الفصل الثالث: من الزمن النبويّ إلى الزمن الجليانيّ في سفر دانيال

الفصل الثالث
من الزمن النبويّ إلى الزمن
الجليانيّ في سفر دانيال

إنَّ تمثُّل الزمن في سفر دانيال هو متشعِّب، لأنَّه يَبرز على عدَّة مستويات. ونبدأ «بالزمن التاريخيّ» الذي يعطي للكتاب إيقاعه: منذ السنة التالية لحكم يوياقيم، ملك يهوذا «التي فيها أتى نبوخذ نصَّر ملك بابل إلى أورشليم ليحاصرها» (1: 1) حتّى «السنة الأولى من داريوس المادايِّي» (11: 1؛ رج 6: 1؛ 9: 2)، مرورًا بحكم كلٍّ من بلشصَّر (5: 1؛ 7: 1؛ 8: 1) وكورش الفارسيّ (6: 29؛ 10: 1)، هذا إذا توقَّفنا فقط عند النصِّ الماسوريّ. مثلُ هذا النظام الكرونولوجيّ يسجِّل هذا الكتابَ في الزمن التاريخيّ، لأنَّه يذكر نهجًا مشتركًا مع الأقوال المؤرَّخة. ومع ذلك نحن نتحفَّظ من أن نقرأ هذا الكتاب بهذه الطريقة، ساعة يقدِّم قبل كلِّ شيء خدعةً تاريخيَّة في إطار جليانيّ مع بسودوكتابة وبسودوكاتب. لهذا ميَّز بيار غرولو وبحقٍّ، بين المفهوم التاريخيّ والمفهوم التاريخاويّ: هو تمييز جوهريّ يدلُّ على المسافة السرديَّة بين التاريخ المعاش والتاريخ المرويّ والمعنى التفسيريّ للتاريخ. نحن لا نحصر نفوسنا هنا، بل نحن قريبون من طابع الكتابة الجليانيَّة التي تقدِّم نفسها، بحسب روبرت نورث: «كمُلْهَم من الله ليكشف المعنى الحقيقيّ والنتائج المقبلة والأخيرة لكشوف قديمة، عبر قراءة أحداث معاصرة تُخفيها ألغازٌ ويتحدَّد موقعُها في إطار الكواكب والكون كلِّه. الصور هي غريبة، وسلِّم الكون والفاعلون ينتمون إلى العالم العلويّ، وتكون طبيعتهم متوسِّطة بين الألوهة والبشريَّة».

1-    الزمن التاريخيّ
وهذا النهج من «الزمن التاريخيّ» في هذا الكتاب، ينقصه التماسكُ ظاهريًّا. أوَّلاً بين القسمين اللذين يؤلِّفانه: الأخبار المدراشيَّة (ف 1-6) والرؤى الجليانيَّة (ف 7-12). وأبعد من الكلّ ذاك الذي يُقرأ في 6: 29: «ونجح دانيال في عهد داريوس وفي عهد كورش الفارسيّ». فالرؤية التي تبدأ في 7: 1 تعيدنا «إلى السنة الأولى من بلشصَّر، ملك بابل». ونقول الشيء عينه في 8: 1: «السنة الثالثة من حكم بلشصَّر»، ساعة يحيلنا 9: 1 إلى «السنة الأولى من داريوس بن أحشويرش، من نسل المادّايِّين، الذي صار مَلكًا في مملكة الكلدائيِّين». وفي 10: 1 إلى «السنة الثالثة لكورش، ملك الفرس». إذًا، الزمن «التاريخيّ» في دانيال ليس خطوطيًّا بحصر المعنى، والكرونولوجيا الدقيقة في الرؤى تتسجَّل في كلِّيَّة الزمن الذي يتمثَّل في أخبار تَفتحُ الكتاب، لأنَّنا نقرأ منذ 1: 21 «أنَّ دانيال عاش حتّى السنة الأولى للملك كورش». هذا ما يحدِّد، بنهج العودة إلى الوراء، بعضَ دائرة الزمن اللافتة، بحيث نلاحظها في شعاع زمنيّ ممدود بين الزمن الذي يحسب أنَّ فيه يعيش البطل والكلِّيَّة المكشوفة له، أي من حاضره إلى «زمن النهاية».
ونضيف أيضًا أنَّ الزمن «التاريخيّ» لا يكون بدون صدمات وتنافر في الأخبار المدراشيَّة نفسها، بحيث يَصعب علينا أن نكتشف موقعنا في الكرونولوجيا الدقيقة من الأخبار الأولى. وهكذا يحيلنا 1: 1 إلى احتلال أورشليم بيد نبوخذ نصَّر «في السنة الأولى لحكم يوياقيم»، أي سنة 606 ق.م.، لأنَّ يوياقيم هذا صار ملكًا بعد موت أبيه يوشيّا في مجدُّو سنة 609. وبين المسبيِّين وُجد دانيال ورفاقه الثلاثة، حنانيا وميشائيل وعزريا، الذين خضعوا لاستعداد طويل بحسب آ5. «وعيَّن لهم الملك رزْقَ كلِّ يوم في يومه، من طعام الملك ومن خير شرابه، وأمر أن يُرَبَّوا ثلاث سنين، وبعد انقضائها يقومون في حضرة الملك». في الخبر الذي يلي ف 2، أُرِّخ حلمُ الملك «في السنة الثانية لحكمه» (آ1). عندئذٍ أُدخل دانيال الذي لبث مجهولاً في القصر، إلى أمام الملك (2: 25)، لكي يفسِّر ما لم يستطع ساحرٌ أن يفعل قبله. غير أنَّ هذه الكرونولوجيا تبدو متضاربة مع ما نقرأ في 2 مل 24: «حينئذٍ استسلم يوياكين، ملك يهوذا، إلى ملك بابل، هو ووالدته والقوّاد والوجهاء والخصيان، فجعلهم ملك بابل أسرى: كان ذلك في السنة الثامنة من حكمه». بالإضافة إلى حكم يوياكين الذي نستعيده، نتذكَّر أنَّ نبوخذ نصَّر لم يصبح ملك بابل إلاَّ بعد معركة كركميش سنة 605 ق.م.، وأنَّ إر 25:1 ماهى السنة الأولى من نبوخذ نصَّر مع السنة الرابعة من يوياقيم. ثمَّ إنَّ أرشيف بابل الملكيّ لا يشير إلى أيَّة هجمة في إسرائيل قبل معركة كركميش. وحده بيروس، الكاهن البابليّ في القرن الثالث ق.م.، وهو صاحب تاريخ بابل في اللغة اليونانيَّة (الكلدائيّات)، يشير إلى حملة أولى قام بها نبوخذ نصَّر ساعة كان بعدُ أميرًا. وفي نهاية هذه الحملة، أخذ معه أسرى فينيقيِّين وسوريِّين ويهودًا. ولكن بيروس لا يشير إلى احتلال أورشليم. فإلى ماذا تستند الكرونولوجيا الدانياليَّة؟ لا شكَّ إلى قراءة تاريخانيَّة لمعطيات بيبليَّة مختلفة. 2مل 24: 1: «وفي أيَّام يوياقيم زحف نبوخذنصَّر ملك بابل على يهوذا، فخضع له يوياقيم ثلاث سنين ثمَّ عاد فتمرَّد عليه». هذا النصّ يمتزج مع نصٍّ متأخِّر يأتي في خدعة أدبيَّة، 2 أخ 36: 5-7 الذي يلمِّح إلى سبي يوياقيم الى بابل: «وكان يوياقيم ابن خمس وعشرين سنة حين ملك، وملك إحدى عشرة سنة في أورشليم، وفعلَ الشرَّ في نظر الربّ، فزحف نبوخذ نصَّر ملك بابل على يهوذا وأسرَ ملك يهوذا وقيَّده بسلسلتين من نحاس وجاء به إلى بابل. وأخذ نبوخذ نصَّر آنية من بيت الربِّ وجعلها في هيكل بابل». إذا أخذنا هذين النصَّين في نظرة واحدة، فهما يَقدران أن يشرحا لماذا حدَّد سفرُ دانيال موقع سقوط أورشليم واتِّخاذ آنية الهيكل في عهد يوياقيم: قرأ الإشارة إلى ثلاث سنوات لخضوع ملك يهوذا على أنَّه حدثٌ حصل في السنة الثالثة من ملكه. هل يجب أن نضمَّ إلى هذا أيضًا (كما يفعل كلاوس كوخ) نبوءة إر 25: 11 التي تتحدَّث عن سبي يدوم سبعين سنة، منطلقًا من سنة 538 ق.م.؟ هذا ما يعطينا سبيًا أوَّل حصل سنة 608 ق.م.، أي في السنة الأولى ليوياقيم، وهذا ما يدخل بصعوبة في هذا الإطار، بل يتناسب بتأكيد مع قراءة تقوم بها الرؤية الجليانيَّة في ف 9. فيجب أن نستنتج أنَّ صاحب الخبر لم يمتلك سوى معرفة بعيدة عن الأحداث، فاستعمل قصدًا، تصوُّرًا اتفاقيًّا لإطار التاريخ. وتأتي نتيجةٌ أخرى تفرض نفسها: استحالة وضع دانيال في بابل في السنة الثانية لنبوخذ نصَّر، أي قبل احتلال أورشليم وتكوين الفتيان خلال ثلاث سنوات. لا نطلب تصحيح النصّ كما يفعل البعض. إنَّما يجب أن نرى علامة أصل مستقلّ من الأخبار. وهذا ما يُثبته وجودُ اللغتين الذي يبدأ في 2: 24، حيث نعبر من العبريَّة إلى الأراميَّة (وهذا حتّى ف 7).

2-    الأوساط التي أنتجت الكتاب
ولكن يجب أن نتجاوز هذه المرحلة من النقد الأدبيّ لنتساءل عن الأوساط التي أنتجت هذا الكتاب، وهذا ما فهمه جون كولينز في دراسة طبعَتْ بطابعها التوسُّعَ الجليانيّ «لأخبار الحاشية الملكيَّة» في دا 1-6 . ثمَّ كان تساؤل حول «الأزمات الثلاث» في إيقاع الكتاب، التي خلقَتْ انشدادًا بين التاريخ الدينيّ والنظرة الجليانيَّة. وها نحن نتوقَّف عند هاتين الدراستين.
أ‌.    نظرة أولى
ونبدأ مع كولينز الذي يُبرز طبيعة الأخبار وتوسُّعها وتدوينها ووضْعها في مجموعة لتكون مقدِّمة الرؤى الجليانيَّة المتأخِّرة عنها. وفي عمق الإرث الحكميّ المشترك، تسجَّلت أخبار دا 2-6 في انشداد موادّ مع محيطها. في مرحلة أولى «حلمُ التمثال» في دا 2، يرتبط بمهارة الحكيم ابن الحاشية. والتشديد يكون لا على تفسير أو تأوين الحلم، بل على الأصل الإلهيّ للحكمة التي برهن عليها البطل بحسب كلام الملك (آ47). والتعارض بين إله «الحكيم» دانيال وآلهة «الحكماء» الكلدائيِّين، هو المركز. في هذا السياق، موضوعيَّة «الممالك الأربع» (التي صوَّرها التمثال ذو المعادن المختلفة) لا يمكن إلاَّ أن تكون ثانويَّة، وصاحب الخبر يميل بنبيئة بابليَّة وطنيَّة («الرئيس في ذهب» يحيلنا إلى سلطة نبوخذ نصَّر) لكي يعارضها بعظمة إله إسرائيل وحدها التي تعبِّر عن نفسها بواسطة مهارة «الحكيم» دانيال. وحده تسلسلُ هذا «الخبر» مع أخبار أخرى (خصوصًا ما في دا 3 ودا 5) يتيح لنا أن نرى فيه إعلان الدمار الآتي لبابل. ويتوضَّح بشكل خاصّ المشروعُ الأوَّل حين نقرِّبه من بعض أقوال إشعيا الثاني. إذًا في مناخٍ ابتعدَ عن الدراما، عكَسَ دا 2 الوضعَ المعقَّد ليهود الشتات في بداية الحقبة الفارسيَّة: إذ قاسموا طريقة عيش الوثنيِّين (مثل الكلدائيِّين، دانيال فسَّر الأحلام في قصر الملك)، لا يستطيعون إلاَّ أن يرفضوا الأصناميَّة ويعلنوا سلطة إله إسرائيل وحده، الذي له يخضع الجميع (بمن فيهم الملك). بالنسبة إلى هذا السياق، تبدو «الرؤية» في دا 3 أو دا 6، في بنيتها بالذات، على أنَّها خبر نجاة. في الانطلاق، يكون البطل في وضع من الازدهار، ولكنَّ هذا الوضع يتحوَّل بسرعة على أثر مؤامرة تقود البطل إلى السجن، بل إلى الموت الممكن. ولكن يُطلَق سراحه في النهار حين تُعرَف حكمته. عندئذٍ يَنال رفعةً أعظم من السابقة.
هذه الرسمة الإجماليَّة تعيدنا أيضًا إلى رواية يوسف أو أستير، ولكن ينبغي أن نلاحظ اختلافًا أساسيًّا: ففي الاثنين الأوَّلين، تأتي النجاة والرفعة في نهاية عمل البطل. أمّا في دانيال فهي نتيجة تدخُّل الله العجائبيّ. فتَبرز من هنا رؤيةٌ أكثر دراماتيكيَّة من العلاقات بين اليهود والأمم، ولكن في أطر مختلفة: فالملك في دا 3 (نبوخذ نصَّر) هو معادٍ عداء عنيفًا للفتيان الثلاثة، أمّا الملك في دا 6 (داريوس المادايّي) فيدلُّ على الشفقة تجاه دانيال. فإن جاء هذان الخبران (عبر تكوينهما الخاصّ) من المحيط الشتاتيّ ذاته، محيط دا 2، فهما يَكشفان سياقًا مختلفًا حيث يَبان بشكل واضح التعارضُ بين المونوتاويَّة اليهوديَّة والأصناميَّة الكلدائيَّة، وهذا ما يُبرز تجميعَ الأخبار ودمجَها مع الرؤى (الملك في دا 3: 15 يصبح عندئذٍ قريبًا من وصف أنطيوخس الرابع في دا 8: 11). وأخيرًا يعود دا 4 و5 إلى محطَّة ثالثة، جليانيَّة بوضوح أكثر، فيها يَبرز قبل كلِّ شيء مضمونُ البلاغ التعليميّ. لا شكَّ في أنَّ الرسمة تخضع للقواعد عينها (ملكٌ يواجه حلمًا أو علامة لا يستطيع أيُّ حكيم أن يفسِّره. وينجح بطلٌ يهوديّ حيث فشل الآخرون، فينال الرفعة على أثر ذلك).
ولكنَّ التشديد ينتقل إلى إطار أكثر دراماتيكيًّا. للوهلة الأولى، نُدرك وجهَ الملك في شكل سلبيّ، واهتداؤه في دا 4 لا يَصدر من تعلُّق شخصيّ بقدر ما يتعلَّق بالاعتراف بقدرة إلهيَّة تسمو على الكبرياء البشريَّة، ساعة عجرفةُ بلشصَّر وحدها تَبرز خلال الوليمة في دا 5 . هذه المقاربة السالبة جدًّا تعكس إذًا، وضعًا من التعارض بين اليهود والأمم: في الخبرين توجِّه العجرفةُ الملكَ، والموظَّف اليهوديّ يعلن دمار مملكته. والتأكيد على تفوُّق دانيال في ما يتعلَّق بالحكمة، هو نتيجة السلطة المتسامية لدى إله إسرائيل. لهذا تتضمَّن هذه الحكمةُ رفضَ هذا الإله للأصناميَّة واللاقبول لكلِّ شكل من العجرفة البشريَّة.
عند ذلك تُلغَى الحدود بين الخبر الحكميّ الذي يصوِّر قبل كلِّ شيء فنّ حياةٍ شتاتيّ، ولكن دومًا بشكل دراماتيكيّ كبير، ورؤية جليانيَّة تتحرَّى الأزمنة والتاريخ. ومن هنا استعادةُ وتأويل هذه الروايات في سياق مواجهة مع السلطة اليونانيَّة في القرن الثاني ق.م.
ب- نظرة ثانية
فالتحليل وإن كان قصيرًا، يبيِّن إذًا أنَّ أخبار دا 1-6 ليست متجانسة، فتكشف بالأحرى خطَّ أزمة في العلاقات بين اليهود والأمم، يفتح على رؤى جليانيَّة واضحة في القسم الثاني من الكتاب. هنا تأتي دراسة بيار مارتين ده فيفياس (حاشية 15: ص 44)، وفيها يبيِّن الكاتب بنحافة أنَّ كتاب دانيال تعبره «ثلاثُ أزمات» هي إعادات قراءة لزمن المنفى. أوَّلاً، موافقة صامتة مع العالم المحيط ترتسم في مشهد المنفى في دا 1. لا شكَّ في أنَّ الإطار المفترض هو السبي إلى بابل ودخول بني يهوذا في إطارٍ لايهوديّ. ولكنَّنا لا نلاحظ أيَّة سمة من التوتُّر أو التعارض. ومع أنَّ دانيال ورفاقه الثلاثة هم غرباء وربَّما أسرى، فهم يعيشون وسط رفاقهم في إطار يفرض عليهم تسميةً أخرى (7) وتَعلُّمَ أدب الكلدائيِّين ولغتهم (آ4)، ولكنَّه في الوقت عينه منفتح في قضيَّة ممكنة من أزمة خطيرة: الطعام. فالحدث هو في قلب الخبر (آ8-16)، ومسجَّل على موضوعيَّة اللاتنجُّس بأطعمة قد تكون غريبة على الشريعة اليهوديَّة. والحال أنَّ هذا العالم اللامتجانس يبدو مراعيًا مراعاة غريبة.
لا شكَّ في أنَّ هذا الخبر الأوَّل لا يقدِّم المنفى على أنَّه كارثة مطلقة، بل محنة لا تهدِّد الأمور الأساسيَّة عند البطل. فخسارة أورشليم وهيكلها لا تبدو وكأنَّها تؤثِّر في كلِّ ذلك، على هذه المرحلة من الخبر. فموقع السلطة لم يَعُد في اليهوديَّة، بل في بابل، وهناك سوف يوسِّع المنفيُّون مواهبهم التي تفتح لهم مستقبلاً طيِّبًا. وبمختصر الكلام، نحن أقرب إلى كلام «رسالة إرميا» (ف 29) الذي خرج، بدون شكّ، من الأوساط ذاتها وارتبط بالاهتمامات عينها، منه إلى مز 137: «إذا نسيتُك يا أورشليم، فلتنسني يميني وليلتصق لساني بحنكي» (آ5-6). فأخبار القصر في دا 2-6، التي رأينا استقلالها في البدء، تصوِّر بعضَ تراجع لهذه العلاقة بالعالم وبالتاريخ، إمّا بشكل «تعاون» (كما في دا 2) أو بشكل «صراع» (كما في دا 3 أو 6). ومع ذلك، فحتّى أخبار الصراعات هذه ليست أبدًا أخبار استشهاد، لأنَّ البطل يخرج في النهاية سالمًا بفضل تدخُّل الله العجائبيّ. وإن كانت تقوى البطل اليهوديَّةَ الوسيلة لكي توقعه في الفخ، فالخبر لا يصوِّر، في أيِّ وقت، اضطهادًا دينيًّا حقيقيًّا. فنستطيع أن نستخلص من كلِّ هذا، في لهجة أكثر دراماتيكيَّة، أنَّ الأزمة التي وُلدت من المنفى هي، مرَّة أخرى، مخفَّفة: لا شيء يجعلنا نستشفُّ استعجال النهاية.
ففي هذه الأخبار الأولى، يلفت نظرَ القارئ غيابُ مواضيع العودة من أجل إمكانيَّة عيش حياة يهوديَّة صادقة في الشتات، وإن لم تكن معفيَّة من الإنشدادات. ولكن في عالم لا يكون الملوك فيه معادين بشكل قاطع، يبقى الخلاص ممكنًا، وخصوصًا على المستوى الفرديّ للبطل الذي يُنقذ أمانتَه لإله آبائه، دون التطلُّع إلى مستوى شعب أو أمَّة. هذا يُبرز بشكل خاصّ وجهَ بلشصَّر الذي يستبق بشكله المعاديّ «الأزمة الثالثة» التي وُلدَتْ من اللقاء مع العالم اليونانيّ. فيبدو كلُّ شيء وكأنَّه ينقلب، حتّى لهجة الكتاب الذي يتحوَّل من أخبار تعليميَّة إلى رؤى جليانيَّة. سوف نعود إلى هذا حين نحلِّل رؤية الحيوانات الأربعة في دا 7، الذي يشكِّل في نظرنا، استعادة حلم التمثال مع المعادن الأربعة في دا 2.

3-    عودة إلى الوراء (دا 2)
وقبل ذلك، نعود إلى تحليل الزمانيَّة المتشعِّبة المبنيَّة في دا 2. حتّى الآن، توقَّفنا عند الانشداد بين الزمن الواقعيّ (الوسط الذي أُنتج فيه الخبر) والزمن الذي تبنيه الرواية. والحال أنَّ تفسير الحلم المُعطى في 2: 38ي، يُدخل توسيعًا للزمن مختلفًا جدًّا، بواسطة عودة واضحة إلى أحداث حصلت أبعد من الزمن الممثَّل هنا (القرن الخامس ق.م.): فالخطبة تحيلنا بدقَّة كبيرة إلى السنوات 323-250. كلُّ شيء يبدأ في آ28 مع مفتاح فساريّ: «ولكنْ هناك إله في السماوات يجلو (يكشف) الأسرار»، و«عرفَ الملك نبوخذ نصَّر ما سيكون في أواخر الأيَّام». وبعد أن شدَّد دانيال على لاإمكانيَّة الحكماء والعرَّافين البابليِّين أن يفكُّوا لغز الحلم – مع أنَّ وظيفتهم تقوم بأن يفكُّوا المستقبل (آ37) –، أضاف أنَّ جلاء (أو: كشف) السرّ يِأتي من إله في السماوات، وظيفتُه الأولى هي بالحقيقة أن يجلو مثل هذه الأسرار.
في آ30، استعاد دانيال الموضوعة عينها، فدلَّ أنَّه لا يمتلك حكمة خاصَّة تجعله متفوِّقًا على الحكماء الكلدائيِّين في هذا المجال. ونجد عبارة نقرأها هنا فتلفت الانتباه: ب ا ح ري ت. ي و م ي ا. هل يجب أن نترجم «في ما يلي من الأيّام»، أو «في آخر الآيّام»؟ تظهر هذه العبارة في الكتاب المقدَّس 14 مرَّة، في العبريَّة كما في الأراميَّة، وتترجمها السبعينيَّة وتيودوسيون بشكل منظَّم «في نهاية الأيَّام»، ومرَّة واحدة «في الأيَّام الأخيرة» . فإذا أردنا أن نعرف معنى هذه العبارة، ينبغي العودة إلى السياقات المتنوِّعة التي تظهر فيها. في نصوص الأسفار الخمسة، لا يمكن أن تدلَّ العبارة إلاَّ على مستقبل قريب أو بعيد، سواء كنّا أمام مباركات يعقوب (تك 49: 1) أو قول بلعام (عد 24: 14) أو تحذير موسى الموجَّه إلى شعبه (تث 4: 30؛ 31: 49)، وهذا دون الوجوب أن نرى هنا معنى إسكاتولوجيًّا حقيقيًّا.
في هذه النقطة، تحوِّل السبعينيَّةُ وتيودوسيون المعنى انطلاقًا من اهتمامات الوسط الإسكندرانيّ في القرنين 3-2 ق.م، فيكون اللقاء في القسم الأكبر مع الأوساط الجليانيَّة اليهوذاويَّة في تلك الحقبة. عندئذٍ نرى عدم الصبر، لأنَّ بعض هذه الأقوال النبويَّة لم تتمَّ (من هنا أزمة الكلمة الملموسة في تث 18: 21-22)، كما نرى تأثير العالم الإيرانيّ والعالم الهلنستيّ على العالم اليهوديّ، على ما قال دلكور (ص 59) وغرالو (ص 73). مقابل هذا، يُبرز معنى إسكاتولوجيّ واضحٌ في الأقوال النبويَّة أو على الأقل في التأكيد على تحوُّل حاسم في مسيرة الأحداث، ونتوقَّف عند ثلاثة أمثلة:
•    إش 2: 2: «ويكون في الآتي من الأيَّام أن جبل بيت الربِّ يُقام على رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كلُّ الأمم».
•    هو 3: 5: «بعد ذلك يأتي أبناء إسرائيل ويطلبون الربَّ إلههم وداود ملكهم. فيجرون مرتعبين نحو الربِّ ونحو لطفه في الآتي من الأيَّام» ep'escatwn.
•    حز 38: 16: «وتصعد (أنتَ) على إسرائيل شعبي مثل سحاب وتغطِّي الأرض. وفي الآتي من الأيّام ep'escatwn، يكون أنِّي آتي بك على أرضي فتعرفني الأممُ حين أُظهر بك قداستي في عيونهم، يا جوج».
إذًا، يكون من الخطأ أن نترجم دومًا بعبارة «في نهاية الأزمنة» حين يكون الموضوع بالأحرى نهاية زمن أو حقبة محدَّدة في التاريخ. فعند الأنبياء، تشير العبارةُ بوضوح إلى تبدُّل زمن، ولكنَّها تتضمَّن أيضًا فكرةَ مهلةٍ تُعطى من أجل التوبة، كما في إر 23: 20.
•    إر 23: 20: «لا يعود غضبُ يهوه حتّى يفعل ويحقِّق مقاصد قلبه. في الآتي من الأيَّام، تفكِّرون في هذا وتفهمون».
يبدو هذا التشعُّب قليلاً في نصوص جليانيَّة بوضوح، مثل نصوص قمران حيث العبارة تدلُّ قبل كلِّ شيء على الزمن المسيحانيّ مثلاً: «وها هي القاعدة لكلِّ جماعة إسرائيل في نهاية الأيَّام، حين ينضمُّون إلى الجماعة ليسيروا في الطاعة لحقِّ أبناء صادوق الكهنة وإعطاء عهدهم الذين رفضوا أن يمضوا في طريق الشعب...». هذا المعنى الأخير نستشفُّه، على ما يبدو، منذ دا 2: 28: إن كان لا يشير بعد إلى نهاية الأزمنة، فهو يرسم مسبقًا تبدُّلاً جذريًّا في مصير إسرائيل والأمم.
لنتحقَّقْ من هذه النقطة بتحليل قصير للتفسير المعطى للحلم في 3: 36-45. فإن تضمَّن التمثال أربعة عناصر – الذهب (الرأس) الفضَّة (الصدر والذراعين) البرونز أو النحاس (البطن والفخذين)، الحديد (الركبتين) الذي يمتزج به الطين (الرِجلان) – فالتفسير نفسه لا يتوقَّف إلاَّ عند الحديد والطين، عند المملكة الرابعة التي تحيلنا إلى العالم اليونانيّ، السلوقيّ واللاجيّ، أي إلى زمن صاحب الكتاب (آ40-45). ومع ذلك، تستند الرؤيةُ على توالي الممالك الأربع (البابليِّين، المادايِّين، الفرس، اليونان)، وهي مُعطيةٌ لا يستخرجها الكاتب من التاريخ الواقعيّ بقدر ما يستخرجها من رمزيَّة مأخوذة من الوسط المحيط. ولكنَّ التفسير يشدُّنا من الحاضر إلى مستقبل بعيد، وهذا ما يجعل منه نبوءة تأتي بعد الحدث.
نستطيع أن نتكلَّم هنا عن زمان جليانيّ: في الواقع يبدو الكشفُ الجليانيّ مثل نبوءة تخيُّليَّة (بشكل خدعة) ومثل نبوءة واقعيَّة. في هذا المنظور، يتحدَّد موقعُ الكاتب في نقطة من الماضي لكي يصف أحداثًا سبق وحصلت (دلكور، ص 57). في آ40، المعنى واضح: صورة الحديد تنتمي إلى لغة الحرب، وبالفظاظة التي تُدخَل تدلُّ على احتلالات الإسكندر. وتكون الصدمةُ أكبر مع ما يلي، حيث تتعارض الركبتان وقساوة الحديد بالقدمين الممزوجتين بالحديد والطين، ممّا يعني العطوبة. في هذا المزيج، ينبغي أن نرى قسمة المملكة اليونانيَّة بين السلوقيِّين واللاجيّين، التي حاولت زواجات فيها الكثير من العطوبة (كما في آ43) أن تمتِّنها، ولكن عبثًا. ويكون منعطفٌ في آ44-45 حيث النظر يتحوَّل فجأة باتِّجاه العالم اليهوديّ: «وفي أيَّام هذين الملكين، يقيم إلهُ السماوات مملكة لا تُدمَّر إلى الآباد، ومُلكُه لن يُترَك لشعب آخر. هو يسحق ويزيل كلَّ تلك الممالك وهو يقوم إلى الآباد. ورأيتُ أنَّ حجرًا انقطع من الجبل من دون أن تلمسه يدٌ، فسحق الحديد والبرونز (أو: النحاس) والطين والفضَّة والذهب، فهذا يعني أنَّ الإله العظيم أعلمَ الملكَ بما سيكون فيما بعد. فالحلم صحيح وتفسيري له صادق».

4-    الله سيِّد التاريخ
في سياق الرؤية، هذا الحجر يمثِّل شعبًا – لا شخصًا فردًا – وهو يصف مملكة خامسة مختلفة في كلِّ شيء عن الممالك السابقة: هي ليست من المعادن. ثمّ إنَّ قوَّتها ليست من ذاتها، لأنَّها تسحق التمثال دون تدخُّل أيِّ يدٍ. إذًا، قدرةُ الله وحدها تؤمِّن تسلُّط هذا الحجر المدعوّ لأن يصبح جبلاً كبيرًا. وهكذا يجتذب التفسيرُ القارئَ باتِّجاه المصدر الذي يُحيي التاريخ ويكشف الأسرار (رج آ28). وهذا ما يُقرُّ به الملك في النهاية: «في الحقيقة، إلهكم هو إله الآلهة وربُّ الملوك، وهو يكشف الأسرار لأنَّك استطعتَ أن تكشف لي هذا السرّ» (آ47).
هنا معطية أساسيَّة في الجليانيّات، تتجلَّى في هذا السفر حتّى قبل رؤى القسم الثاني: الله هو ربُّ الممالك والأزمنة والتاريخ، «الذي يبدِّل الأوقات والأزمنة، الذي يقلب ملوكًا ويرفع ملوكًا، فيعطي الحكمة للحكماء والمعرفة للفهماء» (آ21). ولكن ماذا نفهم بهذا؟ هل نرى فقط في الأوقات (ع د ن ي ا) والأزمنة (و ز م ن ي ا) تواليًا للسنين والفصول، أي الزمن الكونيّ، لأنَّ «ع د ن» يمكن أن يدلَّ على السنة في 7: 25؟ أم يجب أن نقول إنَّنا أمام الوقت الدوريّ (أو: الحَلقيّ) كما يُصوَّر في سفر الجامعة حيث كلُّ جيل يكرِّر عملَ الذي سبقه (3: 1-11). أمّا الإشارة إلى انقلاب الملوك، فيحيلنا بالأحرى إلى زمن التاريخ البشريّ والأحداث التي تجري فيه. وتُضاف إلى سيادة الله على المعرفة، سيادته على الزمن. ومن الممكن أن نرى (مع ماتيّاس دلكور) في هذا الكلام، تلميحًا هجوميًّا «على حتميَّة الأسترولوجيّا البابليَّة وبشكل خاصّ على تأثيرها في العالم الهلنستيّ مع تعليمه عن القدر» (تعليم قمران مع eimarmenh).
في هذه النقطة بالتحديد، نستطيع الآن أن نمفصل قراءة دا 2 ثمَّ دا 7 الذي هو، كما قلنا أعلاه، استعادة له في رؤى جليانيَّة أكثر وضوحًا. ونبدأ أوَّلاً بالتعارض البنيويّ الذي يَعبر هنا بين الزمن الحاضر والزمن الآتي (وإن لم تظهر هنا هاتان العبارتان). فإلى هذا الزمن الحاضر (الذي سيدعوه الرابِّينيُّون «العالم هذا») ينتمي توالي الممالك الأربع التي ترمز إليها الحيوانات الأربعة. وها نحن نذكر هنا نصّ دا 7:
2    وقال دانيال: «رأيتُ في منامي ليلاً فإذا برياح السماء الأربع اجتاحت البحر الكبير.
3    فطلع من البحر أربعة حيوانات عظيمة يختلف بعضُها عن البعض الآخر.
4    الأوَّل مثل أسد وله جناحا نسر. وبينما كنتُ أنظرُ إليه، اقتُلع جناحاه، ثمَّ ارتفع على الأرض وقام على رجليه كإنسان، وأعطيَ قلبَ إنسان.
5    وإذا بحيوان آخر (ثانٍ) شبيه بالدبّ، فقام على جنبٍ واحد، وفي فمه ثلاث أضلع بين أسنانه. فقيل له: «قُم فكُلْ لحمًا كثيرًا».
6    وبعد ذلك رأيتُ فإذا بآخر مثل نمر وله أربعة أجنحة طائرٍ على ظهره. وكان للحيوان أربعة رؤوس، وأعطيَ سلطانًا.
7    ثمَّ رأيتُ في منامي في ذلك الليل، فإذا بحيوان رابع، هائل، شديد، قويّ جدًّا. وله أسنان كبيرة من حديد. فكان يأكل ويسحق ويرفس الباقي برجليه. وهو يختلف عن سائر الحيوانات التي قبله، وله عشرة قرون.
8    فتأمَّلتُ القرون. فإذا بقرنٍ آخر صغير طلع بينها. فقلع ثلاثة من القرون الأولى من أمامه، وإذا بعيون في هذا القرن كعيون إنسان وبفم ينطق بعظائم الأمور.
ويعارض هذا بشكل مباشر حتّى في الرمزيَّة البشريَّة في تضادّ مع البهيميَّة السابقة، العالمُ الآتي، الذي ينتمي إليه قدِّيسو العليّ، أي بنو إسرائيل.
13    ورأيتُ في منامي ذلك الليل، فإذا بمثل ابن إنسان آتٍ مع سحاب السماء. فتقدَّم إلى قديم الأيّام فقرَّبه أمامه.
14    وأعطيَ سلطانًا ومجدًا ومُلكًا حتّى تعبده كلُّ الشعوب والأمم والألسنة. ويكون سلطانه سلطانًا أبديًّا لا يزول، وملكه لا يتعدَّاه الزمن.
بين هذين النصَّين تقدِّم لنا الرؤيةُ العرش الذي يجلس عليه قديمُ الأيّام (آ9-10) ودينونة الحيوانات (آ11-12). لا مجال هنا لتحليل موسَّع لهذه الرمزيَّة الغنيَّة، إنَّما نحتفظ فقط بتبديلين كبيرين بالنسبة إلى الرؤية في دا 2. أوَّلاً، وهذا وحده مهمّ: لسنا أمام حلم الملك، الذي ينبغي على الحكيم اليهوديّ أن يفسِّره، بل أمام رؤية تقدَّم له فتتركه متحيِّرًا متضايقًا (آ15) لو لم يكن بجانبه ملاك يفسِّر (آ16ي). ثانيًا، إنَّ خطَّ توالي الممالك لا يتسجَّل على الزمانيَّة بقدر ما يتسجَّل في امتداد للمدى الذي يضمُّ لجَّة البدايات.
وكتب أندره لاكوك: «أتى شواش البدايات فأغرق كلَّ شيء». عندئذٍ في آ2-3، تبدو الرؤية كرفْض عنيف للاهوت الخلق، المتفائل بشكل إجماليّ، والخارج من أوساط المنفى الكهنوتيَّة. فتناسقُ الخليقة (تك 1) الذي هُدِّد لحظة بعودة الشواش الأصليّ زمن الطوفان (تك 6: 12-13)، بدا مكفولاً بيد الله (تك 9: 11-13) وموضوعًا تحت حمايته إلى الأبد... وها هو دا 7 يحطِّم هذا اللاهوت: «مع أنَّ الله أقسم بأنَّ "مياه" البدايات لا تدمِّر الأرضَ بعد، ها هي تَترك أيضًا الموضع الذي عُيِّن لها. وإذ ربط النصّ تفجُّر البحر هذا بظهور الحيوانات المتوحِّشة، أرَّخ اجتياح الشواش بمجيء المملكة البابلونيَّة. كلُّ تاريخ إسرائيل السابق طُمس: منذ المنفى، انطبعت مسيرة التاريخ بقطيعة جذريَّة». وهذا مثبَّت بقدر ما الطابع الهجين لحيوانين على الأقلّ – الأسد المجنَّح بقلب إنسان، والنمر المجنَّح برؤوسه العديدة – يقلب الحدود بين الإنسان والحيوان المقامين في تك 1.
هو نظامُ العالم مهدَّد في تاريخ البشر، لأنَّ كلَّ حيوان يتجاوز المجال الاستعاريّ البسيط، فيشير إلى مملكة من عالم الأرض – أي إلى قراءة التاريخ وفي كلام عن عمل تدمير الخلق. قلنا أعلاه إنَّ دا 1-6 لا يرى في واقع المنفى قطيعة أساسيَّة. وها منذ الآن تصبح إعادةُ القراءة جذريَّة، والمنفى يصبح الانحدارَ الحقيقيّ لكتابة جليانيَّة، لأنَّه مع مجيء المملكة اليونانيَّة السلوقيَّة – ولاسيَّما القرن الحادي عشر (أي: أنطيوخس الرابع) – صار التاريخ معتَّمًا ولامفهومًا. هذا الانقلاب المفاجئ يوجزه بيار ده مرتين ده فيفياس في تعارض صحيح ولافت: «كان نبوخذ نصَّر أداة الله، وأنطيوخس خصمه المعلن» (ثلاث أزمات، ص 52-57، وهنا ص 54). عندئذٍ يتمُّ العبور من تصوُّر نبويّ للزمن حيث عقاب إسرائيل يفتح الباب على اهتداء مقبل نحو تصوُّر جليانيّ يوجِّه النظر نحو تحوُّل في مسيرة التاريخ يكون الله وحده أداتها. وسبق الحلم في دا 2، فدلَّ بوضوح على سيادة الله على الأوقات والأزمنة. ولكنَّ الرؤية في دا 7 جعلت هذا الإيمان جذريًّا، فسجَّلته في خطِّ زمانيَّةٍ صارت منذ الآن متوحِّشة. وها نحن نقدِّم في موازاةٍ، دا 2: 20-21 ثمَّ دا 7: 25.
•    2: 20: ليكن مباركًا اسم الله منذ الأزل وإلى الأبد! لأنَّ الحكمة والقدرة هما له.
21: وهو يبدِّل الأوقات (ع د ن ي ا) والأزمنة (و ز م ن ي ا)
•    7: 25: وينطق بأقوال ضدَّ العليّ. ويضايق قدِّيسي العليّ. ويظنّ أنَّه يغيِّر الأزمنة (ز م ن ي ن) والشريعة (و د ت). ويُسلَّم القدِّيسون إلى يده ثلاث سنين ونصف السنة (ع د ن).

5-    قراءة التاريخ الحاضر
في دينونة القرن الحادي عشر، كانت آ25 عنصرًا أساسيًّا بقدر ما أدخل موتيفًا كان بلا شكّ غائبًا من رؤية البداية. ما هو الموضوع هنا؟ مشروع شرِّير من القرن (أنطيوخس) ضدَّ الأزمنة والشريعة يشكِّل إصابة تصل في الوقت عينه إلى العليّ – الذي هو وحده السيِّد المطلق للزمن – وإلى قدِّيسيه. وبكلام آخر، ملكٌ بشريّ يُظهر اعتداده بأنَّه يدبِّر بذاته مسيرة الزمن التي تتعلَّق فقط بالعالم العلويّ.
وها نحن أيضًا بالنسبة إلى القارئ، أمام قراءة للتاريخ الحاضر، وبشكل خاصّ أمام تلميح إلى هليَنة مفروضة من قِبَل ملك يونانيّ يهاجم ما يكوِّن خاصِّيَّة الشريعة اليهوديَّة: إكرام السبت (1 مك 1: 43) وترتيب مختلف الأعياد الدينيَّة (آ44-45). ولكن هناك أكثر من ذلك. فللمرَّة الأولى يُتَّهم ملكٌ بشريّ بأنَّه يهاجم العالم العلويّ. هذا اللاانتظام الجذريّ يلعب على لاترتيب الزمن، أقلَّه إذا عدنا إلى الكلندار (أو: الروزنامة) الكهنوتيّ الذي استعمله صاحبُ الكتاب.
وانعطافة قصيرة تفرض نفسها هنا، بواسطة كتاب أخنوخ وبشكل خاصّ كتاب اليوبيلات: هما صاغا في الحقبة عينها كلندارًا «صادوقيًّا». وهكذا عرض يوب للقارئ رؤيةً لتاريخ إسرائيل من البدايات حتّى زمن الكاتب بحسب إطار كرونولوجيّ صِيغَ بعناية. وهذا الإطار يستند إلى كلندار من النمط الشمسيّ، وإليك بعض ميزاته الرئيسيَّة: تبدأ السنة دومًا يوم الأربعاء (ممّا يجنِّب تدنيس السبت)، وهي مقسومة إلى 52 أسبوعًا بسبعة أيَّام – أي ما مجموعه 364 يومًا موزَّعة على أربعة فصول، وكلُّ فصل فيه 30 يومًا، مع يوم مضاف بعد كلِّ فصل. مثلُ هذا الكلندار يُبرز عيد المظالّ الذي يُعتبر عيد العهد، والأزمنة المتوسِّطة الواقعة في نصف الطريق للأعياد الليتورجيَّة الكبرى.
والحال حين نقرأ الإشارات الكرونولوجيَّة للرؤى، نلاحظ أنَّ كاتب دانيال يستعمل هذا الكلندار عينه، ولاسيَّما في تصوُّره لسنكرونيَّة (أو: لتواقت) الزمن بين العالم العلويّ والعالم السفليّ وللإضاءة على هذه النقطة. نورد يوب حين يعلن أنَّ هذا الكلندار يرئس العالم السماويّ (هم «ملائكة الوجه» يكلِّمون موسى):
•    يوب 2: 17: أعطانا ذكرانة كبيرة، يوم السبت، لكي نكون ستَّة أيَّام في العمل ونرتاح من كلِّ عمل في اليوم السابع.
18: ولنا جميعًا، ملائكة الوجه وملائكة التقديس، الطبقتين الكبيرتين، قال لنا بأن نحتفل بالسبت معه في السماء وعلى الأرض.
بعد هذا، أيُّ مساس بالسبت – وهذا ما نفهم من 1مك 1: 43، كما سبق وقلنا – يبلبل معًا سكّان العالم الأرضيّ وسكّان العالم السماويّ. وبحسب يوب، هدفُ السبت على الأرض أن يتيح لسكّان العالم الأرضيّ أن يحتفلوا في تواقت (في الوقت عينه) مع سكّان العالم العلويّ:
•    2: 21: لأنَّه جعل من هذا اليوم ذكرانة. فهم أيضًا يسبتون (أي يتوقَّفون عن العمل) معنا في اليوم السابع، فيأكلون ويشربون، ويبارك خالقُ كلِّ شيء، كما بارك وقدَّس لنفسه، الشعبَ الذي اقتناه وسط جميع الآخرين. هكذا يحتفلون بالسبت في رفقتنا.
وبالطريقة عينها قدَّم يوب عيد المظالّ على أنَّه عيد العهد بامتياز:
يوب 6: 15: أعطى نوحًا وأولاده علامة بأن لا يكون بعدُ طوفانٌ على الأرض:
16: جعل قوسه في السحابة كعلامة عهد أبديّ، بحيث لا يكون بعدُ على الأرض طوفانٌ يخرِّبها، ما دامت الأرض.
17: لهذا السبب أُمِر وفُرض على اللوحات السماويَّة بأن يكون هناك أناسٌ يحتفلون بعيد الأسابيع، في هذا الشهر، مرَّة في السنة، من أجل تجديد العهد كلَّ سنة.
18: احتُفل بهذا العيد كاملاً في السماء، منذ يوم الخلق حتّى زمان نوح.
على ضوء هذا الكلام وأخذًا في الاعتبار باستعمال سفر دانيال لمِثل هذا الكلندار، نستطيع أن نستنتج أنَّ هذا الكلندار هو من أصل سماويّ، بحسب هذا الكاتب، وأنَّه يفرض نفسه على سكّان العالم العلويّ وسكّان العالم الأرضيّ، لأنَّه يرئس في الوقت عينه هاتين الفئتين. بعد هذا، مَن بلبل هذا الإيقاع، مسَّ بمجمل الليتورجيّا المشتركة بين المستويين، وأثَّر في سنكرونيّة المستويين على سجلّ الزمن. في هذا، يندِّد صاحبُ سفر دانيال باعتداءات الملك أنطيوخس ولاسيَّما حين يُلغي السبت. في هذه النقطة، يختلف مرماه بعض الشيء عن كتاب اليوبيلات الذي يهاجم بشكل خاصّ المتمسِّكين بالكلندار القمريّ، ممّا يُخضع الأعياد لتقلُّبات الأيّام. ولكن على هذه الجبهة وتلك، يبقى الشجبُ هو هو، لأنَّ كلَّ التوازن بين المستويين المختلفين (السماويّ والأرضيّ) يُصاب في الصميم.
مثل هذا التواقت بين الإيقاعين السماويّ والأرضيّ يشرح جيِّدًا في دانيال – وبشكل أعمّ في كلِّ الأدب الجليانيّ – الأهمِّيَّة الخاصَّة لمختلف دورات السنوات والتواريخ المحدَّدة. فالمشروع ليس تأريخ مسيرة التاريخ البشريّ، بقدر ما هو الدلالة إلى موقعها في الدورات التي تُشرف على توافق عالمين. والبرهان، في ختام حديثنا، هو استعادة نبوءة «السبعين سنة» في إر 25: 11-14 و29: 10 في صلاة دانيال في الفصل التاسع.
هذا الفصل يهمُّنا بشكل خاصّ ولاسيَّما أنَّه يقدِّم في قلب الرؤى الجليانيَّة خاصِّيَّتين اثنتين: من جهة، هو تفسير نبوءة سابقة – وهذا ما يطرح مسألة الاستمرار النبويّ. ومن جهة ثانية، هو يبدو بشكل صلاة طويلة من قِبَل دانيال، فيها يُدخل الكاتب الحقيقيّ فكره. فنقطة الانطلاق هي فعل قراءة لكتابات نبويَّة مؤرَّخة بشكل تامّ: «في السنة الأولى لداريوس، ابن أحشويرش، من زرع مادّاي، الذي ملك على مملكة الكلدائيِّين في السنة الأولى لملكه، أنا دانيال تميَّزتُ في الكتب حساب السنين – وهذا كان كلام الربّ للنبيّ إرميا – التي سوف تتمّ لخرائب أورشليم: 70 سنة» (9: 1-2).

6-    مع رمزيَّة السبعين أسبوعًا وزمن النهاية
بالإضافة إلى هذه العودة إلى كتابة نبويَّة، فالقيمة الرمزيَّة للزمن تَفرض نفسها في الحالّ، وهي قيمة دورة زمنيَّة كاملة 7×10، التي تتجاوز قيمة الولادة في حياة بشريَّة تقدَّر في شكل إجماليّ بأربعين سنة. إن كان مهمًّا أن نلاحظ استعادة هذه النبوءة عينها، إمّا بشكل مباشر (2 أخ 36: 20-21؛ عز 1: 1) أو بشكل لامباشر (زك 1: 12) للدلالة على نهاية المنفى، فيكون أكثر أهمِّيَّة أن نلاحظ في دانيال تعديلاً (طفيفًا)، حيث ننتقل من «زمن التاريخ» إلى «زمن النهاية» الذي يُفهَم منذ الآن بشكل جليانيّ. لأنَّه يخالف الاستعادات السابقة، بل الكرونولوجيَّا المستنبطة التي يعرضها الكتاب. فالسنوات السبعون لا تتمُّ مع العودة من المنفى. من هنا أهمِّيَّة الكشف الذي قام به جبرائيل مقدِّمًا هكذا نفسه للبطل: «يا دانيال، خرجتُ الآن لأمنحك الفهم والتمييز» (آ22).
دا 9: 23: منذ بداية تضرُّعاتك استجاب الله لك، وجئتُ أنا لأخبرك الجواب، لأنَّك محبوب من الله. فتأمَّلْ وافهم الجواب على الرؤيا.
24: حدَّد الله سبعين مرَّة سبع سنوات على شعبك وعلى مدينتك المقدَّسة للقضاء على المعصية وإنهاء الخطيئة وتكفير الإثم وإحلال الحقّ الأبديّ، وتمام الرؤية والنبوءة وإعادة تكريس قدس الأقداس.
25    فاعلمْ وافهم أنَّه من صدور الأمر بإعادة بناء أورشليم إلى مجيء الرئيس الذي مسحتُه، اثنان وستُّون أسبوعًا، فتعود تُبنى ساحةُ المدينة وسورها، ولكن في وقتٍ يكون فيه ضيق.
26    وبعد اثنين وستِّين أسبوعًا، يُقتَل المختار الذي مسحتُه ولا من يدافع عنه، ويأتي رئيسٌ بجيشه فيخرِّب المدينة والمقدس وكما بالطوفان يقضي عليهما، فيَحين وقتُ الحرب والخراب اللذين قضى الله بهما.
27    وفي أسبوع واحد يَقطع هذا الرئيس لكثيرين من الناس عهدًا ثابتًا، وفي نصف الأسبوع يُبطل الذبيحة والتقدمة، وفي الهيكل ترتفع رجاسة الخراب، وتبقى هناك إلى أن ينصبَّ غضبُ الله على الذي رفعها.
بالرغم من الغموضات العديدة – بما فيها النصّ العبريّ الذي يفرض اختيار أكثر من ترجمة – يبقى المعنى معروفًا فيُقسَم التاريخ إلى يوبيلات من السنين، ويمدَّد في الزمن (490 سنة) مفهومُ العفو من الديون بالنسبة إلى الأرض حسب لا 25 (49 سنة). لا شكَّ في أنَّ الأسلوب ليس خاصًّا بدانيال – يكفي أن نورد كتاب الساهرين حيث سجْنُ الملائكة المتمرِّدين يدوم 70 جيلاً (1 أخن 10: 11-12). أو أيضًا قسمة التاريخ في عشرة أسابيع سنوات في رؤية الأسابيع في 1 أخن 93: 1-10؛ 91: 11-17؛ ولكن أصالة هذا النهج تأتي من إعادة قراءة النصّ النبويّ في لغة جليانيَّة: ننتقل من كشفِ مستقبل قريب أو بعيد «في ما يلي من الزمن»، إلى كشف «زمن النهاية» في دا 8: 19: «وقال: سأعلمك ما سيكون في ما يلي من الغضب، لأنَّ النهاية (أو: الآخرة) هي لزمن محدَّد». وهنا يكون اختلاف جوهريّ مع الزمن النبويّ حيث يكون الإنسان خطًّا يوجِّهه الله ولكن دون أن تتحدَّد النهايةُ بوضوح. فالآخرة فيه تتسجَّل في أفق لاأكيد، وإن أُعلِن وكان موضع رجاء (زمن سلام الملك المسيح). ولكن يعود إلى الرؤيا بأنَّها نظرت هذا اللفظ، فجعلت من التاريخ البشريّ مسيرة أحداث عيَّن الله لها تاريخًا صارمًا: «وجاء إلى الموضع الذي كنتُ واقفًا فيه. وحين جاء، ارتعبتُ وانطرحتُ بوجهي على الأرض. فقال لي: "افهم، يا ابن الإنسان، لأنَّ الرؤية هي لزمن النهاية"» (ع ت. ق ص). (دا 8: 17؛ رج أيضًا 11: 35-40).
هذا التقدُّم باتِّجاه نهاية محدَّدة، يعطي معنى للتفسير الذي يبدأ في آ25، حيث يُشار إلى تكريس الهيكل، وهو أمرٌ لم يحصل بعدُ حين دُوِّن هذا المقطع الذي يمكن أن نؤرِّخه قبل سنة 164. وتفجُّر الكلمة هو أصوليّ. ومحطَّة أولى تُعبَر مع العودة من المنفى وإعادة بناء المدينة بقيادة رئيس ممسوح (لا شكَّ الكاهن يشوع الذي يوصف – مع زربّابل – بأنَّه «ابن الزيت» في زك 4: 14). وهذا الإصلاح الجزئيّ يبقى مع ذلك زمن ظلمة (و ب ص و ق. هـ ع ت ي م) يصل في «السنة الثانية والسبعين» إلى مقتل الممسوح، الكاهن أونيّا الثالث سنة 171 (رج دا 11: 22؛ 2 مك 4: 23-28). ولكن كيف نفهم النهاية الملغَّزة «وليس له»، حرفيًّا (و إ ي ن. ل و)؟ أمثل غياب دينونة (مع تيودوسيون: «لن تكون دينونة له»)؟ بل مثل تلميح إلى العزلة الكبيرة التي يعرفها الكاهن الأعظم (حسب ترجمة جون كولينز: «لن يكون إنسان له يساعده»). وهذا يكون شكل هجوم مثل الثورة المكّابيَّة. نترك التفسير مفتوحًا لنحتفظ بالحدث الشرّير والمدمِّر، حدث «شعب الرئيس» الذي يوافق دخول أنطيوخس الرابع عنوة في التاريخ اليهوداويّ، أي حاضر الكاتب. والتلميحات تصبح دقيقة مثل استقبال اليهود المهلينين («ر ب ي م» الكثيرين) لسياسته ولتوقيف الذبائح خلال نصف أسبوع – أي ثلاث سنوات ونصف السنة (زمان، زمانان ونصف زمان) كما في 7: 25. ففي حساب الزمن، نحن أقرب ما يكون من نهاية أُعلِن عنها وحدَّدها الله ولكنَّها لم تحصل بعد لأنَّ «نصف أسبوع» يبقى لكي تتمَّ أسابيعُ السنة السبعين.
عند مفهوم اللاتتمَّة هذا، يُختَم دا 9 الذي يجب أن نمفصله مع الرؤية الأخيرة في الكتاب (ف 10-12). ولكنَّ هذا يتجاوز مجال بحثنا الذي هو انتظار نهاية معلنة ولكنَّها لم «تُختَم» بعد في كتابةِ سفرٍ يَشهد على أنَّ للزمن نهاية. وهذا يعني أيضًا أنَّ كتابة الرؤى الجليانيَّة تختلف عن كتابة الأقوال النبويَّة. ففي إش 30: 8: تلقَّى النبيّ أيضًا أمرًا بأن يكتب كلامه على لوح وأن يحفره في وثيقة «لكي يكون شاهدًا أبديًّا للمستقبل» أي نستطيع أن نتحقَّق منه في التاريخ (رج أيضًا إش 8: 16). فالموتيف يختلف عمّا في دا 12: 4: «وأنتَ يا دانيال، أُغلق الكتاب واختمه إلى آخر الأيَّام وإلى أن يحين الوقت، فيبحث العديدون هنا وهناك وتزداد المعرفة». وفي 12: 9: «اذهب، يا دانيال، فالأقوال مغلقة ومختومة إلى زمن النهاية».
وإذ نحن وصلنا إلى نهاية اعتباراتنا، نطرح سؤالاً أخيرًا: أبعد من «ثلاث أزمات» تاريخيَّة أشرنا إليها أعلاه، أما يدلُّ العالم الجليانيّ على أزمة أكثر أساسيَّة، هي أزمة الكلمة؟ عندئذٍ نلاحظ أنَّه باختلاف القول النبويّ الذي يتطلَّب تحقيقًا في التاريخ، لا تطلب الرؤيا الجليانيَّة أيَّ برهان: هي تفرض نفسها على الرائي وتبقى مختومة في كتابةٍ، حتّى نهاية الزمن.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM