كتاب أفضال يوحنّا المنقول عن اللاتينيّة:الفصل 6-7-8-9-10.

كتاب  أفضال يوحنّا المنقول عن اللاتينيّة

الفصل السادس

«ودَّع قبطانُ ركَّابَ هذه السفينة وجميع الذين سافروا معه، حين أعاد مركبه في نهاية سفره واقتاده إلى مرفأ أمين.«وتأتي أيضًا ظروفٌ تعيسة فتتلاعبُ مرارًا بآمال الفلاّح. وهكذا كلُّ واحد منّا، قبل أن يصل إلى وقت ينبغي عليه أن يغادر الحياة، يجب أن يتطلَّع في ما يعمل ويتفحَّص ما يجب عليه أن يكون، أي معتدلاً، ساهرًا، محرَّرًا من كلِّ ارتباك، لا تبلبله شهواتُ الدهر، ولا تُثقل عليه بحملها. كما أنَّ إنسانًا لا يمتدح جمال الجسم إن لم يكن محرَّرًا من كلِّ ما يغطِّيه، هكذا لا يمتدح إنسانٌ قائدًا إن لم يُنهِ حربًا كبيرة بنجاح. هكذا لا يمتدحُ إنسانٌ طبيبًا إلاَّ إذا شفى الأمراض العديدة. هكذا لا يستطيع إنسان أن يمتدح حياة إلاَّ حياة إنسان يقدر أن يقدِّم فكرًا مليئًا بالإيمان وجسمًا يليق بهيكل الله (1 كو 3: 16)، حياة ما ارتمت، خلال مسيرتها، في الباطل، ولا تبلَّدت في الأمور البشريَّة ولا داخت، وما تعلَّقت بالأمور الزمنيَّة ولا فضَّلت الخيرات العابرة على الخيرات الباقية، ولا أنكرت الأشياء المستمرَّة لكي تحصل على تلك التي لا تدوم. حياة ما أَكرمَتْ ما لا يستحقُّ الإكرام، ما أحبَّت أعمالاً مليئة بالعار، ما تقبَّلت عربونًا من إبليس، ما خبَّأت الحيَّة في صدرها، ما ضحكت على ما لا يجب أن يحرِّك الضحك. ما احمرَّت (خجلاً) من الشتيمة التي تلقَّتها من أجل يسوع المسيح. فهناك أناس يؤكِّدون بأقوالهم وينكرون بأعمالهم. فينبغي على كلِّ إنسان أن لا يترك الشهوة اللحميَّة تُلهمه فيكون إناء للنجاسة (1 تس 4: 4)، بل ينبغي عليه أن يتخلَّص من الشهوات الفاسدة، وينتصر على الرغبة في المال وأن لا يترك شراسة الجسد تكبِّله، أن لا يجرَّه الغضبُ والسخط وأن لا يترك الحزن يسيطر عليه، أن لا يترك الأعمال المذمومة تضعفه، بل ينبغي عليه أن يتعلَّق بالأمور التي تُنمي الإيمانَ بيسوع المسيح ربِّنا وتجعله في قبول الحياة الأبديَّة حين يحصل على الجزاء الرائع فيعوِّضه عن الأشياء التي يكون احتقرها في هذا العالم».

الفصل السابع

إذ تكلَّم الرسول هكذا ليحثَّ هؤلاء على الرغبة في الأمور الأبديَّة واحتقار الأشياء الزمنيَّة، كان الشابُّ الذي تكلَّمنا عنه والذي أحبَّ دروسياني يغذِّي في صدره جرحًا خفيًّا، بعد أن احترق يومًا بعد يوم بحريق ما استطاع موتُ هذه المرأة أن يُطفئه. وليس من المدهش أنَّه لم يتلقَّ أيَّ دواء من خطبة يوحنّا. فهو إذ أهمل أن يستمع إليها، ما طلب أن يحمل دواء لجرحه، ولكنَّه رغب كلَّ يوم بأن ينمي كِبَر جرمه. وحصل أنَّ كلِّيماك المغرم دومًا بدروسياني، الميتة والمدفونة، أفسد وكيل أندرونيك، حين دفع له المال، ففتح له المدفن الذي يحوي دروسياني، وسلَّمه جسم التي كان يحبُّها. فقد أراد في جنونه الأعمى أن يمارس هواه الشرِّير على هذه الجثَّة. ولم يكن هذا عنده نتيجة حركة مفاجئة، بل نتيجة تفكير جامح. قال: «بما أنَّها ما أرادت، خلال حياتها أن أتجامع معها، فيجب أن تحتمل مشيئتي بعد موتها». وإذ دخل المدفن، أخذ ينزع عن الجسم القماش الذي يلفُّه. وقال في خلال هذه الوحشيَّة: «ماذا نفعكِ، يا دروسياني التعيسة، أنَّك رفضتِ خلال حياتك ما سوف تتحمَّلين بعد موتك!» وإذ كان يستعدُّ في سخطه أن يُتمَّ جريمته، ها حيَّة كبيرة خارجة من حيث لا نعلم، ظهرتْ فجأة، فانجرح الشابُّ بعضَّتها، كما سيطر عليه الخوف، فانطلق هاربًا بعد أن حُرم من كلِّ قوَّته حين بردَ السمُّ فسقط. وفي الحال، أقامت الحيَّة على جسمه ولبثت هادئة.

الفصل الثامن

وفي الغد الذي كان اليوم الثالث بعد موت دروسياني، أتى يوحنّا وأندرونيك إلى المدفن صباحًا لكي يحتفلوا بالأسرار المقدَّسة. ولكنَّهما ما استطاعا أن يجدا المفاتيح. فقال يوحنّا: «في الحقيقة المفاتيح غير موجودة لأنَّ دروسياني ليست في المدفن بين الموتى. ولكن لندخل فتنفتح الأبوابُ من ذاتها، لأنَّنا لا نستطيع أن نرتاب برحمة الربّ، أن لا ينشر علينا لطفه العظيم». وحين اقتربوا من المدفن، انفتحت الأبواب حالاً بأمر يوحنّا، ورأينا شابًّا جميلاً ممدَّدًا قرب القبر. فهتف يوحنّا حين رآه: «أنتَ تُنبئُنا، يا ربّ». وقال للشابّ: «لماذا جئتَ إلى هنا؟»

وسمعنا صوتًا يقول: «جئتُ لأجل دروسياني التي يجب أن تُقيمها، ولأجل ذاك الذي يرقد بلا حراك قرب القبر، بحيث يكرم الناسُ الله بسببي». وحين تكلَّم الشابُّ هكذا، صعد إلى السماء بحضرة يوحنّا والآخرين. ولمّا التفتَ يوحنّا، رأى جسمين ممدودَين قرب القبر: واحد كان جسم كلِّيماك أحد رؤساء مدينة أفسس، وتقوم عليه حيَّة كبيرة. والجسمُ الآخر كان جسم فرتوناتوس الذي كان وكيل أندرونيك. وإذ نظر الرسول هذين الجسمين، فكَّر في عقله وقال في نفسه: «ما معنى هذه الأشياء، ولماذا لم يَكشف لي الربُّ مشيئته؟»

الفصل التاسع

أمّا أندرونيك، فحين رأى جسم دروسياني ممدَّدًا على الأرض، نصف عريان ومغطَّى بستار واحد، قال ليوحنّا: «فهمتُ الآن ما حصل. فكلِّيماك هذا كان مغرَمًا بدروسياني حين كانت بعدُ حيَّة، وبما أنَّها رفضت تمنِّياته، لم يتوقَّف مع ذلك عن ملاحقتها من أجل استحوازها. حزنَ حين رفضته مرارًا، فطلب صداقة وكيلي لكي ينال مساعدته لأعمال لامسموحة. وقالوا إنَّهم سمعوه مرارًا يقول إنَّه إن لم يستطع أن يُكره دروسياني في حياتها لكي تتجاوب مع هواه، فهو سوف يستعمل العنف بعد موتها. فأظنُّ، يا يوحنّا، أنَّ هذا الملاك الذي كان هنا، حرسَ جسمَ دروسياني ليحفظها من كلِّ إهانة. وأظنُّ أنَّ هاتين الجثَّتين هما جثَّتا رجلين لم يهابا أن ينفِّذا بإرادتهما هذه الجريمة الشنيعة. وأرى أنَّك لأجل هذا سمعتَ صوتًا يعلن قيامة دروسياني، التي ماتت موتًا قبل الوقت بسبب الألم والحزن اللذين شعرت بهما حين رأت شابًّا يُغرَم بها بمثل هذا الغرام الخاطئ. لهذا السبب، وإذ نحن نرى هنا ثلاث جثث، لم يتكلَّم الصوت إلاَّ عن قيامة الاثنين، ولبث صامتًا بالنسبة إلى الجثَّة الثالثة. فقد أراد الربُّ أن تعود دروسياني إلى الحياة، التي خسرتها في الحزن، وأن تعيش أيضًا في هدوء، ولكنِّي أظنُّ أنَّ الجثَّة الثالثة لا تستحقُّ أن تكون موضوع رأفة ربِّنا يسوع المسيح. فأرجوك، يا يوحنّا، أن تقترب من هذه الأجسام وتُقيم أوَّلاً كلِّيماك، لكي يروي لنا ما حصل».

الفصل العاشر

فاقترب يوحنّا من جسم الشابِّ وقال للحيَّة: «ابتعدي عن هذا الذي أضحى خادم ربِّنا يسوع المسيح». وفي الحال، ابتعدت الحيَّة. فجثا الرسول أرضًا ووجَّه صلاته إلى الربِّ قائلاً: «يا إلهًا نكرِّم كنيسته، وسلطانُه ينظِّم كلَّ شيء. يا إلهًا تُتمُّ مشيئتُه كلَّ ما تريد أن تفعل، إستجبْني لأجل مجدك، ولتأتِ نعمتك بأعلى درجاتها في هذا الشابّ، وليكشف لنا هذا الشابُّ نفسه ما صنع حين يقوم». وفي الحال، نهض الشابُّ ونام ساعة كاملة. وحين استعاد كامل عقله، سأله يوحنّا بحيث يكشف سبب ما حصل له. فروى الأمورَ التي حصلت كما سبق ورواها أندرونيك. فالحبُّ الذي حمله إلى دروسياني كان السبب الذي دفعه لكي يمدَّ عليها هواه حتّى بعد موتها. وإذ سأله يوحنّا إذا كانت ذخائر مليئة بالإكرام والنعمة، تستطيع أن تؤثِّر في جرأته، أجاب: «كيف كان بإمكاني أن أتجرَّأ على شيء حين سقطتْ عليَّ حيَّةٌ هائلة وجرحت فورتوناتوس الذي غذَّى شعلة هذا الجنون الذي كان بإمكانه أن يهدأ؟ فسببُ موتي كان أنَّني كنت فريسة جنوني، فأعماني الهوى، فعرَّيتُ الجسم الميت من كفنه، وتهيَّأتُ لاقتراف الجرم الذي فكَّرتُ فيه. فجأة رأيتُ شابًّا جميلاً يغطِّي بثيابه جثَّة دروسياني، وتفجَّرتْ من وجهه شراراتُ نار أضاءت المدفن كلَّه. وضربتني واحدةٌ حين قال لي صوت: "يا كلِّيماك، مُتْ لكي تحيا". أنا أجهل من كان هذا الشابّ، ولكن إذ أرى أنَّك خادم الله وأنَّك تراءيتَ لي، أنا متأكِّد أنَّه كان ملاكَ الله، وعرفتُ أنَّ الإله الحقيقيَّ هو ذاك الذي تبشِّرُ به. لهذا أتوسَّل إليك أن لا تتركني في هذه الارتباكات. أنا عالم بما فعلت، وما نسيتُ الشرور التي حاولتُ، وأنا أتأسَّف عليها من كلِّ نفسي. يا ليت الله يريك ما في عمق قلبي، ويؤكِّد لك وسع ألمي. أنا حزين لأنِّي أردتُ أن أقترف مثل هذه الجرائم العظيمة، ولكنِّي أَنتظرُ منك الدواء لحزني، أنت يا مبشِّرًا بالله القدير الذي ربُّنا يسوع المسيح هو ابنه الحقيقيّ، وأرغبُ أن تعلِّمني كلمته. أنا لا أشكّ، أنَّك إن مددتَ يدك نحوي، لا يُتمُّ صوتُه حقيقةَ الكلمة التي تقول إنَّه يجب أن أموت لكي أحيا. متُّ ممتلئًا بالوقاحة، وأقوم وديعًا ومتواضعًا. متُّ وثنيًّا وأقوم مسيحيًّا. أعرف الحقيقة ولكنِّي أطلب أن تكشفها لي دروسُك كشفًا أوسع».

فامتلأ الرسول بهجة حين سمع هذا الكلام فقال: «أيُّها الربُّ يسوع، أنا لا أعرف ما ينبغي أن أعمل. اندهشتُ اندهاشًا حين رأيتُ وُسْعَ رحمتك، وأُقرُّ بفرح بعظمة أناتك».

وإذ تكلَّم هكذا، بارك الربّ، وأمسك كلِّيماكَ وقبَّله قائلاً: «مبارك الربُّ الإله الرحيم، ويسوع المسيح ابنه الذي تحنَّن عليك، والذي، بموته، نجّاك من الغضب ومن الجنون، وأطفأ نيران الدنس. هو الذي أزال مناسبة الذنب، وأعدم تجاربَ هوى لا عقل فيه، هو الذي ردَّ أيضًا إلى الحياة ذاك الذي كان ميتًا في الخطيئة لكي ترتاح في الإيمان وفي نعمة يسوع المسيح ربِّنا. أنت ترى كثرة حسنات الله التي أتت لتعضد خدمتَنا وتؤمِّن خلاصك».

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM