الفصل الرابع :سفر عاموس والعدالة بين الافراد وبين الشعوب

الفصل الرابع
سفر عاموس والعدالة
بين الافراد وبين الشعوب

يتساءل الكثيرون عن الفائدة من قراءة الكتاب المقدَّس في عهده القديم، وفيه ما فيه من أمور لا يفهمونها وأخبار يتشكَّكون منها. ويتساءلون أيضًا: أمور قديمة مرَّ عليها الزمن فلماذا العودة إليها؟ هي لا تفيد كثيرًا. فيردُّ عليهم آخرون: الكتاب المقدَّس كلام الله من بدايته إلى نهايته، من سفر التكوين والخروج واللاويِّين وصولاً إلى رسائل يوحنّا ويهوّذا وسفر الرؤيا. الكتاب المقدَّس هو نور يصل إلينا من لدن الله بواسطة بشر حلَّ عليهم الروح فحملوا لنا هذه الوديعة، هذا الكنز بما فيه من غنى. هذا يرتوي من حضور الله، وذاك لا يطلب هذه المياه الآسنة التي تحمل معها البغض والحقد والبحث عن حياة لا هدف فيها سوى اللذَّة العابرة. وقراءتنا اليوم لنبوءة عاموس ذاك الآتي من جنوب البلاد، من تقوع القريبة من بيت لحم، والماضي إلى الشمال، إلى بيت إيل، معبد ملك السامرة، تعطينا بعض النور من أجل حياتنا الخاصَّة وحياة جماعاتنا، بل من أجل الدول. وما يلفت النظر هو أنَّ هذا النبيّ تكلَّم فقط بضعة أشهر ثمَّ أُسكت وطُرد من البلاد بواسطة «السلاح»، فشابه يوحنّا المعمدان الذي قال فيه يسوع: «كان السراج الموقَد المنير وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة واحدة» (يو 5: 35). ولكنَّ النبيّ وإن تكلَّم في وقت محدَّد من الزمن، فهو يحمل كلام الله «والكلمة تدوم إلى الأبد»، كما يقول مز 119: 89.
وها نحن نقرأ كلام عاموس الذي قيل في القرن الثامن ق.م. ولبث تلاميذُه يتأمَّلون فيه ويتعمَّقون ويضيفون، فكان لنا تعليمًا يتوزَّع في ثلاثة أقسام: الربُّ يطلب العدالة بين الأفراد، وخصوصًا من القويّ إلى الضعيف، ومن الغنيّ إلى الفقير، ومن الكبير إلى الصغير. كما يطلب العدالة بين الدول. كيف يُعامَل الضعفاء والمرأة الحاملُ والأطفال. وأخيرًا، من هو الذي يطلب من البشر كلِّهم، لا من شعبه فقط؟ «ذاك الذي يصوِّر الجبال ويطأ مشارف الأرض، اسمه الربّ، إله الأكوان» (عا 4: 13).

1-    اسمعوا هذه الكلمة
في إطار النداء إلى التوبة، يهتف النبيّ، لا في بيت إيل فقط، بل في السامرة عاصمة البلاد: «اسمعوا هذه الكلمة التي أنادي بها عليكم رثاءً يا بيت إسرائيل» (5: 1). كلام عاموس يتوجَّه إلى مملكة الشمال التي دُعيَتْ بأسماء عديدة: أفرائيم، لأنَّها كانت أكبر قبيلة. يعقوب، لأنَّ أولاد يعقوب كانوا بأكثرهم في الشمال. ودعيَتْ إسرائيل تجاه يهوذا، حين انقسمت القبائل العبرانيَّة على أثر موت سليمان الذي أرهق الناس بالضرائب. قالوا لرحبعام بن سليمان: «أبوك كان قاسيًا، فخفِّفِ الآن من عبوديَّة أبيك القاسية ومن نيره الثقيل الذي جعله علينا» (1 مل 12: 4). فأجابهم: «إنَّ خنصري أغلظ من متن أبي. أبي حمَّلكم نيرًا ثقيلاً وأنا أزيد على نيركم، أبي أدَّبكم بالسياط وأنا أؤدِّبكم بالسيور التي فيها مسامير» (آ14). عندئذٍ هتفت القبائل الشماليَّة: «أيُّ قسمة لنا في داود. لا نصيب لنا في ابن يسَّى. إلى خيامك يا إسرائيل» (آ16).
عندئذٍ صارت القبائل مملكتين: مملكة يهوذا بعاصمتها أورشليم، ومملكة إسرائيل التي صارت عاصمتها السامرة، بعد أن انتقل الملك من شكيم إلى فنوئيل وترصة. وإذ خاف يربعام، ملك إسرائيل الأوَّل، أن يعود شعبه إلى بيت داود خلال الحجّ إلى أورشليم، قطع الطريق إلى هيكل سليمان وبنى هيكلاً في بيت إيل، في جنوب المملكة، وهيكلاً آخر في دان، على حدود فينيقية، في شمال المملكة.
كانت مملكة يهوذا منعزلة في جبالها. أمّا مملكة إسرائيل فانفتحت إلى الشرق على الأراميِّين في دمشق، وإلى الغرب على الفينيقيِّين. لهذا عرفت الازدهار الكبير والغنى. فصار للناس البيت الشتويّ والبيت الصيفيّ. هي «بيوت عظيمة». دعاها النبيّ: «بيوت العاجّ» (3: 15). بيوت الفقراء حجارة «مشقوعة». وبيوت الأغنياء «حجارة منحوتة» (5: 11). نتذكَّر هنا أنَّ الفينيقيِّين بنوا مدينة السامرة حيث لم يكن شيء سوى غابة، كما سبق لهم وبنوا قصور أورشليم وهيكلها.
وأثاث البيت. عند الفقير، حصيرة إذا وُجدَت. وفراش يُوضَع على الأرض. أمّا الفقير الفقير فليس له سوى ردائه ينام فيه، لهذا شدَّد الربُّ على من ارتهن الرداء لانسان أن يردَّه له قبل المغيب، لأنَّه يبيت فيه. أمّا الأغنياء، فهم ينامون على «أسرَّة من عاج»، ويتمدَّدون على الفراش الوثير. وإن أكلوا لحمًا، فيأكلون «الخراف من الغنم والعجول من البقر» (6: 4). والسهرات الحلوة مع الغناء والطرب وشرب الخمر حتّى السكر (آ5-6).
ويطرح النبيّ السؤال: من أين كلُّ هذا الغنى؟ من ظُلم الفقير. أخذوا له بيته. حرموه حقله فصار عبدًا عندهم. وإن طالب الضعيف بحقِّه لم يكن من يسمع. قال عاموس للأغنياء: «تُحوِّلون الحقَّ (حقّ الإنسان) إلى علقم (إلى سمّ). وتلقون العدالة على الأرض (تحت أقدامكم)» (5: 7) ما الذي يفعلون بالفقير؟ «تحرِّفون حقَّ البائس في المحاكم» (آ12). في الماضي، كما اليوم، أي دعوى خاسرة للغنيّ؟ ويواصل النبيّ كلامه: «أنا عالم بمعاصيكم الكثيرة وخطاياكم العظيمة. تضايقون الصدِّيق وتأخذون الفدية (وفي اللغة الحديثة: الخوَّة)، وتحرِّفون حقَّ البائسين في المحاكم» (آ12). وفي ترجمة أخرى: «تصدُّون البائسين في الباب». أي لا تجعلونه يصل إلى القاضي لكي يبيِّن حقَّه. فالشونميَّة مثلاً، لو لم تصل إلى الملك بواسطة جيحزيّ خادم أليشع، لما كانت استعادت حقَّها. ولكن بفضل أليشع الغائب والمهتمّ بمساكين الشعب، قال الملك: «رُدَّ لها ما يخصُّها وكلَّ غلال حقلها. من يوم غابت عن هذه الأرض حتّى الآن» (2 مل 8: 7). في الماضي واليوم. يغيب الإنسان عن بيته فيُسلَب بيته، ومرَّات عديدة يسلبه جارُه وابن الشارع وابن البلدة، ويقول: هم الآخرون هم الأعداء. ولكن متى أثمر مثلُ هذا المال. لهذا يهدِّدهم عاموس: «تبنون بيوتًا ولا تقيمون فيها، وتغرسون كرومًا ولا تشربون خمرها» (5: 11).
أجل، الظلم موجود. «تدوسون الفقير وتأخذون منه ضريبة القمح» (آ11). الخبز، هو الطعام البسيط البسيط. ومع ذلك لا يحقُّ للبائس أن يشبع منه. لهذا هدَّد النبيّ هؤلاء «بخواء البطون» (4: 6). ليعرفوا أنَّ الجوع مؤلم. إذا كان الإنسان لا يجوع، فهو لا يعرف قيمة الجوع ولا يحسّ مع الجائع.
ويَحسب هؤلاء أنَّهم في أمان لأنَّهم «أقوياء». ثمَّ هم يقيمون في القلاع (5: 9). فلا يصل إليهم شرّ. هم محصَّنون. ولكنهم مساكين. فالخراب آتٍ إليهم. والسلب والنهب، شأنهم شأن غيرهم. مساكين. سيأخذهم العدوُّ مع نسائهم «من شقوق الأسوار» (4: 3).
ويطلب الأغنياء والعظماء الأمان حين يلجأون إلى الربّ في شعائر العبادة، وهكذا يغسلون ضمائرهم. يأتون إلى المعابد المختلفة: إلى بيت إيل. معبد الملك. لا حاجة بعد أن تنطلقوا إلى هناك. فهو سيَحترق قريبًا. وإلى الجلجال لا تذهبوا. فمرَّر بها النبيّ. ماذا يفعلون؟ قال لهم النبيّ: «تعالوا إلى بيت إيل وارتكبوا المعاصي، وفي الجلجال أكثروا من ارتكابها، وعند الصباح قرِّبوا ذبائحكم، وفي اليوم الثالث عشوركم ، وأحرقوا عشوركم ذبيحة حمد، ونادوا بتقدمات وأذيعوها. فطالما أحببتم ذلك يا بني إسرائيل» (4: 4-5). بل إذا شئتم اذهبوا إلى أقصى الجنوب، على حدود سيناء، ومشيًا على الأقدام إذا شئتم! هل هذا يفيد إذا كان القلب لا يتوب، وإذا كانت الأعمال لا تقابل النوايا؟
ما رأيُ الربِّ في شعائر العبادة والذهاب إلى الحجِّ لدى شعب لا يعيش المحبَّة المطلوبة؟ قال لهم النبيّ موردًا صوت الربّ: «أبغضتُ أعيادكم ورفضتُها، ولا أرتاح لاحتفالاتكم» (5: 21). أما يتوجَّه هذا الكلام لنا؟ فكلام الله هو لنا اليوم ولا يتوقَّف في الماضي. ويتواصل التوبيخ: «إذا أصعدتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أرضى بها. ولا أنظر إلى ذبائح السلامة من عجولكم المسمَّنة (هذه يقدِّمها الأغنياء، لا الفقراء، فتكون «رشوة» لله). أبعدوا عنِّي هزيج أغانيكم. فأنا لا أسمع (لا أقدر أن أسمع بعد. لا أريد أن أسمع) لنغم عيدانكم (العود والكنّارة...)» (آ22-23). فماذا يطلب الربُّ منّا اليوم وكلَّ يوم؟ «ليجرِ العدل كالمياه، والصدق كنهر لا ينقطع» (آ24).
تفرحون لمجيء يوم الربّ. تفرحون لزيارته في الأعياد. أتراه يستقبلكم بفرح وأيديكُم مملوءةٌ بالدماء وبسلب المساكين؟ حسبوا يوم الربِّ نورًا فإذا هو ظلام، حسبوه فرحًا فإذا هو حزن. حسبوه بركة فإذا هو خطر متلاحق: «أنتم كمن هرب من وجه الأسد فلقيَه الدبّ. أو دخل البيت وأسند يده إلى الحائط فلسعته حيَّة» (آ18-19). ولكن لماذا كلُّ هذا التهديد؟
الربُّ ليس إله الانتقام، بل إله النعمة. وهو يدعو الناس إلى التوبة. يُفهمهم أنَّ ما يحصل لهم من كوارث على مستوى الطبيعة وعلى مستوى البشر، إنَّما هو تنبيه. فالقويّ يحسب نفسه أقوى من الله. والغنيّ يظنُّ أنَّه يقدر أن يستغني عن الله. والمرتاح لا يريد أن يُتعب نفسه. فالأمور تسير كما يريد. الظلم يؤمِّن له المال. والكذب يفعل فعله في الناس ولا من يسأل ولا من يحاسب.
تتخيَّلون! القاضي الذي يقضي بالعدل هو مبغض لديهم. الإنسان الذي يتكلَّم بالصدق، ممقوت محتقر! فقال لهم النبيّ: «فاطلبوا الخير لا الشرّ لتحيوا (أمّا إذا شئتم الموت فاطلبوا الشرّ) فيكون الربُّ الإله القدير معكم، كما تقولون (وكما تطلبون). أبغضوا الشرَّ وأحبُّوا الخير، وأقيموا العدل في المحاكم. فلعلَّ الربَّ القدير يتحنَّن على من تبقَّى من بيت يوسف» (هو والد أفرائيم ومنسَّى) (آ14-25). ويتكرَّر النداء المحبّ: «اطلبوني فتحيوا» (5: 4)، ثمَّ: «اطلبوا الربَّ فتحيوا» (آ6). ولكنَّ الربَّ يتألَّم. شعبه يطلب الموت. يرفض أن يسمع. فماذا ينتظره سوى الخراب. وهذا ما سيحصل سنة 722-721. حين جاء الأشوريُّون احتلُّوا السامرة، فسلبوا ونهبوا وقتلوا وأحرقوا. ذاك ما قال تلاميذ عاموس: «سقطت مملكة إسرائيل فلا تعود تقوم. هي ملقاة على الأرض» (5: 1).

2-    لأجل المعاصي
الربُّ إله الأفراد وهو أيضًا إله المجتمع. الربُّ سيِّد في شعبه وسيِّد في شعوب الأرض كلِّها. ذاك ما فهمه تلاميذ عاموس حين أعادوا قراءة ما قاله النبيّ قبل ذهاب مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا إلى المنفى. فحيث المؤمنون هناك الله. وأراد لهم أن يكونوا مشتَّتين ليحملوا عبادة الإله الواحد. ليشهدوا لذاك الذي يفترق كلَّ الافتراق عن الآلهة الكاذبة، وعن الأصنام التي لها عيون ولا ترى ولها آذان ولا تسمع. لهذا جاء تهديد الربِّ بشكل ردَّة تتكرَّر: «لأجل معاصي دمشق، غزَّة، صور، أدوم، عمُّون، موآب». ستُّ مدن أو شعوب. عدد ناقص. ممّا يعني أنَّ جميع الشعوب والأمم هم تحت سلطان الله.
دمشق أو درمشق كما في اللهجة الأراميَّة (1 أخ 18: 5؛ 2 أخ 28: 5) تقع في واحة يسقيها آبانة وفرفر. أمّا ازدهارها فوقوعها على ملتقى طريقين من طرق القوافل في العالم القديم، طريق البحر (إش 8: 23) التي تربط مصر ببلاد الرافدين، والطريق الملكيَّة (عد 22: 22) التي تمضي من سورية الشماليَّة حتّى الجزيرة العربيَّة (البحر الأحمر). ذكرتْها النصوصُ الباهلة (القريبة من اللعنة) في القرنين 19-18 ق.م. هاجمتها الجيوش الحثِّيَّة في القرن الرابع عشر قبل أن يدمِّرها الأشوريُّون سنة 734 في أيَّام الملك رصون. مدينة قويَّة في المنطقة. من يجسر أن يقول فيها كلمة؟ عاموس تجاسر. نبَّهها إلى معاصيها المتكرِّرة، وبالأخصّ لأنَّهم داسوا جلعاد بنوارج من حديد (1: 7). النورج مساحة خشبيَّة لدرس الحنطة. فيه قطع من حديد. يُرمى الأسرى على بطونهم، وتمرُّ النوارج. تتمزَّق الأجساد ويتطاير اللحم. هل يمضي هذا التصرُّف بدون دينونة الله؟ كلاّ. فيعلن النبيّ: «حكمتُ عليهم حكمًا لا رجوع عنه». وهكذا ربط النبيّ ما عمله ملك دمشق، بنهدد، بما سيصيب المدينة من الهجمة الأشوريَّة حين تُحرَق القصور، وتهدم الأسوار، ويمضي الشعب إلى قير التي قد تكون أرض عيلام، في إيران الحاليَّة.
والحكم الثاني يصيب غزَّة التي هي عاصمة مدن الفلسطيِّين: أشدود، تلك المدينة الكنعانيَّة الخاضعة للفراعنة، قبل أن يأتيها الفلسطيُّون حوالي سنة 1175. ثمَّ أشقلون، إحدى المدن الملكيَّة في كنعان ومن أقدم المرافئ في الساحل الفلسطينيّ. أمّا غزَّة المرتبطة بالعزِّ والعزَّة فإنَّ تحوتمس الثالث (1504-1450) جعلها أساسًا لإطلاق حملاته العسكريَّة، وهي الواقعة على طريق البحر الموصلة إلى مصر. خطيئة غزَّة أنَّها «أجلَتْ شعبًا بكامله». أفرغت المدينة من سكّانها، اقتلعوها. فالنار ستأتي على أسوار غزَّة، وكما فعلَتْ سوف يُفعَل بها مع شقيقتيها.
الأراميُّون نالوا عقابهم، والفلسطيُّون أيضًا. وها هو دور الفينيقيِّين مع مدينة صور التي عُرفَتْ بغناها ومناعتها. فلولا المدن الفينيقيَّة الأخرى، لما كان باستطاعة الإسكندر أن يفتتحها. ومع ذلك دام الحصار سبعة أشهر. من أغنى مدن العالم القديم فعمَّت مستعمراتها البحر الأبيض المتوسِّط وصولاً إلى ليبيا الحاليَّة وتونس وإسبانيا. صور هي أيضًا خطئت خطأ عظيمًا. نسيَتْ عهد الأخوَّة. هل نسيت صور المعاهدات مع داود وسليمان، بحيث تجلو أناسًا من العبرانيِّين وتبيعهم لأدوم بيع العبيد؟
والأدوميُّون بعاصمتهم تيمان. لاحقوا أعداءهم بالسيف. ومن هم أعداؤهم؟ أولاد يعقوب إسرائيل، الذي هو شقيق أدوم عيسو. فالعداوة دائمة بين الشعبين. سيأتي عقاب الله على العاصمة وعلى بصره. بعد الأدوميِّين، العمّونيُّون. فعلوا الشرَّ وأسوأ ما فعلوا: «شقُّوا بطون الحبالى» (1: 13). هكذا يخفُّ السكّان، ويستولي بنو عمُّون على الأرض ويوسِّعون تخومهم. وخطيئة الموآبيِّين، عدم احترام جثَّة الملك التي أحرقوها فصارت كلسًا. أما هكذا فعل هتلر حين حوَّل عظام المعتقلين لديه إلى مادَّة لصنع الأمشاط للشعر؟
*  *  *
إذا كان الربُّ حكم على خطايا الشعوب المجاورة، وخصوصًا الأراميِّين في الشمال، والفلسطيِّين في الغرب، والعمُّونيِّين في الشرق، والأدوميِّين في الجنوب، لأنَّهم لم يراعوا حرمة الجوار، بحيث يكونون مع صور وأدوم عبرة للشعب العبرانيّ، أفلا يحكم الربُّ على مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل؟ هل تكونان في مأمن من كلِّ عقاب، لأنَّهما بارَّتين، صادقتين، لا ذنب عليهما؟ كلاَّ ثمَّ كلاَّ. فدورهما آتٍ.
والبداية مع يهوذا، موطن عاموس. أين عهدهم مع الله؟ أين شريعة موسى والوصايا التي حملها إلى شعبه من الجبل؟ لا صدقَ في التعامل مع الربّ. نمضي تارة إلى هيكل سليمان وطورًا إلى المشارف حيث المعابد الكنعانيَّة مزدهرة لما فيها من فلتان من كلِّ نوع. هم ضلُّوا بسبب أكاذيبهم وأكاذيب آبائهم؟ فمنذ عهد سليمان ملأت الأصنام أورشليم، وهرع الشعبُ إلى العبادات المختلفة.
وما أصاب البلدان المجاورة، أصاب مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم، الدمار والهلاك، بعد أن تنازعتها عبادة الإله الواحد وعبادة الآلهة المتعدِّدة. هي النار على جميع المدن والممالك المذكورة. فتلك كانت العادة: بعد السلب والنهب. بعد جلاء السكّان تنطلق النار. والحفريات واضحة في هذا المجال: في أريحا ودمشق وغيرهما من المدن القديمة. وكما أُحرقت مملكة يهوذا بعاصمتها أورشليم، كذلك أُحرقت إسرائيل بعاصمتها السامرة. كلُّ ما يدلُّ على القوَّة والعظمة يزول، من قصور ومن قلاع، فتبقى بيوت الفقراء حيث يقيم شعب الأرض، لكي يواصل دفع الضرائب.
وما هي خطيئة مملكة إسرائيل؟ هي تقف على مستوى الحياة الاجتماعيَّة. استعباد الناس وبيعهم كالعبيد، وهم يفعلون ذلك بدون رحمة. فأين شريعة الله القائلة: «إذا افتقر أخوك عندك وبِيع لك، فلا تستعبده استعباد عبد. لكن كأجير (عامل يأخذ أجرته)، كنزيل (الجار) أو كضيف، لا يكون بقربك مدَّة طويلة. لا يكون عندك إلى الأبد. إلى سنة اليوبيل يخدم عندك. ثمَّ يخرج من عندك، هو وبنوه معه، ويعود إلى عشيرته، وإلى مُلك آبائه يرجع» (لا 25: 39-41).
ولكن ماذا يفعل الوجهاء والأغنياء في مملكة إسرائيل؟ يعتبرون الإنسان كلا شيء. «يبيعونه بنعلين» (2: 6). يبيعونه ببعض الفضَّة كما يُباع أي شيء من الأشياء. هذا «العبد» لا حقَّ له. لا اسم له. هو يعمل. هو خادم. هو عبد. والعبيد موجودون دومًا لدى المؤمنين. «ما تفعلونه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار» غير موجودة في قاموسنا. نستغلُّ ذاك الذي اشتريناه. وإذا كان جارنا فقيرًا ومضى إلى المحكمة، فهو لا يكلِّف كثيرًا. يبيعه القاضي بشيء بسيط. «ويمرِّغه في التراب». وهناك شرٌّ آخر يُقترف في إسرائيل: «يدخل الرجل وأبوه على صبيَّة واحدة فيدنِّسان اسمي القدُّوس» (2: 7). الرجل ينام مع كنَّته. إلى أين وصلت الأخلاق في هذا المجتمع؟ قالت الشريعة: «عورة كنَّتك لا تكشفها فهي زوجة ابنك» (لا 18: 5).
وهكذا دان الله الشعوب كما دان الأفراد، في عبارة مماثلة ثماني مرَّات. أوَّلاً، إعلان من النوع المحكيّ: «من أجل ذنوب... الثلاثة والأربعة». ثانيًا: كشف المعصية والجريمة. ثالثًا، العقاب والمجازاة: تأتي النار على المكان. في المعنى المادّيّ، بمجيء الجيوش التي تحرق كلَّ شيء وراءها. وفي المعنى الرمزيّ حيث النار تدلُّ على عقاب الله. رابعًا وأخيرًا، تأتي الخاتمة: قال الربُّ. قال السيِّد الربّ. وإذ قال فعل، على ما قال مز 33: 9: «قال فكان كلُّ شيء، أمر فثبت كلُّ موجود».
*  *  *
وتتواصل الدينونة لمملكة إسرائيل التي أُرسل إليها عاموس بشكل خاصّ، فيذكِّرهم بما فعل لهم. في حوار بين «أنا» و«هم». أو بين «أنا» و«أنتم». أوَّل ما فعله: «أزال من أمامهم الأموريِّين» (2: 9) الذين قاماتهم مثل الأرز، وصلابتهم مثل السنديان، فعاملهم الربُّ مثل الحطّاب فما ترك الجذور ولا الثمر. والعمل الثاني: أصعدهم من أرض مصر، اقتادهم في البرِّيَّة. ثمَّ، أقام بينهم أنبياء. وها هو العقاب: «تفعلون هذا كلَّه» (من شرٍّ وظلم) تجاه ما فعلتُ أنا: أرسلتُ إليكم الأنبياء، فمنعتموهم من أن يتنبَّأوا. أما هذا الذي حصل لعاموس نفسه. أما هذا الذي حصل لعاموس حين طرده أمصيا باسم الملك: «اذهب. اهرب إلى أرض يهوذا، وهناك تنبَّأ وكُلْ خبزك... وأمّا بيت إيل، فلا تعُد تتنبَّأ فيها» (7: 12-13). فماذا ينتظر إسرائيل سوى الخراب.
هنا تأتي الرؤى. الأولى، رؤيا الجراد (7: 1-3). والثانية، رؤيا النار (4-6). تبدأ: «هذا ما أراني» (آ1، 4، 7...). وماذا رأى النبيّ؟ الجراد الذي أكل عشب الأرض. ثمَّ النار. الجفاف نشَّف الينابيع فحلَّ القحط في الأرض. وهكذا يموت الناس من الجوع ومن العطش. ولكنَّ النبيّ لا يرضى بذلك، فيتوسَّل كما اعتاد موسى أن يتوسَّل من أجل الشعب في البرِّيَّة، فردَّد مرَّتين: «أيُّها السيِّد الربّ، عفوك! كيف يقوم لبني يعقوب قائمة؟ فهم شعب صغير» (آ2، 5). وها هو الربُّ يسمع من نبيِّه: «هذا لا يكون» (آ3، 6). ولكن فيما بعد، لن يكون توسُّل. فالعقاب آتٍ لا محالة. ففي رؤيا الشاقول (يُستعمل في البناء)، يأتي الحكم قاسيًا: «سأجعل الشاقول في وسط إسرائيل، شعبي، ولا أعود أغضُّ النظر عن اعوجاجهم من بعد» (7: 8؛ 8: 2). ويعود الربُّ إلى الكلام على الظلم: «اسمعوا هذا، أيُّها الذين يبغضون البائسين ويبيدون المساكين في الأرض، القائلون: "متى يأتي رأس الشهر فنبيع ما يُباع، وينقضي السبت فنفتح سوق الحنطة. فنصغِّر القفَّة، ونكبِّر المثقال، ونستعين بموازين الغشّ، وبذلك نقتني الفقراء بالفضَّة، والبائس بنعلين، ونبيع نفاية الحنطة"» (8: 4-6). فهل ينسى الربُّ عملاً من هذه الأعمال؟ وتأتي العبارة الرائعة، فتنقلنا من جوع إلى جوع: «ها تأتي أيَّام، يقول السيِّد الربّ، أرسلُ فيها الجوع على الأرض، لا الجوع إلى الخبز ولا العطش إلى الماء، بل إلى سماع كلمة الربّ» (آ11). كم نحن قريبون من الإنجيل حيث نسمع قول يسوع: «طوبى للجياع والعطاش إلى البرِّ فإنَّهم يُشبعون».

3-    اسمه الربُّ الإله
من هو هذا الذي يتكلَّم عاموس باسمه؟ وهل يختلف عن سائر الآلهة؟ فالأشوريّ قال لحزقيّا: «هل أنقذت الآلهة الأممَ التي أهلكها آبائي؟.... أين ملوك مدن حماة...؟ هل خلَّصت هذه الآلهة مدنها؟ هل الربُّ الإله أقوى من الإله أشور؟ أقوى من مردوك الإله البابليّ؟ ويرد فعل الإيمان عند النبيّ عاموس
فالذي يصوِّر الجبال
ويخلق الريح
ويبيِّن للبشر فكره
ويجعل الظلمة فجرًا
ويطأ مشارف الأرض،
اسمه الربُّ الإله القدير (4: 13).
دعا النبيُّ شعبه: استعدُّوا للقاء الله، هو أبعد ما يكون عن الأصنام التي لا تنفع ولا تضرّ. الله هو القويّ. الجبال حيث تقيم الآلهة، حيث معابدها، هو الذي صوَّرها. والريح، من يوقفها؟ وحده الله يوقف البحر ويسكِّن الرياح، فلا تقف في وجهه. فهو خالقها وهو يوجِّهها اليوم كما وجَّهها وقت عبور البحر الأحمر. علاقة هذا الإله بالبشر علاقة مميَّزة. له مخطَّطه في الإنسان الذي خلقه على صورته ومثاله. أعطى وصاياه وفرائضه وأحكامه. ماذا يريد حقًّا؟ العدالة بين الأفراد. التعاون بين الشعوب وإبعاد البغضاء. إرادته معروفة منذ البداية، ولكنَّ الإنسان يعتبر أنَّه هو من يقرِّر الشرَّ والخير، لا الله. لهذا كان حكم الله قاسيًا ولا يزال. ويربط النبيُّ الشرَّ الذي نفعله بالشرِّ الذي يصيبنا. قد لا يكون هناك علاقة مباشرة وسريعة، بين العلَّة والسبب، كما نقرأ في سفر الملوك الثاني: استهزأ صبيان صغار بأليشاع، ونادوه: يا أقرع، «لعنهم باسم الربِّ فخرجت دبَّتان من الوعر وافترستا منهم اثنين وأربعين ولدًا» (2: 22-24). في الواقع، قد تكون مسافة بين اللعنة والنتيجة. ولكنَّ الكاتب الملهم أراد أن يبيِّن قدرة النبيِّ حين يبارك وحين يَلعن.
هذا الإله الذي رأى الأرض «خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة»، قال: «ليكن نور». وفي الحال أتى النور (تك 1: 2-3). والآن يمكنه أن يفعل ما فعل في البدايات: لا تعود الظلمة ظلمة، بل تنقلب فجرًا. ذاك ما حصل للرسل حين الصيد العجيب. طوال الليل عملوا فما اصطادوا شيئًا. «وفي الصباح وقف يسوع على الشاطئ» (يو 21: 4). فتبدَّل كلُّ شيء. هذا ما يفعله حضور الربِّ الآتي من السماء، النازل على رؤوس الجبال إلى لقاء شعبه كما كان يفعل مع موسى.
«اسمه» يكفي. والاسم يدلُّ على الشخص. اسمه «الربّ». وفي العبريَّة: يهوه. الإله الذي هو، الإله الحاضر هنا، الإله الفاعل الآن، شرط أن نؤمن بقدرته. «الإله القدير» أو: الله صباؤوت. إله القوَّات السماويَّة والأرضيَّة. ونستطيع أن نقول: إله الأكوان، على ما قال الرسول بالنسبة إلى «صورة الله... الذي به خلق الله كلَّ شيء، في السماوات وفي الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، أأصحاب عرش كانوا أم سيادة أم رئاسة أم سلطان» (كو 1: 15-16). وكان فعل إيمان آخر لدى عاموس نقرأه في 5: 8:
هو الذي خلق الثريا والجوزاء،
ويحوِّل الظلمات صباحًا
والنهار ليلاً مظلمًا
ويدعو مياه البحر
فيفيضها على وجه الأرض:
اسمه الربّ.
يجعلنا النبيّ هنا مع سفر أيُّوب (9: 9):
النعْش والجوزاء من صنعه،
والثريّا وكوكب الجنوب.
كما يفهمنا أنَّ الرب يتلاعب بالشمس والقمر اللذين اعتُبرا آلهة فدعاهما سفر التكوين نيِّرين، سراجين في قبَّة الهيكل وفي قبَّة السماء. الظلمات تصبح نور الصباح. ذاك ما حصل في قيامة الربِّ من بين الأموات: «وبعدما مضى السبت، اشترت مريم المجدليَّة... وباكرًا جدًّا في أوَّل الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس» (مر 15: 1-2). وكما يجعل الله الظلمة نورًا، فهو يقلب النهار ليلاً مظلمًا. ذاك ما حصل في موت المسيح الذي هو نور العالم. قال متّى الرسول: «ومن الساعة السادسة (أي: وقت الظهر) كانت ظلمة على كلِّ الأرض إلى الساعة التاسعة (أو: الثالثة بعد الظهر)» (27: 45). وترافقت الظلمة مع زلزلة الأرض وتشقُّق الصخور وانفتاح القبور (آ51). كلُّ هذا كان نداء إلى الإيمان سمعه الجنود الرومان الذين كانوا قرب الصليب.
قدرة الله في السماء وقدرته في البحر الذي كان العبرانيُّون يعتبرونه ممثِّل عالم الشرِّ والموت. فمن يجسر على الاقتراب منه. ولكنَّ يسوع زجره كما زجر الرياح: «اسكت، اخرس» (مر 4: 39). عندئذ «هدأت الريح وصار سكون عظيم». صار البحر طوع بنان الله، يدعوه كما يدعو الإنسان كلبه أو هرَّه. وهذه المياه لا تعود حاملة الموت، بل الحياة. تفيض على الأرض فترويها وتخصبها. كذا كان نهر النيل يفعل في العالم القديم. ألَّهه المصريُّون، ولكنَّهم ما كانوا يعرفون أنَّ الله هو الذي خلقه.
ويأتي فعل الإيمان الأخير في إطار الرؤيا الخامسة والأخيرة: سقوط المذبح (9: 1-4) تبدو الصورة مثل زلزلة وهزَّة أرضيَّة كما في بداية النبوءة العاموسيَّة (1: 1) فتحدِّثنا عن الربِّ سيِّد الأرض والسماء (آ5-6).
السيِّد الربُّ القدير
هو الذي يمسُّ الأرض فتموج
وينوح جميع الساكنين فيها.
وتعلو كلُّها كالنهر
وتهبط كنهر مصر
هو الذي يبني علاليَّه في السماء
وعلى الأرض يؤسِّس قبَّته
هو الذي يدعو مياه البحر
ويصبُّها على وجه الأرض،
اسمه الربّ.
الأرض تموج، تتحرَّك، مثل موج البحر، فتصبح مثل شمعة تذوب حين تتَّصل بنار الربّ. تشبه كلَّ نهر وخصوصًا نهر النيل، الذي يرتفع وينخفض. من يرفعه، من يُخفضه؟ أما هو الربّ الإله؟ وننتقل من الأرض إلى السماء حيث مسكن الله في الأعالي مع درجات ودرجات. كما مسكنُه في الهيكل بقبَّته الشاهقة. وأخيرًا، البحر حيث يمكن أن تنصبَّ مياهه على الأرض فتغرقها، ولكنَّه وضع حدًّا للبحر فلا يتعدَّاه.
هذا الإله سيِّد المسكونة، وسيِّد البشر أيضًا. كلِّ الأرض تنوح، تبكي خطيئتها. إذا كانت كلُّ الشعوب تحت دينونة الله، فكلُّها تحت خلاصه. ما الفرق بين الكوشيِّين (أهل النوبة التي تقابل السودان والحبشة) وبني إسرائيل في عين الربّ؟ لا فرق. هل ننسى أنَّ «إسرائيل» (أو مملكة إسرائيل) جاءت من مصر، والفلسطيِّين من كفتور التي هي جزيرة كريت خاصَّة وأرض اليونان عامَّة، والأراميِّين من قير، من بلاد الرافدين. شعوب ثلاثة يتجاورون، فلماذا يتعادَون ويتقاتلون. كلُّهم شعب الله. كلُّهم يخلصون معًا أو يهلكون، يحيون معًا أو يموتون. فما من شعب يمتلك شعبًا كما كان الأمر في زمن داود، حيث سيطر العبرانيُّون على أدوم والممالك المجاورة. السيطرة الآن سيطرة روحيَّة. اسم الله على أدوم. يعني تخصُّه. وعلى جميع الأمم لأنَّها تخصُّه (9: 11-12). في هذا المعنى فهمَ أعمالُ الرسل هذا الكلام: «يسعى جميع البشر إلى الربِّ وجميع الشعوب التي تحمل اسمي» (أع 15: 17).

الخاتمة
هكذا نقرأ أسفار الأنبياء. هي كلمة بشريَّة تفوَّه بها النبيّ في وقت محدَّد. ولكنَّ تلاميذه لبثوا يتأمَّلون فيها، يطبِّقونها على الواقع المتجدِّد. لا. الإنسان لا يعرف المستقبل ولا يستشرف ما سيحصل. هو يعيش في الإيمان، لا في العيان. هو في الحاضر والربُّ ينير دربه الآن، في هذا الوقت، وينيرها في هذا المكان. فعاموس تكلَّم في مملكة إسرائيل، في السامرة العاصمة السياسيَّة، وفي بيت إيل العاصمة الدينيَّة. ولكنَّ النبوءة هي في الوقت عينه كلمة الله، نتجاوز المكان والزمان، بحيث يستطيع كلُّ مؤمن أن يقرأها ويطبِّقها في زمانه. هكذا فعل تلاميذ عاموس. وكذلك النبيّ زكريّا في القرن الثاني ق.م. مع مقتل أونيّا عظيم الكهنة. وفي النهاية، قرأ عاموسَ يعقوبُ أخو الربّ وطبَّقه على وضع الكنيسة الأولى: جميع البشر مدعوُّون لأن يكونوا للربّ (أع 15: 17). عندئذٍ تأتيهم البركة في صُوَر فردوسيَّة: «ها أيَّام تأتي، يقول الربّ، يلحق فيها الفالحُ بالحاصد، ودائس العنب بباذر الزرع، وتقطر الجبال خمرًا وتسيل جميع التلال» (9: 13). كلُّ هذا يكون حين تملك المحبَّة بين الأفراد والشعوب. والطريق تبقى طويلة. فيا ليتنا نخطو الخطوة الأولى!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM