الفصل الأول: صلاتنا اليوميَّة والمزامير

الفصل الأول

صلاتنا اليوميَّة والمزامير

سفر المزامير كتاب فريد من نوعه في الأسفار المقدَّسة. فيه الأناشيد الحكميَّة وإن لم يكن من الأسفار الحكميَّة: «لا تغرْ من أهل السوء، ولا تحسد الذين يجورون» (37: 1). فيه الأخبار التاريخيَّة وهو لا يُحسب بين الأسفار التاريخيَّة مثل يشوع والقضاة: «بنو أفرائيم قوس خادعة، هربوا في يوم القتال. لم يراعوا عهد الله ولا سلكوا في شريعته» (78: 9-10). وعن الحياة مع موسى: «كم تمرَّدوا عليه في البرِّيَّة. وأغضبوه في الأرض القفر» (آ40)  إنَّه كتاب الصلاة يتلوه المؤمن في كلِّ حاجاته اليوميَّة، كفرد أو كجماعة، وخصوصًا في وقت الضيق: «ليرحمنا الله وليباركنا وليضئ بوجهه علينا، فنعرف في الأرض طريقك، وفي أقاصي الأمم خلاصك» (مز 67: 2-3).

1-   اسم الكتاب

في اللغة العربيَّة، جاء الاسم من اللغة السريانيَّة. «ز م ر»، رنَّم، رتَّل. وهو يلتقي بفعل «سبَّح». فالمزمور يُنشد عادة، وترافقه الآلات الموسيقيَّة: البوق، العود، الكنّارة، الدفّ، الصنج... وتوقَّف السريان عند المزمار، وعنهم أخذ العرب. وهناك اسم آخر في اللغة العربيَّة: الزبور. من «زبر الكتاب»، كتبه. استُعمل الاسم في القرآن على أنَّ داود كتبه. وهو يأتي بعد التوراة ويسبق الإنجيل. في العبريَّة اسمه «ت هـ ل ي م»، أي التهاليل. واللفظ يرد مرارًا في المزامير: «أنت قدّوس، ساكن تهاليل إسرائيل» (22: 4). فالشعب يهلِّل لله، ويبتهج ويفرح به. ونقرأ في 40: 4 توازيًا مع لفظ نشيد: «وجعل في فمي نشيدًا جديدًا، تهلةً (أو: تهليلاً) لإلهنا. الكثيرون يرون ويخافون (أو: يهابون) ويتَّقون الربّ».

يتضمَّن سفر المزامير 150 مزمورًا. وقسمَها اليهودُ إلى خمسة كتب. وكلُّ كتاب ينتهي بالمجدلة والتسبيح: «مبارك الربُّ إله إسرائيل، من الآن وإلى الأبد. آمين ثمَّ آمين» (41: 14). والسفر كلُّه ينتهي بتهليل واسع: «هلِّلوا لله في بيته المقدَّس. هلِّلوا لله في سمائه العزيزة، المنيعة (التي لا يصل إليها أحد). هلِّلوا لله لأنَّه الجبّار، القدير. هلِّلوا لله لأنَّه العظيم العظيم، ولا حدَّ لعظمته» (150: 1-2). وتأتي الآلات الموسيقيَّة لتُسند أصواتنا.

قُسم «الزبور» خمسة أقسام، على مثال توراة موسى التي جاءت في خمسة أسفار. ولكنَّ المؤمن يجد في هذه التسابيح ما يلبِّي حاجاته النفسيَّة. قد يريد أن ينشد عظمة الله وسلطانه وصلاحه، فيعلن: «أيُّها الربُّ ربُّنا، ما أعظم اسمك في الأرض كلِّها!» (8: 2). أو كما في مز 19: «السماوات تنطق بمجد الله، والفلك يخبر بأعمال يديه، فيعلنه النهار للنهار، والليلُ لليل، بدون قول ولا كلام ولا صوتٍ يَسمعه أحد» (آ 2-4). أجل، الطبيعة لا تستطيع أن تتكلَّم فنتكلَّم باسمها. ولكنَّ المزمور جعل السماوات تنطق، والفلك يخبر. جعل نهار (الخميس) يكلِّم نهار (الجمعة) ونهار (الجمعة) يكلِّم نهار (السبت). يكفي أن ننظر، نتأمَّل جمالات الله في النهار وفي الليل. والبداية مع الشمس التي «تطلّ كالعروس من خدرها، وتبتهج كالجوزاء (برج في السماء. وفي ترجمة أخرى: كالجبّار) بقَطْع شوطها. من أقصى السماء شروقُها، وإلى أقاصيها دورانها، ولا شيء يستتر من حرِّها» (آ 6-7). كانوا يعبدون الشمس، فصارت سراجًا في يد الله يضيء على الأرض في النهار. كانت معبودة، فصارت عابدة لله مع الإنسان، تسير بحسب مشيئة الله. ويا ليت الإنسان يتعلَّم كيف يعيش فيكون طعامه بأن يعمل مشيئة الله (يو 4: 34).

2-   صلاتي في الصبح والمساء

مرَّات عديدة لا نعرف أن نصلِّي، ولا نعرف كيف نصلِّي. ولكن، لماذا لا نكلِّم الله بكلام الله. كلامنا ضعيف وعواطفنا ناقصة، وتعابيرنا لا تفي بالمراد. لهذا نعود إلى المزامير. بعد أن صلاَّها المؤمنون بالملايين وعشرات الملايين، وردَّدوها جماعات وأفرادًا. فهناك من يتلوها كلَّها خلال أسبوع من الزمن. بل إنَّ البعض، وفي هذا إفراط، يحاولون أن يردِّدوها كلَّها يوم الجمعة العظيمة. فمهما تكن طريقة الصلاة، فنحن نتلو هذه المزامير على مهل، ونستطعم بكلِّ كلمة من كلماتها. على ما قال مز 34: 9: «ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ». والنبيّ حزقيال أكل ما قُدِّم له (2:3). ونحن أيضًا نأكل كلام الله الموضوع على مائدة الكلمة، بانتظار أن نأكل جسد المسيح ونشرب دمه في مائدة القربان.

ويبدأ اليوم الليتورجيّ، لا في الصباح، بل في المساء. فعيد الميلاد مثلاً يبدأ في مساء الرابع والعشرين من كانون الأوَّل. وعيد الدنح أو الغطاس يبدأ في الخامس من شهر كانون الثاني. من أجل هذا، نقدِّم أوَّلاً ما دُعيَ «صلاة المساء». هو المزمور الرابع: «حين أدعوك (أصرخ إليك) أجبْني، يا إلهي، يا حافظ حقِّي. في الضيق وسَّعت لي (صار الموضع واسعًا لي. كنتُ في شبه حبس مادّيّ وأدبيّ، فأفرجتَ عنِّي) فتحنَّنْ واسمع صلاتي» (آ2).

هذا المزمور يعبِّر عمّا في قلب المؤمن من رجاء وثقة، ويدعو الذين حوله ليروا الفرح الذي يعمر في قلب المرتِّل، والسلام الذي يتيح له أن يرقد بهدوء وطمأنينة. أمّا اللفظ الأساسيّ: «وحدك، يا ربّ».

صرخ المؤمن فاستمع له الربّ. قال الذين حوله: «ليتنا نرى الخير!» (آ7). ولكنَّ الخير فاض علينا. وإذ نحن ماضون إلى النوم ننشد: «يا ربّ، يا إلهنا، ارفع علينا نور وجهك». لا ظلام لدى المؤمن. ولا غياب للربّ الذي «لا ينعس ولا ينام». انتهى النهار وها المؤمن ينشد: «بعثتَ فرحًا في قلبي، أين منه فرح الأغنياء بكثرة حنطتهم والخمر» (آ8). لا خوف من الأعداء. لا خوف من الخطر. فمسكنُ المؤمن آمنٌ، هادئ (آ9). فما أحلى ما يكون نومه!

وينهض المؤمن باكرًا. هو في الصعوبة، لهذا يدعو الربَّ قبل أن يستفيق النهار. هي أوَّلاً صلاة الشكر بعد أن حفظه الله في نومه. في المساء «نام»، وفي الصباح «أفاق». فماذا يطلب المرتِّل أكثر من ذلك؟ فالله يحفظه حين ينام وحين يقوم، في النهار وفي الليل. ولكنَّ التجربة هي هنا: الخصوم، المقاومون. هكذا يتكلَّم سفرُ الحكمة عن البارّ. يجعلون اليأس في قلبه. إلهك لا يُرى. أمّا الأصنام فتُرى. سواء كانت من حجر أو من خشب، أو كانت من لحم ودم وعظام. هذا «الإنسان» يخلِّصك، فاتَّكلْ عليه واترك الاتِّكال على الله لأنَّه بعيد. يقولون للبارّ: «لا خلاص لك بإلهك» (2:3). نحن أقوى. نحن نخلِّصك. فما يكون جواب المؤمن؟ الصلاة، الصراخ، الثقة التامَّة: «أنت يا ربُّ ترسٌ لي» (آ4). بالترس يدافع الجنديّ عن نفسه عن السيف وسهام العدوّ. ولكن قد ينكسر الترس أو لا يحمي حامله كلَّ الحماية، أمّا الله فيمنح صفيَّه النصر. لهذا يستطيع أن «يرفع رأسه»، فلا يَخزى ولا يُغلَب. في المساء قال: «في سلام أستلقي وأنام» (4: 9). وها هو يعيد الكلام عينه في الصباح. إذا كان الله حفظه في الليل، فماذا لا يفعل في النهار ولو حاصره «عشرات الألوف» (آ7). لا بحث عن خلاص عند الآلهة الكاذبة. فلا نبحث عن خلاص إلاَّ عند الربّ. ولا نطلب بركة إلاَّ من عند خالق السماوات والأرض.

بعد صلاة المساء، بعد صلاة «باكر» كما تقول بعض الليتورجيّات، ها هي صلاة الصباح، ونحن نقرأها في المزمور الخامس. ففي هذا الوقت، يستطيع المرتِّل أن يقول: «وأنا في براءتي أعاين وجهك، وأشبع في يقظتي من حضورك» (17: 15). وفي 5: 4 ينشد المؤمن: «في الصباح باكرًا تسمع صوتي، وباكرًا أتأهَّب وأنتظر». أنا مثل شحّاذ أفتح يدي. أو مثل ابن (أو: ابنة) آخذ ما أحتاج إليه لنهاري، على ما علَّمنا الربُّ يسوع: «أعطنا خبزًا يكفي يومنا».

ما نلاحظ هو أنَّ المرنِّم يدعو الربَّ لكي يسمع، لكي ينظر، لكي يفعل. أتُرى الله ينتظر أن ننبِّهه لكي ينتبه؟ أما قال لنا في الإنجيل: «أبوكم السماويّ عالم بما تحتاجون إليه قبل أن تطلبوا» (مت 32:7). ولكن مع ذلك قال لنا يسوع: «اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتَح لكم» (مت 7:7). لهذا نرافق المرتِّل وهو يبدأ صلاته: «أصغِ يا ربّ إلى كلامي، وتعرَّف إلى تنهُّداتي. لصوت استغاثتي استمع يا مليكي، يا إلهي إليك أصلِّي» (5: 2-3).

عمليًّا، المؤمن هو من يستعدُّ لأن يسمع، لأن يتقبَّل عطايا الله. «وأنا بكثرة رحمتك أدخلُ بيتك، يا ربّ، وبخشوع أسجد لك في هيكل قدسك» (آ8). وهكذا نعيش النهار في الفرح والبهجة، لأنَّ الربَّ يحمينا بظلِّه كما كان يفعل مع العبرانيِّين في مسيرة الصحراء. وكما فعل مع مريم العذراء حين بشَّرها الملاك: «قدرة العليِّ تظلِّلك» (لو 1: 35). فماذا نريد أكثر من هذا لكي نعيش نهارنا ترافقنا عينُ الله الساهرة.

3-   صلاة الشكر

حين ينال المؤمن ما ينال، لا يبقى له سوى أن يأتي إلى الهيكل مع تقدمته، ويؤدِّي الشكر لله على ما ناله من إحسان. كان في الضيق. خرج إلى الرحب. كان في المرض، نال الصحَّة. وصل إلى أبواب الموت، نال الحياة. بعد الشقاء السعادة، وبعد الخطيئة الغفران، وبعد التهديد والوعيد الخلاص وابتعاد المعادين الذين ينالون أكبر عقاب. فالمزمور الثلاثون يردِّد كلام المرتِّل: «يا ربّ، أعدتَ إليَّ الحياة». كنتُ أنوح وها أنا أرقص. ارتديتُ المسح وها أنا في لباس الفرح» (آ12).

روى لنا المرتِّل بطريقة عامَّة الخطر الذي أحاق به: كان في البئر، في الجبّ، مثل يوسف بن يعقوب. فجاء من ينتشله. فما استطاع أخوتُه أن يشمتوا به وبأحلامه. «استغثتُ بك فشفيتني أيُّها الربُّ إلهي. أصعدتَني من أعماق عالم الموت، وأحييتني من بين الهابطين في القبر» (آ3-4). فيوسف الذي راح في البؤس والعبوديَّة، صار الشخص الثاني بعد فرعون، وهكذا سجد له إخوته. أمّا هو فما شمت بهم، بل غفر لهم وأفهمهم أنَّ الله أرسله أمامهم لينجِّيهم من الجوع، فكأنِّي به دعا إخوته: «رتِّلوا للربِّ يا أتقياءه، واحمدوا ذكره المقدَّس» (آ5). وتأتي عبارة رائعة: «غضب الربُّ لحظة، ورضاه طول الحياة». هو يدوم ويدوم. إنَّه مثل أبٍ وأمّ. قد يوبِّخ ابنه، ولكنَّه يعود إليه سريعًا. لهذا قال المزمور: «إذا أبكاني في المساء، فمع الصباح أرنِّم فرحًا» (آ6).

«أبارك الربَّ في كلِّ حين، وعلى الدوام يهلِّلُ له فمي، فيسمع المساكين ويفرحون. عظِّموا الربَّ معي ولنرفع اسمه وحده». تلك بداية مز 34 (آ2-4). لا يستطيع المؤمن أن يشكر وحده، لأنَّ فمه ضعيف، وشفتاه نجستان على مثال إشعيا قبل أن يحمل إليه الملاك جمرة حملها عن المذبح. لهذا يدعو الجماعة لتمدح معه الله، لأنَّ ثقته بصلاحه لبثت حيَّة فنال ما طلب. أوَّلا، طلب من الله فاستجاب له الله. طلب الخلاص فناله. «المسكين يدعو فيسمع الربُّ، ويخلِّصه من جميع ضيقاته. ملاك الربِّ حول أتقيائه، يحنو عليهم ويخلِّصهم» (آ7-8).

عندئذٍ تعلَّم المؤمن «مخافة الربّ». فهذه العاطفة تحرِّك المؤمن في حضرة الله. نحن بعيدون عن الخوف من العقاب. فالخوف يكون بأن لا نكون مراعين قداسة الله فننسى ما فعلَه لنا. هتف: «ذوقوا وانظروا ما أطيب الربّ، هنيئًا لمن يحتمي به. خافوا الربَّ يا قدِّيسيه، فخائفوه لا يعوزهم شيء» (آ9-10). ويتطلَّع المؤمن إلى ما فعله لله، فيتأكَّد أنَّه ينال كلَّ ما طلبه. لهذا يبدأ الشكر حتّى قبل أن ينال: «عينا الربِّ على الصدِّيقين، وأذناه تسمعان نداءه» (آ16). أمّا في مز 40 فيمتزج الشكرُ مع الاستغاثة. شكرٌ على المراحم السابقة: «أصعدَني من جبِّ الهلاك، ومن مستنقع الطين انتشلَني. أقام على الصخرة قدميَّ وثبِّت لي خطواتي» (آ3). وما حصل لهذا «المضايَق»، يكون شهادة لكلِّ المضايَقين: هم يستطيعون أن ينالوا ما ناله هو. هنا نتذكَّر بولس الرسول، الذي جعل من نفسه مثلاً لأبناء دينه، لليهود: إذا كنتُ أنا خاطئًا، إذا اضطهدتُ كنيسة الله بكلِّ قساوة، ومع ذلك غفر لي الله وجعلني رسوله، فأنتم تستطيعون أن ترجعوا إلى الله وهو يتقبَّلكم.

4-   المزامير في حياة يسوع

هتف المرتِّل هنا: «ما أكثر عجائبك لنا، وتدابيرك أيُّها الربّ، يا من لا شبيه له! كيف لي أن أحدِّث بها فهي أعظم من أن تُحصى» (6:40). ويتواصل هنا كلام سوف يردِّده يسوع في بداية حياته على الأرض. «بذبيحة وتقدمة لا تُسَرّ، ومحرقةَ وذبيحة خطيئة لا تطلب، لكنْ أذنين مفتوحتين وهبتَني، فقلت: "ها أنا آتٍ!" أما كُتب عليَّ في طيِّ الكتاب: أن أعمل ما يرضيك يا إلهي» (آ7-9).

ما قرأنا هنا هو استعداد المؤمن لكي يكون في خطِّ مشيئة الربّ. فالذبيحة والمحرقة أمرٌ خارجيّ إن لم يرافقه الطلب، على ما قال مز 51: «أنتَ بذبيحة لا تسرّ، وبمحرقة إذا قدَّمتُها لا ترضى. ذبيحتي لك يا الله روح منكسرة. والقلب المنكسر لا تحتقره يا الله» (آ18-19). وهذا ما يقوله أيضًا صاحب مز 40: هو مستعدّ لأن يسمع ما يقوله الربّ. هو مستعدّ أن يتعلَّق بسيِّده مدى الحياة، كما العبد بسيِّده.

طبَّق يسوع على نفسه هذا الكلام، ونحن نقرأ عاطفته في الرسالة إلى العبرانيِّين (10: 5-10). يرى الكثيرون أنَّ الله خلَّصنا بكثرة آلامه. هي فكرة ولكنَّها ناقصة. وآخرون: رسالة يسوع كانت مهمَّة. لا بأس في ذلك وهو الربّ والمعلِّم. ولكن ما قيمة طفولة يسوع في هذا الوضع؟ ما قيمة الحياة الخفيَّة التي عاشها حتّى السنة الثلاثين تقريبًا؟ لا حاجة إلى الذبائح. لا حاجة إلى المحرقات. فالمسيح خلَّصنا حين عمل مشيئة الآب منذ الطفولة حتّى الصليب والقيامة والصعود. «بفضل تلك الإرادة، تقدَّسنا بجسد يسوع المسيح» (عب 10: 10). وهو الذي قال لتلاميذه: «ما جئت لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الآب الذي أرسلني» (يو 5: 30).

وإذا قرأنا مز 22 الذي هو صلاة عابد الله في الألم والعذاب، الذي تخلَّى عنه الجميع فأحسَّ أنَّ الله ذاته تركه، فهو يعطي الأناجيل أفضل تعبير عن يسوع المتألِّم إلى آخر حدود الألم: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني، وابتعدتَ عن نجدتي وسماع أنيني؟ إلهي، في النهار أدعو فلا تجيب، وفي الليل فلا تحرِّك ساكنًا» (مز 22: 2-3). قال متّى الرسول: «وعند الساعة الثالثة، صرخ يسوع بصوت عظيم: "إيلي، إيلي، لما شبقتاني؟" أي: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟» (مت 27: 46). قدَّم الإنجيل بداية المزمور على أن يتلوه المؤمن كلَّه. وهذا ما فعل يسوع كما كانوا يفعلون في أيَّامه. فهذا المزمور يتواصل بالشكر إلى الله من أجل الخلاص الذي ناله: «لأنَّ الربَّ لا ينبذ المساكين ولا يستهين أبدًا بعنائهم. لا يحجب وجهه عنهم ويسمع إن صرخوا إليه» (آ25). وهكذا سمع الربُّ لابنه وأقامه من بين الأموات. فهتف مع المرنِّم: «أهلِّل لك في المجامع يا ربّ، وأوفي بنذوري أمام أتقيائك» (آ26). والنتيجة: «أنا له وحده أحيا». فيسوع هو الطريق والحقّ والحياة. ثمَّ: «وذريَّتي أيضًا ستعبد الربَّ والأجيال الآتية ستخبر عنه» (آ31). وهكذا انطلقت البشارة من عند صليب المسيح، فشعَّت بالقيامة وتكرَّست بحلول الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة.

تلك هي المزامير. والروح يحرِّك قلوبنا فنصلِّيها كما صلاَّها يسوع، وكما تصلِّيها الكنيسة. ما أجمل أن نكلِّم الربَّ بكلام الربّ! فكلام الربِّ هو النور والحياة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM