رؤيا يوحنا المنحولة الأولى: المـدخـــل

رؤيا يوحنا المنحولة الأولى

المـدخـــل

في مجموعة الكتابات المنحولة، نقرأ أيضًا نصًّا يُدعى عادة الرؤيا المنحولة الأولى ليوحنّا([1]). هذه التسميةالعلميَّة تدلُّ في الوقت عينه على اختلافها مع الرؤيا القانونيَّة، رؤيا يوحنّا، وعلى ضرورة تميُّزها عن كشوف révélations منحولة ترتبط بذات السلطة الرسوليَّة. غير أنَّ هذه التمييزات هي غريبة عن التقليد المخطوطيّ، حيث النصُّ الذي نَنقل الآن، يُدعى بشكل عامّ: رؤيا القدِّيس يوحنّا اللاهوتيّ، وهو عنوان رؤيا يوحنّا القانونيَّة، كما في أكثر المخطوطات.

1- أسئلة وأجوبة

جاءت الرؤيا المنحولة بشكل سؤال وجواب. وعرف الكاتب الرؤيا القانونيَّة، فسعى لكي يكمِّلها أو ليحلَّ محلَّها، فقدَّم تعليمًا واضحًا ومرتَّبًا حول الأحداث التي ترافق مجيء المسيح في نهاية الأزمنة. والمقطعان الوحيدان في هذا النصِّ المنحول حيث ينال يوحنّا رؤية روحيَّة، يستندان بوضوح إلى عنصرين من النصِّ القانونيّ: الكتاب المختوم، ثمَّ الحمل الذي يفتح الختوم السبعة([2]). غير أنَّ هذا اللجوء إلى الرؤية كطريقة وحي، الذي يميِّز الفنَّ الأدبيّ في أسفار الرؤيا، يبقى استثنائيًّا. فكلُّ ما تبقَّى من هذا المؤلَّف يشير إلى وحي بالكلمة، ويترتَّب بشكل لا يختصُّ في شيء بالفنِّ الجليانيّ أو الرؤيويّ: إنَّه تسلسل الأسئلة والأجوبة([3]). هذا الشكل الذي يُستعمل عادة لحلِّ الصعوبات المرتبطة بتفسير الكتاب المقدَّس، استُغلَّ هنا بشكل خاصٍّ ليردَّ على أسئلة متعلِّقة بالأحداث الإسكاتولوجيَّة (تتعلَّق بالنهاية escaton) ومسيرتها. وتأتي هذه الأسئلة والأجوبة بشكل مقولب stéréotypé، «فقلتُ». أو: «وقلت أيضًا». هكذا تُعلَن أسئلة يوحنّا، التي يقابلها جوابٌ لا يتبدَّل: «وسمعتُ صوتًا يقول لي». عندئذٍ تبدأ أقوالُ المتكلِّم الإلهيّ.

وفي ما يخصُّ المضمون. فأسئلة الرسول الثمانية والعشرون التي تتوزَّع هذه الرؤيا المنحولة، تدلُّ أيضًا على ميل للتكرار، وتكشف الحاجة بأن يعرف (الرائي) المحطّاتِ المتعاقبةَ في سيناريو نهاية الأزمنة. لهذا يأتي السؤال: «فقلتُ أيضًا»: «والآن ماذا سوف تفعل، يا ربّ؟». فالربُّ سيِّد الأحداث، ولهذا يستطيع أن يكشفها لرسوله.

يتميَّز السؤالان الأوَّلان (1: 3-5؛ 3: 3) عن سائر الأسئلة ببُعدهما العامّ، وينتميان بوضوح إلى الإطار الذي يُدخلنا في الوحي (1: 4). والجواب يأتي في 28 مع خاتمة سرديَّة قصيرة.

1: 3    أيُّها الربُّ إلهيّ، أنتَ الذي حسبتَني أهلاً لأن أكون خادمك، اسمع صوتي وعلِّمني في ما يخصُّ مجيئك.

4        حين تأتي على الأرض، ما الذي سوف يحصل؟ ما الذي تُصبح في تلك الأزمنة، السماءُ والأرض، الشمسُ والقمر؟

5        إكشف لي كلَّ شيء فأنا واثق بأنَّك تستمع إلى عبدك.

ذاك كان السؤال الأوَّل. وهاك السؤال الثاني:

3: 3    فقلتُ: «أيُّها الربُّ إلهي، اكشف لي ما دُوِّن في هذا الكتاب».

وننتظر الجواب حين يُسمَح ليوحنّا بأن ينقل التعليم ساعة يعود على جبل تابور.

28: 1 وسمعت أيضًا صوتًا يقول لي: «ها أنتَ سمعت كلَّ هذه الأمور، أيُّها البارُّ يوحنّا! فسلِّمْها إلى رجالٍ أمناء لكي يُعلِّموها أيضًا للآخرين. ولا يأخذوا موقف الاستخفاف تجاهها، ولا يرموا جواهرنا للخنازير لئلاَّ تدوسها بأرجلها» (مت 7: 6).

وتوالي الأسئلة والأجوبة في جسم النصِّ (5-27)،يُتيح لنا أن نستخلص نظرة أصيلة إلى مسيرة الأحداث الإسكاتولوجيَّة. فهناك جزء أوَّل (5-17) يفصِّل المراحل التي تُعِدُّ الدينونةَ بحصر المعنى.زمن الأنتيكرست (المناوئ للمسيح. أو المسيح الدجّال) الذي يسبقه تناوب الوفر والمجاعة: تحدِّدُه العنايةُ الإلهيَّة في ثلاث سنوات (5-8). ويُطلّ على زوال كلِّ حياة بشريَّة على الأرض (9: 1-2).

ثمَّ يأتي زمن القيامة العامَّة للبشريَّة كلِّها.

9: 1    وقلت أيضًا: «يا ربّ، وماذا يحصل حينئذٍ؟»

2        فسمعتُ جوابًا يقول لي: «اسمع، أيُّها البارّ يوحنا! حينئذٍ يموت الجنسُ البشريّ كلُّه، ولن يكون بعدُ إنسان على الأرض كلِّها».

أراد يوحنّا أن يعرف كيف تكون الأمور، فطرح أربعة أسئلة من نوع مختلف (9: 3-12: 6).

السؤال الأوَّل نقرأه في 9: 3:

فقلت أيضًا: «يا ربّ، وماذا ستفعل في ذلك الوقت؟»

السؤال الثاني نقرأه في 10: 1:

وقلت أيضًا: «يا ربّ، أولئك الذين ماتوا منذ آدم إلى هذا اليوم، أولئك الذين يُقيمون في الجحيم (الشيول، مثوى الأموات،  ) منذ ذلك الزمان، وأولئك الذين سيموتون في الدهور الأخيرة، في أيّة حالٍ يقومون؟»

السؤال الثالث نقرأه في 11: 1:

وقلتُ أيضًا: «يا ربّ، الناس يموتون ذكرًا وأنثى، بعضهم من الشيوخ، وآخرون من الشبّان، وآخرون أيضًا من الأطفال: ففي القيامة، في أيِّ حال يقومون؟»

السؤال الرابع نقرأه في 12: 1:

وقلتُ أيضًا: «يا ربّ، هل يعرف الواحدُ الآخر في ذلك العالم، الأخُ أخته، الصديق صديقَه، الوالد أولاده، والأولاد والديهم؟»

والمرحلة التالية هي مرحلة تطهير الأرض بالنار وبنفْخِ الرياح، وكلُّ هذا يسبقه اختطاف في الهواء، لكلِّ ما يجب أن يُحفَظ من النار المدمِّرة (13-15). والأرض التي عادَتْ بكرًا وملساء بشكل كامل، تستعدُّ لاستقبال المسيح الذي ينزل للدينونة، (واستقبال) الكنوز السماويَّة وأورشليم العليا، وكلُّ ما سبق وخُطف بشكل موقَّت في الهواء (16-17). ورؤية الحمل الذي أُمرَ بأن يَفتح الكتاب، تدلُّ على بداية القسم الثاني المركَّزة على الدينونة الأخيرة (18-27).

فحين فُتحت الختوم السبعة، كُشف المصيرُ الأخير لمختلف عناصر الكون وأجزائه (18-19). عندئذٍ جاءت أسئلة يوحنّا حول هويَّة مختلف الفئات الذين سيمثُلون للدينونة، مع ترتيب مثولهم أمام الديّان، وحول الأمكنة التي فيها ينالون عقابهم أو أجرهم: أوَّلاً العدوّ والأرواح النجسة (يكونون) في الظلمة البرّانيَّة (20). ثمَّ الوثنيُّون، عابدو الأصنام والهراطقة (يكونون) في الجحيم (21). بعدهم، العبرانيُّون الذين قتلوا المسيح، (يكونون) في الأعماق السفلى Hadès (22). وأخيرًا المعمَّدون، الذين ينقسمون بين أبرار وخطأة (23). بعضهم ينالون عقابات مختلفة تتناسب مع ذنوبهم (24). والبعض الآخر يُقيمون برفقة الملائكة، في عالمٍ صار فردوسًا وتحرَّرَ من كلِّ شرّ (25-27).

2- إيرادات من الكتاب المقدَّس

إنَّ عددًّا كبيرًا من التعاليم التي أعطاها الصوت الإلهيّ جوابًا على أسئلة يوحنّا، تَجدُ ما يوازيها في نصوص أخرى تعالجُ نهاية الأزمنة. لهذا احتلَّتْ هذه الرؤيا البسودويوحنّاويَّة محلاًّ خاصًّا وسط المصادر التي ذكرها ولهالم بوسِّه([4]) في دراسته حول التقليد المتعلِّق بالإنتيكرست. ولكن حين نقابل رؤيا يوحنّا المنحولة مع هذه المجموعة من المصادر، نراها تتميَّز بخاصِّيَّة لافتة: اللجوء الوافر إلى النصوص الكتابيَّة. فأجوبةُ الصوت الإلهيِّ تُسندها مرارًا إيراداتٌ تسبقها عبارة سابقة: «مثل» أو «قال» أو «أنبأ»([5]). وهذه الإيرادات مأخوذة من العهد القديم([6])، وفي شكل أقلَّ من العهد الجديد([7]). بل يحصل أن يكون الجواب مكوَّنًا كلُّه من إيرادات كتابيَّة.([8])

وبجانب الإيرادات الصريحة من الكتاب المقدَّس، يستند هذا النصُّ المنحول إلى عدد من الاستشهادات أو التلميحات دون أن يذكرها. فخطبة الصوت الإلهيّ تستعيد حرفيًّا أو ما يشبه الحرفيّ، مقاطع من العهد القديم([9])

ومن العهد الجديد([10]). وهناك عبارات من أصل بيبليّ، حتّى وإن لم نستطع أن نحسبها على أنَّها استشهادات من نصٍّ معيَّن([11]).

إنَّ تواتر الاستشهادات البيبليَّة والدقَّة الحرفيَّة في إيراد معظمها، يدلاَّن على كاتب وعلى محيط ينعمان بمستوى رفيع من الثقافة الأدبيَّة واللاهوتيَّة. ولكن حين لجأ هذا النصّ إلى شهادة الكتاب المقدَّس، هل دلَّ على أنَّه خلاَّق أو أنَّه تسجَّل في مدرسة أو في تقليد من التفسير؟ الجواب على هذا السؤال يفترض بحثًا أكثر عمقًا، يتجاوز هذه المقدِّمة. فيجب أن ندرس عن قرب الطريقة التي بها فُسِّرت النصوصُ الكتابيَّة، ونتساءل إن كانت كتابات أخرى استَعملت المقاطع الكتابيَّة عينها (وخصوصًا المزامير) وفي السياق الإسكاتولوجيّ عينه.

3- متى دُوِّن سفر الرؤيا المنحول

أقدم إشارة معروفة لرؤيا بسودويوحنّاويَّة تعود إلى القرون الوسطى. ففي القرن التاسع، أشار تفسيرٌ بيزنطيّ لغراماطيق ديونيسيوس التراقيّ de Thrace، إلى رؤيا بولس وإلى رؤيا يوحنّا، ليُنكر أصلهما الرسوليّ: «ينبغي على الغراماطيقيّ أن يعرف بوضوح أسماء الإنجيليِّين وطريقة كلامهم لكي يتجنَّب استقبال إنجيل غريب كاذب. وهناك أيضًا كتابات تحمل الاسم عينه مثل الرؤيا التي تُنسَب إلى القدِّيس بولس. فهي ليست من القدِّيس بولس، بل من بولس آخر، هرطوقيّ، ذاك الذي من شميشاط([12])، الذي منه يتفرَّع البوليقيّون([13]). وهناك

رؤيا أخرى نُسبَتْ إلى اللاهوتيّ (يوحنّا). نحن لا نتكلَّم عن تلك التي تلقَّاها في جزيرة بطمس، لا سمح الله. فهذه حقيقيَّة حقيقيَّة. بل عن تلك التي تحمل اسمًا كاذبًا وهي غريبة.»([14])

شجب كاتبُ هذه الأسطر الاسم المزعوم المرتبط برؤيا بولس واعتبر النصَّ لارسوليًّا، بل هو هرطوقيّ، وجعله لبولس الشميشاطيّ الذي هو أبو البوليقيِّين. وبعد هذا الشجب لنصٍّ عرف انتشارًا واسعًا([15])، أصدر الحكمَ عينه على رؤيا أخرى هي غير رؤيا دوَّنها يوحنّا في بطمس. جُعلت كذبًا على اسم «يوحنّا اللاهوتيّ». ولكن نلاحظ أنَّه لا يتَّهم هذا النصَّ بالهرطقة، مع أنَّه أخذ سلبًا اسم يوحنّا.

إنَّ الشهادة الواردة تتيح لنا أن نحدِّد القرن التاسع كتاريخ قد يكون فيه المؤلَّف دُوِّن. ولكن متى دُوِّن بالضبط؟ هذا ما يصعب تحديده. هناك إشارتان تدلاّن على تاريخ يأتي بعد القرن الرابع: يبدو أنَّ هذه الرؤيا ترتبط ببعض عظات من أفرام السريانيّ حول مجيء المسيح والدينونة الأخيرة، خصوصًا تلك التي ترتدي شكل الأسئلة والأجوبة([16]). ثمَّ إنَّ ذكر اختطاف «الصولجان العظيم والرفيع الذي عليه مدَدتُ يديَّ» (13: 5)، يفترض رؤية اكتشاف الصليب الحقيقيّ بيد الإمبراطورة هيلانة، كما شهد على ذلك أخبار من نهاية القرن الرابع([17]). ولكن جاء من يدافع عن تاريخ متأخِّر، هو القرن الثامن أو القرن التاسع، على أساس هذا الفصل عينه (13: 3): إن حماية «الإيقونات الرفيعة

المقدَّسة» تحدَّد في سياق حرب الإيقونات، ساعة حمايةُ «الصلبان المجيدة والثمينة» و«الكتب الإلهيَّة والمقدَّسة»، تعكس هجمات المسلمين خلال القرنين 7-8 في سورية وفي مصر، على أغراض المسيحيِّين المقدَّسة هذه([18]). ولكن بخلاف أسفار الرؤيا البيزنطيَّة التي توالدت وتكاثرت جوابًا على انتشار الإسلام، فإنَّ رؤيا يوحنّا المنحولة لا تتضمَّن أيَّة إشارة واضحة إلى مثل هذا الوضع السياسيّ. وهكذا يبدو أنَّ هذا المؤلَّف دُوِّن قبل مجيء الإسلام، في القرن الخامس أو القرن السادس.([19])

4- أسفار عديدة باسم رؤيا يوحنّا المنحولة

تحدَّث الباحثون عن «أسفار رؤيا يوحنّا المنحولة» بجانب تلك التي نقدِّم هنا. ولكنَّ الاتِّفاق لم يتمَّ على اللائحة، ولا على طريقة تسمية هذه «الأسفار»، ولا على ترقيمها. وها نحن نقدِّم باختصار الكتابات التي جرَت العادة بأن تُجمع مع رؤيا يوحنّا المنحولة الأولى.

منذ القرن الثامن عشر، ذكر فولتير الكاتب الفرنسيّ([20]) أكثر من سفرٍ لرؤيا يوحنّا، فكتب مقالاً عنوانه «سائر الكتب المنحولة في القرنين الأوَّل والثاني». قال: «أحد عشر «رؤيا» نسبت إلى الآباء والأنبياء: إلى القدِّيس بطرس، إلى قرنتيس Cérinthe، إلى القدِّيس توما، إلى القدِّيس إسطفانس أوَّل الشهداء، اثنتان إلى القدِّيس يوحنّا، مختلفتان عن (الرؤيا) القانونيَّة، ثلاث إلى القدِّيس بولس. كلُّ هذه "الرؤى" كسفها سفر رُؤيا القدِّيس يوحنّا». إلى أيِّ مرجع عاد فولتير؟ هذا ما تصعبُ معرفتُه.

إنَّ عنوان «رؤيا يوحنّا المنحولة الثانية» نسبها فرنسوا نو([21]) إلى نصٍّ يونانيّ وجده في مخطوط يونانيّ في باريس (947) يعود إلى القرن السادس عشر. نشره وترجمه سنة 1914. نحن أمام تبادل عشرين سؤالاً وجوابًا تقريبًا بين «يوحنّا» والربّ، وهي تعالج الأمور الخلقيَّة والتنظيم الكنسيّ وتفسير معنى الليتورجيّا. هناك أسباب عديدة تدفعنا إلى استبعاد هذه «الكتابة» من لائحة «الرؤى» المنحولة، الموضوعة على اسم الرسول يوحنّا. في الأصل، مُحاورE يسوع ليس يوحنّا اللاهوتيّ، بل يوحنّا الذهبيّ الفم، كما يدلُّ على ذلك عنوانُ الشاهد الباريسيّ الذي نشره فرنسوا نو. وتبادُل الأسئلة والأجوبة يبدأ فجأة، بدون سمة من السمات التي تميِّز إطار «الرؤيا». والأسئلة المعالَجة لا تملك شيئًا من الأسلوب الجليانيّ apocalyptique([22]). حُفظ النصُّ في ثمانية مخطوطات، بالإضافة إلى ذلك الذي وُجد في باريس. وأقدم مخطوطين (يعود الأوَّل إلى القرن 10-11، والثاني إلى القرن 11-12) يحملان عنوانًا له معناه: «من يوحنّا الذهبيّ الفم حين رفع صلاته إلى الربِّ في شأن التعليم، وسأله حول يوم الأحد المقدَّس والليتورجيّا الإلهيَّة». في المستقبل، يكون من الأفضل أن نأخذ بعنوانٍ تشهد له المخطوطات: «أسئلة يوحنّا الذهبيّ الفم إلى الربِّ في شأن الأحد والليتورجيّا». وهذا يعني أنَّنا لا ندعو كتابةً أخرى باسم «رؤيا يوحنّا الثانية». ونلاحظ أخيرًا أنَّ التقارب بين رؤيا يوحنّا المنحولة الأولى و«أسئلة الذهبيّ الفم»،لا يجد له أساسًا. فكلاهما يشتركان في العبارة «اسمع أيُّها البارّ يوحنّا» من أجل تقديم الجواب. وكلامهما موجودان معًا في ثلاثة مخطوطات من أصل تسعة وُجدت فيها «رؤيا يوحنّا الثانية».

وتسمية «رؤيا يوحنّا الثالثة» أعطيَت لكتابات أخيرة مختلفة. فجاء اقتراح بأن يُحفَظ الاسمُ لنصٍّ يونانيّ لم يُنشَر بعد يحمل الرقم 922k في Bibliotheca hagiographica graeca. عنوان هذا النصِّ في أحد المخطوطين المعروفين: «رؤيا القدِّيس يوحنّا اللاهوتيّ: كيف طرح على إبراهيم أسئلة في شأن النفوس [...]». هو يتضمَّن 33 سؤالاً وجوابًا على مصير النفوس في الآخرة، في ارتباط مع الممارسة الحاضرة للترتيب الكنسيّ. وإن لم يكن المسيح هو من تَوجَّه إليه يوحنّا، بل ابراهيم، فمن الواضح أنَّ هذه الكتابة متقاربة مع رؤيا يوحنّا اللاهوتيّ التي ننقلها الآن، إن بحسب طريقة طرح الأسئلة وإن باستعمال استشهادات الكتاب المقدَّس (وخصوصًا المزامير) في أجوبة إبراهيم.

وهناك نصٌّ يونانيّ آخر نال تسمية «رؤيا يوحنّا الثالثة» ولكن ينبغي بالأحرى أن ندعوه بالاسم الذي نجده في المخطوط الوحيد الذي نُشر: «أسئلة يعقوب أخي الربِّ إلى يوحنّا اللاهوتيّ»([23]). ليس يوحنّا هو الذي يسأل هنا، بل إنه ذاك الذي يجيب على أسئلة طرحها يعقوب أخو الربّ. والتعليم الذي يقدِّمه يتعلَّق بشكل أساسيّ بالتعارض بين نصيب الأبرار ونصيب الخطأة بعد دينونة الأنفس، وبضرورة التوبة الممكنة دومًا. كما تدلُّ على ذلك سلسلةُ الأمثال البيبليَّة. في الظاهر، لا علاقة بين هذه الكتابة ورؤيا يوحنّا التي نقرأ هنا.

وهناك نصٌّ قبطيٌّ عنوانه «أسرار يوحنّا». هذه «الأسرار التي تعلَّمها من السماء الرسولُ يوحنّا القدِّيس والبتول»، وصلتْ إليه بواسطة كَروب، فحدَّثته عن ظواهر الطبيعة وعن بعض العناصر في خبر الخلق وخطيئة آدم. أهمِّيَّة هذا النصِّ الذي لا علاقة له مع رؤيا يوحنّا المنحولة، تكمن خصوصًا في أنَّه يفسِّر (من جديد) في منظور مسيحيّ، عناصر من الميتولوجيا المصريَّة القديمة.([24])

وأخيرًا نذكر في عداد الجليانات (أو: الرؤى) المنحولة التي وُضعت تحت اسم يوحنّا، كتابة من أصل بوغوميل([25])، محفوظة في اللاتينيَّة بعنوان «تساؤل يوحنّا»([26])، في أرشيف محكمة التفتيش Inquisition كوثيقة إثبات à conviction ضدَّ الكاتار.([27])

5- نصُّ رؤيا يوحنّا المنحولة

نَشرَ رؤيا يوحنّا المنحولة الأولى، سنة 1804، أندرياس برش([28]) على أساس مخطوطين يونانيَّين. واحد من الفاتيكان: فاتيكانوس بالاتينوس 364، ويعود إلى القرن الخامس عشر. وآخر من فيينّا، فندوبونانسيس Vindobonensis، تاريخ يونانيّ 119، يعود إلى سنة 1300 تقريبًا. ونشره تيشندورف([29]) سنة 1866، وأضاف إلى المخطوطين السابقين خمسة مخطوطات، ثلاثة من البندقيَّة Venise واثنان من باريس: مرقيانوس، يونانيّ 11، 20 (من القرن السادس عشر). مرقيانوس، يونانيّ 2،42 (القرن الرابع عشر)، مرقيانوس، يونانيّ 2، 90 (القرن السادس عشر). ثمَّ باريس، يونانيّ 947 (مؤرَّخ سنة 1574. يتضمَّن أيضًا «رؤيا يوحنّا المنحولة الثانية»). باريس، يونانيّ 1034 (القرن الخامس عشر). منذ ذلك الوقت، استُعملتْ نشرة تيشندورف لدى المؤرِّخين النادرين والفيلولوغيِّين (فقه اللغة) الذين اهتمُّوا بهذا النصّ. ولكن بحسب المعطيات التي قدَّمتها Bibliotheca hagiographica graeca وملحقاتها، وُجد أقلَّه 14 شاهدًا آخر لهذه الرؤيا المنحولة، ممّا يعني ضرورة نشرة نقديَّة جديدة.

وبجانب اليونانيّ، اللغة الأصليَّة، حُفظ النصُّ أيضًا في ترجمات قديمة، في الأرمنيَّة والعربيَّة والسلافيَّة القديمة([30]). نشير هنا إلى أنَّنا لا نجد دراسة نقديَّة عن نصوص هذه الترجمات.([31]

 


[1](1) Première Apocalypse apocryphe de Jean

[2](2) رج 2: 4؛ 1 تم 18: 2-19: 7. نقابل مع رؤ 5-6. يُستعمَل فعل «رأيتُ» eidon فقط في هذين المقطعين (2: 30؛ 3: 2؛ 18: 2)، ساعة هو حاضر على مدِّ سفر الرؤيا القانونيّة (4: 1، 4؛ 5: 1، 2، 6...).

[3](3) Questions et réponses. هو أسلوب أدبيّ عُرف كثيرًا في النصوص القديمة. G. BARDY, « La Littérature patristique des ‘Questiones et Responsiones’ sur l’Ecriture Sainte », Revue Biblique, 41 (1932) 210-236; 341-369 : 515-537; puis 42 (1933) 14-30; 211-229; 328-358. Voir H. DORRIES et J. DORRIES, « Erotapokriseis » in Reallexikon für Antike und Christentum. 6 (1966) col 342-370.

أمّا اللفظ العلميّ Erotapokriseis فيعود إلى لفظين. الأوَّل eromai: سأل، استجوب. ثمَّ apokrisiV: حواب.

[4](4) Wilhelm BOUSSET, Der Antichrist in derUberlieferung des Judentums, des Neuen Testaments und der alten Kirche. Ein Beitrag zur Auslegung der Apokalypse.Göttingen, 1893, réimpr. Hildesheim, Zürich, 1983.

[5](5) نقرأ 24 إيرادًا من الكتاب المقدَّس مع مقدِّمة تكون مع الأداة «كما» kaqwV، ما عدا 12: 4؛ 12: 6؛ 22: 5 (تكلَّم النبيّ داود... في 12: 4). يعود النصُّ 11 مرَّة إلى فعل «قال»، و12 مرَّة إلى فعل «أنبأ».

[6](6) هناك 17 إيرادًا من العهد القديم. منها 14 من سفر المزامير، وصاحبها يُدعى تارة «النبيّ داود» (8: 4؛ 9: 6؛ 12: 4؛ 15: 6؛ 20: 5؛ 21: 5؛ 22: 4؛ 23: 3؛ 24: 2)، وطورًا «وداود نفسه» (12: 6؛ 21: 6)، أو «النبيّ» (8: 6؛ 19: 4). أو «الروح القدس بواسطة النبيّ داود» (25: 3). وإلايرادات الثلاثة الباقية اللامأخوذة من المزامير، دَخلَ اثنان منها بلفظ «النبيّ» (9: 8 في جا 12: 4؛ 26: 3 في تث 32: 8)، والثالث بلفظ «وقال» الذي يجعلنا نشعر وكأنَّه يعود إلى داود (15: 7 في إش 40: 4-5).

[7](7) قدَّم العهد الجديد 6 إيرادات من 23 إيرادًا بدأت مع عبارة خاصة. أربعة منها هي أقوال يسوع مقدَّمة في صيغة المتكلِّم المفرد («كما قلتُ لكم»، 11: 7 في مت 22: 30؛ 16: 4 في مت 24: 30؛ 27: 6 في يو 10: 16) أو على أنَّه قول «الربّ» (28: 4 في يو 14: 23). والإيرادان الآخران يعودان إلى «بولس الرسول» (13: 7 في 1 تس 14: 17؛ 22: 5 في رو 2: 12). نلاحظ غياب سفر الرؤيا القانونيّ بين الإيرادات الصريحة.

[8](8) رج 12: 4-6: تكلَّم النبيّ داود... وداود نفسه قال...

[9](9) يرد مز 106: 3 في 28: 3. ويُجعَل إش 6: 3 في 17: 7.

[10](10) 7: 9 في رؤ 7: 1؛ 17: 6 في رؤ 21: 2؛ 17: 8 في فل 2: 10؛ 17: 10 في عب 4: 13؛ 18: 3 في رؤ 5: 2-5؛ 23: 4 في مت 13: 43؛ 28: 1 في 2 تم 2: 2 ومت 7: 6.

[11](11) نقرأ «الظلمة البرّانيَّة» في 16: 7 و20: 2 (رج مت 8: 12؛ 22: 13؛ 25: 3). «الدود الذي لا ينام أبدًا» في 24: 5 (إش 66: 24)

[12](12) Samosate هي مدينة واقعة في سورية. وبولس كان موظَّفًا إداريًا لدى الملكة زنوبية وفي الوقت عينه أسقف كنيسة أنطاكية.

[13](13) Pauliciens بدعة خارجة عن الإيمان. أصلها من آسية الصغرى. أخذوا بالثنويَّة في خطِّ المانويِّين، وبالظاهريَّة، فقالوا إنَّ ابن الله لم يتجسَّد حقًّا بل تظاهر أنَّه أخذ جسدًا.

[14](14) Commentariolus byzantinus, par A. HILGARD, Scholia in Dionysii Thracis artem grammaticam(Grammatici graeci 11, 1, 3); Leipzig, 1901, p. XXXVII-XLI et 565-586. Pour le passage traduit, p. 568

[15](15) امتداد الأدب البولسيّ في الأسفار المنحولة، الخوري بولس الفغالي، الرابطة الكتابيَّة، 2007، على هامش الكتاب، ص 9-17.

[16](16)حاشية 4، ص 26.

[17](17) J. M. COURT, The Book of Revelation and the Johannine Apocalyptic Tradition, Sheffield, 2000, p. 26-27.

«عندئذٍ آمُرُ بأن يُرفَع الصولجانُ العظيمُ الرفيع الذي عليه مددتُ يدي» (13: 5).

[18](18) A. WHEALEY, “The Apocryphal Apocalypse of John. A Byzantine Apocalypse from the Early Islamic Period”, in Journal of Theological Studies, n.5, 53 (2002) 533-540.

«يَختطفون بعيدًا عن الأرض كلَّ ما هو مجيد وثمين، الإيقونات الرفيعة والمقدَّسة، الأغراض المقدَّسة من الكنائس. والكتب الإلهيَّة والمقدَّسة» (13: 3). واعتبر هارناك أنَّ رؤيا يوحنّا هذه دُوِّنت في القرن الثامن. راجع A. HARNACK, Geschichte der altchristlichen Literatur bis Eusebius, I, Leipzig, 1891, p. 785.

[19](19) في 24: 4 يُستعمل لفظُ «بطريرك» للكلام عن أساقفة رومة، أنطاكية... ولكنَّنا لا نشهد هذا اللقب قبل القرن الخامس. «أمّا البطاركة والكهنة واللاويّون الذين خطئوا، فيتبعثرون بين مختلف العقوبات، بنسبة ذنب كلِّ واحد منهم».

[20](20) VOLTAIRE, “Apocryphes”, dans Questions sur l’Encyclopédie, paragraphe XXVII de la section intitulée : « Des autres livres apocryphes du premier et du second siècles».

[21](21) François NAU, “Une deuxième Apocalypse apocryphe grecque de saint Jean”, Revue Biblique, 11 (1914) 209-221.

[22](22) A. YARBRO COLLINS, “The Early Christian Apocalypses” in Semeia, 14 (1979) 61-121, spec. p. 76-77 et 109.

[23](23) Texte édité par A. VASSILIEV, Anecdota graeco-byzantina, Moscou, 1893, p. 317-322, sur la base d’un unique manuscrit (Venise, Marcianus, grec, II, 87, XIVe-XVe siècle, ffos 255-262). Il porte le numéro 765-765b dans la Bibliotheca hahiographica graeca et son Novum Auctarium où deux autres manuscrits sont signalés, et le numéro 279 dans la Clavis Apocryphorum Novi Testamenti de M. Geerard (Turnhout 1992, p. 170), J.M. COURT donne le texte grec de Vassiliev et une traduction anglaise « The Third Apocalypse of John » dans The Book…, p. 104-131.

[24](24) نشر E. A. W. BUDGE, Les Mystères de Jean في Coptic Apocrypha in the Dialect of Upper Egypte, Londres, 1913, p. 59-74 (Texte copte et 241-257 (trad. anglaise). وتحت عنوان “The Coptic Apocalypse of John”. استعاد J. M. Court ترجمة بودج مع الحواشي (المرجع السابق، ص 132-163). والنصُّ القبطيّ المنحول الذي نُسب إلى الرسول يوحنّا وأشار إليه WILMART et E. TISSERANT في مخطوطين من مجموعة J. Pierpont Morgan (“Fragments grecs et latins de l’Evangile de Barthélémy”, in Revue Biblique, n. 5, 10 (1913) 353, n. 2) هو كتاب تولية ميخائيل رئيس الملائكة المنسوب إلى يوحنّا الإنجيليّ المحفوظ في اللغة الصعيديَّة (مخطوط 593) وفي اللغة الفيوميَّة (مخطوط 614) من Pierpont Morgan Library في نيويورك.

[25](25) Bogomile (من البلغاريّ Bog أي الله، mil أي صديق). بدعة مسيحيَّة ثنويَّة بلغاريَّة من القرن العاشر، ألهم تعليمُها Les Cathares.

[26](26) Interrogatio Iohannis. هذا النصُّ الذي يعود أصله إلى ما بين القرن الثامن والقرن العاشر انتشر عند الكاتار. نشره J. C. THILO في Codex apocryphus Novi Testamenti, I, Leipzig, 1832, p. 884-896.

ودرَسَهُ بشكل معمَّق E. BOZOKY, Le livre secret des cathares.Interrogatio Iohannis, apocryphe d’origine bogomile (“Textes, dossiers, documents”, 2), Paris, 1980.

[27](27) Cathares حركة دينيَّة من أصل مسيحيّ تعود إلى القرون الوسطى. من kaqaroV الطاهر.

[28](28) Andreas BIRCH, Auctarium codicis apocryphi Novi Testamenti Fabriciani, I, Copenhage, 1804, p. 245-260.

[29](29)                C. TISCHENDORF, “Apocalypsis Iohannis Apocrypha” in Apocalypses apocryphae, Leipzig, 1866; réimpression Hildesheim, 1966, p. XVIII-XIX (introduction) et p. 70-94 (edition du textegrec).

[30](30)                J.M. ROSENTIEHL, “Notes sur la première Apocalypse apocryphe de Jean et d’autres apocryphes arméniens” in Revue des études arméniennes, 18 (1984) 599-603; G. GRAF, GCAL, 1, Cité du Vatican, 1944, p. 276: (المخطوطات العربيَّة). A. de Santos Otero, Die handschriftlicheUberlieferung der altslavischenApokryphus, 1, Berlin-NewYork, 1978, p. 197-209; 2, 1981, p. 253 (Version paléoslave).

[31](31)                Jean-Daniel KAESTLI et Jean-Claude PICARD, dans Erits apocryphes chrétiens, II, Paris, Gallimard, 2005, p. 983-992.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM