براشيت ربّه حول سفر التكوين

براشيت ربّه حول سفر التكوين

هو مدراش إرشاديٌّ حول سفر التكوين. نسبَهُ التقليد إلى هوشيّا ربَّه (أو العظيم). وهو من القوّالين (أمورائيم) الأوَّلين. من أكادميَّة قيصريَّة (على البحر). يبدو أنَّه دُوِّن في زمن متأخِّر. فشرح سفر التكوين واعظًا. قرأه فصلاً بعد فصل، وآية بعد آية، في نصٍّ مكوَّن من 101 مقطع centons. حدَّد هذه المقاطع التقليد الماسوريّ أو الدورة الممتدَّة على ثلاث سنين في قراءة التوراة أو أسفار موسى الخمسة. عادة، تبدأ كلُّ عظة بفاتحة (ف ت ي ح ت ا) مأخوذة من المزامير أو الأمثال، وعائدة إلى قوّال من قوّالي فلسطين. اللغة هي العبريَّة عادة، وإن تأثَّرت بعض المرّات بلغة ترجوم أورشليم الذي دُوِّن في آراميَّة الجليل المتأثِّرة باليونانيَّة واللاتينيَّة. دوِّن خلال القرن الخامس واستعمل ترجمة أكيلا اليونانيَّة وبسودو يوناتان الآراميَّة (لا ترجوم أوتكلوس). أورد المشناة لا التوسفتا كما تضمَّن روايات نجد ما يقابلها في المنحولات، عند فيلون الإسكندرانيّ ويوسيفس المؤرِّخ اليهوديّ.

الفصل 84 "و ي ش ب" وأقام

الخلاص يكمن في الوحدة

(1)             37: 1 "وأقام يعقوب في أرض تنقُّلات أبيه، في أرض كنعان". كتب (إش 13): ب ز ع ق ك: "حين تُسمع صراخك. ليخلِّصك أولئك الذين جمعت حولك!": تعلَّمنا (حرفيًّا: عُلِّم): التجمُّع الذي نظَّمه (يعقوب) والذي (نظَّمه) أبناؤه [تحت راية واحدة] نجّاه من يدَيْ عيسو [وإذ نحن نقرأ عن هذا الأخير (تك 36: 40)؛ "وهذه أسماء أمراء عيسو بقبائلهم ومداخلهم المختلفة"، إذًا المفكَّكة، توصَّل يعقوب الآن أن يجمع تحت راية واحدة كلَّ أسرته من أجل الحرب كما لتمجيد الله في إطار صلوات حارَّة. وهكذا سأل عيسو: "ما كلُّ هذه الفرقة التي صادفتها، آتية من عندك؟" [في المقابل، الآية] (إش 57: 13: "لتحمهم الريح ويأخذهم النسيم"! هذا يعود إلى عيسو وإلى أمرائه الذين قيل عنهم (تك 36: 6): "ورحل إلى أرض أخرى، بسبب يعقوب".

(2)             (إش 57: 3): "أمّا الذي يجعل نفسه تحت حمايتي، فهو يكون سيِّدَ الأرض ويرث جبلي المقدَّس". هذا يتعلَّق بيعقوب [الذي، كما تكرِّر الآية]، يقيم [مرتاحًا في الأرض].

وحدة الأصوات والقوى في إسرائيل

تفرض نفسها في كلِّ الظروف

المدراش: ب ز ع ت ك. "حين تُسمع صراخك، ليخلِّصك أولئك الذين حمعتَ حولك". بحسب حكمائنا، تجمُّع الأبرار هو ينبوع خلاص لهم وللعالم. أمّا وحدة الأشرار (الذين تحمَّلنا شرورهم العديدة، يا للأسف) فهي قاتلة للعالم ولهم أيضًا. ولفظ "ب ز ع ق ك"، الذي يشير في الوقت عينه إلى جمع وتوسُّل، يقدِّم وجهين عن تصرُّف الشعب اليهوديّ الفاضل، أي الوحدة في المعاكسة والإزهار والنداء إلى العناية الإلهيَّة) في الضيق كما في التنعُّم في السعادة. وتذكُر هذين العاملين هو شرط بقاء إسرائيل الذي ألهمه "الاسم" (الإلهيّ) لإسحاق فقال: ه ق ل. ق و ل. ي ع ق ب. هي الأصوات المتَّحدة لأنسال يعقوب الملتئمة في جماعة والمتجلِّية سويَّةً، التي تنال نعمة اللون الإلهيِّ حين تتجلَّى "ه ي د ي م. ي د ي. ع ش و، يدا عيسو المجرمتان. هكذا كان ليعقوب حين التقى مع أخيه. موقف البطريرك (أو: أبي الآباء) هذا هو أيضًا رمزٌ من أجل أبنائه.

لماذا رحل عيسو من أرض كنعان

(3)             (أم 28: 1): "يهرب الأشرار مع أنَّ أحدًا لا يلاحقهم. والأبرار مليئون بالطمأنينة مثل الأسد". يهرب الشرِّير مع أنَّ أحدًا لا يلاحقه، كما تشهد على ذلك الآية (تك 36: 6): "رحل (إشعيا) إلى أرض أخرى [بسبب أخيه يعقوب] مع أنَّ هذا تصرَّف مثل أخ وما فكَّر يومًا بأن يلاحقه). حسب رابِّي إليعازر: (رحيل عيسو) كان سببه ضرورة [الذهاب إلى المنفى الذي فُرض على وارثي الأرض المقدَّسة العتيدين]. مقابل هذا، حسب رابِّي يهوشوع بن لاوي: أجبرته (زوجاته) المشينة. [أمّا الآية]: "الأبرار مليئون بالطمأنينة مثل أسد [فهو يتطبَّق على البطريرك التي تقول عنه الآية] "ولبث يعقوب [في الأرض]".

المحن المفروضة على الأبرار

تذكِّرهم بالطابع العابر لوجودهم على الأرض

(4)             (كتب) (أي 9: 23): "إذا السوط ضرب فجأة فقتل [فهو يستهزئ بمحنة البريء). طرح أنطونيوس يومًا السؤال على رابِّي يهودا ها ناسي: "ما معنى" إذا السوط ضرب فجأة فقتل". وما هي العلاقة مع ما يلي من الآية؟" فأجابه: "[افترض أنَّك تأمر بأن يضرب إنسان مئة ضربة سوط وأن يُدفَع عنه مئة دينار بدل العقاب. فهذه تقابل الضربات وتكون تكفيرًا عنه [شرط أن تكون المحنة حُملَتْ كاملة].

(5)             من الواضح أنَّ [التعيس] الذي لا يستطيع أن يحتمل المئة ضربة كلَّها، لا يستيطع أن يعطي لنفسه أي [تعويض]. هكذا نكون حمَّلنا المعذَّبالعذاب والسخرية [في مثل هذه الحالة، نستطيع أن نطبِّق الآية:] "يستهزئ بمحنة البريء".

(6)             حسب رابِّي آحا، حين يريد الأبرار أن يقيموا في الطمأنينة، ويتوقون أن ينعموا أخيرًا بهدوء، بهذا العالم، يأتي الشيطان ويتَّهمهم قائلاً: "لا يكتفون بما حفظ لهم في العالم الآتي، فيرغبون أيضًا أن يعيشوا سعداء في هذا العالم".

(7)             والبرهان هو أنَّ البطريرك يعقوب الذي أراد أن يعيش سعيدًا على الأرض، ثقلَتْ عليه شقاوات (حرفيًّا: ش ط ن و) يوسف. [لهذا كانت الآية الراوية:] أقام يعقوب في الأرض... [بعد شقاواته العديدة، والتي تواصلت: "وإليك نسل يعقوب: يوسف (ويلي خبر شقاواته) وما تحدَّث أوَّلاً عن رأوبين مع أنَّه البكر. كان بإمكان البطريرك أن يقول، مثل أيّوب (أي 3: 26): "ما عرفت السلام". مع عيسو: "ولا الطمأنينة". ومع لابان: "ولا الراحة". ومع دينة: "اجتاحني الاضطراب، بشقاوات يوسف.

يتآمر الشيطان حين يعتبر الأبرار

حسنات هذا العالم وكأنَّها واجبة لهم

المدراش: بما أنَّ البطريرك "ب ق ش" أراد أن يعيش في سعادة، ثقلَت عليه شقاوات الحياة. لا شكَّ، صدِّيقون عديدون نالوا حظوة بأن ينعموا بحياة مزهرة في هذا العالم وفي الوقت عينه نعموا بالسعادة في الحياة الآتية. ولكن تتدخَّل مؤامرات الشيطان حين الصدِّيق "ب ق ش" يطلب هذا الامتياز ويعتبره حقًّا واجبًا له، لا عطيَّة من السماء.

الرباط التعيس بين عذابات يعقوب

المدراش: ما عرفت السلام، مع عيسو، ولا الطمأنينة، مع لابان، ولا الراحة مع دينة. واجتاحتني الاضطرابات بشقاوات يوسف. بالنسبة إلى "شتوت حييم" سنوات الحياة، تتسجَّل عذابات يعقوب في سلسلة أحداث تتوالى ويتفرَّع الواحدُ من الآخر. ما عرفتُ السلام، لأنَّ عيسو جرَّدني من كلِّ أموالي بواسطة ابنه أليفاز. ما عرفتُ الطمأنينة عند لابان، لأنِّي لو أنِّي كنتُ غنيًّا لما وجبَ عليَّ أن أخدم سبع سنوات لأنال يد راحيل. في هذه الحال، ما كان خدعني في حادثة ليئة التي أعطت الحياة لابنتي دينة. فهذه غرَّقتني في الهمِّ وخسَّرتني الراحة وجعلتني أنقلُ حنان عواطفي على يوسف، ممّا حرَّك في الأسرة سلسلة من الخلافات تبعَتْها الشقاوات.

أسباب مرارة يعقوب ودهشته

حين اختفى يوسف

بحسب صاحب "ا م ر ي. ش ف ر"، عدَّد يعقوب الأحداث التعيسة التي جعلته في محنة قاسية، فترك العنان لمرارته ودهشته حين اختفى يوسف. وبحسب رأي حكمائنا، لأنَّ يعقوب أمضى 22 سنة بعيدًا عن البيت الوالديّ دون أن يتمَّ وصيَّة "ك ب و د. أب. وأم" (أكرم أباك وأمَّك)، وجب عليه أن يتحمَّل 22 سنة تعيسة: غياب يوسف، ابنه العزيز، المؤلم. كان بإمكان يعقوب أن يعتبر وبحقّ، أنَّ أحماله واجبه البنويّ في حالة قوَّة قاهرة، لا يحسب له ذنبًا وبأنَّ العناية (الإلهيَّة) تمنحه غفرانها. لهذا وضع المدراش في فم البطريرك كلمات رثاء أيّوب: "ما عرفت سلامًا ولا راحة" طيلة 22 سنة بسبب عيسو ولابان ودينة. ومع أنَّ الظروف وحدها أكرهتني على الابتعاد عن بيت والديَّ، "فالاضطرابات اجتاحتني، مع شقاوات يوسف وحفظَتْ لي القساوة عن كلِّ حقبة إقامتي خارج البيت الوالديّ. في الواقع، الشقاوات التي حصلت للابان كانت جزءًا من أحداث تقرَّرت في مقاصد العناية التي لا تُسبَر.

لماذا اختار يعقوب ذاك الوقت بالذات من حياته

"لكي يريد العيش بالسلام"

لأنَّه، إلى ذلك الوقت، كما يقول بعضُ مفسِّرينا، وعكس عيسو الذي استحقَّ أن يمتلك وصيَّتين – الإقامة في الأرض المقدَّسة، وخدمة الوالدين باحترام، حُرم يعقوب منهما. أمّا الآن وبعد أن تخلَّى عيسو عن والديه وترك أرض إسرائيل ليمضي إلى أرض سعير، فإنَّ يعقوب (وهذا ما تشدِّد عليه الآية) لبث في الأرض التي أقام فيها والدُه) في أرض كنعان. وإذ استعاد باهتمام ممارسة وصيَّتَي التقوى اللتين أُهمِلتا في الماضي، ظنَّ أخيرًا أنَّه يحقُّ له بعض المطأنينة. ولكن حسب "ا م ر ي. ش ف ر" قرَّرت العناية شيئًا آخر. فحقبةُ الحزن التي أنبأت بها العناية لنسل إبراهيم، فتضمَّنت على التوالي، تعزيات ومضايقات وإخضاعات وعبوديّات قاسية، وجب أن تبدأ بالفعل منذ ولادة إسحاق. وإن هي توقَّفت خلال حياة يعقوب بحياة سعيدة، فالخروج من مصر لبني إسرائيل كان تأخَّر كثيرًا. فمسيرة أحداث حتميَّة أعلنها "الاسم" لإبراهيم، حرَّكت واقعًا بأن انصبَّت العذابات على يعقوب وهاجمته في شخص يوسف.

الآباء يصنعون مهتدين

(8)             تفسير (حرفيًّا: كلمة) آخر لعبارة: "أقام يعقوب في أرض تغرُّبات أبيه. فإبراهيم صنع مفتدين. فإنَّه قيل (تك 12: 5): "أخذ إبراهيم زوجته ساراي... وكلَّ النفوس التي صنعها في حاران. أورد رابِّي إليعازر باسم رابِّي يوسي بن زمرا: "لو اجتمع كلُّ الذين أتوا إلى العالم ليخلقوا حشرة، فهم لا يستطيعون أن ينفخوا فيها الحياة، ومع ذلك تقول: "النفوس التي صنعها في حاران!" هذا يعود بنا إلى المهتدين الذين جاء بهم إبراهيم إلى حضن الإيمان.

(9)             ولكن لماذا يُقال "صنع"، لا "أهدى"؟ لكي يعلمك أنَّ الذي يستقبل مهتديًا [تحت راية الإيمان] يعتبر كأنَّه خلفه [ومنحه نفسًا جديدة].

(10)        أتظنُّ أنَّ إبراهيم وحده صنع مهتدين وسارة لا؟ قيل لكي تَخرج من الخطأ: "النفوس التي صنعاها في حاران". ما قيل: التي صنعا (وحده)، بل التي صنعاها اثناهما.

(11)        علَّم رابِّي عونيّا: في الواقع، حين كان إبراهيم يهدي الرجال، كانت سارة تهدي النساء. وماذا تعلِّمنا [أيضًا] هذه الجملة "التي صنعاها؟ هذا يتضمَّن [أيضًا عملاً مادِّيًّا]. لأنَّ إبراهيم كان يستقبلهم (= المهتدين) في بيته، ويعطيهم ما يأ:لون وما يشربون، وبفضل حرارة الضيافة، يجعلهم تحت جناح "شكينه" (أي الحضور الإلهيّ).

(12)        ويعقوب أيضًا كان يصنع مهتدين، كما تشهد لذلك الآية (35: 2): "قال يعقوب لأهل بيته ولكلِّ الذين كانوا معه: أزيلوا الآلهة الغريبة التي بينكم... آ4): فأعطوا البطريرك [كلَّ الآلهة الغريبة التي كانت في أيديهم...].

(13)        ولكن ما سمعنا شيئًا مماثلاً لهذا عن إسحاق [بشكل مباشر]. ومع ذلك، أن نجد أقلَّه تلميحًا؟ رابِّي يصحق – وبحسب نسخة أخرى، رابِّي هوشياربة – أورد باسم رابِّي شمعون: كُتب هنا: أقام يعقوب في أرض تغرُّبات والده [وجب على الآية أن تستعمل لفظًا معروفًا: مساكن أبيه]. لماذا "نغرُّبات أبيه"؟ تلميحًا إلى "م ج ي و ر ي"، مهتدي والديه (حيث أقام يعقوب في جوارهم).

منفى بني إسرائيل ساعد على نشر

النظرة المونوتاويَّة في العالم

المدراش: وأقام يعقوب في أرش سكن والده. "م ج و ر ي" هنا معناها "م ج ي و ر ي" أي أولئك الذين نالوا الاهتداء. ويطرح السؤال: ما الذي دفع المدراش ليفسِّر لفظ "م ج و ر ي" بلفظ "م ج ي و ر ي". أجاب صاحب "ت ك ل ت. م ر و ك ي" موردًا مقطعًا من التلمود (فصحيم 88): تشتَّت إسرائيل وسط الأمم، بحسب مقاصد العناية، كان هدفه نشر المثال المونوتاويّ (= التعلُّق بالإله الواحد) باقتناء متشيِّعين لهذه الحقيقة. فإن كان شعب إسرائيل لا يقف على مستوى كهنوته فيعيش في أرض إسرائيل حياة ذات مستوى أخلاقيّ رفيع، إن كان إسرائيل لا يعطي مثال تصرُّف كريم وعجيب يحرِّك الأمم للانضمام إلى الإيمان بالإله الواحد، عندئذٍ شتَّتته العناية وسط كلِّ شعوب الأرض، وفي هذه الظروف القاسية انتشرت الشهادة المنظورة لقدرة الله. فإن كان منفى إسرائيل الذي قرَّرته حكمة الله العميقة وأعلنته لإبراهيم، تأخَّر خلال حياة بطريركين، فلأنَّهما ثبتًا لواجب الهداية. فيعقوب، كما يروي المدراش، تبعَ في ذلك خطى والديه، ولهذا أحسَّ أنَّه أعفيَ من الذهاب إلى المنفى. وإن ظنَّ يعقوب أنَّه يستطيع أن يقيم في الطمأنينة. فلأنَّه في أرض هدايته اتَّخذ والده بشقاوات يوسف؟ عندئذٍ أوردت الآية بشكل مقدِّمة وتبرير لأحداث تعيسة سوف تجري فتصل إلى المنفى في مصر: ها هو خبر يعقوب: يوسف. يوسف الذي في قصد الله، نشر الأفكار المونوتاويَّة في مصر، ذروة الحضارة في ذلك الوقت. فلا يمكن للمنفى أن ينتظر، ووجب على يوسف أن يحمل إلى مصر وينشر المعرفة والإيمان بقدرة الأوّلي. فما فتئ ينشر معتقده معلنًا: "هل أخطأ إلى الله؟" أو أيضًا: "ما أراد الله أن يصنعه، قد أعلنه لفرعون" ذاك هو المصير المميَّز ليوسف الذي كان سبب التقلُّبات التي حصلت في حياة أبي الآباء (يعقوب). لهذا يعلِّمنا المدراش: "و ي ش ب" وإن كان يعقوب أمل أخيرًا أن يحيا في السعادة، فلأنَّه أخذ بممارسة الهداية عند والده. غير أنَّ الأحداث التعيسة التي تحمَّلها يعقوب كان مصدرها يوسف، حامل الأفكار المونوتاويَّة إلى مصر.

حبُّ يعقوب لأرض إسرائيل

إعلان المنفى بالتلميح

(13) تفسير (حرفيّا: كلمة) آخر لعبارة: أقام يعقوب [في أرض تغرُّبات أبيه في أرض كنعان] ما نال أبونا أيَّة لذَّة في إقاماته، قبل أن يعيش في الأرض التي سكن فيها آباؤه، أي أرض كنعان التي كانت أرض إقامة أبيه [المستمرَّة]. [بما أنَّ إسحاق قدَّم ذبيحة لله وجُعلت عليه هالة من القداسة، منعه الأزليّ من أن يترك الأرض المقدَّسة]

(14)        تفسير آخر: "م ج ي و ر" تساوي عدديًا 259. [هو عدد السنين المنصرفة] منذ اليوم الذي فيه القدُّوس، تبارك اسمه، قال لإبراهيم (تك 15: 13): "اعلم جيِّدًا. سيكون نسلك غرباء...]" حتّى الوقت الذي فيه يقيم يعقوب أبونا في أرضٍ ~أقام فيها أباه.

مات يعقوب 259 سنة بعد الحكم بالمنفى

طبَّق بعض الشرّاح بين موت يعقوب مع نهاية حقبة 259 سنة التي انقضت منذ أعلن الله لإبراهيم منفى العبرانيِّين. وعبارة "و ي ش ب. ي ع ق ب" تُترجَم: ورقد يعقوب بسلام "ب أ ر ص" في الأرض بعد فترة من الزمن تقابل قيمة "م ج و ر ي" العدديَّة(والتي تنتهي 259 سنة بعد الحكم بالمنفى)".

أحداث خبر يعقوب

تنعكس في خبر يوسف

(15)        رابِّي صموئيل بن نحمان قدَّم التفسير التالي: بدل "ها هي مواليد يعقوب: يوسف، وجب على الكتاب أن يقول: "ها هو نسل يعقوب: رأوبين" (إلخ) ماذا أراد أن يعلِّمنا بـ "يوسف؟" أنَّ كلَّ ما حصل إنَّما حصل لهذا [لفظ: ت ل د و ت" يأخذ هنا معنى أحداث].

(16)        ولد يوسف، مثل يعقوب، مختونًا. فوالدته كانت عاقرًا، مثل والدة يوسف. ولكنَّها نالت مثلها ولدين. نعم يوسف، مثل يعقوب، بحقِّ البكوريَّة. وأمُّه ولدَتْ في الألم مثل أمِّ يعقوب.

(17)        أبغضه إخوته، كما أنَّ يعقوب أبغضه أخوه. أراد إخوته أن يزيلوه كما شقيق يعقوب أراد أن يقتله. كان يوسف راعيًا، مثل يعقوب. الاثنان أُبغضا. الاثنان كانا ضحيَّتي سرقيتين (في النهار وفي الليل، واحد في القطيع الذي يحرسه. والآخر اعتُبر أنَّه سُرق في شخصه بيد إخوته والإسماعيليِّين). كلاهما نالا المباركة عشر مرّات (نسخة مصحَّحة) (تك 17: 28-29؛ تث 33: 13-17). واحد هاجر من أرض إسرائيل والآخر أيضًا.

(18)        الواحد والآخر تزوَّجا خارج حدود أرض إسرائيل، وكلاهما أيضًا كان لهما أولاد في الشتات. الواحد والآخر نالا رفقة الملائكة. كُشفت قوَّةُ كلِّ واحد منهما في إطار حلم. كان الواحد والآخر ينبوع بركة لبيت حميِّه (تلميح إلى ازدهار لابان وفوطيفار).

(19)        كلاهما نزلا إلى مصر. واحدٌ أوقف فيها المجاعة [بحضوره المبارك] والآخر بسبب الإجراءات الاحترازيَّة: كلاهما حرَّكا الوفر. واحد طلب من [أبنائه] والآخر من [إخوته أن ينقلوا جثمانه إلى أرض إسرائيل]. الواحد والآخر ماتا في مصر. الواحد والآخر حُنِّطا. وأخيرًا جثمان الواحد حُمل [خارج مصر] مثل عظام الآخر.

النميمة وعقاب يوسف

(20)        (37: 2): "وحمل يوسف [إلى أبيهم] أقوالاً سيِّئة. بماذا كانت تقوم؟ توزَّعت في هذا الموضوع آراء رابِّي يهوده ورابِّي مئير ورابِّي شمعون. بالنسبة إلى رابِّي مئير: [قال يوسف ليعقوب]: يُظنُّ أنَّ أولادك [يأكلون] أعضا حيوان حيَّة. بالنسبة إلى رابِّي يهوده: [روى يوسف أنَّ أبناء يعقوب] يشتمون أبناء الأمتين [بلهة وزلفة] ويعاملونهم كعبيد. بالنسبة إلى رابِّي شمعون [روى] أنَّه يجيلون النظر في بنات الأرض.

(21)     علَّم رابِّي يهودا بن رابِّي شمعون: كان عقابه على قدر هذه [النميمات] الثلاث لأنَّ [أم 16: 11] لأنَّ يُفارت (الموازين) وموازين الربِّ هي عادلة. فالقدُّوس – تبارك اسمه – وبَّخه هكذا: "قلت: اتَّهم أولادك بأنَّهم يأكلون أعضاء حيوانات حيَّة [أقسم] بحياتي، حتّى في ساعة ضلالهم [التي ستكون ضحخيَّتها] لن يأكلوا [لحمًا] دون أن يقوموا الطقس بحسب مدلول هذا (اللغط) جديًّا

(22)     "قلتَ: "شتموا أبناء الأمتين وعاملوهم كعبيد. إذًا [نستطيع أن نقرأ] (مز 105: 17): بيع يوسف عبدًا.

(23)     "قلت: "يجيلون النظر في بنات الأرض" [أقسم] بحياتي! سأحرِّك دبًّا عليك!" [ويمكن أن نقرأ]: ورفع امرأة سيِّده نظرها إلى يوسف.

أسباب تفضيل يعقوب ليوسف

(24)     وكان إسرائيل (أو: يعقوب) يحبُّ يوسف [أكثر من كلِّ أولاده، لأنَّه كان ابن "ز ق ن ي م" شيخوخته]. رابِّي يهودا ورابِّي نحميا [اختلفا في الرأي في معنى لفظ "ز ق ن ي م". فإن ترجم: ابن شيخوختي، انطبق بالأحرى على بنيامين]. بالنسبة إلى رابِّي يهودا [تتركَّب "ز ق ن ي م" من لفظين: ز ي ن. ا ي ق ن ي ن" ويعني [: سمات وجهه شابهت سمات والده. بالنسبة إلى رابِّي نحميا [ب ن. ز ق ن ي م تعني الابن الروحيّ لحكيم، لأنَّه في المصطلح الرابِّينيّ، يُعتبر هذا اللفظ مرارًا كعبارة مكثَّفة (: من اقتنى الحكمة من خبرة عتيقة]. في الواقع، نقل يعقوب إلى يوسف كلَّ فتاوى الهلكة (= السلوك) التي علَّمه سام وعابر.

القميص الملوَّن الذي ميَّز يوسف عن إخوته

حرَّك الحسد وما تبعه من منفى

(25)     صنع له قميصًا "ف س ي م" ملوَّنًا. أورد رابِّي لاخيش باسم رابِّي إليعازر بن عزريا: "ينبغي على الإنسان (حرفيًّا: آدم) أن لا يميِّز أبدًا بين أولاده. فبسبب القميص الملوَّن الذي صنعه البطريرك يعقوب ليوسف، أبغضه [إخوته] و[ لم يقدروا أن يكلِّموه بمودَّة].

(26)     إنَّ لفظ "ف س ي م" يعني [أنَّ هذا القميص] وصل إلى "ف س"، إلى السوار. هو يشير، بحسب شرح آخر، إلى [قماش] ناعمٍ جدًّا وخفيف بحيث يمكن أن يُمسك بسهولة في قبضة اليد.

(27)     "ف س ي م" [يمكن أن تذكِّرنا بلفظ "ف ي ي م" (القُرعة) لأنَّ (الإخوة) وجب عليهم أن يلقوا القرعة ليعرفوا من يحمل هذا القميص لوالد (يوسف): أصابت القرعةُ يهوذا. "ق س ي م" [توجز من جهة بأوَّل حروفها] الشقاءات التي قاساها [يوسف]: "ف" تمثِّل فوطيفار. "س" التجّار (س و ح ر ي م). "ي" الإسماعيليِّين (ي ش م ع ل ي م). "م" المديانيِّين (م د ي ن ي م).

حلقة في سلسلة المصير

(28)     [بالنسبة إلى لفظ] "ف ي ي م"، عاد رابِّي شمعون بن لاخيش إلى رابِّي إليعازر بن عزريا فذكر: قيل من جهة (مز 65: 5): "تعالوا وشاهدوا أعمالَ الله العظيمة. رهيبٌ هو "ع ل ي ل ه" عمله على أبناء البشر. ومن جهة أخرى، يواصل في آ6: حوَّل البحر إلى أرض يابسة [حسب المدراش، هذه الآيات الملحقة تعلن: تعالوا وانظروا مقاصد الله الرهيبة التي ساعدت "ع ل ي ل ه"، بعض أعمال النميمة (مارسها أوَّلاً يوسف، ثمَّ إخوته لدى أبيهم) مع أنَّهم أناس مختارون]. ما الذي حصل لكي يبغضوا (يوسف)؟ بما أنَّهم صاروا من دون أن يدروا أداة في يد العناية، وجب أن يعلموا على تحقيق المنفى المصريِّ للشعب العبريّ. هذه الحقبة القاسية سوف يليها تحرير عجائبيّ] يحرِّك انقسام البحر الأحمر أمام [بني إسرائيل]. "ف س ي م" [هو لفظ ينقسم تركيبه إلى ] ف س. ي م" [يخفي تلميحًا] إلى البحر [الذي انقسم عدَّة] أذرع.

أما يتعارض المدراش

مع وعد الله؟

نسب المدراش لاستحقاق يوسف معجزة البحر الأحمر، ينبوع غنى كبير لإسرائيل. أما هو في تعارض مع هذا الوعد الصريح الذي منحه الله لإبراهيم: "ثمَّ يتركون مصر بثروة وفيرة؟"

حين نفكِّر نرى أنَّ الاسم (الإلهيّ) وعد أبا الآباء فقط بالتحرير من العبوديَّة وبالخروج من مصر للشعب العبرانيّ، بثروةٍ وفيرة. مقابل هذا، معجزات البحر الأحمر تجلب للعبرانيِّين سلسلة من خيرات مادِّيَّة وروحيَّة، وتوقظهم إلى الإلهام النبويّ في مناخ "شكينة" العجيب. كلُّ هذا يُنسَب إلى تقوى يوسف الحارَّة. وإذ أراد المدراش أن يبرز العلاقة بين فضيلة يوسف وانقسام البحر الأحمر قسمين، استعمل ترادف اللفظ "و ي ن س" (هرب). فبهذا اللفظ تحدَّث الكتاب عن سلوك يوسف الفاضل حين هرب من امرأة فوطيفار. وبهذا اللفظ أيضًا صوَّر الملك داود (وبأيِّ حماس!) معجزة البحر الذي رأى وهرب. رأى البحر وهرب [وفتح الطريق للعبرانيِّين] باستحقاق ذاك الذي هرب من [الخطيئة].

سجود الشمس أمام يوسف

صورة مسبقة لخضوعها ليشوع

(29)     (32: 9) وحلم حلمًا آخر [... وها الشمس...]. بعد أن قال يوسف: وها "ه ش م ش" الشمس والقمر... اندهش يعقوب: "من أوحى له أنَّ اسمي هو "ش م ش" (الشمس)؟

(30)     حسب رابِّي يسحق. [حين أمر يشوع الشمس بأن تتوقَّف وجَّه إليها كلامه: "أيُّ خادم ذليل أنت! أما أنت عبد لسلفي الذي دُفع ثمنه بفضَّة متلقلقة؟ أما أنت الشمس مع القمر [والنجوم الاثنتا عشرة] التي رآها سلفي في الحلم [تركع قدَّامه]؟ فالآن، اوقفي [جريَك] قدَّامي!". في الحال (يش 10: 13): فتوقَّفت الشمس ولبث القمرُ جامدًا.

تعجَّب يعقوب حين رأى، في حلم ثانٍ،

أنَّه رُمز إليه بالشمس

مع أنَّ يعقوب وبَّخ ابنه وأجابه: "ما هذا الحلم الذي رأيته؟" وهكذا دلَّ على ارتيابه حين لاحظ مع ذلك أنَّ يوسف رآه في رمز الشمس – وهذا ما يتطالبق مع اللقب الذي ناله سرِّيًّا من الملائكة – فهم أنَّ الحلم سوف يتحقَّق: فانتظر الحدث.

تآمر إخوة يوسف

(31)     (تك 37: 21): ذات يوم، مضى إخوته ليرعوا "إت" [غنم أبيهم]. إنَّ الأداة "إت" (علامة أل التعريف في صيغة النصب) يعلوها نقاط لكي نفهم أنَّهم في الواقع مضوا ليرعوا أنفسهم [وإذ رأوا أنَّ الحبَّ الوالديَّ ارتاح على يوسف، بحثوا عن دواء لخيبة الأمل هذه.

طاعة بنويَّة مثاليَّة

وندامة مؤثِّرة من قبل الأب

(32)     قال إسرائيل ليوسف: "مضى إخوتك يرعون الغنم في شكيم..." [فأجابه: "ها أنا"]. علَّم رابِّي تنحومة باسم رابِّي برخيا: دلَّ هكذا [يوسف] على الاحترام والإكرام الواجبين للأب من قبل ابنه.

(33)     فأجاب: "ها أنا". أكَّد رابِّي حما بن رابِّي حانينا: لبثت هذه الكلمات دومًا حاضرة في فكر سلفنا يعقوب وانقطعت أحشاؤه. قال في نفسه: "كنتَ تعرف أنَّ إخوتك يبغضونك، ومع ذلك قلت: ها أنا".

خضوع يوسف المؤثِّر

لمشيئة أبيه

حسب "ا ج ر ا. د ك ل ا". العبارة "قال له: ها أنا" تقدِّم خروجين عن القياس. فاللفظ "ه ن ن ي" (ها أنا) لا يسبق بشكل عامّ "ل و" (له). ثمَّ هو يلفظ عادة بفم الشخص الذي يُدعى وقت يتجاوب مع نداء مكلِّمه، لا بعد أن يعرف مقاله. رأى كاتبنا هنا شهادة عن خضوع يوسف المؤثِّر والغيور لمشيئة أبيه. وعلى الخطر الذي يتعرَّض له، فقام هذا الابن المحترِم (والده) بهذا السفر رغمًا وفقط في طاعة بنويَّة. وأورد الآية: بعد أن عرف مهمَّتة المقبلة وما فيها من خطر، "و ي ا م ر" قال يوسف: "ل و" (له). فقط "ل و"، له (أي أبي) "ه ن ن ي" ها أنا مستعدٌّ لأن أضحِّي بنفسي.

تأثير رأوبين البكر

(34)     (تك 37: 21): وسمع "و ي ش م ع" رأوبين فأراد أن يخلِّصه من أيديهم [أن يكون سمع بالخبر، فهذا يعني أنَّه كان غائبًا]. ولكن أين كان؟ رابِّي يهودا بن رابِّي نحميا والحكماء [كان لهم آراء مختلفة]. بالنسبة إلى رابِّي يهودا، كان كلُّ واحد منهم يخدم أباه [بدوره]، وذلك اليوم كان دور رأوبين.

(35)     بالنسبة إلى رابِّي نحميا ["و ي ش م ع"، يعني: فهم]، فكَّر رأوبين التفكير التالي: "أنا البكر وأنا من أحسَب مسؤولاً عن هذه الجريمة". وفي نظر معلِّمينا، فكَّر رأوبين: "هو (يوسف) جعلني على مستوى إخوتي بالرغم من الذنب الذي اقترفتُ مع بلهة (35: 22)، وأنا لا أخلِّصه؟! ظننتُ أنِّي رُذِلت بسبب هذا الحادث، ومع ذلك هو يحسبني مع إخوتي. أما قال (تك 37: 9): "وأحد عشر كوكبًا يسجدون لي، وأنا لا أخلِّصه؟!"

(36)     فقال له القدُّوس، تبارك اسمه: "كنت أوَّل من تكرَّس لتخليص النفوس، [أحلف] بحياتك! في مناطقك تُقام بالدرجة الأولى مدن الملجأ كما تقول الآية (تث 4: 433): هي باصر، في البرِّيَّة، في أرض السهل لبني رأوبين.

وفرض يهوذا نفسه

بسلطة لا تُعارَض

(37)     (تك 37: 26): فقال يهوذا لإخوته: ["ما الفائدة من أن نقتل أخانا ونخفي دمه]؟" قال رابِّي يهودا بن إيلاي: ذكر الكتاب هنا استحقاق يهوذا [شكَّلت أقواله حجَّة وقُبلت بدون معارضة]. تكلَّم يهوذا قدَّام إخوته ثلاث مرَّات فانحنوا [قدَّام مشيئته كما] قدَّام مشيئة ملك. قال يهوذا لإخوته... (تك 46: 14): يهوذا دخل مع إخوته... أجاب يهوذا [يوسف] (آ18). حينئذٍ تقدَّم يهوذا منه...

(38)     (تك 37: 29) "و ي ش ب" وعاد رأوبين إلى البئر. أين كان؟ تناقش رابِّي إليعازر ورابِّي يهوشع في هذا الموضوع. بالنسبة إلى رابِّي إليعازر، كان صائمًا، لابسَ المسيح [بشكل توبة لأنَّه بلبل عشَّ أبيه الزواجيّ] وحين صار حرًّا، مضى يرمي نظرة في البئر كما قيل: "و ي ش ب". وعاد رأوبين [إلى الله روحيًّا و] إلى البئر [جسديًّا] بالنسبة إلى رابِّي يهوشع: كلِّف بتدمير البيت كلِّه، ولكن حين تحرَّر مضى يلقي نظرة في البئر، كما قيل: وعاد رأوبين إلى البئر.

(39)     فقال له (= لرأوبين) القدُّوس، تبارك اسمه: "حتّى الآن لم يتقرف إنسان خطيئة أمامي وتاب بعد ذلك. أنت أوَّل من قام بفعل ندامة. فأنا [أحلف] بحياتك بأنَّ واحدًا من نسلك يقوم ويكون أوَّل من يبيِّن الطريق إلى الندامة. إلى ماذا يُشير هذا التلميح؟ إلى هوشع الذي هتف (14: 2): ارجع يا إسرائيل إلى الأزليّ إلهك.

86     مقاصد العناية

(1) (تك 39: 1): تفسير آخر لـ "و ي و س ف. ه و ر د" وأُنزل يوسف إلى مصر... [إذا كان النصُّ اعتبر بالرغم من الآية السابقة (37: 36) أن يكرِّر "و ي و س ف. ه و ر د" فلكي يلمِّح منذ بداية الخبر إلى أنَّ [يوسف صار [بعد ذلك] مسلَّطًا في مصر. [فالآية] "و ي و س ف. ه و ر د. م ص ر ي م ه": يوسف تسلَّط عليهم (= المصرِّين) كما نجد هذا الفعل في معنى مماثل (مز 72: 8): و ي ر د". لتمتدَّ سلطتُه من بحر إلى آخر. تسلَّط عليهم بحسب مدلول هذا اللفظ في الآية (1 مل 5: 4) روده" تسلَّط على كلِّ مناطق النهر... جعلهم يهاجرون [من منطقة إلى أخرى بحسب تفسير هذا اللفظ في الآية (قض 14: 9): و ي ر د ه و": فأخذ منهم (قام بنقلهم) على كفَّيه.

(2) تفسير آخر (لـ"ه و ر د: هذا اللفظ يتقارب مع "ه و ر د" (أنزل) ويدلُّ أنَّ يوسف أنزل يعقوب أبانا [إلى المنفى] إلى مصر (ترافقه كرامات ملكيَّة). عاد رابِّي برخيا إلى رابِّي يهودا بن شمعون فعلَّم: هذا يقابل خبر بقرة تُجرّ إلى المسلخ. ولكنَّها تقاوم. كيف يتصرَّفون؟ يأخذون عجلها الصغير أمامها فتُجبَر أن تتبعه (سواء شاءت أم أبت)

(3) هكذا يعقوب أبونا وجب عليه، في الظرف العاديّ، أن ينزل إلى مصر مكبَّلاً بالقيود، قيود العبوديَّة (لأنَّ ساعة العبوديَّة دقَّت لإسرائيل بحسب النبوءة]. ولكن أعلن القدُّوس، تبارك اسمه: هو ابن، بكري، وأنا أفرض عليه انطلاقًا مشينًا في المنفى؟ فإن أعطيت فرعون فكرة [أن يأخذه]. أما أحرِّك في هذا الحالة سبْيَهُ في العار؟ إذًا، أجتذب ابنه قدَّام فيتبعه بالرغم عنه" [تفسير آخر لـ "ه و ر د"]: أخذ الشكينة معه إلى مصر.

(4) علَّمَ رابِّي فنحاس باسم رابِّي شمعون: كيف نستطيع أن نعرف أن الشكينة نزلت إلى هناك معه؟ لأنَّه كتب (39: 2): وكان الربُّ مع يوسف.

 

87    يوسف وامرأة فوطيفار

(1) (تك 39): قال لامرأة سيِّده: "ها سيِّدي... [ما منع عنِّي شيئًا سواك... هل أخطأ إلى الله؟]" [ذكَّر يوسف الزوجة الخائنة بالثقة والرحمة اللتين منحهما لعبده سيِّدُ البيت، وهما عاطفتان لا يريد أن يخونهما مهما كلَّفه الأمر. وفي النهاية، لكي يبرِّر رفضه وعناده، ذكر الخوف من أن يخطأ إلى الأزليّ. من أجل هذا الرجوع إلى إكرام الله، جعل المدراش في فم يوسف الأقوال التالية]: "اعتاد القدُّوس، تبارك اسمه أن يختار محرقة من بين أحبّائه في بيت أبي، كما طلب من إبراهيم [تك 22: 2]: خذ ابنك [ابنك، وحيدك، الذي تحبُّه]. إذًا هل أسمع لك؟ وإذا وجب أن يختارني محرقة، هل أكون غير أهل للذبيحة [بسبب الخطيئة]!".

(2) تفسير آخر لعبارة قال لامرأة سيِّده: "اعتاد القدُّوس، تبارك اسمه، أن يظهر في الليل للناس الذي يحبُّهم في بيت أبي. لإبراهيم (15: 1): بعد هذه الأمور توجَّه كلام الربِّ إلى إبراهيم في رؤيا. لإسحاق (26: 24): تجلّى له الأزليّ في تلك الليلة. ليعقوب (28: 12): حلم حلمًا: سلَّم... فهل أسمع لكِ؟ وإذ القدُّوس، تبارك اسمه، تجلَّى لي ووجدني نجسًا!"

(3) تفسير آخر ("ه ن": ها سيِّدي. كلَّمها (يوسف) الكلام التالي: "[إذا فكَّرتُ في آدم الذي قال الله بالنسبة إليه العبارة المرَّة: ه ن. ه ا د م: ها الإنسان...] عندئذٍ أخاف. فإذا كان آدم تجاوز أمرًا خفيفًا أظهر له، فطُرد من جنَّة عدن، فالذنب الخطير الذي هو الزنى[يجرُّ عليَّ] بالأحرى عقابًا نموذجيًّا" [تأسَّس هذا التفسير والذي يلي، على قيام لفظ "ه ن"، الذي استعمل أيضًا بالنسبة إلى أشخاص آخرين].

(4) تفسير آخر [للجواب] "ه ن": ها سيِّدي... [لجأ يوسف إلى تذكُّر يعقوب الذي قيل عنه أيضًا "ه ن":] "أخاف سيِّدي، هو أبي الذي يعيش في أرض كنعان ورأوبين الذي رُوِيَ في شأنه [35: 22]، دنَّس رأوبين فراش أبيه مع بلهة، فحُرم من حقِّ البكوريَّة الذي صار لي. فهل أسمعُ لك فأُحرم [بدوري] من حقِّ البكوريَّة؟!"

(5) شرخ آخر لـ: ه ن. ا د و ن ي: ها سيِّدي. قال: "أنا أخاف سيِّدي". فأجابته: "أنا أقتله". فقال يوسف: "حينئذٍ لا أحسَب فقط في عداد المذنبين بالزنى، [بل أيضًا في عداد القاتلين، إذا لبثت في هواك]. فها هو سيِّدي وهو يأمرك"

(6) لاحظ رابِّي إسحاق: أن يأتي الحليب (أو: اللبن) من عنزة سوداء أو عنزة بيضاء فهو دومًا حليب. [ولفظ "ه ن" يتقارب مع اللفظ اليونانيّ الذي يعني "واحد" من هنا التفسير المدراشيّ لأقوال يوسف: "سيِّدي أو أنا، النتيجة هي هي"].

(7) وأيضًا تفسير لـ ها سيِّدي... [قال لها يوسف]: "هو الله سيِّدي الذي أخاف"، أجابت: ا ي ن ن ي": ليس موجودًا. فأجاب (يوسف) في تناسق مع كلام المزمور (48: 2): عظيم هو الأزليُّ وممجَّد جدًّا.

(8) علَّم رابِّي أبين: دفعته من غرفة إلى غرفة ومن مخدع إلى مخدع حتّى أتت به إلى سريها حيث نُقش فوق صنم. ثمَّ أخذت شرشفًا حجبت به وجهه (= الصنم).

(9) حينئذٍ قال لها يوسف: "حسنًا فعلت حين غطَّيتِ الوجه [حياءً من عملك]. ولكن كم يجب أن تستحي قدَّام ذاك الذي كُتب عنه (زك 4: 10): "عينا الأزليّ تجولان في الأرض!.

(10) قال رابِّي هونا باسم رابِّي عمي: "ما كانت الآية خسرت شيئًا من كثافتها [لو استعملت العبارة العامَّة: "و ح ط ا ت ي ل ي ه و ه: خطئبت إلى الأزليّ. بدلاً من أن يكتب: "ل ا ل ه. ي م" "[ولكن طابع هذا اللفظ هو طابع الحلف ويرنُّ في الأذن مثل: ل ا. ل ا ل، ي م: "لا، والله، لن أعمل هذا العمل المشين" [هتف يوسف].

(11) سألت يومًا سيِّدةٌ رومانيَّة رابِّي يوسي: "هل يُعقَل أن يكون يوسف تصرَّف هكذا في عمر 17 سنة، بالرغم من دم الشباب الذي يغلي فيه؟!" [أرادت أن تلمِّح بكلاها أنَّ امرأة فوطيفار قالت الحقيقة، وأنَّ الخبر البيبليّ جمَّل تصرُّف يوسف، كرامةً له].

(12) فقدَّم لها [الرابّي] سفر التكوين وأخذ يقرأ لها خبر رأوبين وبلهة وخبر يهوذا وتامار. ثمَّ أضاف: "هذان كان في ملء نضجهما، ووُجدا في البيت الوالديّ، ومع ذلك لم تُخف الآية شيئًا عنهما. وبالأحرى بالنسبة إلى هذا الذي كان أصغر منهما ووحده دون سند له".

(13) (تك 39: 12): أمسكته بثوبه... فترك ثوبه بين يديها وهرب خرج إلى الخارج بفضل استحقاقات آبائه المحامية نجح أن يُفلت، كما نستطيع أن نقرأ عبارة مشابهة عن إبراهيم (15: 5): أخرجه إلى الخارج [فانتصار يوسف في محنته وسلسلة الأحداث، كلُّ هذا انطلق منإعلان المنفى لإبراهيم، بحسب مخطَّط رتَّبته العناية بشكل سامٍ].

(14) إنَّ هرب البحر قدَّام العبرانيِّين [الناجين] له علاقة وثيقة بفضيلة عظام يوسف [تلميح إلى أنَّ بقايا ذاك الذي عرف أن يسيطر على طبيعته الخاصَّة ويهرب أمام التجربة، كُرِّمت وهي ترقد في التابوت، فسبقت جيش إسرائيل وفرضت على أمواج البحر الاحترام والطاعة. والبحر، بدوره، ساد على قوى الطبيعة المحدَّدة ساعة الخلق، هرب قدَّام العبرانيِّين الذين جوا من مصر وأفسح لهم المجال للعبور] هذا ما أشارت إليه الآية (مز 94: 13): البحر رأى وهرب من أجل ذاك الذي قيل عنه: هرب وانطلق إلى الخارج.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM