الفصل السادس والثلاثون والسابع والثلاثون

الفصل السادس والثلاثون

لبثنا ثلاث سنوات في بيت يقع في ساحة المدينة. ثمَّ خرجنا منه لنمضي إلى مدينة أخرى تبعد 50 فرسخًا. كانت هذه المدينة كثيرة السكّان ومملوءة بعدد كبير من الأصنام، وقد أضلَّ عبَّادَها مظاهرُ كاذبة. وكان هناك نهر يعبر هذه المدينة. ما عرفَنا أحدٌ حين دخلْنا. فالتقينا برجل يقود اثني عشرة ولدًا مقيَّدين وينتمون إلى أولى أسر هذه الحاضرة. وحين سأل يوحنّا لماذا هؤلاء الأولاد مربوطون، قيل له إنَّهم يقدِّمون للإله الذئب ذبيحةً، اثني عشر ولدًا، حين يطلع القمر الجديد (الهلال). فقال يوحنّا: «أريد أن أعرف من هو هذا الإله الذئب». فأجابه ذاك الذي سأله: «في الساعة الرابعة من النهار يأتي الكهنة برفقة جمهور كبير. فإذا أردتَ أن تتبعهم ترى الذئب الذي تُقدَّم له هذه الذبيحة.»

وهكذا اقتادنا الرجل الذي كلَّمه يوحنّا إلى الموضع الذي يسكن فيه الذئب. وقال: «وصلنا، أعطني اللؤلؤة([1]) فأريك الذئب». فقال له يوحنّا: «ثق بي، وحين تريني إيّاه تنال اللؤلؤة، التي وعدتك بها». بعد وقت قصير، خرج ذئبٌ من النهر فقال له يوحنّا: «أستحلفك، أيُّها الروح النجس، قل لي من أيِّ زمن تقيم في هذا المكان». فأجاب الشيطان: «منذ سبعين سنة». حينئذٍ قال له يوحنّا: «آمرُك باسم الآب والابن والروح القدس أن تخرج من هذه الجزيرة.» وفي الحال اختفى الروح النجس. وحين رأى هذا الرجلُ الذي كلَّم الرسول، سقط على قدمَي يوحنّا وقال له: «ارحمني، أيُّها الرجل القدِّيس. قل لي مَن أنت ومِن أين جئتَ؟ يا من تعمل أعمالاً مدهشة جدًّا، وتعطي الأوامر الإلهيَّة فينفِّذونها وهم يرتعبون».

فأجابه يوحنّا: «أنا رسول يسوع المسيح ابن الله وخادمه، فهذا الذئب الذي نظرتَ إليه كأنَّه ذئب هو روح نجس أهلك عددًا كبيرًا من النفوس. وربِّي يسوعُ المسيح أرسلني إلى هذه الجزيرة لأطرد منها كلَّ الأرواح الشرِّيرة ولكي أعظ السكّان بالإنجيل الحقيقيّ». فحين سمع الرجل هذا الكلام سقط على وجهه وقال: «يا رسول يسوع المسيح، اصنع لي رحمة لكي أستحقَّ أن أكون خادم ابن الله». فعلَّمه يوحنّا كيف ينبغي أن يؤمن بالآب والابن والروح القدس. وفي الغد قال له: «هكذا تسلَّمتَ الدرَّة الثمينة». وحين قال هذا الكلام، أتى الكهنة وهم يحملون السيوف ويقتادون الأولاد المربوطين ليذبحوهم لإلههم الذئب. وانتظروا مجيء الشيطان الذي اعتبروه إلهًا. وبعد أن انتظروا مدَّة طويلة، اقترب يوحنّا وقال لهم: «أيُّها الجهّال، أنتم لا تعرفون طريق الحقِّ (يو 14: 6). فالذئب الذي تنتظرون والذي تحسبونه إلهًا هو شيطان وروح شرِّير. طردتُه أنا من هذه البلاد باسم يسوع المسيح ابن الله الحيّ. أنتم تنتظرونه عبثًا، فهو لن يأتي بعد. فأطلِقوا هؤلاء الأولاد وآمنوا بيسوع المسيح الإله الحقيقيّ والإنسان الحقيقيّ الذي صُلب لخلاص البشر جميعًا».

حين سمع الكهنة يوحنّا يتكلَّم بمثل هذا الكلام، تبلبلوا جدًّا وما جرؤ واحد منهم أن يسأله، بل خافوا من الذئب الذي قد يأتي ويبتلعهم في مياه النهر إذا آمنوا بإنسان غريب. ثمَّ قال لهم يوحنّا: «أطلِقوا هؤلاء الأولاد كما قلتُ لكم، ولا تخافوا أبدًا الشيطان الذي لن يأتي بعد، لأنِّي أمرته باسم الربِّ يسوع المسيح، أن يمضي من هنا.» وإذ لم يُجبه واحدٌ من الكهنة، حرَّر يوحنّا الأولاد، وقال لهم: «ارجعوا إلى مدينة آبائكم وأمَّهاتكم وإخوتكم وأصدقائكم». فإنَّ أحدًا من آبائهم لم يتبعهم. ثمَّ مضى إلى الكهنة وانتزع سيوفهم من أيديهم فارتعبوا كلُّهم وما تجرَّأ واحدٌ منهم أن يقول له كلمة، لأنَّ الربَّ حماه ومنع واحدًا من أن يمسَّه أو يوجِّه له شتيمة. ودخلوا كلُّهم إلى المدينة. وأتى يوحنّا إلى حيث كانت بوّابة صغيرة، فاجتمع جمهور كبير لكي يسمعوا كلامه. فشرع يكلِّمهم عن مقاطع الكتاب المقدَّس التي أنبأتْ بابن الله. بعضهم آمن بكلامه([2]) وأدَّى الشكر لأنَّه نجَّى الأولاد من الموت. والكهنة وحدهم أظهروا البغض له وما أرادوا أن يسمعوا كلامه ولا أن يقتبلوا العماد([3]).

الفصل السابع والثلاثون

كان في تلك المدينة حمّامٌ خنقَ فيه الشيطانُ ابن أحد الكهنة. وهذا الشيطان هو ذاك الذي طرده يوحنّا من أفسس بعد أن خنق ابن ديوسكوريد. وحين علم الكاهن أن ابنه خُنق، ركض إلى الحمّام. وحين رآه ميتًا وممدَّدًا على الأرض، ابتعد وهو في حزن شديد واقترب من يوحنّا وقال له: «حان الآن الوقت لكي أؤمن بذلك الذي أرسلك والذي تكرز به، لأنَّ ابني مات مخنوقًا في الحمّام. وأعرف أنَّك إذا شئتَ تستطيع أن تعيدَه إليَّ حيًّا». فأجابه يوحنّا: «سوف يُرَدُّ لك». وأخذ الكاهن بيده ومضيا إلى الحمّامات فتبعناهما.

ولمّا دخلنا، جاءوا بالميت ووضعوه عند قدمَي يوحنّا. فقال الكاهن ليوحنّا: «أقمْه بسلطان الله الذي تعبده وتكرز به». وفي الحال، أمسك يوحنّا يد الشابِّ وقال: «باسم الربِّ يسوع المسيح ابن الله، قُم.» وفي الحال، قام الميت. فقال يوحنّا للولد: «ما الذي حصل لك، يا ابني؟» فأجاب الولد: «حين كنتُ أستحمُّ خرج من الحمّام رجل أسود مثل الأحباش، وخنقني». فعرف يوحنّا أنَّه الشيطان. فدخل إلى الحمّامات. فأخذ الشيطان يصيح بصوت رهيب: «يا يوحنّا، يا رسولَ يسوع المسيح وحبيبَه، أستحلفك(1) باسم ربِّك أن لا تطردني من هنا». فقال له يوحنّا: «منذ كم سنة أنت هنا؟» فأجاب الشيطان: «منذ ثلاث سنين كنتُ ساكنًا في أفسس، في حمّامات ديوسكوريد. وحين طردتَني من هناك، أتيتُ وأقمتُ هنا.»

حينئذٍ قال له يوحنّا: «أيُّها الروح النجس(2)، آمرُك باسم يسوع المسيح أن تخرج من هذا المكان ومن هذه الجزيرة، وأن لا تسيء إلى أيِّ إنسان، بل امضِ إلى المواضع المقفرة». فهرب الشيطان في الحال. وحين رأى الكاهن ما فعله يوحنّا، ركع على ركبته وطلب منه قائلاً: «يا سيِّدي، أنا وابني وكلُّ بيتي رهن بنانك ونخضع لمشيئتك. نفعلُ كلَّ ما تأمرنا به ونطيعك في كلِّ شيء». واقتادنا إلى بيته. وركع فطلب قائلاً: «أعطني المعموديَّة لي ولابني ولكلِّ أسرتي». فعلَّمهم يوحنّا وفقَّههم في الإيمان وعمَّدهم مع جميع الذين كانوا في البيت(3). ومكثنا معه ثلاثة أيّام، ونحن مبتهجون بما صنعه الربُّ بواسطة رسوله يوحنّا.

 


[1](1)  أو الدرَّة الثمينة. رج مت 13: 45-46.

[2](2) رج يو 7: 43: «فانقسم رأيُ الناس فيه».

[3](3) رج يو 12: 42 ي.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM