الجزء الثاني:خطبة يسوع

 

الجزء الثاني (87-93، 103-105)

خطبة يسوع

ظهورات الرب المختلفة للرسل  خلال حياته على الأرض

([1]) إنَّ الذين كانوا حاضرين بحثوا عن سببِ([2]) ما حصل. قبل كلِّ شيء تحيَّروا لأنَّ دروسياني كانت قد قالت: «ظهر لي الربُّ في قبر في سمات يوحنّا وفي سمات شابّ»([3]). وإذ كانوا متحيِّرين وفي شكل من الأشكال غير ثابتين بعدُ في الإيمان، قال يوحنّا بعد أن علم هذا دون أن يعارض([4]):

88 ([5]) «أيُّها الإخوة، الاضطراب الذي تحسُّون به في طريقة إدراك الربّ، ليس بغريب ولا بخارق، لأنَّنا نحن الذين اختارهم رسلاً، قد امتُحنّا مرَّات عديدة. ومن جهتي، لا أستطيع أن أعرض لكم ولا أن أكتب لكم ما رأيتُ وما سمعتُ. ومع ذلك، يجب عليَّ الآن أن أتكيَّف مع آذانكم: حسب إمكانيَّة كلِّ واحد سأشرككم في أمور تستطيعون أن تسمعوها لكي تروا المجد الذي أحيط به (= بيسوع). وهو مجد كان وهو كائن الآن وإلى الأبد

«بعد (1)([6]) أن اختار بطرس وأندراوس اللذين كانا شقيقين، توجَّه إليَّ وإلى أخي يعقوب قائلاً: "أحتاج إليكما، فتعاليا إليَّ"([7]). حين سمع أخي ذلك، قال: "يا يوحنّا، ماذا يريد أن يقول هذا الولد الذي هو على الشاطئ والذي دعانا"؟ فسألت: "أيُّ ولد"؟ فأجابني: "هذا الذي يشير إلينا". فقلت: "بسبب سهرنا الطويل في البحر، أنت لا ترى بوضوح، يا أخي يعقوب. أما ترى هذا الرجل الواقف بهيئته البهيَّة والجميلة وبوجهه الفرح"؟ فأجابني: "هذا لا أراه يا أخي. ولكن لنذهب إلى الشاطئ فنرى ما يعني هذا". وبعد أن جئنا بالقارب إلى الأرض، رأيناه أيضًا وقد جاء يساعدنا على ربط القارب.

89 (2) «حين ابتعدنا من هذا الموضع، وقرَّرنا أن نتبعه، ظهر من جديد: كان في عينيَّ أصلع، ولكن كان له لحية كثَّة وممتدَّة. أمّا في نظر يعقوب فكان شابًّا ذات لحية صغيرة. إذًا، ظللنا كلانا متحيِّرَين، وتساءلنا عن معنى ما رأينا. بعد ذلك، وحين كنّا نتبعه، كانت حيرتنا تنمو دائمًا حين نفكِّر بالحدث.

(3) ولكن ظهر لي أنا أيضًا شيء أكثر عجبًا: حاولتُ أن أراه في شكل حميم. ولكنِّي لم أرَ أبدًا عينيه منغلقتين، بل كانتا دومًا مفتوحتين.

(4) وكم مرَّة ظهر لي. تارة كرجل قصير القامة وبشع، وطورًا كإنسان يرتفع نظره على مستوى السماء.

(5) وكانت له أيضًا خاصِّيَّة مدهشة: (حين نجلس) إلى المائدة كان يأخذني على صدره([8]) وكنت أشدُّه إليَّ. حينئذٍ كنت آلامسُ (1 يو 1: 1) صدرَه الذي كان تارة ناعمًا ورقيقًا، وطورًا قاسيًا وشبيهًا بالحجر، بحيث تحيَّرتُ في أعماقي وقلت: "كيف يجب أن أفهم هذا"؟ وإذ كنت أفكِّر في ذلك...

90 (6) «مرَّة أخرى، أخذني مع يعقوب وبطرس على جبل اعتاد أن يصلِّي عليه، فرأينا فيه نورًا يستحيل على إنسان يلجأُ إلى لسانٍ فاسد، أن يورد كيف كان([9]).

(7) ومرَّة أخرى أصعدنا كلَينا الثلاثة على الجبل قائلاً: "تعالوا معي". إذن، عدنا إلى هناك ولبثنا ننظر إليه عن بعد وهو يصلِّي" (لو 9: 28). أمّا أنا الذي كان يحبُّني (يو 20: 2)، فاقتربتُ منه بخفر مفكِّرًا أنَّه لن يشعر بذلك، ووقفت هنا وعينايَ مسمَّرتان على ظهره (خر 33: 23). ورأيته: لم يكن يرتدي أبدًا لباسًا، بل تعرَّى من كلِّ ما رأيناه (يلبسه). لم يكن على الإطلاق إنسانًا. كانت رجلاه أكثر بياضًا من الثلج بحيث استضاءت هذه الأرض بلمعانهما. أمّا رأسُه فاستند إلى السماء بحيث ارتعبتُ (مت 17: 6) فصرختُ. حينئذٍ التفتَ هو فبدا رجلاً قصير القامة. أمسكني بلحيتي وشدَّها قائلاً: "يا يوحنّا لا تكن غير مؤمن. بل آمن (يو 20: 27)، ولا تكن فضوليًّا"! فأجبته: "فماذا فعلتُ يا ربّ"؟ أقول لكم أيُّها الإخوة إنِّي تألَّمتُ كثيرًا في الموضع الذي فيه أمسك لحيتي، ودام ألمي ثلاثين يومًا، فقلت له: "يا ربّ، إذا كنتَ شددتَ لحيتي مزحًا آلمتني إلى هذا الحدّ، فما يكون لو قابلْتَني بالضرب"؟ فأعلن لي: "في المستقبل، اسهر في أن لا تجرِّب من لا يمكن أن يجرَّب".

91  (8) «غضب بطرس ويعقوب حين كنت أتكلَّمُ مع الربّ، وأشارا إليَّ (يو 13: 24) بأن آتي إليهما تاركًا الربَّ([10]) وحده. فذهبتُ، فسألني كلاهما: "من هو الشيخ الذي كان يتكلَّم مع الربِّ في الأعالي؟ فقد سمعناهما يتحادثان". فكَّرتُ في نعمته الوافرة([11])، وفي وحدته في أوجهٍ متعدِّدة، وفي حكمته التي تتوجَّه عيناها دومًا إلينا([12])، فقلت: "هذا تعرفانه منه إذا سألتماه"([13]).

92 (9) «ومرَّة أخرى أيضًا، نمنا نحن تلاميذه كلُّنا، في بيت في جنَّسارت. وترقَّبتُ أنا وحدي ما يفعل بعد أن تغطِّيتُ في ردائي. أوَّلاً، سمعته يقول: "يوحنّا، نمْ". ثمَّ، إذ تظاهرتُ بالنوم، رأيتُ شيخًا آخر يُشبهُه، وسمعتُه يقول لربِّي: يا يسوع، إنَّ الذين اخترتهم لا يؤمنون بعدُ بك". فأجابه: "أبتِ، أنت تقول الحقّ. فما هم إلاَّ بشر".

93 (10) «وأُوردُ لكم أيُّها الإخوة مجدًا([14]) آخر. حين كنت أريد أن أمسكه([15]) بعض المرّات، كنت ألقى جسدًا مادِّيًّا صلبًا. ومرَّات أخرى حين كنت ألمسه، كان الجوهر غير مادِّيّ وغير جسديّ وكأنَّه بكلِّيَّته غير موجود.

(11) وحين كان يدعوه أحد الفرِّيسيِّين([16]) فيلبِّي دعوته، كنّا نذهب معه فيتلقَّى كلُّ واحد منّا رغيفًا يوزِّعها المضيف. وكان يتلقَّى هو أيضًا رغيفًا فيباركه ويوزِّعه بيننا: بهذه الكسرة الصغيرة كان كلُّ واحد منّا يشبع([17]) وتبقى أرغفتنا سالمة، بحيث دُهش أولئك الذين دعوه.

(12) «مرَّات عديدة ونحن نسير معه، أردتُ أن أرى إن كان أثرُ خطوه منظورًا، فما رأيته أبدًا. ورأيته يرتفع فوق الأرض.

أيُّها الإخوة([18])، إن كنتُ أورد لكم ذلك، فلكي أشجِّع إيمانكم به. فمعجزاته وعجائبه يجب أن نصمت عنها الآن، لأنَّنا لا نستطيع أن نعبِّر عنها، بل يستحيل علينا أن نقولها ونسمعها.

 


[1](1) حافظ الناشرون على الترقيم التقليديّ لهذه الفصول، فجعلوا ف 87-105 ما بين ف 36 وف 37. حُفظ نصُّ هذا الجزء الثاني في شاهد واحد، هو مخطوط فيينّا، وهو مستقلّ عن سائر التقليد المخطوطيّ. هو لفتَ نظرَ الناسخ بسبب مضمونه الكرستولوجيّ كما يشهد على ذلك العنوانُ الموجود في المخطوط: «الخبر العجيب لأعمال ورؤى رآها القدِّيس يوحنّا اللاهوتيّ من لدن ربِّنا يسوع المسيح: كيف ظهر في البداية لبطرس ويعقوب وأين عُرض سرّ الصليب». إن كان هذا الجزء مهمٌّ جدًّا، إلاَّ أنَّ التشويه لحقه بحيث يطرح عددًا من المشاكل على تفسيره.

[2](2) aitia: لا وجود لما بعد. ولكن أضيف: ما حصل. رج 66: 2.

[3](3) في الفجوة الثانية، اهتدت دروسياني زوجة أندرونيك واختارت ممارسة العفَّة، فحرَّك تصرُّفُها غضب زوجها الذي قرَّر أن يسجنها في قبر، وهناك سوف تكون الظهورات.

[4](4) حرفيًّا: تقبَّل هذا بثبات. هناك تصحيح: «فإذ كانوا حيارى وغير ثابتين في الإيمان لاحتمال ذلك بثبات، قال يوحنّا...».

[5](5) في ف 88-104 نقرأ خطبة مركَّبة من وحدتين مختلفتين، الأولى تتركَّز على أشكال عديدة polymorphe للمسيح، وتجد خاتماتها في ف 103 و104. الثانية تشير إلى سرِّ حاش (آلام) المسيح وصليب النور.

[6](6)            هو رقم الشهادات الاثنتي عشرة، ففي ف 88-93 (انطلاقًا من: «بعد أن اختار [..] حتّى ف 93 أورد يوحنّا 12 تجلِّيًّا لمجد الربِّ الآتي إلى الرسل. قدَّم الكاتب هنا 12 أمرًا طارئًا، بدون ترتيب ظاهر. اعتبر بعضهم أنَّها مأخوذة من الأناجيل، وآخرون أنَّها أشكال ظهورات épiphanies معروفة. فالربُّ يكشف بظهوراته التي تُحيِّر االشهود، أنَّه الإله الذي لا يُدرك، وأنَّه ليس بإنسان (ف 90 و104)، وأنَّه هو هو immuable عبر تعدُّد أشكاله المحسوسة (ف 91)، وأنَّه يستطيع أن يُعين أخصَّاءه في أيِّ صعوبة كانوا (ف 91 و103).

[7](7)            مر 1: 16-20؛ رج 4: 18-22. نلاحظ هنا غياب كلام يتوجَّه إلى سمعان وأندراوس بحيث يتوجَّه الربُّ إلى يوحنّا ويعقوب. إذا كنّا لا نجد هذه القولة logion في الأناجيل القانونيَّة، فإنَّ أع يو تتشبَّث بها. ونحن نجد في 113: 3 crhzw "أنا بحاجة".

[8](8) يو 13: 23-25: خلال العشاء

[9](9) مر 9: 2-3؛ مت 17: 1-2؛ لو 9: 28-29 (التجلِّي).

[10](10) الرؤية المقدَّمة لبطرس ويعقوب تُذكِّرنا بتلك التي نقرأ في ف 92: الربُّ يتكلَّم مع آخر هو نفسه (عجوز في حالة، وفي حالة أخرى، شبيه بالربّ، كأنَّه في مرآة).

[11](11)           أو: «عندئذٍ فهمت نعمته...». كان تصحيح مع لفظ gerwn: شيخ، عجوز menwn (من فعل menw، بقي، لبث)، أو genon بدل ولادة)

[12](12) apoblepw. نقرأ هذا الفعل في 89: 10. ينظر الربِّ بكلِّيَّته إلى السماء. هذا الربُّ هو الإله الكونيّ الذي تعمل عنايتُه في كلِّ مكان، في العالم السماويّ كما على الأرض.

[13](13) هو أكثر من سؤال يُطرَح على الربّ، بل محاولة معرفة من هو عن قرب، على مثال ما فعل يوحنّا.

[14](14)           doxa. في وصيَّة سليمان 16: 4 أعلن إيليّا أنَّه يمتلك «مجدًا»، أي قوَّة علويَّة تتيح له أن يأخذ أشكالاً أخرى.

[15](15)  krathsai. مثل مريم بعد القيامة، يو 12: 17. أو: المسه aptou. رج 1يو 1: 1.

[16](16)  لو 7: 36 (الخاطئة)؛ 11: 27؛ 14: 1 (المريض بداء الاستقاء).

[17](17) مر 6: 35-44 (تكثير الأرغفة)؛ مت 14: 15-21؛ لو 9: 12-17.

[18](18)           في هذا المقطع: «أيُّها الإخوة... ونسمعها» نجد صدى لأقوال كانت تفتتح الخطبة (ف 88). بعد أن شدَّد يوحنّا على الطابع اللاموصوف لتجلِّيات الربّ، قَبِل أن يتكيَّف الآن مع سامعيه الذين تملَّكتهم الحيرة. وفي نهاية شهادته، ذكر الآن واجب الصمت حول هذه المعجزات اللامقولة، وإن هو قالها، فلكي يثبِّت إيمانَ الإخوة.

إنَّ الذين كانوا حاضرين بحثوا عن سببِ([2]) ما حصل. قبل كلِّ شيء تحيَّروا لأنَّ دروسياني كانت قد قالت: «ظهر لي الربُّ في قبر في سمات يوحنّا وفي سمات شابّ»([3]). وإذ كانوا متحيِّرين وفي شكل من الأشكال غير ثابتين بعدُ في الإيمان، قال يوحنّا بعد أن علم هذا دون أن يعارض([4]):

88 ([5]) «أيُّها الإخوة، الاضطراب الذي تحسُّون به في طريقة إدراك الربّ، ليس بغريب ولا بخارق، لأنَّنا نحن الذين اختارهم رسلاً، قد امتُحنّا مرَّات عديدة. ومن جهتي، لا أستطيع أن أعرض لكم ولا أن أكتب لكم ما رأيتُ وما سمعتُ. ومع ذلك، يجب عليَّ الآن أن أتكيَّف مع آذانكم: حسب إمكانيَّة كلِّ واحد سأشرككم في أمور تستطيعون أن تسمعوها لكي تروا المجد الذي أحيط به (= بيسوع). وهو مجد كان وهو كائن الآن وإلى الأبد

«بعد (1)([6]) أن اختار بطرس وأندراوس اللذين كانا شقيقين، توجَّه إليَّ وإلى أخي يعقوب قائلاً: "أحتاج إليكما، فتعاليا إليَّ"([7]). حين سمع أخي ذلك، قال: "يا يوحنّا، ماذا يريد أن يقول هذا الولد الذي هو على الشاطئ والذي دعانا"؟ فسألت: "أيُّ ولد"؟ فأجابني: "هذا الذي يشير إلينا". فقلت: "بسبب سهرنا الطويل في البحر، أنت لا ترى بوضوح، يا أخي يعقوب. أما ترى هذا الرجل الواقف بهيئته البهيَّة والجميلة وبوجهه الفرح"؟ فأجابني: "هذا لا أراه يا أخي. ولكن لنذهب إلى الشاطئ فنرى ما يعني هذا". وبعد أن جئنا بالقارب إلى الأرض، رأيناه أيضًا وقد جاء يساعدنا على ربط القارب.

89 (2) «حين ابتعدنا من هذا الموضع، وقرَّرنا أن نتبعه، ظهر من جديد: كان في عينيَّ أصلع، ولكن كان له لحية كثَّة وممتدَّة. أمّا في نظر يعقوب فكان شابًّا ذات لحية صغيرة. إذًا، ظللنا كلانا متحيِّرَين، وتساءلنا عن معنى ما رأينا. بعد ذلك، وحين كنّا نتبعه، كانت حيرتنا تنمو دائمًا حين نفكِّر بالحدث.

(3) ولكن ظهر لي أنا أيضًا شيء أكثر عجبًا: حاولتُ أن أراه في شكل حميم. ولكنِّي لم أرَ أبدًا عينيه منغلقتين، بل كانتا دومًا مفتوحتين.

(4) وكم مرَّة ظهر لي. تارة كرجل قصير القامة وبشع، وطورًا كإنسان يرتفع نظره على مستوى السماء.

(5) وكانت له أيضًا خاصِّيَّة مدهشة: (حين نجلس) إلى المائدة كان يأخذني على صدره([8]) وكنت أشدُّه إليَّ. حينئذٍ كنت آلامسُ (1 يو 1: 1) صدرَه الذي كان تارة ناعمًا ورقيقًا، وطورًا قاسيًا وشبيهًا بالحجر، بحيث تحيَّرتُ في أعماقي وقلت: "كيف يجب أن أفهم هذا"؟ وإذ كنت أفكِّر في ذلك...

90 (6) «مرَّة أخرى، أخذني مع يعقوب وبطرس على جبل اعتاد أن يصلِّي عليه، فرأينا فيه نورًا يستحيل على إنسان يلجأُ إلى لسانٍ فاسد، أن يورد كيف كان([9]).

(7) ومرَّة أخرى أصعدنا كلَينا الثلاثة على الجبل قائلاً: "تعالوا معي". إذن، عدنا إلى هناك ولبثنا ننظر إليه عن بعد وهو يصلِّي" (لو 9: 28). أمّا أنا الذي كان يحبُّني (يو 20: 2)، فاقتربتُ منه بخفر مفكِّرًا أنَّه لن يشعر بذلك، ووقفت هنا وعينايَ مسمَّرتان على ظهره (خر 33: 23). ورأيته: لم يكن يرتدي أبدًا لباسًا، بل تعرَّى من كلِّ ما رأيناه (يلبسه). لم يكن على الإطلاق إنسانًا. كانت رجلاه أكثر بياضًا من الثلج بحيث استضاءت هذه الأرض بلمعانهما. أمّا رأسُه فاستند إلى السماء بحيث ارتعبتُ (مت 17: 6) فصرختُ. حينئذٍ التفتَ هو فبدا رجلاً قصير القامة. أمسكني بلحيتي وشدَّها قائلاً: "يا يوحنّا لا تكن غير مؤمن. بل آمن (يو 20: 27)، ولا تكن فضوليًّا"! فأجبته: "فماذا فعلتُ يا ربّ"؟ أقول لكم أيُّها الإخوة إنِّي تألَّمتُ كثيرًا في الموضع الذي فيه أمسك لحيتي، ودام ألمي ثلاثين يومًا، فقلت له: "يا ربّ، إذا كنتَ شددتَ لحيتي مزحًا آلمتني إلى هذا الحدّ، فما يكون لو قابلْتَني بالضرب"؟ فأعلن لي: "في المستقبل، اسهر في أن لا تجرِّب من لا يمكن أن يجرَّب".

91  (8) «غضب بطرس ويعقوب حين كنت أتكلَّمُ مع الربّ، وأشارا إليَّ (يو 13: 24) بأن آتي إليهما تاركًا الربَّ([10]) وحده. فذهبتُ، فسألني كلاهما: "من هو الشيخ الذي كان يتكلَّم مع الربِّ في الأعالي؟ فقد سمعناهما يتحادثان". فكَّرتُ في نعمته الوافرة([11])، وفي وحدته في أوجهٍ متعدِّدة، وفي حكمته التي تتوجَّه عيناها دومًا إلينا([12])، فقلت: "هذا تعرفانه منه إذا سألتماه"([13]).

92 (9) «ومرَّة أخرى أيضًا، نمنا نحن تلاميذه كلُّنا، في بيت في جنَّسارت. وترقَّبتُ أنا وحدي ما يفعل بعد أن تغطِّيتُ في ردائي. أوَّلاً، سمعته يقول: "يوحنّا، نمْ". ثمَّ، إذ تظاهرتُ بالنوم، رأيتُ شيخًا آخر يُشبهُه، وسمعتُه يقول لربِّي: يا يسوع، إنَّ الذين اخترتهم لا يؤمنون بعدُ بك". فأجابه: "أبتِ، أنت تقول الحقّ. فما هم إلاَّ بشر".

93 (10) «وأُوردُ لكم أيُّها الإخوة مجدًا([14]) آخر. حين كنت أريد أن أمسكه([15]) بعض المرّات، كنت ألقى جسدًا مادِّيًّا صلبًا. ومرَّات أخرى حين كنت ألمسه، كان الجوهر غير مادِّيّ وغير جسديّ وكأنَّه بكلِّيَّته غير موجود.

(11) وحين كان يدعوه أحد الفرِّيسيِّين([16]) فيلبِّي دعوته، كنّا نذهب معه فيتلقَّى كلُّ واحد منّا رغيفًا يوزِّعها المضيف. وكان يتلقَّى هو أيضًا رغيفًا فيباركه ويوزِّعه بيننا: بهذه الكسرة الصغيرة كان كلُّ واحد منّا يشبع([17]) وتبقى أرغفتنا سالمة، بحيث دُهش أولئك الذين دعوه.

(12) «مرَّات عديدة ونحن نسير معه، أردتُ أن أرى إن كان أثرُ خطوه منظورًا، فما رأيته أبدًا. ورأيته يرتفع فوق الأرض.

أيُّها الإخوة([18])، إن كنتُ أورد لكم ذلك، فلكي أشجِّع إيمانكم به. فمعجزاته وعجائبه يجب أن نصمت عنها الآن، لأنَّنا لا نستطيع أن نعبِّر عنها، بل يستحيل علينا أن نقولها ونسمعها.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM