الفصل الثاني: خالقي هو ومخلِّصي

الفصل الثاني

خالقي هو ومخلِّصي

رأى المرتِّل أنَّ الناس يهاجمونه، أنَّهم يريدون أن يهدموه، أن يزيلوه من رفعته، مع أنَّه ضعيف جدًّا وقريب من السقوط. فعلى من يستند وأين يجد من يهتمُّ به ويعينه؟ فهتف: «خالقي هو ومخلِّصي، ملجأي فلا أتزعزع» (مز 62: 3). هو من صوَّرني، كما تقول العبريَّة، هو من رسمني على صورته ومثاله. ألا يعتني بأن يحافظ على هذه الصورة، صورته؟ لهذا كان النشيد من البداية: «إلى الله ترتاح نفسي، ومنه وحده خلاصي» (آ2). هو من يحمل إليَّ الخلاص من المُعادين. وماذا يفعلون؟ قال لهم: «إلى متى تهجمون جميعًا على إنسان مثلي لتهدموه؟» (آ4). ما هو إله، ولا هو أحد الجبابرة. بل إنسان من الناس لا يُعرَف اسمه. فلا هو ملك من الملوك ولا عظيم من العظماء. بل هو ضعيف وضعيف جدًّا فيصف نفسه: «وما هو إلاَّ حائط مائل، أو كجدار يكاد ينهار». ومع ذلك فالمعادون «يتآمرون لإسقاطه من مكانه» (آ5). من أين المعونة؟ وعاد المرتِّل يردِّد: «إلى الله ترتاح نفسي ومنه وحده رجائي. خالقي هو ومخلِّصي، ملجأي فلا أتزعزع. عند الله خلاصي ومجدي، وفي عزَّة الله صخرتي وحماي. توكَّلوا عليه أيُّها الشعب وافتحوا قلوبكم له، لأنَّه ملجأ لنا كلَّ حين» (آ6-9).

1-   الله مخلِّصي

منذ أن يولد الطفل يطلق صراخه. يحسُّ بضعفه وسوف يحسُّ حين يكبر، يصبح شابًّا وخصوصًا عندما يشيخ. الصعوبات عديدة، والأعداء كثيرون. ولو كان الإنسان قويًّا، لما اهتمَّ ولا قلق. سبق ووصف نفسه: حائط مائل. ليس بثابت، ولا بمستقيم أو منتصب. أقلّ هزَّة تجعله ينهار. فما هذا الجدار المبنيّ من حجارة «مشقوعة» لا طين يلصقها بعضها ببعض. فإذا خرجنا من جبل لبنان لا نجد حجارة «مقصَّبة»، متداخلة الواحد بالآخر، مربوطة بعضها ببعض. لهذا لم يبقَ منها أثر على مرَّ الزمن. أمّا هيكل سليمان، فما بقي منه يُدعى حائط المبكى، ولا شيء يزعزعه. وكذا نقول عن جرش في شرقيّ الأردنّ، وما بناه الفينيقيُّون في أورشليم، في زمن سليمان، وعند الأشوريِّين حين أخذوا المهندسين والبنّائين من صيدا، لبث حاضرًا، رغم الحروب والزلازل التي حلَّت بمنطقة الشرق الأدنى.

لا. فالمؤمن لا يشبه هذه الأبنية الثابتة. وسوف يمضي في الوصف المذهل: ماذا تعتبر نفسك أيُّها الملك، أيُّها العظيم، أيُّها القاضي التي تحسب نفسك إلهًا بيده الموت والحياة؟ ماذا تحسب نفسك يا حامل السلاح، يا مالك الثروة والمال؟ أتستطيع أن تتَّكل على نفسك التي تؤخذ منك في هذه الليلة؟ (لو 12). وأنا هل أستطيع أن أستند إليك؟ هل تعرف ماذا تشكِّل في نظر الله؟ «نفخة ريح» (آ10). تمضي ولا تعود. هم «مثل الذباب» حتّى الكبار منهم والمعروفون. هم حبَّة رمل، حبَّة غبار. تضعهم في الميزان: «في الموازين تشيل كفَّتهم فهم جميعًا أخفُّ من نسمة». ما هو وزنهم؟ لا وزن لهم ولو حسبوا نفوسهم شيئًا.

إذا كنت أنا المؤمن ضعيفًا، وإن كان الذين أتَّكل عليهم كلا شيء، أما يجدر بي في منطق بشريّ أن أتطلَّع إلى من هو أقوى؟ إلى «صخرة»؟ فالمدينة المبنيَّة على الصخرة، أو أنا الجالس على الصخر، لا أحد يطالني. هناك أجد محتماي، هناك ألجأ. له أفتحُ قلبي، أبكي، أتوسَّل. أقول: أنت خلقتني، فماذا تنتظر لكي تخلِّصني من الضيق الذي أنا فيه. والخلاص الذي تحمله يا ربّ، عمل دائم لا يتوقَّف حتّى وإن بعدتُ عنك وتركتك. فأنت الله ولا يمكن أن تتراجع. أما هذا الذي حصل مع موسى «فغلب» الله به؟

خطئ الشعب العبرانيّ الآتي في البرِّيَّة خطيئة عظيمة: صنع عجلاً وعبده. أكلوا بقربه وشربوا، ثمَّ راحوا «يرقصون ويلعبون» كما في الاحتفالات الوثنيَّة بما فيها من فلتان وفجور. غضب موسى وحطَّم لوحي الوصايا. فماذا نقول عن غضب الله الذي هو حزن وبكاء؟ بعد خبرة سيناء سقطوا. طريق قصيرة ساروا فيها. إذًا ستأتي الخطايا العديدة التي يغوص فيها الشعب. ومع ذلك قال موسى لله: «لماذا يشتدُّ غضبك على شعبك؟... أفلا يقول المصريُّون: إنَّ إلههم أخرجهم من هنا بنيَّة سيِّئة، ليقتلهم في الجبال ويفنيهم عن وجه الأرض» (خر 32: 11). قال موسى للربّ: «ارجع عن غضبك». فرجع من أجل اسمه.

وينتهي مز 62 الذي بدأنا به بأجمل ما يكون عن إله الخلاص: «تكلَّم الله مرَّة ومرَّتين (فبان أنَّ قلبه ثابت للإنسان)، فسمعتُ أنَّ العزَّة (والقدرة) لله، وأنَّ الرحمة (واللطف والأمانة) لك يا ربّ، وتجازي الإنسان بحسب عمله» (آ12-13). هذا ما يدلُّ على الأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان فتكون ترسه في اليوم الأخير في قلب رحمة الله الذي لا يريد موت الخاطئ بل أن يتوب عن خطاياه ويحيا، و«الذي يريد أن يخلِّص جميع الناس ويبلغوا إلى معرفة الحقّ» (1 تم 2: 4).

*  *  *

ونقرأ مز 30: «أفلتَ المرتِّل من الموت، فجاء إلى الهيكل يقدِّم ذبيحة شكره من أجل الشفاء الذي تمَّ له، ويقرُّ بخطيئته مع ما فيها من وقاحة. أمّا البداية فهي الشكر والامتنان: «أعظِّمك يا ربّ لأنَّك نشلتني، وحرمتَ أعدائي الشماتة بي. استغثتُ بك فشفيتني، أيُّها الربُّ إلهي» (آ2-3). والنهاية هي مثل البداية: «حوَّلتَ نُواحي إلى رقص ومسوحي إلى ثياب العيد (أو: حللتَ مسحي وأحطتني بحزام من الفرح)، لأرتِّل لك ولا أسكت. أيُّها الربُّ إلهي، إلى الأبد أحمدك» (آ12-13).

وبعد الشكر والحمد، يتذكَّر المرتِّل ماذا كانت حاله. كان مريضًا قريبًا من الموت، ومن النزول إلى عالم الموت. ويقول له: إن أنا متُّ فماذا تنتفع من موتي؟ إذا عدتُ إلى التراب، هل أستطيع بعد أن أنشد مدائحك؟ لهذا ينطلق الدعاء: «إليك يا ربّ أصرخ، إليك يا إلهي أتضرَّع: أيُّ نفع لك من موتي، من هبوطي إلى الهاوية؟ هل التراب يسبِّح بحمدك ويحدِّث ليخبر بأمانتك؟» (آ9-10). حسبتُ أنِّي في أمان، فلم يكن الأمر كذلك. حسبتُ نفسي لا أتزعزع لأنِّي اتَّكلتُ على نفسي، فبدوت مثل تبن في مهبِّ الريح. فما بقي لي سوى أن أرفع عينيَّ إليك، وأناديك باسمك المرَّة بعد المرَّة.

«أيُّها الربُّ إلهي» (آ2) إليك صرخت: «أيُّها الربّ» (آ4) أصعدتَني. أيُّها الربُّ، برضاك (بنعمتك) وقفتُ (تقوَّيتُ) منيعًا كالجبل» (آ8). «أيُّها الربُّ إيَّاك ناديت، أيُّها الربُّ إليك توسَّلت (آ9). وفي آ11: «اسمع يا ربُّ وتحنَّن، ويا ربُّ كن نصيري». وفي النهاية، في آ13 ينادي المؤمن: «أيُّها الربُّ إلهي» أشكرك على الدوام، إلى الأبد. لا في هذه الحياة فقط، بل في الحياة الثانية.

نداء بعد نداء، ودعوة إلى الذين حولنا بأن يهتفوا معنا: «رتِّلوا للربِّ يا أتقياءه، وأنشدوا له وتذكَّروا قداسته» (آ8). أو: أنشدوه في موضع قدسه، في الهيكل حيث تُقدَّم الذبائح. ولماذا طلب العون من الإخوة والأخوات؟ لأنَّ الإنسان خاطئ وينتظر من يتشفَّع له. غير أنَّه يعرف في أعماقه قلب الربّ. فيعلن: «غضب الربُّ لحظة، ورضاه طول الحياة. إن أبكاني (ذكَّرني بخطاياي، فبكيت وبلَّلتُ فراشي بالدموع) في المساء، فمع الصباح أرنِّم فرحًا» (آ6). هذا ما يذكِّرنا بما قاله إشعيا النبيّ وهو يتحدَّث إلى أورشليم: «هجرتُك لحظة، وبرحمة فائقة أضمُّك. في هيجان غضبٍ حجبتُ وجهي عنك قليلاً، وبرحمة أبديَّة أرحمك» (54: 7-8).

وهكذا ننتقل من خلاص فرديّ إلى خلاص جماعيّ. ذاك ما قال مردخاي لأستير التي كانت فتاة عاديَّة فصارت ملكة في أكبر الإمبراطوريّات. شعبها في الضيق وهي في أمان، كمن لا يرى ولا يسمع. عندئذٍ قال لها نسيبها مردخاي الذي ربَّاها: «لا تظنِّي أنَّك تنجين في بيت الملك دون جميع اليهود... فأنت وبيت أبيك تهلكون» (أس 4: 13-14). أجل، خلاص الفرد يكون في قلب المجموعة، وخلاص المجموعة يكون عادة بواسطة فرد من الأفراد. هكذا كان موسى، وبعده يشوع وجدعون ويفتاح وصموئيل، وأستير ويهوديت وكلُّ «المخلِّصين» الذين دعاهم الربُّ بانتظار المخلِّص الذي لا مخلِّص بعده، يسوع المسيح. فهو بعد أن قدَّم ذاته نال للبشريَّة خلاصًا تامًّا. فكلُّ الذبائح التي سبقته تكرَّرت وتكرَّرت لأنَّها لبثت محدودة، أمّا يسوع فمن حيث إنَّه مات فقد مات مرَّة واحدة، ومن حيث إنَّه قام فقام إلى الأبد. فذبائح الكاهن اليهوديّ (ومن سار في خطِّه) «لا تقدر أن تمحو الخطايا» (عب 10: 11). أمّا المسيح فقدَّم ذبيحة واحدة كفّارة عن الخطايا، ثمَّ جلس عن يمين الله... لأنَّه بقربان واحد جعل الذين قدَّسهم كاملين إلى الأبد» (آ12-13). فنحن لا ننتظر معلِّمًا بعد المسيح. وإن جاء إنسان فهو يعلِّم ما علَّم المسيح. ولا ننتظر نبيًّا ولا رسولاً ولا قائدًا ولا مخلِّصًا. فهو وحده حمل الخلاص التامّ للبعيدين والقريبين. والذين يأتون بعده لا يمكن إلاَّ أن يكونوا معلِّمين كذبة ومخلِّصين دجّالين ورسل إبليس إذا رفضوا أن يكونوا في خطِّ الرسل الاثني عشر. «فالله أقام في الكنيسة الرسل أوَّلاً والأنبياء ثانيًا والمعلِّمين ثالثًا» (1 كو 12: 28). فكيف تجرؤ أيُّها المسيحيّ، أيُّها المؤمن أن تمضي إلى رسل ليسوا من كنيستك أو إلى أنبياء أو إلى معلِّمين؟

2-   الله مخلِّص شعبه

على مدى التاريخ، اعتاد الشعب العبرانيّ أن يُنشد خلاصات الله. منذ عبور البحر الأحمر والخروج من مصر، مرورًا بزمن القضاة وصولاً إلى عهد الملوك ثمَّ إلى مريم التي أطلقت نشيدها: تعظِّم نفسي الربَّ. وعادةً النساء هنَّ من ينشدن النصر وعمل الخلاص.

في خر 15، يقول الكاتب الملهم: «وأخذت مريم النبيَّة، أخت هرون، دفًّا في يدها. خرجت النساء كلُّهنَّ وراءها بدفوف ورقص. فغنَّت لهنَّ مريم: "أنشدوا للربِّ جلَّ جلاله، الخيل وفرسانها رماهم في البحر"» (آ20-21). وتواصل النشيد: «الربُّ عزَّتي وتسبيحي، جاء فخلَّصني. أمدحُه فهو إلهي. إله آبائي تعالى. الربُّ سيِّد الحروب، الربُّ اسمه. مركبات فرعون وجنوده أخفاهم في البحر. نخبة قوَّادهم أغرقهم في البحر الأحمر...» (آ1-4). وينتهي النشيد: «الربُّ يملك إلى الأبد» (آ18).

وأنشدت دبُّورة: «باركوا الربَّ لأنَّ بني إسرائيل قاتلوا، وبشجاعة ضحَّى الشعب. استمعوا أيُّها الملوك، وأصغوا أيُّها العظماء. أنا، أنا للربِّ أرنِّم، للربِّ إله إسرائيل أرتِّل... حين خرجتَ يا ربّ من سعير، ومن صحراء أدوم حين صعدت، رجفَتِ الأرض وأمطرت السماء، ومن الغيم تدفَّقت المياه. تزلزلت الجبال من وجه الربّ، وسيناء أمام الربِّ إله إسرائيل» (قض 5: 1-5).

في أيِّ مناسبة أنشدت دبُّورة؟ بعد الانتصار على يابين أحد ملوك كنعان وقائد جيشه سيسرا (قض 4: 1-2). مركبات وجيوش، ولكن تمَّت الغلبة بيد امرأتين. دبُّورة من جهة وياعيل من جهة أخرى. فلماذا نتوقَّف عن النشيد بعد مثل هذا الخلاص الرائع؟

«أنشدوا أيُّها الراكبون الأتن البيض، الجالسون على الطنافس. وأنتم أيُّها السائرون في الطريق، رنِّموا على أصوات الجموع عند آبار المياه. هناك يخبرون بانتصارات الربّ، انتصارات قادة إسرائيل يوم نزل شعب الربِّ إلى ساحة المدينة. قومي انهضي، يا دبُّورة، قومي اهتفي بنشيد...» (قض 5: 10-12).

كلُّ هذا يصل بنا إلى المزامير، حيث إله الخلاص هو إله الخلق. هكذا يبدو مز 136. في آ1-3، نداء إلى الإنشاد: «احمدوا (احتفلوا، أنشدوا) الربَّ لأنَّه صالح وإلى الأبد رحمته (لطفه، أمانته). احمدوا إله الآلهة (كانوا يعتبرون أنَّ هناك آلهة عديدين، فالله أعلى منهم، وفي أيِّ حال لا وجود إلاَّ لله الواحد، كما قال الرسول)، احمدوا ربَّ الأرباب» (قال الرسول: «ربٌّ واحد هو يسوع المسيح الذي به وُجد كلُّ شيء وبه يحيا كلُّ شيء») (آ3).

في آ4-9، يذكر المرتِّل أعمال الله في الخلق: هو وحده صانع المعجزات العظام، صانع السماوات بفهم، باسط الأرض على المياه، صانع الأنوار العظيمة، صانع الشمس لحكم النهار، صانع القمر والنجوم لحكم الليل. كلُّ هذا يعيدنا إلى الفصل الأوَّل من سفر التكوين. ولكنَّ المزمور لم يخفْ من ذكر الشمس والقمر والكواكب، التي كنت معبودة في عالم بابل حيث كُتبَت الفصول الأولى من سفر التكوين. فالآن هي سرُج وقناديل في كبد السماء، تفصل النهار عن الليل، وتدلُّ على الزمن الذي فيه تقع الأعياد وأوّلها الفصح.

إله خالق. إلى الأبد رحمته ولطفه وأمانته. وهو إله مخلِّص. كان العبرانيُّون عبيدًا في مصر، حرَّرهم وأتى بهم إلى البرِّيَّة. أخرجهم من عبوديَّة البشر لعبادة الله الواحد عند جبل سيناء. «ضرب مصر في أبكارهم، أخرج إسرائيل من بينهم، أخرجهم بيد قديرة وذراع ممدودة. شقَّ البحر الأحمر، سار بشعبه في البرِّيَّة» (آ10-16). ذاك ما يرويه سفرُ الخروج بشكل أوَّل ويعيد قراءته سفرا العدد والتثنية كلٌّ من موقعه وطريقته، بانتظار أن يُنشَد في مزمورين كبيرين.

في مز 78 تُروى قصَّة العهد مع الربّ، وكيف كانت خيانات الشعب متواصلة. ويطلب المرتِّل من السامعين خلال الليتورجيّا أن لا ينسوا أعمال الله، لكن يخبروا بها أبناءهم. ماذا ينبغي أن يفعل الأبناء؟ يحفظون جميع وصاياه (وصايا الله)، لا يكونون مثل آبائهم جيلاً عقوقًا، متمرِّدًا، جيلاً لم يستقِمْ قلبه ولا كان روحه أمينًا لله» (آ7-8). ماذا عمل الله لشعبه؟ «صنع العجائب أمام آبائهم، في أرض مصر، بلاد صوعن (مدينة في مصر، في الدلتا حيث أقام العبرانيُّون قبل خروجهم من مصر). شقَّ البحر لهم ليعبروا، ونصبَ المياه كتلٍّ مرتفع. هداهم كالسحاب في النهار، وطول الليل بضوء النار، يخطأون إليه، ويتمرَّدون على العليِّ في القفر...» (آ16).

أمّا في مز 105، فمضى المرتِّل يورد ما ناله العبرانيُّون. منذ البداية، مع إبراهيم وإسحق ويعقوب وصولاً إلى يوسف. «اذكروا عجائبه التي صنع، ومعجزاته وأحكام فمه» (آ5). وذلك حتّى الأعمال في مصر مع الضربات العشر: «أبغضوا شعبه ونكلوا بعبيده فأرسل موسى عبده إليهم وهرون الذي اختاره» (آ25-26). وفي النهاية «أخرج أسباطهم بفضَّة وذهب، ولم يسقط من أسباطهم واحد... أخرج شعبه المختار، أخرجهم بالسرور والترنيم...».

الخاتمة

تلك مسيرة الخلاص التي سار فيها الشعب مع الربّ، وكلُّ فرد من الأفراد. فالإنسان ضعيف وأضعف من أن يخلِّص نفسه فكيف يخلِّص غيره؟ لهذا نراه كيف يرفع عينيه إلى العلاء. والشعب عرف العبوديَّة مرَّة أولى في مصر ومرَّة ثانية في بابل. وكان بالإمكان أن يبقى كذلك لولا تدخُّل الله من أجله، في خروج أوَّل أمَّن لهم المنَّ والسلوى والماء. وفي خروج ثانٍ جعل البرِّيَّة تفرح والبادية، والقفر يبتهج والنرجس يزهر (إش 35: 1). ويأتي النداء النبويّ: «شدُّوا الأيدي المسترخية، وثبِّتوا الركب المرتجفة. قولوا لمن فزعت قلوبهم: تشدَّدوا ولا تخافوا. ها إلهكم آتٍ لخلاصكم» (آ3-4). فماذا تنتظرون؟!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM