كتاب أفضال يوحنّاالمنقول عن اللاتينيّة : الفصل11-12-13-14-15

كتاب أفضال يوحنّا([1])المنقول عن اللاتينيّة : الفصل11-12-13-14-15

الفصل الحادي عشر

حين رأى أندرونيك أنَّ كلِّيماك قام (من بين الأموات)، أحسَّ بعطف زواجيّ، وشرع يطلب من الرسول أن يقيم دروسياني أيضًا، قائلاً: «ينبغي أن تقوم لكي تنسى حزنها، الذي سبَّبه الضيقُ الذي أحسَّت به حين رأت هذا الشابَّ مسحورًا بجمالها.» إذًا، توسَّل إلى الرسول لكي يعيدها إلى الحياة، إن كانت تلك مشيئة الربِّ. تأثَّر يوحنّا بطلب أندرونيك وبفضائل دروسياني، فاقترب من القبر وأمسك الميتة بيدها ووجَّه صلاته إلى الربّ وقال: «يا دروسياني، قومي باسم يسوع المسيح ربِّنا، انهضي في مجده». فنهضتْ وخرجتْ من القبر. وإذ رأت نفسها شبه عريانة ومغطّاة فقط بستار خفيف، سألتْ عن السبب. وحين أعلمها به الرسول، مجَّدت الربَّ وغطَّت نفسها بثيابها.

الفصل الثاني عشر

ثمَّ رأت جسم فورتوناتوس ممدَّدًا، قالت ليوحنّا: «يا أخي، أرجوك أن تقيم أيضًا هذا الرجل، وإن كان حارسًا لاأمينًا لمدفني». وحين سمعها كلِّيماك، ترجّاها ألاَّ تطلب إقامة هذا الرجل الفاسد الذي أسقطه في الجنون بتحريكاته، والذي حكَمَتْ عليه النعمةُ الإلهيَّة بأنَّه غير أهل لرضاها، لأنَّ الصوت الذي سُمع لم يتكلَّم إلاَّ عن قيامته وقيامة دروسياني. قال: «إذًا حكم الربُّ أنَّ ذاك الذي لم يحسبه أهلاً لأن يقوم، هو أهلٌ للموت».

ولكنَّ يوحنّا أجاب: «لا نتعلَّم يا أخي، أن نردَّ على الشرِّ بالشرِّ (رو 12: 17)، لأنَّنا كلُّنا خطأة مذنبون بذنوب خطيرة. ونلنا الرحمة بيسوع المسيح ربِّنا. هو ما فكَّر أنَّه ينبغي أن نردَّ على الشرِّ بالشرّ، بل أن ندفن الآثام في التوبة والارتداد (عن الخطيئة). إذا كنت لا تسمح لي بأن يقوم فورتوناتوس، فهذا يكون عمل دروسياني ونتيجة سخائها».

فامتلأت دروسياني بالروح القدس، واقتربت من جسم فورتوناتوس وقالت: «أيُّها الربُّ القدير، أنت منحتَني أن أرى أعمالك المدهشة جدًّا، أنت أعطيتني نعمة لا أن أعرفك فقط، بل أن أكون أيضًا مع زوجي في رباطات تعلُّق أخويّ([2]). أنت أردتَ موتي، لكي أكون أكثر لك، بعد أن انفصلتُ فترة عن الجسد. أنت أردتَ أن يسقط هذا الرجل لكي يموت عن الخطيئة ويعود إلى الحياة الحقَّة. أنت، أيُّها الربُّ، لا تحتقر صلوات أمتك، ومُر أن يقوم فورتوناتوس (من الموت) ولو لجأ إلى الخيانة تجاهي. وإذ أخذتْه بيده قالت: «انهض يا فورتوناتوس، باسم يسوع المسيح ربِّنا وإلهنا». وحين نهض فورتوناتوس ورأى أنَّ دروسياني أُقيمت وأنَّ كلِّيماك آمن بالربّ. فقال في نكران جميله بالنسبة إلى الخلاص الذي مُنح له: إنَّه يفضِّل أن يكون ميتًا، لا عائدًا إلى الحياة، لئلاَّ يرى أنَّ النعمة وصلت إليهما أيضًا.

الفصل الثالث عشر

وإذ رأى يوحنّا هذه الأمور، قال: «هكذا قال الربُّ في الإنجيل (مت 7: 7): "الشجرة الرديئة لا تقدر أن تعطي إلاَّ الثمار الرديئة". فماويَّة جذر رديء أفسدَتْها، فما استطاعت أن تحمل ثمارًا صالحة. ليس ذلك ذنب الطبيعة التي هي هي في كلِّ مكان، فالرذيلة تصنع كلَّ الشرّ([3]). فالأرض تُري جميعَ الأشجار الخصبَ عينه. وتدفنها كلَّها في صدرها الأموميّ، والحقل كلُّه يحمل تأثير حرارةٍ واحدة. الربُّ القدير يسقي كلَّ نباتٍ بذات المطر، ويُدفئ بحرارة الشمس الواحدة غلال الأرض وحطب الغابات. ولكنَّ الثمار تتنوَّع، ونتاج مختلف الأشجار يختلف. واحدة عقيمة وأخرى خصبة. هناك أشجار يكون سبب اهترائها جذورٌ رديئة لا تستطيع أن تشعر بنتائج خصب الأرض وحسنات السماء. وكذلك إلهنا، فهو صنعَ البشر كلَّهم على صورته (تك 1: 26)، أي دعاهم إلى ذات النعمة الإلهيَّة لكي نمتدح الرحمة والفضيلة والتقوى والبرّ وسائر المزايا التي هي في الله والتي يجب أن نقتدي بها. أمر شمسَه أن تشرق (على الجميع، مت 5: 45)، وربُّنا يسوع المسيح جاء من أجل الجميع، وصُلب من أجل الجميع (عب 2: 9)، وقام من أجل الجميع. ولكنَّ أناسًا قليلين يطلبون إلى النهاية هذا الإحسان وهذه الموهبة من الله الآب الذي أسلم ابنَه لأجلنا، ومن يسوع المسيح ربِّنا الذي قدَّم نفسه لافتدائنا. بعضهم يتعب ويرفض الخلاص المقدَّم لهم، أو هم لا يريدون أن يؤمنوا بسعادة الخلاص. وأكثرهم يرغب في النعمة الإلهيَّة التي تعمل فينا، ولكنَّهم يجعلون أنفسهم غير أهل لهذه الثمرة السماويَّة، مثل هذا التعيس الذي أضلَّه الحسد فلم يهنِّئ نفسه بأنَّ الحياة أعيدَتْ إليه. إذًا، له الجمر([4])، وله ثمرة الشجرة الرديئة التي ستحرقها النار (مت 7: 19) فتشتعل بحرائق آتية منها. ليُفصَلْ مثلُ هذا الجذر من الاقتراب من المؤمنين ومن كلِّ أعمال الناس الأتقياء ومن تجمُّع القدِّيسين ومن المشاركة في الأسرار. ولا يكن لذاك الذي نظر إلى دروسياني المائتة على أنَّها أهل للاحتقار، والذي كبُرَ الحسدُ عنده فما تحمَّل أن تكون حيَّة، لا يكن له شوتفة (مشاركة) مع دروسياني العائدة إلى الوجود. ونمنح (النفس) الحيَّة الشوتفة التي نعطيها للميتة.»

وهكذا، بعد أن أكمل الرسول تأدية الشكر إلى يسوع المسيح ربِّنا، مضى إلى بيت أندرونيك، حيث علَّمه الروح القدس، فبيَّن للإخوة أنَّ فورتوناتوس جرحته أفعى، وطلب منهم أن يرسلوا من يتحقَّق من هذا الأمر ويأتي ليحمل الخبرَ الأمين. فأرسلوا أحد الشبّان الذي رأى جسمه برد بعد أن دخل فيه سمُّ الحيَّة. وحين أخبروا يوحنّا أنَّه يموت بعد ثلاث ساعات، قال: «ها هو ابنك ، يا إبليس». وقضى ذلك اليوم مع الإخوة، في الابتهاج.

الفصل الرابع عشر

وفي الغد، أعلن فيلسوف اسمه كراتون([5]) أنَّه سيعطي في الساحة أمثلة عن احتقار الغنى. وإذ كان الأمر هكذا، أقنع شابَّين، شقيقين، هما أغنى سكّان الحاضرة، لاستعمال إرثهم لكي يشتروا حجارة كريمة ويحطِّماها علنًا أمام الجمهور. وحين صَنعا كلَّ هذا، حصل أن مرَّ الرسول صدفة بالقرب منهما. وإذ دعاه الفيلسوف كراتون قالَ له: «ليس هنا سوى جهالة في احتقار العالم الذي تمتدحه أفواهُ البشر، والذي تَحكم عليه دينونةُ الله. كما أنَّ الدواء الذي لا يطرد المطر هو باطل، كذلك التعليم الذي لا يشفي رذائل النفوس والعادات هو باطل. فإذ رأى معلِّمي (= يسوع) شابًّا يريد البلوغ إلى الحياة الأبديَّة، علَّمه وقال له (مت 19: 21): إن أراد أن يكون كاملاً ينبغي عليه أن يبيع كلَّ ما يملك ويُعطي ثمنَه للفقراء. وحين يفعل ذلك، يقتني كنزًا في السماء ويجد حياة لا نهاية لها».

فأجاب كراتون: «إنَّ ثمرة الجشع البشريّ الموضوعة وسط البشر، صارت محطَّمة. ولكن إذا كان معلِّمك حقًّا الله، وإن أراد أن توزَّع ثمن هذه الأحجار الكريمة على المساكين، افعلْ بحيث تعود إلى حالتها الأولى. وهكذا يكون أنَّ ما جعلتُه أنا لأنال الشهرة بين البشر، تجعله أنتَ لمجد ذاك الذي تقدِّمه على أنَّه معلِّمك».

حينئذٍ جمع يوحنّا الطوباويّ أجزاء الحجارة الكريمة وأمسكها في يده، ورفع عينيه إلى السماء وقال: «أيُّها الربُّ يسوع المسيح، لا شيء يستحيل عليك. أنت بخشب الصليب أعدتَ إلى مؤمنيك العالم المحطَّم بخشبة الشهوة([6]). أنت أعدتَ إلى أعمى منذ مولده (يو 9: 1) عينين رفضت الطبيعة أن تعطيهما له. أنت رددتَ الحياة إلى لعازر الميت والمدفون منذ أربعة أيّام (يو 11: 45). أنت شفيتَ بقدرة كلمتك جميع الأمراض والأدواء. فافعل، يا ربّ، أن تعود هذه الأحجار بيد ملائكتك بحيث يخصَّص ثمنها لأعمال الرحمة ويتحرَّك الإيمان بك. يا أبًا لامولودًا، بابنك الوحيد ربِّنا يسوع المسيح، مع الروح القدس الذي ينير ويقدِّس الكنيسة كلَّها في دهر الدهور».

فردَّ المؤمنون الذين كانوا مع الرسول: «آمين». عندئذٍ اجتمعت الأحجار الثمنية ولم يكن فيها أيُّ أثرٍ لكسور. وحين رأى الفيلسوف كراتون مع تلاميذه، هذه المعجزة، سقط عند قدمَي الرسول وآمن، وعُمِّد مع كلِّ المتعلِّقين به، وشرع هو نفسه يعظ علنًا الإيمانَ بالربِّ يسوع المسيح.

الفصل الخامس عشر

والشقيقان اللذان تكلَّمنا عنهما، باعا الأحجار الكريمة التي اشترياها مع نتاج إرثهما، وأعطيا ثمنها للفقراء، فأخذ جمهور كبير من المؤمنين يتعلَّق بالرسول. وهذا المثَل جعل ساكنَين شريفين من أفسس يبيعان كلَّ ما يملكان ويوزِّعان (الثمن) على الفقراء. وتبعا الرسول الذي سار في المدينة وهو يكرز بكلام الله. وحين دخلا إلى مدينة برغامي، رأيا عبيدًا يرتدون ثيابًا حريريَّة ويسيران بشكل عامّ ويشعّون بفخفخة عالميَّة. فأصيبا بسهم إبليس([7]) فصارا حزينَين لأنَّهما ظنَّا أنَّهما عريانان ويغطِّيهما معطفٌ بسيط ساعة عبيدهما هم في القدرة والبهاء.

ففهم رسولُ يسوع المسيح إيحاءات إبليس، فقال لهما: «أظنُّ أنَّ أفكاركما تبدَّلت وأنَّكما متأسِّفان على جميع الخيرات التي وزَّعتماها على الفقراء لكي تتبعا تعليم يسوع المسيح. إذا أردتُما أن تستعيدا كلَّ ما امتلكتما في الماضي من ذهب وفضَّة وأحجار كريمة، فهاتا قضبانًا من خشب مفصولة.» وحين فعلا ذلك، دعا الرسول اسم يسوع المسيح فتحوَّلت هذه القضبان إلى ذهب. وقال لهما الرسول: «هاتا حجارة صغيرة مأخوذة من على شاطئ البحر». وحين فعلا ذلك، دعا الرسول جلالَ الربِّ فتحوَّلت كلُّ هذه الأحجار الصغيرة إلى أحجار ثمينة. فتوجَّه يوحنّا الطوباويّ نحو الأخوين وقال لهما: «اذهبا خلال سبعة أيّام إلى الصاغة وأصحاب المجوهرات، وحين تريان أنَّها ذهب حقيقيٌّ وحجارة كريمة (حقيقيَّة)، تحملان إليَّ الخبر.» ففعل الشقيقان ما قال لهما الرسول، وعادا بعد سبعة أيّام وقالا: «جُلنا، يا سيِّد، في كلِّ مخازن الصاغة فقالوا جميعًا إنَّهم لم يروا يومًا ذهبًا بمثل هذه النقاوة. وقال أصحاب المجوهرات أيضًا إنَّهم لم يقعوا يومًا على حجارة تامَّة وثمينة مثل هذه».

 


[1](1) Virtutcs Johannis

[2](1) أي أن أعيش معه مثل أخت مع أخيها، لا مثل زوجة مع زوجها.

[3](1) نكتشف هنا آثارًا مانويَّة من يد لاقيوس.

[4](2)  رو 12: 20 (جمر نار)؛ رج أم 25: 22.

[5](1) Craton. نجد في أخبار الرسل في الخبر المخصَّص للقدِّيس سمعان وللقدِّيس يودا ذكرًا لأحد تلاميذ الرسل، اسمه كراتون، وهو الذي كتب أخبارهم. ولكن يبدو أن بسودوعوبديا يذكر الفيلسوف Cratès الذي عُرف باحتقاره للغنى فرمى فضَّته (في البحر) قائلاً: «اهلَكْ لئلاَّ تهلكني».

[6](2)            هي شجرة معرفة الخير والشرّ (تك 3: 2). في السريانيَّة:  ذpA، يعني خشبة الصليب وشجرة معرفة الخير والشرّ، كما قال الآباء.

[7](1)  رج أف 6: 16: سهام الروح المحرقة. هو المعنى الروحيّ.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM