الفصل التاسع:التاريخ الكهنوتيّ

الفصل التاسع
التاريخ الكهنوتيّ

تضمَّن التاريخ الاشتراعيّ أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك، فنظر إلى الأحداث على ضوء كلام الله، وجعل الملوك والرؤساء خاضعين لما يقوله النبيّ، على مثال ما حصل لداود أمام النبيّ ناتان. أمّا التاريخ الكهنوتيّ فتضمَّن فقط سفري الأخبار ثمَّ سفري عزرا ونحميا. كتبها الكهنة بنو لاوي العائشون في ظلِّ الهيكل بعد العودة من السبي، بل بعد ذلك الوقت بقرنين من الزمن.
ونبدأ بكتاب الأخبار في جزئين من أجل الاستعمال الليتورجيّ، لأنَّه كتاب كبير وهو يقدِّم أوسع تاريخ بين الأسفار المقدَّسة. فإذا كان التاريخ الاشتراعيّ بدأ مع سفر التثنية، فالتاريخ الكهنوتيّ بدأ مع بداية سفر التكوين: «آدم، شيت، أنوش، قينان، مهللئيل، يارد، أخنوخ، متوشالح، لامك، نوح، سام، يافث» (1أخ 1: 1-4). هي البداية البداية، وهو لا ينتهي مع الذهاب إلى السبي مع كلمة الرجاء  التي نقرأها في 2مل 25: 29، حيث يُقال: «غيَّر يوياكين (الملك) ثياب سجنه وبقي يتناول الطعام على مائدة ملك بابل كلَّ أيَّام حياته»، بل ينتهي في سفرَي عزرا ونحميا، في تنظيم الجماعة الضائعة وترتيب الأسفار المقدَّسة بيد الكاهن عزرا ومعاونيه.
في الأصل، كان العنوان: «أقوال (أو: أعمال) الأيَّام»، أي كتاب الأعمال اليوميَّة التي تعني التاريخ. وقال القدِّيس جيروم: «كرونيكة (أو أخبار) كلِّ التاريخ الإلهيّ». وهكذا صار عنوان الكتاب في الترجمات الحديثة، كتاب الكرونيكات أو كتاب الأخبار. أمّا المترجمون اليونان فأعطوه عنوانًا: «أمور لبثت جانبًا» أو لم تُذكر في التاريخ الاشتراعيّ. أو: أمور نُقلت بشكل جانبيّ، فبدت مكمِّلة لأسفار صموئيل والملوك. فمن المعلوم أنَّ سفرَي الأخبار يتضمَّنان الكثير من أسفار صموئيل والملوك مع عناصر أخرى إضافيَّة في منظار تاريخيّ ولاهوتيّ مختلف كلَّ الاختلاف.
*  *  *
نقرأ بداية هذا التاريخ فنحتار (1أخ 1-9). هي سلسلة من الأسماء تبدأ مع آدم فتصل بنا إلى داود، عبورًا بالأسباط الاثني عشر. وبعض المرَّات تتجاوز الأسماءُ عصرَ داود. ما معنى هذه السلسلة؟ الكهنوت يبدأ مع آدم ويتواصل إلى الآن. ولا حاجة إلى الإطالة في الحديث في جوِّ الهيكل. يكفي أن يُذكَر الاسم لكي يعرف الكاهن واللاويّ ماذا يعني. شيت هو الابن الثالث لآدم بعد مقتل هابيل (تك 4: 25). وأنوش؟ هو أوَّل من دعا باسم الربّ (آ26). أسماء وأسماء قد لا تعني لنا الكثير، أمّا بالنسبة إلى المؤمن، فهؤلاء هم آباؤه الذين حملوا إليه الإيمان. والمهمّ في نظر «المؤرِّخ» الوصول إلى شخص داود.
ويتوقَّف القسم الثاني (1أخ 10-29) ويطيل الكلام في مُلك داود حتّى موته، مع إغفال كلِّ ما «يسوِّد» وجه هذا الملك الذي كان بحسب قلب الله.
في 2أخ 1-9 ندخل في مُلك سليمان. وبعد ذلك، حتّى نهاية الكتاب، تاريخ ملوك مملكة يهوذا وحدها دون مملكة إسرائيل، حتّى المنفى إلى بابل، بانتظار العودة إلى أورشليم وتنظيم المؤمنين في سفرَي عزرا ونحميا.
ما يتميَّز به هذا الكتاب هو المواعظ التي تُبرز اللاهوت على مستوى الكلمة، لأنَّ التقليد الكهنوتيّ في الكتاب المقدَّس يهمُّه أن يُبرز دور الكلمة. «قال الله: "ليكن نور" فكان نور» (تك 1: 3). ثمّ: «وقال الله: "ليكن في وسط الماء..." فكان كذلك» (آ6). عشر مرَّات نقرأ: «وقال الله». فالكلمة فاعلة على ما قال مز 33: 9: «قال فكان كلُّ شيء، أمر فصار كلُّ موجود».
حين دعا داود ابنه سليمان لبناء الهيكل، بعد أن جهَّز كلَّ شيء، قال: «وأنتَ يا سليمان ابني، فاعرفْ إله أبيك واعبدْه بقلب سليم ونفسٍ راغبة، لأنَّ الربَّ يفحص جميع القلوب ويتبيَّن الخواطر والأفكار. إذا طلبتَه وجدته، وإن تركته تخلَّى عنك إلى الأبد» (1أخ 28: 9). ويتواصل كلام الموعظة في آ20: «تشدَّد وتشجَّع واعمل. لا تخف ولا ترهب لأنَّ الربَّ إلهي معك. فهو لا يتخلَّى عنك ولا يهملك حتّى تُنهي كلَّ هذا العملَ لخدمة الهيكل».
ونقرأ عظة ألقاها عزريا بن عوديد بعد أن حلَّ عليه روح الربّ (2أخ 15: 1): «اسمعوا لي، يا آسا ويا جميع شعب يهوذا وبنيامين: الربُّ معكم ما دمتُم معه. إن طلبتموه وجدتموه وإن تركتموه ترككم. من زمان طويل كان شعب إسرائيل بلا إله حقّ، وبلا كاهن معلِّم، وبلا شريعة. فلمّا نزل بهم الضيق، رجعوا إلى الربِّ إله إسرائيل وطلبوه فوجدوه» (آ2-4).
ومع الوعظ، هناك الصلوات يرفعها هذا الملك أو ذاك ومنها صلاة داود بعد أن جُمعت التقدمات لبناء الهيكل: «وحمد داود الربَّ أمام جميع الحاضرين وقال: "مبارك أنت أيُّها الربُّ إله إسرائيل أبينا من الأزل وإلى الأبد. لك، يا ربّ، العظمةُ والجبروت والجلال والبهاء والمجد، لأنَّ لك كلَّ ما في السماء والأرض، ولك الـمُلك أيُّها الربُّ والسيادة على الجميع. منك الغنى والكرامة، وأنتَ تملك على كلِّ شيء. في يدك القدرة والجبروت، وأنت تقوِّي كلَّ إنسان وتعظِّمه. فالآن يا إلهنا، نحمدك ولاسمك المجيد نهلِّل"» (1أخ 29: 10-13)؟ وبعد تمجيد الله وتعظيمه، يتحدَّث الملك بتواضع: «ولكن من أنا ومن شعبي حتّى نقدر أن نتبرَّع لك بأيِّ شيء؟ نحن لا شيء. كلُّ شيء منك. وممّا أعطيتنا أعطيناك. وما نحن في هذه الدنيا إلاَّ غرباء ونزلاء كما كان جميع آبائنا، وأيَّامُنا كالظلِّ على الأرض ولا رجاء لنا في البقاء. كلُّ هذه الثروة التي أعددناها، أيُّها الربُّ إلهنا، لنبني هيكلاً لاسمك القدُّوس، من يدك أخذناها وهي كلماتك...» (آ14-16). صلوات من القلب وأناشيد مثل هذا: «احمدوا الربَّ وادعوا باسمه، وفي الشعوب حدِّثوا بأعماله. أنشدوا له ورتِّلوا وتأمَّلوا في جميع عجائبه» (2أخ 16: 8-9). لا عجب في كلِّ ذلك، فنحن أمام الهيكل رمز حضور الله وسط شعبه. فأقلُّ شيء يجعلنا نرفع إليه الصلاة ونتلو الأناشيد.
*  *  *
إذا كان الكثير ممّا في التاريخ الكهنوتيّ وَرد في أسفار أخرى، فلماذا دُوِّن هذا السفر؟ أوَّلاً، ليُبرز أهمِّيَّة ومكانة تاريخ المملكة الداوديَّة. نال شاول فقط فصلاً واحدًا من سفر أخبار الأيَّام الأوَّل (ف 10) وهو الكلام عن موته. وما قيل كلمة عن صراع شاول وداود ولا ما يتعلَّق بحياة داود مع بتشابع أو مع أولاده. بل قُدِّمت صورة مثاليَّة: عاش بحسب مشيئة الله، وسيكون رئيس سلالة تدوم إلى الأبد، وهو من كرَّس حياته ليجعل من أورشليم عاصمة البلاد ومدينة مقدَّسة، وليُعدَّ في أصغر التفاصيل بناء الهيكل وتنظيم شعائر العبادة في هذا الهيكل. في هذا الإطار كانت مقابلة بين موسى وداود: كان كلُّ واحد منهما الرئيس والمشترع من قِبَل الله.
يكفي أن نتذكَّر ما قاله سفر العدد عن فرق الكهنة (ف 4). ونقرأ 1أخ 15: 16-17: «وأمر داود رؤساء اللاويِّين أن يعيِّنوا من أنسبائهم مغنِّين ولاعبين بآلات الغناء، بالقيثارات والرباب والصنوج، لرفْع أصوات الفرح. فاختار اللاويُّون هيمان بن يوئيل... وكان بركيا وألقانة بوّابين لتابوت العهد...» (آ23). وبعد ذلك يروي سفر الأخبار الأوَّل: «وأخذوا تابوت العهد ووضعوه وسط الخيمة التي نصبها له داود، وقدَّموا محرقات وذبائح سلامة أمام الربّ» (16: 1). ثمَّ «أقام داود من اللاويِّين خدَّامًا أمام تابوت العهد، ليذكروا ويحمدوا إله إسرائيل ويسبِّحوه، وذلك بقيادة آساف بالصنوج...» (آ4-5).
والكلام عن سليمان بن داود، يتوقَّف عند بناء الهيكل الذي هيَّأ له داود كلَّ شيء. أمّا تدشين الهيكل فاتَّخذ أبَّهة لا نجدها في سفر الملوك الأول. نقرأ في 2أخ 7: 1-6: «ولمّا أنهى الملك سليمان صلاته، هبطت نارٌ من السماء وأكلت المحرقة والذبائح، وملأ مجدُ الربِّ الهيكل، فلم يقدر الكهنة أن يدخلوه، لأنَّ مجد الربِّ ملأه. وكان جميع بني إسرائيل يشاهدون هبوط النار ومجد الربِّ على الهيكل. فارتموا على وجوههم إلى الأرض، على البلاط، وسجدوا وحمدوا الربَّ، لأنَّه صالح ولأنَّ رحمته إلى الأبد. ثمَّ قدَّم الملك سليمان وجميع الشعب ذبائح للربّ... وهكذا دشَّن الملك وجميعُ الشعب هيكل الله. وكان الكهنة واقفين في مكان خدمتهم، واللاويُّون قبالتهم بآلات الغناء التي عملها داود الملك للتسبيح بحمد الربّ، لأنَّ رحمته إلى الأبد. وكان هؤلاء ينشدون أناشيد الحمد التي كتبها داود. أمّا الكهنة فكانوا ينفخون بالأبواق، وجميعُ إسرائيل واقفون».
حفلة رائعة، مهيبة. آلات الغناء صنعها داود. الأناشيد ألَّفها داود. ثمَّ إنَّ حضورالربِّ لافت، كما كان الأمر مع إيليّا النبيّ حيث نزلت نار من السماء فأكلت المحرقة، وبالتالي من خلال تجلِّيه عبر النار والغمام. ذاك ما حصل خلال حفل التدشين.
*  *  *
فالهيكل وشعائر العبادة هي في قلب اهتمامات المؤرِّخ، بحيث يبدو سفر الأخبار تاريخَ هيكل أورشليم، المدينة المقدَّسة، وشعائر العبادة التي تقام فيه. وكما أنَّ خبر داود وسليمان تركَّز على الهيكل، فالكلام عن ملوك الأسرة الداوديَّة يتوقَّف عند أولئك الذين اهتمُّوا بإصلاح الهيكل وتنظيم العبادة فيه. نذكر أوَّلاً آسا. قال فيه الكتاب: «ومات أبيّا ودُفن مع آبائه في مدينة داود، وملك آسا ابنه مكانه. وفي أيَّامه استراحت البلاد من الحرب عشر سنين» (2أخ 14: 1). وكان المديح لآسا: «وعمل آسا ما هو خير وقويم في نظر الرب»ّ (آ2). وكيف ذلك؟ «أزال المذابح الغريبة (التي من أصل غريب، فلا مذبح سوى مذبح الربِّ الإله) التي على المرتفعات (التي تشرف على المدينة وكأنَّها تحميها، والتي كانت مكرَّسة للبعل)، وحطَّم الأنصاب (التي كانت مرفوضة كلِّيًّا لارتباطها بعالم الجنس). وقطع أصنام الإله أشيرة، وأمرَ شعب يهوذا بأن يعبدوا الربَّ إله آبائهم. ويعملوا بشرائعه ووصاياه» (2أخ 14: 1-4). فجازاه الربُّ خير مجازاة: «ولأنَّه أزال مذابح البخور والمعابد التي على المرتفعات من جميع مدن يهوذا، استراحت المملكة في أيَّامه» (آ5).
الأمانة لله تعطي الأمان والسلام للشعب. وما كان لآسا، كان ليوشافاط. قال كتاب الأخبار: «وكان الربُّ مع يوشافاط، لأنَّه سلك في الطرق التي تبعها أبوه (داود أو آسا). ولم يعبد البعل، بل عبد إله أبيه وعمل بوصاياه ولم يعمل كملوك إسرائيل (أي مملكة الشمال). فثبَّت الربُّ المُلك في يده» (2أخ 17: 3-5). وأضاف يوشافاط إلى كلِّ هذا، بأن أرسل من يعلِّم في مدن يهوذا «فحملوا كتاب شريعة الربّ وطافوا في جميع مدن يهوذا يعلِّمون الشعب» (آ9). وكانت النتيجة بالنسبة إلى هذا الملك التقيّ «أنَّ الربَّ ألقى الرعب في قلب ملوك الأرض التي حول يهوذا» (آ10).
وكان المديح الأهمّ للملك حزقيّا (2أخ 29-32) الذي قام بإصلاح مميَّز، وما انتظر طويلاً ليبدأ بالعمل. «في الشهر الأوَّل من السنة الأولى لمُلكه، فتح أبواب الهيكل (ربَّما أُغلقت لأنَّها كانت قديمة وبحاجة إلى إصلاح، لكنَّ الإهمال... لهذا أغلقها آحاز، رج 28: 24) ورمَّمها. وجمعَ الكهنة واللاويِّين وأدخلهم إلى الساحة الشرقيَّة وقال لهم: "اسمعوا لي، أيُّها اللاويُّون، طهِّروا الآن أنفسكم وطهِّروا هيكل الربِّ إله آبائكم، وأخرجوا الرجاسة من هذا المكان المقدَّس. فآباؤنا خانوا الربَّ وفعلوا الشرَّ في نظر إلهنا، وتركوه وحوَّلوا وجوههم عن مسكنه. وأداروا ظهورهم إليه في هذا المكان المقدَّس"» (29: 3-6). وكانت النتيجة مؤلمة. «فلا تتهاونوا، يا أبنائي الآن، لأنَّ الله اختاركم لتقفوا بين يديه وتعبدوه وتحرقوا له البخور» (آ11).
مثل هذا الهيكل الذي نُجِّس بسبب العبادات الغريبة، من أشوريّة وغيرها، يحتاج إلى إعادة تدشين، بعد أن كان دُشِّن في زمن سليمان: «وعمل حزقيّا بما أمر الربُّ به الملك داود على لسان جاد الذي كان رائي الملك وعلى لسان ناتان النبيّ. فأوقف اللاويِّين في الهيكل بصنوج ورباب وقيثارات، وهي آلات كتلك التي استعملها داود، كذلك وقف الكهنةُ بالأبواق أيضًا وأمر حزقيّا بتقديم المحرقة على المذبح. وما أن بدأوا بتقديمها حتّى تعالى نشيد الحمد للربِّ على أصوات الأبواق وأنغام آلات داود الملك. فسجد الحاضرون ورنَّم المرنِّمون وهتف الهاتفون بالأبواق إلى أن تمَّت المحرقة» (2أخ 29: 25-28).
وما اكتفى حزقيّا بالاهتمام بالهيكل، بل أعدَّ الشعب للاحتفال بالفصح. وكانت عظة في هذا الإطار: «عودوا، يا بني إسرائيل، إلى الربِّ إله إبراهيم وإسحق ويعقوب. فيعود هو إلى من بقيَ منكم ومن نجا من أيدي ملوك أشور. لا تكونوا كآبائكم... ولا تعاندوا كما فعل آباؤكم، بل اخضعوا له وتعالوا إلى هيكله المقدَّس الذي قدَّسه إلى الأبد...» (2أخ 30: 6-8).
هذا الكلام يتوجَّه بشكل خاصّ إلى مملكة إسرائيل بعاصمتها السامرة، التي مضت إلى المنفى سنة 722-721، وامتزجت بالأمم الوثنيَّة، وها هي تستعدّ لأن تبني هيكلاً على جبل جرزيم (قرب نابلس الحاليَّة في فلسطين) يزاحم هيكل أورشليم. ففي هذا الكلام نبرة هجوميَّة على من يريد أن يقوم بشيء جديد يتعارض مع ما فعله داود وسليمان. وهكذا نفهم الصراع في زمن عزرا ونحميا حول إعادة بناء الهيكل لدى الذين طلبوا أن يعينوا العائدين من السبي البابليّ: «نحن نبني معكم، لأنَّنا نعبد إلهكم مثلكم، ونحن نذبح له من أيَّام أسرحدُّون الذي جاء بنا إلى هنا» (عز 4: 2). فكان الجواب: «أيَّة علاقة تربطنا بكم لتبنوا معنا بيتًا لإلهنا؟ فنحن وحدنا نبني للربّ إله بني إسرائيل...» (آ3).
*  *  *
وأخيرًا، نحن لا ننسى الملك يوشيّا الذي قام بإصلاح كبير، خصوصًا حين كُشف كتاب الشريعة في الهيكل، بعد أن أُخفيَ في زمن منسَّى الكافر. وعلى أساسه «أقام يوشيّا في أورشليم فصحًا للربّ، فذبحوا الخراف في اليوم الرابع عشر من الشهر الأوَّل، وعيَّن الكهنة في وظائفهم، وشجَّعهم على خدمة الربّ...» (2أخ 35: 1-2).
هذا ما قرأنا في كتاب الأخبار بقسميه. وبعد العودة من المنفى يروي لنا سفرا عزرا ونحميا، كيف أُعيد رفع المذبح على دمار الهيكل، وكيف أعيد بناء الهيكل والمدينة المقدَّسة. وفي هذا الإطار تمَّ تنظيم شعائر العبادة كما كانت من قبل.
حين نقرأ التاريخ الكهنوتيّ، لا ننتظر الأخبار السياسيَّة. فشعبُ موسى وداود وسليمان صار خاضعًا للفرس بانتظار أن يخضع لليونان والرومان. خسر استقلاله، فنظَّم نفسه في تيوقراطيَّة أقامها الربُّ منذ زمن داود. ولكن في الواقع، الله وحده هو الملك في شعبه، وداود يقوم مقامه. يقول له كما في مز 2: «أنت ابني وأنا اليوم ولدتك» (آ7). وكيف تكون الآن هذه المملكة التي فيها يملك الله؟ شعائر عبادة في الهيكل الوحيد، في أورشليم المدينة المقدَّسة. ويعبِّر الشعب عن كلِّ هذا في الفرح وفي مديح الله، بفضل الكهنة واللاويِّين. وواجبُ المؤمن الأوَّل في حياته اليوميَّة، هو الطاعة لشريعة الله. والعلاقة المتواصلة بين الله وشعبه تتجلَّى في عقيدة المجازاة. فعدالة الله تطلب أن تَنال كلُّ أمانة لله، بركةً من لدن الله، وهذا ينطبق بشكل خاصّ على الملوك. ومقابل هذا، كلُّ زلَّة وكلُّ عصيان في ما يتعلَّق بالهيكل وبالعبادة، ينالان العقاب السريع. هي عودة إلى الماضي تفهمنا كيف نعيش الحاضر. هي وجهة من وجهات الكتاب المقدَّس. أمّا الوجهة الثانية التي نقرأها مثلاً عند دانيال، فهي نظرة إلى المستقبل تُرينا قبل الوقت ما يكون عليه ملكوت الله. كلُّ هذا يقودنا إلى ملء الزمان حين أتى الكلمة إلى أرضنا وصار بشرًا فرأينا مجده. أمّا كرازته فكانت حول الملكوت: «طوبى للمساكين بالروح فإنَّ لهم ملكوت السماوات، طوبى لأنقياء القلوب فإنَّهم يشاهدون الله، طوبى لصانعي السلام فإنَّهم أبناء الله يُدعَون» (مت 5: 3ي). لا، ملكوت الله لا ينحصر في الأرض، بل يتطلَّع إلى السماء. وهكذا يحملنا الإنجيل من التاريخ الكهنوتيّ الذي يحاول أن ينظِّم شعب الله على الأرض، مع مجازاة دقيقة، إلى كرازة حول ملكوت الله يحمله ابنُ الإنسان وهو آتٍ على سحاب السماء (مر 14: 62)، بانتظار أن يُصعدنا معه لكي نكون نحن حيث هو فنرى المجد الذي له منذ إنشاء العالم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM