21- يسوع رئيس كهنتنا 2: 16-18

21- يسوع رئيس كهنتنا

2: 16-18

جاء الابن لا ليساعد الملائكة، بل ليساعد نسل ابراهيم. تلك هي الآية الرائعة التي نقرأها في الرسالة إلى العبرانيين 2: 16: "جاء لا ليساعد الملائكة بل ليساعد نسل ابراهيم". في حلقة سابقة، عرفنا أن يسوع شاركنا في طبيعته، والآن نعرف أن يسوع هو رئيس كهنتنا، هو الرحيم هو الآمين.

إذاً نقرأ العبرانيين 2: 16 18: جاء لا ليساعد الملائكة... فأمكنه أن يعين المجربين.

جاء. نعم جاء. من أين؟ من السماء. هذا الذي صعد  إلى السماء هو ذاك الذي نزل. نعم، ولو لم ينزل يسوع من السماء لكي يصعد، لما كنا نصعد معه. نعم، هو أتى إلينا ونحن ما أتينا إليه. نحن الخطأة، فكيف نجسر أن نقترب من الله الكلي القداسة؟ الذي دعاه اشعيا ثلاث مرات: قدوس قدوس قدوس. هو عمِلَ الخطوةَ الأولى. نعم، من يجسر أن يقترب إذا كان مخطئاً؟ فآدم حين اقترف الخطيئة، ماذا فعل؟ اختفى بين الأشجار حتى لا يراه. الله شابه الطفلَ الذي يضع يده على عينيه فيظن أن أباه وأمه لا يريانه. الإنسان الخاطئ لا يجسر أن يقترب. والإنجيل يقول لنا عن ذلك الأبرص: مضى يسوع إليه في البرية. حينئذ تجرّأ الأبرص واقترب.

نعم، هو جاء إلينا. كان بالإمكان أن يبقى في سمائه وحوله الملائكة. نعم الملائكة الذين يرسلهم، يدعوهم التقليد السرياني "عيري"، المستيقظين، الذين لا ينامون، الذين يستعدّون دوماً للخدمة. ويدعوهم اشعيا أصحاب الأجنحة الستّة: بجناحين يغطّون وجوههم لئلا ينظروا إلى بهاء الله. وبجناحين يغطّون أرجلهم من أجل الخدمة، الخدمة الكهنوتية. وأخيراً بجناحين يطيران. إذا كان الملاك هو روح فلا يمكن أن نراه بعيوننا. ولكنْ هذين الجناحين يدلاّن على أنّه يلبّي بسرعة أوامر الله. فنقول في لغتنا العادية: إذهب على جناح الطير. صار الملاك مثل طائر يسرع ولا يعيقه أحد. قال الرسول: جاء يسوع لا ليساعد الملائكة، لا ليكون بقرب الملائكة، فهم لا يحتاجون. بل جاء ليساعد نسل ابراهيم، يعني نحن، يعني نحن المؤمنين. فنحن بحاجة إلى هذه المساعدة.

ابراهيم قيل له: "أترك أرضك وعشيرتك، وأنا أجعلك أُمَّةً عظيمة". نعم أُمّةُ ابراهيم كبيرة جداً. جميع المؤمنين هم نسل ابراهيم، ولكنهم يحتاجون هذا الكاهن، كما احتاج ابراهيم، وهو الذي سقط أكثر من مرة في الخطيئة: باع امرأته أول مرة في مصر، باع امرأته لينجو بحياته، فكان ذلك الأناني. باع امرأته وقبض الثمن. خطيئة كبيرة. وخصوصاً باع تلك التي تحمل المواعيد. فالابن الذي يأتي منها اسحاق هو حامل المواعيد. وباع امرأته مرة ثانية مع ملك جرار. ولكن الرب كان هنا لكي يساعد الملك فحفظه من الخطيئة. وخصوصاً حفظ سارة الضعيفة التي لا يحقّ لها أن تطلب أو تجادل. نعم كان هنا يساعد.

وخصوصاً خطئ ابراهيم لما مضى إلى الجارية. إتفق هو وامرأته على الزنى مهما يكن من أمر، فهذا الرجل مضى إلى امرأة غير امرأته. وستعرف بعد ذلك الوقت سارة، أنها أخطأت. فقالت له: ظلمتني. ظلمي عليك. أعادت الخطيئة إلى ابراهيم. لا شك، ابراهيم مخطئ وخاطئ، لأن المرأة كانت تخاف. إن لم تنجب ولداً. أن يطلّقها زوجها. والخطيئة الثانية هو أنه تراخى أمام امرأته. كان عليه أن يسندها، أن يرفض كما فعل يوسف مع امرأة فوطيفار. قال بيوس لهذه المرأة التي اقتربت منه: كيف أخطأ هذه الخطيئة الكبيرة ضد الله. ما قال ضد فوطيفار، بل ضد الله.

وابراهيم هنا سادم مع إمرأته، وكانت خطيئة الزنى في قلب الأسرة. لهذا أتى يسوع ليساعد ابراهيم وليساعد نسله، وليساعد كل واحد منا، وما لبث في برجه العاجي. من يتخيّل ابن الله، يجرَّب. ومن الذي يجرِّبه؟ ابليس والبشر. نعم، هي التجربة. هل يحب الله أم لا؟ هل يستعد أن يضحي بحياته في خط مشيئة الله أم لا؟ أنا أنت، أشخاص عديدون، عندما نسأل: هل أنت مستعد، نغتاظ بعض الوقت، أم لا نزعل: كيف لك عين تسألنا هذا السؤال؟ وابن الله يسوع المسيح يجرَّب. هل أنت حقاً الله؟ هل أنت حقاً ابن الله؟ هل أنت مستعدّ أن تكون إنساناً كاملاً تأكل خبزك بعرق جبينك؟ يا عيب الشوم مثل هذا السؤال لابن الله، ومع ذلك قَبِلَ يُسألَ قَبِلَ أن يجرَّب: أمامك طريق الحياة وطريق الموت، طريق السعادة وطريق الشقاء. ماذا تختار يا ابن الله؟ ذاك ما قال له ابليس: ان تختار ام لا؟ نعم، قبل يسوع أن يتنازل إلى هذا المستوى، والمستوى الكبير الذي لا يمكن أن يتخيله انسان. ولماذا قَبِل أن يتنازل، لماذا قبل أن يُجرَّب كما يُجرَّب كل انسان؟

ويأتي الجواب: لكي يُعين، لكي يساعد المجربين. نعم، هو مرّ في التجربة، ويعرف أننا نمرّ، هو من لحم ودم ويعرف أننا نحن أيضاً من لحم ودم، لهذا لا يحكم على أحد.

والرب قال في الانجيل: أرسل الله ابنه إلى العالم ليخلّص العالم. ما أرسله ليُهلك العالم، بل ليخلص به العالم.

الحب سهل والدينونة سريعة، والانسان يكون عارياً أمام الله. فلا شيء مخفيّ على الله، ولكن الغفران، ولكن التسامح ولكن القبول، بأن يُعيد الانسان يومه، أن يعيد المسيرة مع الله يوماً بعد يوم.

نتخيل تلك الخاطئة أو تلك الزانية، ماذا أراد الفريسيون أن يعمل بهما الرجل؟ يكفي أن تُرجَم المرأة الزانية، وهكذا يزول الشر من الجماعة. ما هذا الحل؟ كلا، المسيح لا يحرم، بعيد. كلا أراد أن يعيش حياتنا. ونقرأ عبرانيين 2:  17 فكان عليه أن يشابه إخوته في كل شيء. نعم صار شبيهاً بنا. هل رأيتم يوماً شخصاً كبيراً يطلب أن يشابه الصغير، شخصاً مجرَّباً يشابهه شخصٌ لا يعرف التجربة. كلا. متعلّم يجعل نفسه أمياً، قديس يرافق الخطأة، يعيش عيشهم بدون الخطيئة. لا يمكن أن نتخيّل انسانًا على وجه الأرض يقبل بمثل هذه المشابهة. عادة الصغير يحاول أن يشابه الكبير، والفقير يشابه الغني، والخاطئ يشابه الفاضل، والأمي المتعلم. ويمكن أن نقدم سلسلة واسعة. أما هنا فانقلب كل شيء، نعم انقلب كل شيء. أراد الابن أن يشابه اخوته. نعم ليس هو ذلك البعيد، ننظر إليه، نتأمل فيه من بعيد، ونقول: لا نستطيع أن نكون مثله، لا نستطيع أن نقتدي به، هو فوق، فوق. كلا. هذا الحبر، هذا الكاهن العظيم، يسوع المسيح، ليس فوق، بل هو تحت. تنازل. نزل. نقول في السرياني: اتحتيت، صار تحت. نعم صار تحت، في أرضنا، شابه اخوته في كل شيء. نعم كان بالإمكان أن لا يموت، كما قالت بعض النظريات خصوصاً الغير المسيحية: يسوع ما مات، ولكن حين جاء يهوذا أو يوضاس، حين جاء لكي يخون معلمَه، تحول وجه يهوذا، إلى وجه يسوع. فاعتبروا أن يسوع هو يهوذا ويهوذا هو يسوع، وفي ذلك الوقت صعد يسوع إلى السماء. هو لم يمت لكن يهوذا هو الذي مات. ما هذا الخبر من خلصنا من الموت والخطيئة يهوذا؟ شكراً لهذه النظريات الحلوة: يهوذا خلص البشرية! ولا نقول شيئًا عن نظرية أخرى تجعلنا نرى الناس جهالاً بمعنى أنهم يرفضون الله، يرفضون وجود الله. ويقولون أيضاً إن يهوذا لم يمت ولكنه مضى إلى مكان بعيد وعاش مع امرأته هناك، حياتاً رغيدة سعيدة.

كلا. نحن متنا ويسوع أراد أن يموت. نحن تألمنا ويسوع أراد أن يتألم، أن يبكي كما نبكي، أن يحزن كما نحزن. شابهنا في كل شيء، رافقنا في خطايانا. ويقول بولس الرسول: صار خطيئة من أجلنا. نعم. هو لم يخطأ، هو لم يقترف ذنباً، ولكنه صار خطيئة، يعني جمع كل خطايانا في شخصه. وكما قتل الموت بموته، قتل جميع خطايا البشر في موته. يا للعمل العظيم، يا للقدرة الإلهية، يا للتنازل العجيب، وإذ عمل هذا، شابهنا، صار إنساناً مثلنا، استطاع أن يكون كاهناً لنا، رئيسَ كهنة، والكاهنَ الوحيد. فالكاهن يكون من الأرض ومن السماء. هو الوسيط. لو لبث الان في السماء، لما كان ذلك الكاهن. وأي إنسان على الأرض يمكن أن يكون الكاهن؟ لأنه لا يقدر أن يتصل بالسماء. أما يسوع المسيح، فمن حيث أنه انسان، فهو من الأرض. ومن حيث هو الله، فهو من السماء. وهكذا اجتمع في شخصه، في أقنومه، السماء والأرض. نعم أراد أن يكون إنساناً ليكون كاهناً. ولو لم يكن إنسانًا، كيف يمكن أن يكون رحيماً، يعني يعرف ضعفنا. حين نقرأ بعض المرات في العهد القديم، نرى أن الله يغضب على شعبه، يعني يريد أن يعاقبه، ويستحق العقاب لأنه ضعف، أو عبد الأوثان أو اقترف الخطايا: ضد الفقراء، ضد المساكين، ضد الغرباء، ضدّ الأرامل، واليتامى هو القدوس كل القداسة، ونحن الخطأة كل الخطأة. ولكن لما صار ابن الله انساناً، لما شابهنا، عرف أننا ضعفاء، ولهذا عرف أن يكون رحيماً.

قال لنا كونوا رحماء كما أن أباكم الذي في السماء هو رحيم، نعم علمنا الرحمة. طوبى للرحماء لأنهم يرحمون إذا كان يدعونا نحن إلى الرحمة، فكم يكون هو رحيماً، نعم غافراً خطايانا.

ويخبرنا الإنجيل عن ذلك الراعي الذي يمضي فيبحث عن الخروف الضال. كان بالإمكان أن يتركه ليضل وليأكله الذئب ولا بأس مضى خروف مضى حمل بقي عندي 99 الخسارة ليست بكبيرة. هذا على مستوى البشر، لا على مستوى الله، كل واحد له قيمته، له وزنه في عين الله.

ماذا نقول عن أم لها اثنا عشر ولداً وتخسر واحد؟ هل تقول: بقي لي أحد عشر ولداً؟ كلا، لا يمكن الأم أن تقول هكذا مهما كان أولادها كثيرين. كل واحد يبدو وكأنه وحيد.

ذاك هو الله الآب: ست مليارات من البشر، كل واحد هو فريد في نظر الله، كأنه وحده ابنه، كأنها وحدها ابنته. نعم هو الرحيم، يعني نحن خرجنا من رحم الأب، من رحم الأم، ونبقى متعلقين بأمنا، بأبينا، نتعلق بالله الآب، نتعلق بالابن، نتعلق بالروح القدس. بما أنه انسان، عرف الرحمة، عرف الحنان، عرف الضعف البشريّ، فقال لنا: "ما جئت من أجل الأصحاء، بل من أجل المرضى. ما جئت من أجل الأبرار، بل من أجل الخطأة". ما جئت من أجل الكبار، بل من أجل الصغار. وقال للكبار: إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماء. هذا هو رئيس كهنتنا هو انسان مثلنا، لهذا هو ذلك الرحيم، وفي الوقت عينه، هو ذلك الأمين. الأمين، يعني الثابت الذي آمن بنا ويطلب منا أن نؤمن به. نعم، هو الذي كان أميناً لنا، ويطلب منا أن نكون أمناء له. الأمين هو الثابت الذي لا يتبدل، الذي لا يتغير أبداً. ومن يكون هذا؟ ابن الله، نعم. فكاهننا يسوع المسيح من حيث إنه انسان، هو الرحيم ومن حيث إنه الله، هو الأمين. نعم الأمين.

في الماضي كانت عهود بين ابراهيم والله، ورمز هذا العهد الختان. ولكن ما قيمة هذا الختان؟ هو جرح في الجسد. وفي أي حال ضاعت هذه الممارسة، لأن الختان الحقيقي ليس ذلك الجرح في الجسد. الختان الحقيقي هو ختان الأذن التي يكشف عنها ما يغطيها فتسمع. هو ختان القلب الذي يفهم، ويستعد أن ينطلق في مسيرة مع الله، فلا يترك شيئاً لنفسه، بل يجعل كامل ثقته بالله. وكان عهد مع موسى، نعم: أنتم تكونون لي شعباً وأنا أكون لكم إلهاً. ولكن هذا العهدُ نقض بسرعة، فعبد العبرانيون مع هارون العجل الذهبي. قال بعضهم لبعض: "هذا هو إلهنا"، نعم، بسرعة تركوا الإله الحقيقي، وعبدوا العجل الذهبي، وكانت عهود عديدة مع داود، مع سليمان، مع بعض الأنبياء، وخصوصاً إيليا. كلها عبود، لم تثبت. لماذا؟ لأن الإنسان لا يمكن أن يبقى ثابتاً. هو متحرك، هو عابر، هو ضعيف، هو خاطئ. من يؤمّن لنا أن يكون العهد بين الله والبشر ثابتاً، غير متقلّب، غير متحرك؟ وحده الذي هو الله، يعني يسوع المسيح.

ولهذا نقول عندما نحتفل بالذبيحة: هذا هو العهد الجديد الأبديّ. هو جديد، لأنه كل يوم يتجدّد، لا يمضي ويأتي آخر محله. كلا، بل هو يتجدّد. الأساس هو هو، والوجه جديد يوم بعد يوماً. ولكنه أبدي، أي لا عهد بعد العهد بواسطة يسوع المسيح. خلص. هو العهد الأخير بين الله وشعبه بواسطة من هو اله ومن هو إنسان. عهد أبدي في خدمة الله، نعم في خدمة الله، هذا هو البرنامج الذي يقوم به الكاهن، كاهننا الأعظم. وهذا هو برنامج الكنيسة، خدمة الله، نعم، والخدمة تعني الالتصاق بالله، عمل مشيئة الله. وما هي مشيئة الله؟ يقول لنا الرسول في هذه الرسالة: التكفير عن خطايا الشعب.

عالم الخطيئة لا يمكن أن يبقى عالم الخطيئة. ولماذا لا يلغي الإنسان الخطيئة؟ لأنه لا يقدر. إن الخطيئة تصدر منا ولكننا لسنا أسيادًا، لكي نستردها. هي تصدر منا وتمضي إلى البعيد، وتعمل أعمالاً قاسية، أعمالاً صعبة. نعم وحده الرب يستطيع أن يكفّر عن خطايا الشعب، أن يطهر الشعب من خطاياه. والتطهير لا يكون ذلك العمل الخارجي. التطهير هو الخلق من جديد، ومن يخلق الا الله. وننهي الفصل 2 من الرسالة إلى العبرانيين فنفهم إلى أي حدّ تنازل الابن. فنقرأ آية 18 : هو نفسه تألَّم بالتجربة، فأمكنه أن يُعين المجربين.

وهو يعرف ضعف الانسان أمام التجربة. قال لها قومي ولا تعودي إلى الخطيئة، تستطيعين أن تبدأي حياتك من جديد.

شكراً لك يا يسوع ما نظرت إلينا من أعاليك بل أردت أن تكون معنا خطئنا أتينا إليك وأتيت إلينا قبل أن نأتي إليك. نحن مرضى وأنت تشفينا، لا من الخارج بل صرت مريضاً مثلنا. شكراً لك يا يسوع. نحن نجرَّب وأنت تجرَّب معنا، وتفهم وضعنا نحن المجربين.

شكراً لك يا رب، وعلِّمنا أن نكتشف حبك، أن نكتشف رحمتك، أن نكتشف أمانتك، أنت يا من تحيا وتملك إلى دهر الداهرين. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM