الفصل الثامن والتاسع والثلاثون والأربعون

الفصل الثامن والثلاثون

في اليوم الرابع، خرجْنا من بيت الكاهن وأتينا إلى موضع يُدعى فلاغون([1]). فاجتمع السكّان كلُّهم لكي يسمعوا كلام الله. وها امرأة ارتمت على ركبتَي يوحنّا وقالت: «أستحلفك بالله الذي به تبشِّر، ارحمني». فقال لها يوحنّا: «يا امرأة، ماذا تريدين أن أعمل؟» فقالت: «مضى زوجي وتركني مع ولد عمره ثلاث سنين. ربَّيته وتعبتُ جدًّا إلى أن كبر، وها الروح النجس وضع يده عليه. استعملتُ كلَّ ما أملك وسألتُ السحرة فما استطاعوا أن يخلِّصوه. أرجوك، يا رسول يسوع المسيح، أن تشفيه».

فأجاب يوحنّا: «هاتي ابنك، ويسوعُ المسيح يشفيه». فمضت المرأة في الحال يرافقها ستَّةُ رجال يريدون أن يمسكوا الولد. فأخذوه وقالوا له: «تعالَ إلى يوحنّا رسول يسوع المسيح لكي يطرد منك الروح النجس». وفي الحال، هرب الشيطان قبل أن يُؤتى به إلى يوحنّا([2]). وإذ رأت المرأةُ أنَّ ابنها شُفي، اقتادته إلى الرسول، وارتمت عند قدميه وقالت له: «هب لي، يا سيِّدي، ولابني عماد يسوع المسيح». علَّمها يوحنّا كما علَّم كلَّ بيتها وعمَّدها، ولبثنا في بيتها ثلاثة أيّام.

الفصل التاسع والثلاثون

ثمَّ خرجْنا من بيتها يتبعُنا جمهورٌ كبير يعلِّمهم الرسول. فأتينا إلى موضع فيه هيكل يدعوه الوثنيّون هيكل باخوس([3]). كانوا يقدِّمون تقدمات الخمر وكمِّيَّة كبيرة من الأطعمة. وكانت العادة في عيد من الأعياد أن يجتمع الرجال والنساء في الهيكل بدون الأولاد. يشربون ويأكلون ويستسلمون مثل الحيوانات إلى أشنع الفلتانات. ووصل يوحنّا في اليوم الذي يحتفلون بهذا العيد الكريه، واجتمع الشعب ليستسلم إلى هذا الفلتان المهين. قالوا ليوحنّا: «يكفيك أنَّك بشَّرت الجهّال بتعليم بليد. فاترك بسرعة هذا المكان المكرَّس لباخوس، لئلاَّ يعاقبك بقساوة». ولكنَّ يوحنّا ما ابتعد، بل واصل تعليمه للذين يسمعون الحقيقة طوعًا. وكان في هذا الهيكل اثنا عشر كاهنًا أشقياء جدًّا. فإذ رأوا يوحنّا لا يعتزل (المكان) ويواصل الكرازة، رفعوا عليه أيديَ العنف وضربوه بقساوة، ثمَّ تركوه مقيَّدًا وممدَّدًا على الأرض ودخلوا إلى الهيكل. فبكى يوحنّا بمرارة، وقال: «أيُّها الربُّ يسوع، يا ابن الله، ليسقطْ هيكل باخوس». وفي الحال، سقط الهيكل وقُتل الاثنا عشر كاهنًا. وإذ رأى الشعب أنَّ الهيكل انقلب وأنَّ الكهنة ماتوا، حلَّت بهم الرعدة وقالوا: «لنمضِ إلى يوحنّا ونطلبْ منه أن يسامحنا لئلاَّ تنزل علينا نار من السماء وتدمِّرنا». وأتوا إلى يوحنّا وحرَّروه من قيوده وطلبوا منه أن يسامحهم. وإذ نهض يوحنّا أخذ يعظهم.

الفصل الأربعون

وكان في هذه المدينة رجل اسمه ناقيان([4]) واسم امرأته فلورا([5]). كان لهما ابنان. دُعيَ البكر بوليكرب. استسلم ناقيان لدراسات فاسدة وكان متعلِّمًا جدًّا في السحر، وامتلك في بيته كتبًا عديدة حول العرافة. فجاء إلى يوحنّا، حين عرف أنَّ الهيكل سقط، وأنَّ الكهنة الاثني عشر ماتوا، وقال: «يا يوحنّا، كلُّ هذا الشعب سوف يحبُّك إذا أعدتَ إلى الحياة الكهنة الاثني عشر». فأجاب يوحنّا: «لو أنَّهم كانوا مستحقِّين أن يمنحهم الله هذه النعمة، لما كانوا ماتوا قطّ». فقال ناقيان: «سأقلِّل مجدك لأنَّني سوف أقيمهم وهذا ما يسبِّب لك وجعًا كبيرًا، لأنَّك حرمتَهم من الحياة. ولكن إن أنتَ أقمتَهم فأنا أؤمن بالمصلوب الذي تكرز به».

ثمَّ مضى ناقيان ودار حول خرائب الهيكل، وأظهر قدَّامه بفنِّ سحره اثني عشر شيطانًا اتَّخذوا شكل الكهنة الاثني عشر. وقال لهم: «اتبعوني وأنا أعطيكم وسيلة بها تقتلون يوحنّا». فأجاب الشياطين: «لا نستطيع أن نسكن في موضع يقيم هو فيه، ولكنَّنا نبقى هنا. جئ بالشعب لكي يرونا. عندئذ يؤمنون بإقامة الكهنة الذين ماتوا، فيغضبون على يوحنّا ويقتلونه». فقاسمهم ناقيان هذا الرأي، وأتى إلى يوحنّا وأخذ يصيح في حضرة الجمهور: «لماذا تتركون نفوسكم تضلُّ بهذين الرجلين اللذين يطغيانكم، واللذين لا سلطة لهما، فهما لا يقولان سوى أشياء بليدة. فأنا توجَّهتُ إلى يوحنّا وقلتُ له: «أقم الموتى فأؤمن بالمصلوب الذي تبشِّرُ به. ولكن إذا أنا أقمتُهم تُسلَم إلى موت مشين لأنَّك أهلكت أناسًا أبرياء». فأجابني: «لم يكونوا أهلاً لأن يحيوا». أمّا أنا فأقمتُهم وسوف أعيد بناء هيكلكم. فاتبعوني لتروا هؤلاء الرجال الذين أعيدوا إلى الحياة. وبعد ذلك ليَهلكْ يوحنّا الساحر. لا أريد أن يأتي هو ولا تلميذه معنا، بل أن يلبثوا حيث هم».

فتبع الجمع ناقيان حين أعلن أنَّ الكهنة أُقيموا (من الموت)، وظنُّوا أنَّهم يسيئون إلينا. ولكن جئتُ أنا ويوحنّا من جهة ثانية بالنسبة إلى خرائب الهيكل. وما إن شاهد الشياطين يوحنّا حتّى اختفوا من أمام عيوننا. فاختبأنا قرب الخرائب. وحين أتى ناقيان وبدأ يطلق أدعية رهيبة وينادي الشياطين الذين اتَّخذوا صورة الكهنة، ما أجابوه ولا ظهروا كما سبق لهم وفعلوا. ومضى النهار كلَّه من الصباح حتّى الساعة العاشرة (أي الرابعة بعد الظهر، رج يو 1: 39)، ولم يصل ناقيان إلى أيَّة نتيجة، من أعمال سحره، فأثار غضب الشعب الذي أراد أن يقتله. وقالوا: «أيُّها الشرِّير، لماذا جعلتنا نترك معلِّمنا الصالح، وأردتنا أن نصدِّق كلامك الكاذب؟» وأراد بعضهم أن يهجم عليه ولكنَّ آخرين منعوهم. وقالوا: «لا نقتلْه، بل نقوده إلى يوحنّا وننفِّذ في الحال بما يأمر». حينئذٍ قال لي يوحنّا: «يا ابني بروخور، لنرجع إلى الموضع الذي كان الجمع فيه». فنهضنا ومضينا إلى ذاك الموضع. فأتى الشعب واقتاد ناقيان أمام يوحنّا قائلاً: «يا معلِّم، لقد عرفنا أنَّ هذا دجّال يريد أن يدمِّر طريق الحقّ. أردْنا أن نقتله كما نوى أن يهلكك. فاقتدناه إليك لنعامله بحسب ما تقول».

فأجابهم يوحنّا: «اتركوا الظلمة تمضي إلى الظلمة، والبثوا أنتم في نور الحقّ بحيث لا تدرككم الظلمة، وهكذا تُخلَّصون». وما سمح لهم أن يهلكوا ناقيان. عندئذٍ طلب عددٌ كبير من الرجال من الرسول أن يعمِّدهم. فقال لهم: «اتبعوني إلى النهر فأعمِّدكم». وعلَّمهم كيف يؤمنون بالآب والابن والروح القدس، واقتادهم إلى النهر. وكان ناقيان حوَّل بسحره المياه وأعطاها لون الدم. فارتعب الشعب. أمّا يوحنّا الطوباويّ فصلَّى إلى الربِّ قائلاً: «أيُّها الربُّ يسوع المسيح، يا ابن الله الحيّ، أنت جعلت لاستعمال البشر كلَّ الخلائق الحيَّة وكلَّ جمالات الطبيعة. فردَّ إلى هذا الماء الطبيعة التي كانتْ له منذ البداية. واضرب بالعمى ناقيان الذي أراد أن يُضلَّ الشعب». وما أن انطلق صوتُ يوحنّا حتّى استعاد الماء لونه الأوَّل وصار ناقيان أعمى. ثمَّ عمَّد يوحنّا جميع الذين طلبوا أن يُعمَّدوا. فاعتمد في ذلك اليوم 200 رجل. وناقيان الذي حُرم من النظر صرخ: «يا رسول الله، يا من أنت مبارَك، ارحمني وأعطني علامة يسوع المسيح. اشفني ورُدَّ لي البصر». فأشفق يوحنّا وأخذه بيده واقتاده إلى النهر، وقال له بأن يثق بالربِّ يسوع المسيح. وعمَّده باسم الآب والابن والروح القدس. وفي الحال، انفتحت عيناه([6]) واقتادنا إلى بيته وقلبُه يعمر بالفرح.

 


[1](1)  Phlagon

[2](2) هكذا خرج الشيطان من المرأة الكنعانية. رج مر 7: 29 -30.

[3](1)            Bacchus. يقابل ديونيسوس اليونانيّ حيث كان الفلتان كبيرًا. فطلب القنصل Posthumius من مجلس الشيوخ أن يوضع حدٌّ لما يُدعى «أسرار باخوس». هذا ما نقرأ عند Tite-Live, 39/8-11.

[4](1)  Nacien

[5](2)  Flora

[6](3)  ذاك ما حصل لشاول (= بولس) بعد خبرة دمشق (أع 9: 18).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM