ܟܐܦܐ) هو العبد الثاني الذي أخذ الوزنتين
وهاتان الوزنتان هما جسد ابن الله ودمه.
أخذ الصادق جسد الابن ودمه الحيّ
260    وخرج ووزَّعه بين الشعوب (أو: الأمم) وتاجر به.
وزنتين اثنتين أخذ الصادقُ، الجسدَ والدم
وتاجر بهما (فربح) جسد الإنسان ونفسه.
جسد الابن خلطه بجسد الإنسان
ودمه الحيّ مزجه بدم الإنسان فنال الحياة.
265    أخذ التاجر غنى غظيمًا وهبه له ربُّه
فخرج ووزَّعه في العالم المحتاج ليغتني منه.
فتح كنزه وبذَرَه مجّانًا لمن يطلبه
فضاعف غلاّته كلَّ يوم بيومه مع فوائدها.
وزَّع غناه وألقى كلمته على المحتاجين:
270    تعالوا أيُّها الناس، خذوا الحياة التي توهَب مجّانًا
مجّانًا أَخذتُ، وأنا مأمور بأن أعطي مجّانًا (مت 10: 8).
فيا من خسرتم كلَّ شيء لا تعذِّبوا نفوسكم وتكونوا محتاجين
هذا هو العبد الذي ما طمر الفضَّة التي وهبها له سيِّده
لكنَّه استغلَّها وتاجر بها وضاعف ربحه.
275    حمل على كتفه الفأس – الصليب، هذا العامل وتعب
وخرج ليفلح الأرض التي خرَّبتها الوثنيَّة.
بنير المسيح كدن نفسه الثورُ الذي تعب
وشرع يقتلع وعر الضلال من الحقول.
.............
لنأتِ يا إخوتي إلى العبد السافل، الكسلان،
ولنرَ من هو وما هي الوزنة التي أخذ
العبد الأخير الذي أخذ الوزنة الواحدة الوحيدة
300    هو يهوذا الماكر الذي سلَّم ربَّه وخنق نفسه.
وفي النهاية، لا بدَّ من حضِّ المؤمنين على التوبة، لأنَّ الدينونة آتية:
385    رعبٌ عظيمٌ ساعة يتحرَّك المَلك ويأتي
فترتعد منه كلُّ الطبائع بأشكالها.
حالَ يفتح ستار السكوت ليخرج إلى الأرض
ترتجف منه أسس الأرض بتخومها.
يسقط الصوت من داخل السكون: أتى الختن.
390    فيقوم العالم بفزع شديد وارتعاب
يفرح الأبرار وقد بلغ يومُ مجازاتهم
ويبكي الأشرار وقد اقتربت الدينونة الفاصلة
يضيء الصالحون أكثر من الشمس بأعمالهم
أمّا صانعو الإثم فيكونون ظلامًا في أفعالهم.
395    يهيَّأ العرش وتجتمع كلُّ القبائل وتقوم (للدينونة)
ويجلس الملك وتقوم قدَّامه الرتب المخيفة.
فيبقى عليهم أن يطلبوا الرحمة
525    في هذا الوقت الذي فيه تكون هذه الأمور من قبل العدالة
أشفقْ يا ابن الصالح، على نفوس نالت بك الخلاص.
اشتريتها بدمك، فأحيها برحمتك (وأقمها) عن يمينك.
فحاشا لمن أكل جسدك أن يتعذَّب في الظلمات
حاشا للجسد الذي أكل جسدك بإيمان
530    أن يكون حصَّة للنار المشتعلة منذ الأزل.
حاشا للنفس التي أَخذت هنا كأس دمك
أن تشرب هناك كأس الآلام، فهي بك خُلِّصت
كما خلَّصتَها من الضلال في يوم دينونتك
خلِّصْها هناك من الهلاك برحمة من لدنك.
535    بالإيمان أخذناك هنا لتكون معنا،
فخُذْنا برحمتك لنحيا هناك مع نعمتك
ها نحن أخذناك عربون حياة، من هنا
لنكون لك في الملكوت ونحيا معك.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM