الفصل العاشر: سفر يشوع كتاب الليتورجيا والصلاة

(الرعيَّة، تشرين الثاني 2011)

سفر يشوع كتاب الليتورجيا والصلاة

الخوري بولس الفغالي

مرَّة جاءني أحد المعادين لأسفار التوراة، في خطِّ مرقيون ابن القرن الثاني المسيحيّ والقاسم الكتاب المقدَّس بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد، بين إله سفك الدماء وبين إله المحبَّة... جاءني بعد أن استخلص كلَّ النصوص التي تتحدَّث عن القتل وإفناء السكّان. ففي يش 8: 22: "وخرج الكمين من المدينة (مدينة عاي، ومعنى اسمها الخراب، لأنَّها كانت خربة حين جاءها يشوع) فصار رجال عاي وسط بني إسرائيل، فضربوهم حتّى لم يبقَ منهم باقٍ ولا شريد". وما اكتفى رجال يشوع بذلك، بل "رجعوا إلى عاي وقضوا أيضًا على من فيها (أي الشيوخ والنساء والأطفال) بحدِّ السيف، وكان عدد القتلى في ذلك اليوم من رجال ونساء اثني عشر ألفًا وهم جميع أهل عاي، ولم يردَّ يشوع يده التي مدَّها بالحربة حتّى هلك جميع سكّان عاي" (آ24-26). وبقيت البهائم والغنائم: "أخذها بنو إسرائيل لأنفسهم حسبما أمر الربُّ يشوع" (آ27). وما اكتفى يشوع بذلك، بل "أحرق عاي وجعلها تلّ روم وخراب كما هي حتّى اليوم. وعلَّق ملك عاي على شجرة إلى الماء" (آ28-29).

وفي الفصل العاشر، انتصر يشوع على ملوك الأموريِّين الخمسة... وقال لرجاله: "ولا تتأخَّروا هناك، بل أسرعوا للحاق بأعدائكم وأهلكوا من تبقَّى منهم، ولا تمكِّنوهم من أن يدخلوا مدينة من مدنهم لأنَّ الربَّ إلهكم سلَّمهم إلى أيديكم" (آ18-19).

نلاحظ. الربُّ هو سيِّد الحروب. الربُّ نصرَ يشوع، الربُّ سلَّم الأعداء إلى يد بني إسرائيل. أمّا رجال يشوع فهم "ثلاثون ألف رجل أشدَّاء" (8: 3). نتخيَّل هذا العدد الكبير، المضخَّم والذي لا يصدَّق، ساعة نعرف أن جيش مصر، أكبر مملكة في ذلك الزمان، امتلكت عشرين ألف مقاتل.

ومرَّة جاءني أحد طلاّب البعثات الدينيَّة الأميركيَّة الآتين إلى بلادنا خصوصًا بالمال، وأخبرني عن أستاذه الذي سأله: "لماذا أمر الله أن يقتل أهل عاي؟" وكان الجواب: "لأنَّهم وثنيُّون فيجب أن يموتوا". وسأله مرَّة ثانية: "لماذا أمر الله بأن يُقتل الأطفال؟" فكان الجواب: "لأنَّ هؤلاء يكبرون ويكونون وثنيِّين. لهذا نعجِّل ونقتلهم". هكذا نقرأ الكتاب المقدَّس. مثل هذه القراءة تفرض علينا أن نرمي جانبًا العهد القديم ونبقي على الأناجيل وأقوال الرسل وأخبارهم.

*  *  *

كيف تسمح الكنيسة بوجود مثل هذا الكتاب بين كتبها المقدَّسة؟ أمّا اسم يشوع فهو وجه بعيد عن يسوع الذي قال لبطرس وقت العنف: "من يأخذ بالسيف بالسيف يؤخذ، رُدَّ سيفك إلى غمده" (مت 26: 52). وفي إنجيل لوقا، حدَّثهم يسوع بالرموز عن ساعة العنف الآتية، بحيث يجب على الواحد منهم أن يبيع قميصه ويشتري سيفًا. أجابوا حالاً: "معنا هنا سيفان" (22: 38). يا للمهزلة! لم يفهموا شيئًا أنَّ العنف لا يُقلَب بالعنف، بل باللطف. وإذا قال لهم "كفى" فهم الكثيرون من أنَّ سيفين يكفيان للدفاع عن يسوع! "كفى" أي لم تفهموا شيئًا من كلامي. ولمّا قُطعت أذن خادم رئيس الكهنة، شفاها يسوع (آ51).

قال أوريجان في هذا المجال: "لم يُكتب سفر يشوع ليقدِّم لنا أعمالاً وأفعالاً ليشوع بن نون، بل ليقدِّم لنا سرَّ يسوع، ربِّي. فهو الذي بعد موت موسى، نال السلطة العليا، هو الذي يقود الجيش ويحارب عماليق (يرمز إلى الشرّ). وما رُمز إليه على الجبل بواسطة يدين ممدودتين، أتمَّه حين سمَّر على صليبه الرئاسات والقوَّات وانتصر عليهم في شخصه (كو 2: 14).

ما كانت مهمَّة يشوع؟ أن يُدخل الشعب إلى الأرض. ولكن ما هي هذه الأرض تجاه ما يفعله يسوع حين يقول: "طوبى للودعاء فإنَّهم يرثون الأرض" (مت 5: 5). فالأرض تصبح مقدَّسة لأنَّ الربَّ يقيم فيها. وتكون مقدَّسة إذا عمل الشعب بوصايا الله، وإلاَّ تُنجَّس الأرض فيُجبَر الله أن يتركها. أما هذا الذي فعل حين خرج من أورشليم ووقف على الجبل الشرقيّ (حز 10: 1ي).

*  *  *

حين نقرأ سفر يشوع يُقال لنا في المقدِّمات إنَّه يُقسَم قسمين: احتلال الأرض (ف 1-12) واقتسام الأرض (ف 12-19)، وفي النهاية تأتي ف 22-24 التي فيها وصيَّة يشوع والعهد في شكيم، حيث يكون المعنى الروحيّ: "فتشدَّدوا في أن تحفظوا جميع ما هو مكتوب في شريعة موسى وتعملوا به ولا تحيدوا عنه يمينًا ولا شمالاً. لا تختلطوا بهذه الأمم الباقية معكم، لا تذكروا اسم آلهتهم، ولا تحلفوا بها، ولا تسجدوا لها، بل للربّ إلهكم تتمسَّكون، كما فعلتم إلى هذا اليوم" (23: 6-8). أي إلى يوم كُتب سفر يشوع في صيغته النهائيَّة، أي بعد المنفى الذي حصل سنة 538 ق.م. أي بعد الأحداث بخمسة قرون من الزمن. ويواصل يشوع الكلام: "احرصوا أن تحبُّوا الربَّ إلهكم، لكن إن حدتم عن الربّ..." (آ11-12).

وكما في النهاية، هناك البداية. يجب أن نتوقَّف عند الفصول الخمسة الأولى. ماذا نجد؟ كلام الربِّ منذ البداية. كما كان مع موسى هو مع يشوع. ويقول له ويكرِّر: "تشدَّد وتشجَّع لتحفظ جميع أحكام الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي وتعمل بها. لا تحد عنها يمينًا ولا شمالاً، فتنجح حيثما تتوجَّه، لا يغِبْ كتاب الشريعة عن فكرك، بل تأمَّلْ فيه نهارًا وليلاً لتحفظه وتعمل بكلِّ ما هو مكتوب فيه، فتستقيم حياتك وتنجح. ها أنا أمرتُك فتشدَّد وتشجَّع ولا ترهب ولا ترتعب لأنِّي أنا الربُّ إلهك معك حيثما تتوجَّه" (1: 7-9).

إلى من يتوجَّه هذا الكلام؟ لا فقط إلى أناس آتين من البرِّيَّة وسوف يعبرون الأردنّ ليصلوا إلى أريحا والعاي وشكيم وسائر المدن، بل أيضًا إلى الذين كانوا في المنفى فعرفوا الذلَّ والفشل. وما كان السبب؟ لأنَّهم لم يحفظوا شريعة موسى ولم يعملوا بها. ومن هم هؤلاء العائدين؟ بضعة آلاف. وها هم يفرحون بالعودة إلى قراهم التي يعدِّدونها فرحين. هذه أرض يهوذا بحدودها. وها هي المدن (ف 15): قبصيئيل، عيدر... قادش، حاصور زيف، طالم وبعلوت... (آ21ي). هل هذه المدن كانت فارغة في نهاية القرن السادس ق.م. لكي يقيم فيها الآتون من السبي؟ كلاّ. بل هم أقاموا فيها مع المقيمين. وفي أيِّ حال، حتّى العائدون إلى أورشليم وجوارها، وجدوا بيوتهم مهدَّمة، وأرضهم بيد الغرباء. إذًا، ما هو الدور الذي يلعبونه في هذه البلاد وفي هذه المدن حيث تذكر بشكل موسَّع قبيلة أفرائيم (ف 16) وقبيلة منسَّى (ف 17) وتجمع سائر القبائل في حزمة واحدة؟ (ف 18-19).

دور هؤلاء الآتين مع يشوع بن نون أن يحملوا معهم عهد سيناء مع الوصايا التي أُعطيت لهم على لوحين وبدأت: "أنا هو الربُّ إلهك، لا يكُن لك إله غيري"  (خر 20: 2-3). فهل كانوا أمناء لعهد الله؟ كلاّ. لهذا "طُردوا" من أرضهم وأُرسلوا إلى أرض غريبة. تركوا عبوديَّة مصر ومرُّوا في برِّيَّة سيناء وعاشوا في أرض اعتبروها هديَّة من عند الربّ. ولكن حين جاء المحتلّ سنة 587-586، هدم أورشليم وحرق هيكلها وأرسل شعبها إلى المنفى، فصاروا عبيدًا من جديد. فإن هم عادوا إلى "أرض الموعد" هل يختلفون عن آبائهم؟ هل يستعدُّون لحضور الله في الأرض. لا في غربيّ الأردنّ وشرقيِّه فقط، بل في كلِّ الأرض المعروفة: "من البرِّيَّة جنوبًا إلى جبل لبنان ومن نهر الفرات الكبير شرقًا إلى البحر الكبير غربًا، جميع أرض الحثيِّين" يعني وصولاً إلى تركيّا الحاليَّة، تلك هي أرض الربّ. وحيث يكون مؤمنون هناك يكون الربُّ ملكًا. وإن غاب، لم تعد الأرض أرض الربّ، بل أرض الشياطين. ولهذا خاف داود حين كان يلاحقه شاول أن يموتَ في نوب أو في جتّ، لا في أرض الربّ.

إذًا نحن أبعد ما يكون عن السلاح. هو أسلوب أدبيّ به ينبِّه الكاتب الملهم إلى الخطر الكبير الذي يتربَّص بالمؤمنين. فأنتم قلَّة قليلة والأعداء كثيرون. إذًا لا تستطيعون أن تتغلَّبوا عليهم بعددكم ولا بسلاحكم وأنتم آتون من البرِّيَّة، فلا خيل لكم ولا مركبات. إذًا، كيف تنتصرون؟ بإيمانكم. تذكَّروا أباكم إبراهيم حين هاجمته أربع ممالك الدنيا. والرقم أربعة يدلُّ على الكون. إذًا الدنيا كلُّها كانت ضدَّه. بماذا انتصر؟ قيل معه 318 رجلاً. ما هذا الرقم؟ إنَّه رمزيّ. ويدلُّ على إليعازر. واسم لعازر يعني: الله معونتي (تك 14: 1ي). ونتذكَّر مز 121: 1: "معونتي باسم الربِّ خالق السماء والأرض". إذًا، هو السيِّد، فمن يخاف إذا كان الله معه. وقال مز 46: 2: "الله ملجأ لنا وقوَّة، وهو عون في الضيقات مهما اشتدَّت. كذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض، وانقلبت الجبال إلى قلب البحار". والمؤمن عرف أنَّ "الخلاص الآتي من البشر هو باطل، سراب ولا فائدة فيه" (مز 60: 13).

لا. الحرب في الكتاب المقدَّس ليست مع لحم ودم (أف 6: 12)، ليست مع البشر بحيث نَقتُل أو نُقتل. والرسول نبَّهنا إلى السلاح الذي نحتاج إليه: "أخيرًا، يا إخوتي، تقوَّوا في الربِّ وفي شدَّة قوَّته (أو: تسلَّحوا بالقوَّة في الربّ، بقوَّته القديرة). البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضدَّ مكايد إبليس، هذا هو عدوُّنا الوحيد الذي يميل بنا إلى الشرِّ ومعاداة الإخوة والأخوات" (أف 6: 10-11). ويواصل الرسول كلامه: "من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرِّير" (آ13). إذا أخذتم سلاح الله، لا سلاح البشر، تتمُّون كلَّ عمل وتلبثون ثابتين، واقفين، لا ساقطين تحت قدمَي العدوّ، بل هو يكون تحت أقدامكم.

صورة السلاح تعود إلى العهد القديم. والعدوّ ليس الأخ والجار والقريب والغريب الذين نعيش بقربهم. العدوّ هو "الشرّ" في هذا يقول إشعيا عن الملك الذي هو صورة بعيدة عن يسوع المسيح: "يضرب الأرض بقضيب فمه". أي بالكلمة التي تصيب الإنسان في الصميم. ثمَّ "يميت المنافق (أو: الشرِّير) بنفخة شفتيه". كان المقاتل يضع حزامًا على خصره، منطقته، يجعل فيها السيف. ما هي هذه المنطقة عند إشعيا؟ البرّ والعمل بمشيئة الله. وماذا يكون الدرع؟ الأمانة لله. هكذا يكون قويًّا. والهدف؟ أن يموت الذئب؟ كلاّ. أن يموت النمر؟ كلاّ. بل "أن يسكن الذئب مع الحمل، والنمر يربض مع العجل" (آ6).

هذا هو السلاح الذي يتكلَّم عنه الربُّ في الكتاب المقدَّس. ويوضحه الرسول إلى أهل أفسس: "تتمنطقون بالحقّ وتلبسون درع البرّ". وماذا في أرجلكم؟ "استعداد إنجيل السلام". فقد قال إشعيا: "ما أجمل، على الجبال، أقدام المبشِّرين المخبرين بالسلام، المبشِّرين بالخير، المخبرين بالخلاص" (إش 52: 7). والترس هو "ترس الإيمان، الذي تقدرون به أن تطفئوا جميع سهام الشرِّير الملتهبة". صورة واقعيَّة "سهام ملتهبة" بها نحارب الشيطان الذي لا يُرى. ثمَّ "خذوا خوذة الخلاص (بها تحامون عن أنفسكم) وسيف الروح" (أف 10: 14-17).

هل نعتقد أنَّ إبراهيم انتصر على "الأعداء" بالسلام البشريّ؟ لا بالإيمان وبالاتِّكال على الله. وهكذا نقول عن يشوع الذي انتصر على خمسة ملوك، وما هو الجيش الذي معه؟ قبيلة أفرائيم، التي تكاد تُعدُّ ثلاثمئة مقاتل. وما هو سلاحهم؟ يقول سفر يشوع: "ضربهم ضربة عظيمة" (10: 10). وما هي هذه الضربة؟ لا يُقال لنا شيء في هذا المجال. ثمَّ إنَّ الربَّ يُرسل "الحجارة" التي هي البرَد. ويبدو أنَّ البرد ينزل على الأعداء، لا على رأس "جيش" يشوع. والنتيجة: "الذين هلكوا بحجارة البرَد أكثر من الذين قتلهم بنو إسرائيل بالسيف" (آ11). هذا مع العلم أنَّ القبائل الآتية من الصحراء لم تتقن العمل في الحديد. مع أنَّ سفر صموئيل الأوَّل يقول: لم يكن في كلِّ أرض إسرائيل حدَّاد، لأنَّ الفلسطيِّين ما أرادوا أن يصنع العبرانيُّون سيفًا أو رمحًا. فكان على كلِّ واحد من بني إسرائيل أن ينزل إلى الفلسطيِّين ليحدِّد سكِّينته أو منجله أو فأسه أو معوله، وكانت كلفة التحديد ثلثَيْ مثقال للسكك والمناجل وثلث مثقال للطفوس والمناخس" (13: 19-21). واسألوا بنو إسرائيل لا في زمن يشوع فقط، بل في زمن شاول: ما عدد السيوف معكم؟ والجواب نقرأه هنا: "فلمّا جاء يوم الحرب لم يكن سيف ولا رمحٌ في أيدي جميع المحاربين مع شاول ويوناتان، ما عدا شاول ويوناتان" (آ22). إذًا، في كلِّ "الجيش" سيفان اثنان لا غير.

فالانتصار المطلوب من يشوع والذين معه، هو على عبادة الأصنام. والمشروع: التبشير بالإله الواحد. وعلى هذا الأمر تستطيع أن تشهد الشمس والقمر اللذين صارا شخصين، شاهدين، يقف كلُّ واحد على تلَّة، لا حاجة لأن تطول الحرب وأيُّ حرب بعد أن انتهت قبل طلوع الفجر.

فعمل الملك وابن الملك "يدوم ما دامت الشمس وما دام القمر جيلاً بعد جيل، ينزل كالندى على الأعشاب وكالمطر الذي يسقي الأرض، فيفرح في أيَّامه الصدِّيقون ويعمُّ السلام حتّى زوال القمر" (مز 72: 5-7).

*  *  *

نحن لا نعرف أن نقرأ الكتاب المقدَّس، ومن جهل الكتاب المقدَّس جهل المسيح، كما قال القدِّيس جيروم مترجم الكتاب المقدَّس إلى اللاتينيَّة المسمّاة "الشعبيَّة"، فاستعاد المجمع الفاتيكانيّ كلامه. فالقراءة الحرفيَّة توصلنا إلى الحائط المسدود، أمّا القراءة الروحيَّة فتدفعنا إلى الإيمان بل ترفعنا إلى مستوى الروح القدس الذي وعدنا يسوع أنَّه يرسله إلينا لكي يعلِّمنا. قال لنا الرسول: "الحرف يقتل والروح يحيي" (2 كو 3: 6). كثير من الناس يريدون لنا الموت من خلال قراءة الكتاب. أمّا الله فيقدِّم لنا الحياة على ما قال الربُّ في نهاية خطبته بعد تكثير الأرغفة: "الكلام الذي كلَّمتكم به هو روح وحياة" (يو 6: 63). كثير من الناس يريدون البقاء على مستوى الحرف، ولا يرتضون أن ينفحهم "روح الله الحيّ" (2 كو 3: 3)، ويطلبون منّا أن نرمي "حرف" الكتاب المقدَّس ونرمي معه كلام الله، كذلك الذي يرمي المياه ويرمي معها الطفل الموجود في الطشت. أمّا نحن فنميِّز الحرف عن الروح، والقشرة عن اللبّ لكي نصل إلى الثمرة يقدِّمها لنا الربّ.

ونعود إلى "احتلال" أريحا (ف 6). إذا كان يشوع وصل مع قبيلة أفرائيم، قبيلة يوسف من يعقوب، حوالي سنة 1200، إلى السهل حيث تقع هذه المدينة الحصينة، فهذه المدينة التي ذكرها أرشيف مدينة ماري، الواقعة على الفرات، سنة 1800، كانت مهدومة منذ سنة 1550 على يد تحوتمس الثالث المصريّ. إذًا، لا حرب ولا احتلال. بل حين وصل يشوع ورجاله، كانت الطريق مفتوحة أمامهم، وما كان في المكان سوى قبيلة راحاب التي هي في المعنى الروحيّ "زانية" لأنَّها لم تكن تعبد الإله الواحد. ولكنَّها ستدخل في "شعب الله حين تعلن إيمانها، فتقول فيها الرسالة إلى العبرانيِّين: "بالإيمان نجت راحاب البغيّ من الهلاك مع العصاة، لأنَّها رحَّبت بالجاسوسين" (11: 31). وكيف ذلك؟ هل فتحت المدينة وما هناك من مدينة؟ كلاّ. ولكنَّها سمعت بأفعال الربّ منذ عبور البحر الأحمر، ففتحت قلبها وآمنت "أنَّ الربَّ إلهكم هو الله في السماء وما فوق وعلى الأرض وما تحت" (هو 2: 11). وكما هُنِّئت بسبب إيمانها، هُنِّئت أيضًا بسبب أعمالها، فقالت فيها رسالة يعقوب: "ترون إذًا أنَّ الإنسان يتبرَّر بالأعمال لا بإيمانه وحده. وهكذا راحاب البغيّ، أما برَّرها الله لأعمالها حين رحَّبت بالرسولين" (2: 24-25). هما "رسولان" نادياها إلى الإيمان، فصارت المؤمنة الجديدة، وبأعمالها نالت الخلاص. وماذا عملت؟ كلُّ قبيلتها خُتنت، كما كان الأمر مع إبراهيم (تك 7: 23ي). لهذا قابلت رسالة يعقوب راحاب مع إبراهيم "الذي صار إيمانه كاملاً بالأعمال" (آ22).

ونقرأ ف 6 من سفر يشوع، فنجد فيه وجهين من الصور: من جهة، الحرب، فالهتاف. الفعل العبريّ: و ي ر ع. يرتبط بالفزع والرجفة، كما في اللغة العربيَّة. وما الذي يسبِّب هذا الجزع؟ الهتاف الحربيّ والصراح. ثمَّ النفخ بالبوق الذي هو الإيذان بالحرب، يزرع الرعب في قلب العدوّ كما حصل بعد خطيئة عاكان (7: 8-20). وهكذا تمَّ الانتصار. "نفخ الكهنة في الأبواق، فهتف الشعب عند سماع صوتها هتافًا شديدًا. فاقتحم الشعب المدينة لا يلوي أحدهم على شيء واستولوا عليها. وقتلوا بحدِّ السيف، إكرامًا لله، جميع من في المدينة، من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، حتّى البقر والغنم والحمير" (6: 20-21).

ولكن أين هي الحرب؟ الأسوار سقطت. وأين السكّان؟ من ثلاثمئة سنة لا وجود للسكان سوى قلَّة قليلة. ولماذا "اقتحام" المدينة ولا وجود للأسوار؟

من أجل هذا، نفهم أنَّ لغة الحرب تعني رفض عبادة الأوثان وكلُّ ما يتعلَّق بها. لهذا جاءت لغة التحريم. "لتكن المدينة بكلِّ ما فيها محرَّمة عليكم، إكرامًا للربّ" (آ17). وردَّد الكلام: "أمّا أنتم فكلُّ شيء محرَّم. لا تأخذوا شيئًا لئلاَّ تجلبوا الحرام على حملة بني إسرائيل، مع التعاسة. وكلُّ فضَّة وذهب وإناء نحاس وحديد، فهو مكرَّس للربّ يدخل خزانة الربّ" (آ18-19). إذا كان الربُّ هو المحارب الأوَّل، فإليه تعود المغانم ولاسيَّما أفضلها.

استعملت ألفاظ للحرب. وهي تُستعمل أيضًا في الليتورجيّا، ففعل هتف يرد مرارًا في المزامير: "افرحوا بالربِّ وابتهجوا أيُّها الصدِّيقون، واهتفوا يا جميع مستقيمي القلوب" (32: 11). وفي مز 33: 1-2: "اهتفوا للربِّ أيُّها الصدِّيقون... احمدوا الربَّ بالكنّارة وبعود من عشرة أوتار ورنِّموا له". وكذا نقول عن البوق الذي هو الدعوة إلى الصلاة وإلى بداية العيد. "ويكون في ذلك اليوم أنَّه يُضرَب ببوق عظيم، فيأتي التائهون في أرض أشور، والمنفيُّون في أرض مصر، ويسجدون للربِّ في الجبل المقدَّس، في أورشليم" (إش 27: 13).

تابوت عهد الربِّ استُعمل للحرب فسار في وسط المقاتلين. قالوا في إحدى الحروب: "نأخذ من شيلو تابوت عهد الربِّ، فيكون في وسطنا ليخلِّصنا من أيدي أعدائنا" (1 صم 4: 3). أمّا في "احتلال أريحا" فالكهنة هم الذين يحملون التابوت، وتسبقه سبعة أبواق (6: 6).

ولكن أين المعركة وإن كان كلام عن "المسلَّحين"؟ (آ13). بل هو تطواف، زيّاح، "حول" المدينة. سبعة أيَّام. في اليوم السابع، سبع مرَّات. أما نرى أنَّنا في ليتورجيا تستعيد كما في "الرؤيات القديمة" حضور الربِّ وسط شعبه؟

*  *  *

ونعود إلى بدايات سفر يشوع. عبور الأردنّ يشبه عبور البحر الأحمر. هو انتقال من حالة إلى حالة، ومن أرض غريبة إلى أرض يقيم فيها الربّ. وما اعتبره رفاق موسى شرًّا يخيف، رآه رفاق هارون: لا ذاك النهر في نهاية الصيف حيث تكون مياه قليلة فيمكن عبوره على الأقدام، بل "ذاك الطافح من جميع شطوطه أيَّام الحصاد" (3: 15). فما إن وضع الكهنة أقدامهم في المياه، وهم يحملون التابوت، حتّى "توقَّف الماء المنحدر من فوق وتجمَّع صفًّا واحدًا... والماء المنحدر إلى البحر الميت في غور الأردنّ، انقطع تمامًا، وعبر الشعب قبالة أريحا. فظلَّ الكهنة حاملو تابوت العهد واقفين على اليابسة في وسط الأردنّ إلى أن عبر "الشعب كلُّه" (آ16-17). يا للمعجزة الكبيرة يقوم بها الربُّ ليبيِّن لشعبه أن لا خوف من الأخطار الآتية بعد عبور الأردنّ. وهكذا أنشد المزمور: "البحر رأى وهرب (خوفًا) والأردنّ تراجع إلى الوراء. الجبال قفزت مثل الكباش والتلال كأولاد الغنم. ما لك يا بحر تهرب، يا أردنّ تثب إلى الوراء!" (114: 3-5).

هي قدرة الربِّ الذي يسير أمام شعبه فتزول العوائق. تذكَّر ذلك العائدون من المنفى، فاعتبروا مسيرتهم تطوافًا في رفقة الربّ. "صوت صارخ في البرِّيَّة، هيِّئوا طريق الربّ، مهِّدوا في البادية دربًا قويمًا لإلهنا. كلُّ وادٍ يرتفع، كلُّ جبل وتلٍّ سيخفض. ليظهر المعوجُّ قويمًا ووعر الأرض سهلاً" (إش 40: 3-4).

وهل الشعب مُعَدٌّ لكي يشارك في الفصح كما كان الأمر قبل عبور البحر؟ لا. فالذين كانوا في البرِّيَّة هم غير مختونين. عندئذٍ "صنع يشوع سكاكين من صوّان (كما كانوا يفعلون في القديم القديم) وختن بني إسرائيل" (5: 3). هكذا صار الآتون من البرِّيَّة من شعب الله. وانفصلوا كلِّيًّا عن مصر، فقال الربُّ ليشوع: "اليوم نزعتُ عار المصريِّين عنكم" (آ9).

واحتفلوا بالفصح الأوَّل في كنعان "في مساء اليوم الرابع عشر من الشهر، في سهل أريحا" (آ10). عندئذٍ تبدَّل الوضع تمامًا. في برِّيَّة سيناء، وأعطاهم الربُّ ماء من الصخرة. أمّا هنا، فمياه الأردنّ تكفيهم. في البرِّيَّة أكلوا المنَّ مدَّة "أربعين سنة" (هو عدد رمزيّ، زمن المحنة). والآن، "انقطع عنهم المنّ. فعاشوا من غلَّة الأرض" (آ12).

كلُّ هذا يجعلنا في جوِّ أسرار التنشئة. مرَّ الآتون من هضاب موآب في الأردنّ فكأنَّهم تعمَّدوا، اغتسلوا، ثمَّ خُتنوا. فانتموا إلى شعب الله. وشاركوا في الفصح كما عوَّدهم موسى أن يفعلوا: أخذ كلُّ واحد في العاشر من شهر نيسان خروفًا عن أهل بيته. حفظوه إلى اليوم الرابع عشر. وفي تلك العشيَّة ذبحوه. وأكلوا من لحمه في تلك الليلة مشويًّا بالنار مع خبز فطير وأعشاب مرَّة (خر 12: 3ي). وهكذا عملوا أيضًا في عودتهم من المنفى مع يشوع آخر هو ابن يوصاداق (عز 3: 2) برفقة زربّابل الذي من نسل داود. أعادوا بناء المذبح وبدأوا في إعادة بناء الهيكل، من أجل حياة ليتورجيَّة منتظمة.

هنا نعود أيضًا إلى أوريجان، ذاك المعلِّم الكبير في الإسكندريَّة، ثمَّ في قيصريَّة فلسطين. "اقتاد تابوت العهد شعب الله. ولمّا وصلوا إلى شاطئ الأردنّ، توقَّف الكهنة واللاويُّون. والمياه تملَّكها الاحترامُ أمام خدَّام الربّ، وأوقفت مسيرتها وتجمَّعت في كتلة واحدة، وقدَّمت لشعب الله دربًا لا خطر فيه... حين تسمع رؤية ما تمَّ في الشعب القديم، لا تمضي. نتخيَّل أنَّ هذا لا يعنيك. في الحقيقة، كلُّ هذه الأحداث تتحقَّق فيك بشكل سرّيّ. تبدأ الخروج من مصر حين تترك ظلمات الأصنام وترغب في الوصول ِإلى معرفة الشريعة الإلهيَّة. تعبر البحر الأحمر، فترتبط بعدد الموعوظين (الذين يستعدُّون للعماد). وتشرع في طاعة وصايا الكنيسة... وحين تصل إلى معين العماد السرّيّ، بحضور الكهنة والشمامسة، فتنشأ في الأسرار الكريمة الرفيعة التي لا يعرفها إلاَّ الذين يحقُّ لهم أن يعرفوها. عندئذ تعبر الأردنّ بفضل خدمة الكهنة وتدخل في أرض الموعد. هناك يستقبلك يسوع ويوجِّه خطاك في طريق جديدة تنفتح أمامك".

*  *  *

عاد الشعب من المنفى وتوزَّعوا في المدن والقرى. فهل يذوبون هناك؟ هل يأخذون بعادات الأمم وشعائر العبادة عندهم، أم يحافظون على هويَّتهم؟ إذا لبث الواحد منعزلاً عن إخوته، سوف يضيع وتضيع معه هويَّته فيصبح من الجماعة التي التحق بها. هذا ما حدث للمسيحيِّين في هذا الشرق. ولكن إن بقي المؤمنون متَّصلين بعضهم مع بعض، عن قريب في الاجتماع الأسبوعيّ، وعن بعيد بواسطة وسائل عديدة نعرفها، كتلك السيِّدة التي قالت لي: "كنت عند أختي أساعدها في زواج ابنها". هي أختك؟ هي أختي في الإيمان. فهي فعلت مثل مريم العذراء التي عرفت أن نسيبتها حبلى بابن في شيخوختها "فمضت بسرعة إلى مدينة يهوذا في جبال اليهوديَّة ودخلت بيت زكريّا وسلَّمت على إليصابات" (لو 1: 39-40). ولا ننسَ أنَّ المسافة طويلة.

وهناك مسيحيُّون يشكِّلون أقلِّيَّة فينتمون إلى الأكثريَّة من أجل إفادة مادّيَّة أو غيرها. كما أنَّ الذين يمضون إلى الغرب يذوبون في المجتمع الغربيّ، وبعد قليل يتركون إيمانهم ويكتفون بتأمين حياتهم المادّيَّة ومستقبل أولادهم. فإن رجعوا إلى بلدهم الأصيل فقد يعودون إلى ذواتهم وإلى أصالتهم. هذا ما حصل لشعب الله حين جمعهم "يشوع" للمرَّة الأخيرة قبل موته.

*  *  *

"وها أنا اليوم راحل كما يرحل سائر البشر، وأتم تعلمون بكلِّ قلوبكم وكلِّ نفوسكم أنَّ وعدًا واحدًا لم يسقط من وعوده الخيِّرة التي قالها عهد الربّ إلهكم، بل جميعها تمَّت لكم..." (23: 14). هذا إذا كنتم أمناء للربّ، "أمّا إذا خالفتم عهد الربِّ إلهكم الذي أمركم به وعبدتم آلهة أخرى وسجدتم لها... تزولون عاجلاً عن الأرض الصالحة التي أعطاكم" (آ16).

وهكذا جمع يشوع الشيوخ والرؤساء والقضاة والقادة (24: 1)، وذكِّرهم بأفضال الله منذ إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وصولاً إلى موسى... وها أنتم في الأرض. هكذا يكون تجديد العهد في ليتورجيّا يشارك الشعب كلُّه فيها.

قال لهم: "خافوا الربَّ واعبدوه بكمال وإخلاص وانزعوا الآلهة التي عبدها آباؤكم في نهر الفرات وفي مصر، واعبدوا الربّ" (24: 14). هكذا فعل الآباء وهكذا يفعل الأبناء. نحن أمام توبة عن الماضي وانطلاقة في المستقبل، مع اختيار على مثال ما كان في زمن إيليّا: "إن كان يسوؤكم أن تعبدوا الربّ، فاختاروا لكم اليوم من تعبدون: إمّا الآلهة التي عبدها آباؤكم... أو آلهة الأموريِّين الذين أنتم مقيمون بأرضهم" (آ15). في أيِّ حال، هي الخيانة للربّ والانزلاق وراء الأصنام. أمّا يشوع فكان موقفه واضح: "أمّا أنا وأهل بيتي فنعبد الربّ".

وانطلق الحوار. فأجابه الشعب: "حاشا لنا أن نترك الربَّ ونعبد آلهة غريبة، لأنَّ الربَّ أخرجنا نحن وآباءنا من مصر، أرض العبوديَّة، وصنع أمامنا تلك المعجزات" (آ16-17). في الواقع، الآباء وحدهم كانوا في مصر، لا الأبناء ولا معاصرو يشوع، ولا العائدون من السبي في نهاية القرن السادس ق.م. أمّا الليتورجيا، فتجعل الأجيال المتعاقبة حاضرة كلَّها في الخبرة الأولى بالنسبة إلى الشعب العبرانيّ على مدِّ عصوره، فهم كلُّهم كانوا "حاضرين" حين خرج موسى ورفاقه من مصر وعبروا البحر الأحمر. وبالنسبة إلينا نحن المسيحيِّين، فعلى مدى الأجيال، في الماضي واليوم وحتّى نهاية العالم، نحن حاضرون عند صليب يسوع، يوم 7 نيسان سنة 30، من خلال النساء الأربع اللواتي كنَّ على الصليب فمثَّلن أقطار الكون الأربعة. ويتوالى الحوار:

-       قال يشوع: "لا تقدرون أن تعبدوا الربَّ لأنَّه إله قدُّوس، غيور، لا يصبر على ذنوبكم وخطاياكم".

-       فقال الشعب: "كلا، بل الربّ وحده نعبد".

-       فأجابهم يشوع: "أنتم شهود على أنفسكم أنكم اخترتم الربّ لتعبدوه".

-       فقالوا: "نحن شهود".

-       فقال يشوع: "انزعوا الآلهة الغريبة فيما بينكم، ووجِّهوا قلوبكم إلى الربّ".

-       فأجاب الشعب: "الربُّ إلهنا نعبد، ولصوته نسمع".

وانتهى الحوار الليتورجيّ. وكان لا بدَّ من علامة ملموسة. "سجَّل يشوع هذا الكلام في كتاب شريعة الله، وأخذ حجرًا كبيرًا وأقامه هناك تحت البلُّوطة التي عند مقدس الربّ وقال للشعب: "هذا الحجر يكون شاهدًا بيننا، لأنَّه سمع جميع أقوال الربّ التي كلَّمنا بها. فيكون شاهدًا لئلاَّ تنكروا إلهكم" (آ16-27).

لماذا الحجر (والصخر)؟ لأنَّه يدوم طويلاً. أمّا ذاكرة البشر فقصيرة. أما هكذا فعل يعقوب ولابان حين قطعا عهدًا بينهما؟ (تك 31: 45).

وانتهت الليتورجيّا "فصرف يشوع كلَّ واحد إلى ملكه". ومثله سيفعل سليمان حين يدشِّن الهيكل: "وفي اليوم الثامن، صرفهم الملك سليمان، فدعَوا له وعادوا إلى بيوتهم فرحين، منشرحي الصدر" (1 مل 8: 66).

الخاتمة

ذاك هو سفر يشوع. بدأ في ليتورجيا في أريحا، المدينة القديمة، العظيمة. وانتهى في شكيم المدينة التي تقدَّست بمرور إبراهيم فيها (تك 12: 6). وما بين الاثنين، دخل يشوع في وسط البلاد وراح إلى الشمال ثمَّ إلى الجنوب لكي يزرع في كلِّ مكان عبادة الإله الواحد. أعاد "العدالة" في الشعب بعد أن ضاعت، كما نبَّه الأنبياء مرارًا إلى ذلك، فقسم الأرض بالتساوي وبحسب عدد العشائر، كما سبق لموسى وفعل في سفر العدد. هي قسمة رمزيَّة في كلِّ وقت، بحيث يتذكَّر الأغنياء والملاّكون الكبار واجباتهم تجاه إخوته الفقراء والمحرومين من موطئ قدم في أرض الربّ. وأخيرًا، كان المؤمنون يفرحون حين يسرد الكتاب المدن والقرى التي مرَّ فيها يشوع. والمسيحيُّون الأوَّلون كانوا يفرحون حين يرون بولس ينطلق من مدينة إلى مدينة، وهو لا يريد أن يبني على أساس غيره، فتمنّى أن يصل إلى إسبانيا في أقصى العرب، بعد أن بلغ حوران وتدمر في الشرق، وأعلن في رو 15: 19: "من أورشليم إلى الليريكون أكملت التبشير بالمسيح". هي خبرة مماثلة بين الشعب الأوَّل والشعب الثاني. فرح الأوَّلون بما عمله يسوع. والمسيحيُّون بما فعله يسوع حين صعد إلى الجلجلة وبولس حين وصل إلى أقاصي الأرض.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM