الجزء الأول:من ميليتس إلى أفسس

أعمال يوحنَّا :النصوص

يبدأ النص في المقطع 18، بعد أن ضاع القسم الأول (1-17)، وفيه نرى يوحنا ينتقل من ميليتس إلى أفسس. وتكون النهاية مع موت الرسول ودفنه. وها نحن نقدّم أع يو في أربعة أجزاء.

* الأول، 18-36

* الثاني، 87-93، 103-105

* الثالث، 37-57، يوحنا والأفسسيّون في هيكل أرطاميس

* الرابع، 58-86، 106، 115، مشهد الوداع والانطلاق إلى أفسس

الجزء الأول (18-36)

من ميليتس إلى أفسس

منذ البداية، يتجاذب الرسول نداءان: ينطلق من موضع إلى آخر، من أجل هداية عباد الربّ. أو يبقى بعض الوقت في المدينة لكي يَبني الإخوة ويثبِّتهم. في ف 18، كشفَ نداءٌ سماويّ ليوحنّا وللإخوة الذين يرافقونه أنَّ إقامتهم في أفسس تكون مناسبة لتجلِّي مجد الربّ.

1-         الانطلاق (ف 18)

2-         ليكوميد وكليوبترة (ف 19-25)

3-         خبر الصورة (ف 26-29)

4-         شفاء العجائز (ف 30-36)

نشير هنا إلى خطبة أولى (28: 6-29: 19) حول صورة النفس في ثلاث نقاط:

- ردَّة الفعل عند الرسول الذي لاحظ شبه الصورة، وانتقد هذا النوع من الصور المركَّب انطلاقًا من الشبه الجسديّ وبواسطة أشياء مادِّيَّة (28: 5-11).

- تعليم حول الصورة الحقيقيَّة، صورة النفس (29: 1-18)

- الخلاصة: استعادة النقد (29: 18-19).

والخطبة الثانية (ف 33-36) في أربع محطّات:

- المدخل: طلبَ من الشعب الانتباه إلى ما سيقول

- السرد: دلَّ يوحنّا أنَّ مهمَّته غير ما يفكِّرون

وأنَّه غير ما يحسبون.

صاحب الرسالة هو يسوع، وهو ينفِّذها عبر الرسول بسبب لاإيمان السامعين. الهدف العامّ: هداية الجميع. والهدف الخاصّ: إفحام لاإيمان الحاكم. والواسطة: شفاء النساء العجائز.

- البراهين. الرذائل الموجودة. والعذاب الذي ينتظر الخطأة، وأخيرًا يأتي التنبيه الملحّ.

- الإرشاد. يا أهل أفسس توبوا.

ماذا قال لهم؟ ليس الغنى خيرًا ولا الفقر حظًّا سيِّئًا. وهاجم أموالاً يمكن أن نخسرها. وهاجم جمال الجسد والزنى والطمع والغضب والخمرة وحبَّ الذهب والحجارة الكريمة والثياب الحريريَّة. المثال: الحكيم الذي نفسه لا تنجذب بالغنى العابر والتي تسود على الأهواء.

الوصول إلى أفسس

دفعت([1]) يوحنّا الرؤيةُ، فمضى مسرعًا إلى أفسس. فجهد ديمونيك، وقريبه أرسطوديم ورجلٌ غنيٌّ جدًّا اسمه كليوب وامرأة مرسلّو أن يحتفظوا به يومًا بعد في ميليتس فيعيشون معه في راحة.

انطلقوا سحَرًا، وكانوا قد قطعوا مسافة أربعة أميال تقريبًا حين جاء صوت([2]) من السماء يقول، وسمعناه كلُّنا: يا يوحنّا، في أفسس ستمجِّد ربَّك بمجد ستَعلمُه أنت وجميع الإخوة الذين يرافقونك، وبعضُ الذين هناك سيؤمنون([3])بواسطتك([4]). فامتلأ يوحنّا بفرح([5]) داخليّ، وفكَّر ما سيحصل في أفسس، وقال: أيُّها الربّ، ها أنا أسير حسب مشيئتك([6]). فليكن كما تشاء.

ليكوميد وكليوبتره

 إذ كنَّا نقترب من المدينة، جاء إلى لقائنا ليكوميد([7])، قائدُ المئة. فارتمى عند قدمَي يوحنّا([8]) وتوسَّل إليه: اسمُك يوحنّا. أَرسلَك الله الذي تبشِّر به لشفاء امرأتي المقعدة منذ سبعة أيام، والراقدة دون أمل لها بالشفاء. فمجِّدْ إلهك واشْفها وارحمنا. كنت أستعدُّ لأتَّخذ قرارًا مشؤومًا([9])، حين جاء شخص إلى جانبي وكلَّمني هكذا: "يا ليكوميد، ضعْ حدًّا لهذه الفكرة التي تحاربك، لأنَّها شرِّيرة. لا تبقَ في قبضتها. فقد أشفقتُ([10]) على كليوبتره خادمتي وأرسلتُ أطلب من ميليتس رجلاً اسمه يوحنّا، فهو يقيمها ويعيدها لك معافاة". فلا تتأخَّر، يا خادم الله، بل أسرعْ إلى امرأتي التي لم تعد سوى نسمة. وفي الحال، ترك يوحنا باب المدينة مع جميع الإخوة الذين يرافقونه ليمضوا إلى ليكوميد. ولكنَّ كليوب قال لخدمه: امضوا إلى قريبي كلِّيبس واطلبوا منه ضيافة مُرضيَّة، فأنا أصل إلى هنا مع ابني. وهكذا نجد كلَّ شيء معدًّا.

 فدخل ليكوميد مع يوحنّا إلى البيت الذي فيه رقدَتْ امرأته. فأمسكَ بقدميه مرَّة ثانية قائلاً: انظر، يا سيِّد، إلى الجمال الذابل، انظر إلى الشباب، انظر إلى امرأتي التعيسة، تلك الزهرة التي امتُدحت مرارًا فاندهشت منها أفسس. الويل لي. كنتُ ضحيَّة الحسد ومعرَّضًا للذلّ. ضربتني عينُ أعدائي. وأنا ما سبَّبت

أبدًا الموت لإنسان، وكان باستطاعتي أن أضرَّ الكثيرين، لأنِّي كنت متنبِّهًا إلى ذلك: سهرتُ لكي لا أعرف مصيبة أو نكبة من هذا النوع. فبم أفادتْني فطنتي، يا كليوبتره؟ ماذا ربحتُ حين تصرَّفتُ حتّى الآن مثل إنسان تقيّ؟ عذابي أفظع من عذاب الكافر حين أراك، يا كليوبتره، راقدةً في هذه الحالة. لا، فالشمس في مسيرتها لن تراني، لأنَّك لم تعودي رفيقتي. أنا سأسبقك، يا كليوبتره، وأضعُ حدًّا لحياتي. لن أوفِّر حياتي ولو كانت بعدُ شابَّة. سأدافع عن نفسي في وجه العدالة، لأنَّ لي الحقّ، أنا الذي خدمتك بعدل، أن أقيم عليها دعوى بقضاء جائر. سأعاقبها حين أقف أمامها كخيال حياة([11]). وأقول لها: "انتزعتِ منِّي النور حين أخذتِ منِّي كليوبتره. جعلتِ منّي (إنسانًا) ميتًا حين ضربِتني بهذه المصيبة. أكرهتني على إهانة العناية حين قطعتِ لي علَّة حياتي([12])".

 وتابع ليكوميد تشكِّيه حول كليوبتره، ثمَّ تقدَّم إلى السرير وأخذ ينتحب بصوت عظيم. ولكنَّ يوحنّا اجتذبه إلى الوراء وقال: أوقف هذه الدموع وهذه الأقوال التي ليست في محلِّها. فلا يليق أن تضيِّع ثقتك بمن ظهر لك. فاعلم أنَّك ستستعيد زوجتَك. إذن، قفْ معنا نحن الذين جئنا لأجلها، ووجِّه صلاة إلى الله الذي ظهر لك في الحلم ليكشف لي. أيا ليكوميد! استيقظ أنت أيضًا وافتح نفسك! اطرد بعيدًا عنك هذا الرقاد العميق. صلِّ إلى الربّ، توسَّلْ إليه من أجل زوجتك وهو يقيمها. ولكنَّه ارتمى على الأرض وظلَّ ينتحب إلى أن فارق الحياة.

حينئذٍ صاح يوحنّا دامعًا: يا([13]) للخيانة الجديدة لرؤياي! يا للمحنة الجديدة المعدَّة لي! يا للمؤامرة الجديدة من الذي تآمر عليَّ! فهذا الصوت الذي جاءني من السماء حين كنتُ في الطريق، هل هو الذي تآمر عليَّ؟ ما

سيحصل هنا بسبب ليكوميد، حين يسلِّمني إلى جمهور المواطنين، هل هذا هو الذي أنبأني به؟ يرقد الرجل بلا حراك، وأنا أعلم كلَّ العلم أنَّهم لن يتركوني أخرجُ حيًّا من البيت. لماذا تتأخَّر يا ربّ؟ لماذا أبعدتَ عنّا وعدك الخيِّر؟ لا، يا ربّ، أتوسَّلُ إليك. لا تسمح أن يتعظَّم ذاك الذي فرح بشقاء الآخرين! لا تتركْه يرقص ذاك الذي يضحك على حسابي! ليسرع اسمك القدُّوس ورحمتك! أقم هذين الجسدين اللذين لا حياة فيهما وقد صارا عبئًا عليَّ.

 وإذ كان يوحنّا يصيح هكذا، تراكضت أفسس كلُّها إلى بيت ليكوميد لأنَّه مات. فلمّا رأى يوحنّا الجمهور الكبير الذي جاء، توجَّه إلى الربّ([14]): ها هو الآن وقت العزاء والثقة بك، أيُّها المسيح. ها هو الوقت لكي ننال عونك، نحن الذين نتألَّم، يا طبيبًا تشفي مجّانًا([15]). احفظ من السخرية مجيئي إلى هذا المكان. أرجوك يا يسوع، أعنْ هذا الجمهور، لكي يذهب إليك أنت، يا ربَّ([16]) كلِّ شيء. انظر هذه الشدَّة، انظر هذَين النائمَين الراقدين على الأرض! هيّئ آنية مقدَّسة لخدمتك بين هؤلاء الذين اجتمعوا حين يرون([17]) العطيَّة الآتية منك. فأنت قلت، أيُّها المسيح: "اطلبوا يُعطى لكم([18])". فلا نطلب منك، أيُّها الملك([19])، ذهبًا ولا فضَّة، ولا ثروة ولا مُلكًا، ولا شيئًا من الأرض فاسدًا، بل نفسين بهما تردُّ أولئك الذين سيؤمنون بطريقك([20])، بتعليمك، بثقتك، بوعدك

العظيم. وحين يكتشفون سلطانك بفضل قيامة هذين الكائنين اللذين لا حياة فيهما، يَخلص بعض منهم. فأعطِ أنت ذالك رجاءً بك. وهكذا أقتربُ من كليوبتره قائلاً لها: قومي باسم يسوع المسيح!

 فتقدَّم ولمس لها وجهها وقال: يا كليوبتره، انظري كيف يكلِّمُك ذاك الذي يملأ بالرعب كلَّ رئيس وكلَّ خليقة، كلَّ قدرة وكلَّ قوَّة وكلَّ ظلمة، الموتَ المشؤوم وقممَ السماوات([21]) وتجاويفَ الجحيم وقيامة الموتى ونظرَ العميان([22]) وكلَّ قدرة سيِّدِ العالم([23]) وعجرفةَ الرؤساء([24]). يقول لك: "قومي، ولا تكوني من بعد ذريعة سوء لجمهور عزم على أن لا يؤمن، وسببَ شدَّة لنفوس تستطيع أن ترجو وتخلص"([25]). وفي الحال، صاحت كليوبتره بصوت عالٍ: ها أنا أقوم، يا ربّ، فخلِّص كليوبترتك. وقامت بعد سبعة أيّام، فهزَّ هذا المشهدُ المدهشُ مدينة أفسس.

وسألت كليوبتره عن زوجها ليكوميد. فأجابها يوحنّا: إن ظلَّتْ نفسك هادئة ورابطة الجأش([26])، فستجدين في الحال زوجك ليكوميد هنا بجانبك... بقدر ما تحفظين نفسك من القلق والاضطراب لِما حصل، لأنَّك آمنت بإلهي الذي يردُّه إليك حيًّا بواسطتي. رافقيني إلى غرفة نومك الأخرى، فترينه مائتًا ثُمَّ قائمًا بقدرة إلهي.

 حين دخلت كليوبتره مع يوحنّا إلى غرفة نومها ورأت ليكوميد مائتًا بسببها، فقدت صوتها وكزَّت بأسنانها وعضَّت لسانها وأغلقت عينيها وبكت([27]). وظلَّت في صمتها([28]) متنبِّهة إلى الرسول. فأشفق يوحنّا على كليوبتره حين رأى أنَّها لم تجنّ من الألم ولا فقدت رشدها. فدعا الشفقة الكاملة التي لا كبرياء([29]) فيها: أيُّها الربُّ يسوع، أنت ترى هذا التملُّك retenue. أنت ترى هذا الضغط الذي تفرضه على ذاتها. أنت ترى كليوبتره كيف تصرخ بصمتها في نفسها. هي تمتلك في نفسها جنون ألمها الذي لا يُحتمل. يا ربّ، نفسي تنبئ: أعرف أنَّ هذه المرأة صارت قريبة من الموت بسبب ليكوميد. فأجابت يوحنّا بهدوء: هذا يا سيِّد([30]) ما أستعدُّ له، لا لشيء آخر.

حينئذٍ تقدَّم الرسول من السرير حيث رقد ليكوميد، وأخذ يد كليوبتره وقال: يا كليوبتره، بسبب الجمهور الحاضر هنا، وأهل عائلتك الذين جاؤوا أيضًا، قولي لزوجك بصوت قويّ: "قم ومجِّد اسم الله لأنَّه يردُّ الموتى إلى الموتى([31])"! فتقدَّمتْ وكلَّمت زوجها كما تعلَّمت، فأقامته في الحال([32]). فلمّا قام ليكوميد، ارتمى إلى الأرض وقبَّل قدمَي يوحنّا. ولكنَّ يوحنّا رفعه وقال له: لا تقبِّل قدمَيّ، أيُّها الرجل، بل قدمَي الله الذي بقدرته قمتُما كلاكما من الموت([33]).

 فقال ليكوميد ليوحنّا: أحثُّك وأستحلفك بالله الذي باسمه أقمتنا من الموت، أن تبقى معنا، أنت وجميع الذين يرافقونك.... ولمست كليوبتره بدورها قدميه وطلبت منه الطلب عينه. فأجابهما يوحنّا: غدًا أكون عندكما. أمّا هما فألحّا: لن يكون لنا رجاء في إلهك، بل نكون قمنا باطلاً من الموت، إن لم تبقَ عندنا. وتأثَّرت نفس كليوب نفسه ونفس أرسطوديم وديمونيك، فقالوا ليوحنّا: ابقَ معهما ليبقيا قرب الربِّ دون أن يتشكَّكا([34]). حينئذٍ ظلَّ هناك مع الإخوة.

حكاية الصورة

 فاجتمع جمهور عديد بسبب يوحنّا. وإذ كان يُكلِّم الحاضرين، أسرع ليكوميد الذي كان له صديق رسّام ماهر، وقال له: أترى. اهتممتُ أنا بنفسي لكي أجيء إليك. فتعالَ سريعًا إلى البيت وصوِّرْ ذاك الذي أدلُّك عليه دون أن يعلم. فسلَّم الرسّامُ إلى شخص آخر الأدوات التي يحتاج هو إليها. ثمَّ قال لليكوميد: دلَّني عليه ولا تهتمَّ بالباقي. فدلَّ ليكوميد الرسّامَ على يوحنّا، وقرَّبه وجعله في غرفة ليستطيع منها أن يرى رسول المسيح. ثمَّ لبث([35]) ليكوميد مع الطوباويّ يتلذَّذ بالإيمان ومعرفة إلهنا. وفرِحَ أكثر لأنَّه سيكون عنده (الرسول) في صورة.

 في اليوم الأوَّل، رسم الرسّامُ سماته ومضى. في الغد، زاد الألوان([36])، وهكذا سلَّم الصورة إلى ليكوميد الذي امتلأ فرحًا. فعلَّقها في غرفة نومه وجعل فوقها إكليلاً. بعد وقت عرف يوحنّا بالأمر، فقال له: يا ابني الحبيب، ماذا تفعل بعد الحمّام حين تعتزل في غرفتك؟ فحين أصلِّي، أما أصلِّي معك ومع سائر الإخوة؟ هل تختبئ عنّا؟ وظلَّ يتكلَّم هكذا ويمزح حتّى دخل معه إلى غرفة نومه. فرأى صورة شيخ على رأسه إكليل. وقد وُضعت أمامها الأنوار والمذابح. فنادى ليكوميد: يا ليكوميد، ما معنى قصَّة الصورة هذه؟ أيًّا من آلهتك رسمتَ هنا؟ فأنا أرى أنَّك ما زلتَ تعيش كوثنيّ. فأجابه ليكوميد: لا إله لي سوى ذاك الذي أقامني من الموت مع زوجتي. ولكن إن وجب بعد الله أن نسمِّي آلهة، أناسًا أحسنوا إلينا، نسمِّيك أنت الإنسان المرسوم في هذه الصورة، فأكلّلَك وأقبِّلك وأُجلُّك لأنَّك صرتَ لي قائدًا صالحًا.

 أمّا يوحنّا الذي لم يكن رأى صورته أبدًا، فقال له: أتهزأ بي، يا ابني الصغير! أهذا هو منظري؟ بربِّك كيف تُقنعني أنَّ هذه الصورة تشبهني؟ حينئذٍ جاءه ليكوميد بمرآة. نظر نفسه فيها ثمَّ تطلَّع إلى الصورة وقال: بحياة الربِّ يسوع المسيح، هذه الصورة تشبهني. أو بالأحرى، يا ابني، لا تشبهني أنا، بل صورة جسدي. فإن كان هذا الرسّام الذي قلَّد مظهري، قد أراد أن يمثِّلني في صورة، فلن يتوصَّل إلى ذلك مع هذه الألوان التي يعطيني، مع لوحات وخشب ورسمة ولباس وهيئة وشكل ومظهر شيخوخة أو شباب، لن يتوصَّل بكلِّ ما هو منظور.

 أمّا أنت، يا ليكوميد، فكن لي رسَّامًا صالحًا. أنت تمتلك ألوانًا يعطيكها بواسطتي ذاك الذي يَرسمنا كلَّنا من أجله، يسوع الذي يعرف الوجوه والسمات والهيئات والاستعدادات والأشكال التي في نفوسنا. تلك هي الألوان التي أقول لك بأن ترسم: الإيمان بالله، المعرفة، المخافة الدينيَّة، الصداقة، المشاركة، الوداعة، الصلاح، الحبُّ الأخويّ، العفَّة، الطهارة، غياب الاضطراب والخوف والحزن، الكرامة، وكلُّ جوق الألوان التي تؤلِّف صورة نفسك. هذا الجوق يرفع منذ الآن أعضاءك المنهكة ويهدِّئ الذين تعظَّموا... الذي يعتني بجراحك ويشفي كلومك، الذي يصفِّف شعرك المبعثر ويغسل وجهك، الذي يربّي نظرك وينقِّي أحشاءك ويطهِّر بطنك ويقطع أعضاءك التناسليَّة. وبمختصر الكلام، حين تتوجَّه مجموعةُ هذه الألوان الممزوجة والمنسَّقة نحو نفسك، فهي تقودها إلى ربِّنا يسوع المسيح راسخةً ناعمة وثابتة. ولكن ما صنعتَه الآن هو صبيانيّ وناقص: رسمتَ صورةً ميتة لميت، لا صورة حيّ في نفس حيَّة. كلاَّ. فهذه الأشياء في نظرنا، لا تستحقُّ أن نطلبها: كلُّ هذا مضحك. لنهتمَّ بالأحرى بالأشياء التي تستأهل حقًّا أن نطلبها.

شفاء عجائز في مسرح أفسس

 حينئذٍ أمر فاروسَ، الأخَ الذي يخدمه، بأن يأتي بجميع العجائز من مدينة أفسس كلِّها، لأنَّه بدأ يهيِّئ، مع كليوبتره وليكوميد، ما هو ضروريّ للعناية بهنَّ. ولمّا عاد فاروس، قال له: يا يوحنّا، بين عجائز الموضع اللواتي تجاوزن الستِّين، ما وجدتُ إلاَّ أربعًا جسدُهنَّ في صحَّة تامَّة. أمّا الأخريات، فبعضهنَّ مقعد وأخريات ضربهنَّ الصمم أو مصابات بداء العصب أو بأمراض أخرى مختلفة. فلمّا سمع يوحنّا هذا، ظلَّ صامتًا مدَّة طويلة، وحكَّ وجهه([37])، ثمَّ قال: يا لَفَلتان سكّان أفسس! يا لحالة الانِّحلال! يا للتغيُّب تجاه الله! كيف انتهيتُ في الهزء من مؤمني([38]) أفسس. يا للعار! فيسوع الذي يمنحني نعمتَه وعطيَّةً بها أستطيعُ أن أتحدَّث معه بكلِّ ثقة، يعلن الآن لي في صمت: أطلب العجائز المريضات، واذهب معهنَّ إلى المسرح واشفهنَّ بواسطتي. فمن بين الذين يذهبون إلى هذا المشهد، أردُّ البعض بأشفية ستكون لها فائدتها.

واجتمع الشعب كلُّه عند ليكوميد بسبب يوحنّا الذي استأذنهنَّ قائلاً: اللقاء غدًا في المسرح، لكم يا جميع الذين يريدون أن تتجلَّى أيضًا قدرةُ الله.

وفي الغد، اجتمع الشعبُ في المسرح وكان الوقت بعدُ ليلاً. فجاء قائدٌ اسمه أندرونيك وهو وجيه بين أفسسيِّي ذاك الزمان، وأعلن أمام الجميع أنَّ يوحنّا يعدُ مواعيدَ مستحيلة فلا يصدِّقها أحد. وقال: ولكن إن استطاع أن يفعل ما أسمعه يتكلَّم به، ليدخلْ إلى هذا المسرح العامّ حين يُفتح، ليدخل إليه عاريًا دون أن يمسك شيئًا بيديه ودون أن يتلفَّظ بهذا الاسم السحريّ الذي سمعت أنَّه يستعمله([39]).

 فلمّا سمع يوحنّا هذا، اغتاظ من هذه الأقوال وأمر بأن يأتوا بالعجائز إلى المسرح. ولمّا دخلن كلُّهنَّ، بعضهنَّ على أسرَّة وأخريات ممدَّدات وكأنَّهنَّ

مخدَّرات، وسط الشعب الذي تراكض، حصل صمتٌ عظيم. ففتح يوحنّا فمه وأخذ يخطب فيهم:

 أيُّها الأفسسيُّون. اعلموا أوَّلاً لماذا أجد نفسي في مدينتكم... وأيَّ ثقة عظيمة أمتلكُ أمامكم، لكي تتجلَّى لكم كلِّكم حتّى في هذه الجماعة العامَّة. فإذا كنت أُرسلتُ، فليس في مهمَّة بشريَّة، ولا في سَفَر لا طائل منه، فلستُ أيضًا تاجرًا يهتمُّ بالبيع والتبادل، بل جئت لأردَّكم جميعًا أنتم الذين يسيطر عليكم الكفر وبِعتُم نفوسَكم لرغباته المشينة([40])، ولأنتزعكم من الضلال. هذا ما يريد أن يصنع بواسطتي ذلك الذي أُعلنُه، يسوع المسيح، لأنَّه رحيم وصالح. فبقدرته سأُخجل أيضًا كفر قائدكم، فأقيم النساء الراقدات أمامكم اللواتي ترون كلُّكم حالتهنَّ وأمراضهنَّ. فلا يستحيل عليَّ الآن...

 هذا ما أردتُ أوَّلاً أن أزرعه في آذانكم: العناية بالنفس التي هي علَّة مجيئي إليكم... لا تأملوا أن يبقى إلى الأبد هذا الزمنُ الذي هو زمن النير. لا تكدِّسوا كنوزًا على الأرض([41]) حيث يذبل كلُّ شيء... إن وُلد لكم أولاد، لا تحسبوا حسابهم لكي ترتاحوا عليهم. لا تحاولوا بسببهم أن تسرقوا لكي يزيد ملكُكُم دومًا... وأنتم أيُّها الفقراء، لا تحزنوا إذا كنتم لا تقدرون أن تُرضوا رغباتكم: فأهلُ المُلك أنفسهم يَحسدون سعادتَكم حين يضربهم المرض. وأنتم أيُّها الأغنياء، لا تفرحوا لأنَّ لكم العدد الكبير من الخيرات: فامتلاكُها يجعلكم تخلقون لنفوسكم حزنًا متواصلاً حين تبتعد عنكم. ومقابل هذا، حين تكونون هنا تخافون أن يهاجمكم الناس بسببها.

 أنت يا من تفتخر بجمال جسمك، وتتعالى بنظرك، تأمَّلْ في القبر الذي هو النهاية الأكيدة لطموحك. أنت الذي تلتذُّ بالزنى، إعلمْ أنَّ الشريعة والطبيعة تعاقبانك، وقبلَهما ضميرك([42]). وأنتِ أيَّتها المرأة الزانية التي تتمرَّدين على الشريعة، تجهلين إلى أين تصلين. وأنت يا من لا تشارك أولئك الذين هم في حاجة، وتمتلك مع ذلك خيرًا تخزنه، فحين تترك هذا الجسد وتحتاج، وأنت تحترق في النار، إلى الرحمة، لن تجد أحدًا يرحمك([43]). وأنت أيُّها الغضوب والجاهل، اعلمْ أنَّك تتصرَّف مثل الحيوانات العجم. وأنت أيُّها السكِّير والمخاصم، اعلم أنَّك تَفقدُ رشدك حين تصبح عبدًا لرغبةٍ مشينة ودنسة.

 أنت الذي تلتذُّ بالذهب، ويسحرُك العاجُ والحجارة الكريمة، هل ترى، حين يأتي الليل، ماذا تحبّ؟ أنت الذي تسقط في سحر ثيابك الناعمة، ولكنَّك ستموت بعد ذلك، فماذا تفيدك هذه الثياب حيث ستذهب؟ وأنت القاتل، اعلم أنَّ العقاب العادل الذي يُحفَظ لك بعد الذهاب من هذا العالم يُضاعَف. وأنت مثله أيُّها الساحر والعرَّاف والطمّاع والسالب ومُضاجع الأولاد والسارق، وأنتم جميع الذين هم جزء من هذه العصابة، ستصل بكم الطريق بقيادة أعمالكم إلى النار التي لا تُطفَأ (مر : )، إلى الظلمات العظيمة (مت :)، إلى هوَّة العقوبات والتهديدات الأدبيَّة. فلهذا ارتدُّوا، أيُّها الأفسسيّون، حين تعلمون هذا أيضًا: الملوك والسلاطين والطغاة والمتبجِّحون والذين انتصروا في الحروب، يعرفون الألم لأنَّهم يموتون بعد أن تعرَّوا في هذا العالم واجتمعوا في شرور أبديَّة

بعـد أن خطــب فيهم يوحنّـا بهذا الكـلام، شفــى جميـع المـرضـى بقـدرة الله...([44])



[1](1)  ضاعت بداية النصّ (الفجوة الأولى)، فما كان بالإمكان إعادة بنائها أكيدًا. قبل أن يصل يوحنّا إلى أفسس للمرَّة الأولى، كان قد أقام في ميليتس . بعضُ رفاقه المذكورين هنا، الذين كانوا اهتدوا خلال هذه الإقامة، أرادوا أن يبقى الرسول عندهم من أجل بنائهم وبناء إخوتهم في ميليتس. ولكنَّ هذه الرغبة عارضتها ضرورةُ مواصلة عمل الرسالة في موضع آخر. بالنسبة إلى هذا التجاذب، رج ف 23، 37، 45، 55، 58. وإليك أسماء الأشخاص: Marcellus, Cléobius, Aristodême, Démonicus نتذكَّر أن Milet هي أوَّل مدينة مهمَّة في مقاطعة آسية حين المجيء من فلسطين ولبنان وسورية، بطريق البحر أو البرّ. ثمَّ أتكون زوجة مرسلّو بدأت بممارسة العفَّة بعد أن سمعت يوحنّا؟

[2]() تجلَّى الصوت الإلهيّ (يو 5: 25، 28، 37؛ 10: 3، 4، 5... ). وسوف نجده في مشهد كليماك ودروسيانيّ  (73: 5؛ 74: 12؛ 76: 19، 36؛ 81: 5). وهناك أيضًا وحْيُ صليب النور (98: 4؛ 99: 5). هذه الحالة الأخيرة تتميَّز في أنَّ الصوت ليس فقط قناة بها يمرُّ قول نبويّ أو تعليمة، بل واقعٌ إلهيّ به يتجلَّى الربُّ ويعرِّف تلميذه إلى سرِّ الصليب.

[3]()  نقرأ فعل mellw  الذي يدلُّ على أنَّ يوحنّا مكلَّف بأن يُتمَّ مهمَّةَ هدايةٍ حدَّد الربّ مخطِّطها (18: 8، 11؛ 21: 16؛ 22: 15؛ 51: 7؛ 75: 2؛ 76: 39؛ 86: 5)

[4]()  هو دور الرسول مع  dia. رج 23: 17؛ 29: 9؛ 39: 7؛ 81: 7-8؛ 106: 5، 13.

[5]()  حين يتمُّ يوحنّا رسالته، يمتلئ قلبُه فرحًا (43: 1؛ 77: 1؛ 106: 1)؛ رج يو 5: 35؛ 8: 56  agalliaw

[6]()  qelhma. مشيئة الله. رج 51: 9؛ 57: 5؛ ف 37: 4-5؛ 79: 6. نتذكَّر في إنجيل يوحنّا كلام الربّ: «طعامي أن أعمل بمشيئة الذي أرسلني» (4: 34)؛ «ما جئت لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الآب الذي أرسلني» (5: 30؛ رج 6: 38).

[7](7)  Lycamide هو أحد القوَّاد وبين وجهاء المدينة (31: 7). نلاحظ أنَّنا أمام شخصيَّات مهمَّة Anotipatros و Callimaque هما من الوجهاء (56: 3؛ 73: 10). في إنجيل يوحنّا، نيقوديمس هو «من رؤساء اليهود» (3: 1). والدُ الطفل هو من حاشية الملك (4: 46).

[8](8) فعل توسُّل وسجود وعبادة. رج 20: 2، 25: 3-4؛ 44: 5؛ 57: 7؛ 62: 4؛ 76: 31. عملٌ طبيعيّ أمام الربِّ يسوع، لا أمام رسوله (24: 20ي). اعتبر ليكوميد أنَّ الرسول أقامه، ولكنَّ الرسول لامه ودعاه لأن يرتمي عند قدميّ الله. رج 46: 20.

[9](9)  فكَّر ليكوميد (29: 11ي)، وقاتل أبيه parricide (49: 1ي)، بالانتحار. كأنَّنا في رواية من روايات الحبّ...

[10](10) الشفقة، الرحمة من قبل الله (أو من رسوله) موضوع يردُ مرارًا مع فعل  splagcnizomai ومع  elew  ومشتقَّاته رج 19: 7؛ 21: 23؛ 24: 6-7؛ 33: 8؛ 40: 9؛ 41: 8؛ 42: 7-8؛ 44: 4؛ 52: 3؛ 56: 17؛ 77: 12، 15-16؛ 78: 3؛ 81: 7، 13-14، 20؛ 82: 6، 16، 18؛ 108: 6، 9.

[11](11)  أراد ليكوميد أن ينتقم من العدالة (الإلهيَّة) حين ينتحر ويمثُل أمامها، لا مثل حيّ بل مثل موت.

[12](12)  هذا التشكِّي مملوء بمواضيع روايات الحبّ: جمال المرأة المحبوبة، وهو جمال ذبُلَ الآن: اتِّهامُ القدر القاسي والظالم.

[13](13)  wo. هي أداة التعجُّب خصوصًا أمام إبليس ومؤامراته. رج 30: 9-11؛ 84: 2-8

[14](14) هكذا تبدأ الصلاة. رج 43: 2؛ 48: 7-8؛ 57: 1.

[15](15) نقرأ هذه العبارة أيضًا في 56: 19 و108: 5.

[16](16) despothn. لا يرد اسم الله إلاَّ هنا بهذا الشكل، كما هو معروف في التقليد الأفلاطونيّ.

[17](17) دور «النظر» إلى المعجزات: مشهد مسرح أفسس. مشهد خلاص كلِّيماك. فالمؤمن هو من يرى ويستخلص العبرة ممّا يرى بعينيه. نتذكَّر أنَّ الله يبقى غير منظور. ومدلول المعجزة لا يقع تحت عين الجسد، مع أنَّ الإيمان يستند إلى المنظور.

[18](18) إنَّ عبارة المسيح هذه لا تُعَدُّ إيرادًا كتابيًّا. نقرأها في أع تو 53. إنَّ صلاة توما تتَّصل بصلاة يوحنّا (ف 22)، ويمكن أن ترتبط بها.

[19](19)  BasileuV. رج 77: 8. هي تسمية أفلاطونيَّة.

[20](20) بعض الشاهدين فقط سوف يخلصون بفضل إقامة ليكوميد وكليوبتره (22: 18-19). رج 30: 15-16 مع الفعل

[21](21)  رو 8: 38-39: «لا موت، لا حياة، لا قوى الأرض ولا قوى السماء...».

[22](22) قيل: ما دور قيامة الموتى ونظر العميان في تعداد القوى المعادية؟ ولكن يمكن أن نفسِّر: قيامة الذين لبثوا أمواتًا، ونظر الذين لبثوا عميانًا. عندئذٍ تكون شيطانيَّةُ الحياة الكاذبة ونظر الناس الذين يختارون طوعًا بأن يبقوا على عدم إيمانهم. في 39: 7-8، أعلن يوحنّا للأفسسيِّين أنَّ قلوبهم ما زالت عمياء وأنَّهم لا يقدرون أن يستعيدوا النظر. رج 83-84 و86: فورتوناتوس، ابن إبليس، لبث ميتًا بعد قيامته. رج 4 عز 7: 80-87؛ لو 16: 23: فعذاب الخطأة في الآخرة يقوم بأن يشاهدوا السعادة التي ينعم بها الأبرار بعد موتهم.

[23](23)  kosmokratoroV. رج أف 6: 12.

[24](24)  Tou arcontoV uperhqania. نجد هنا تعداد 12 لفظًا بحسب تناوب العالم العلويّ والعالم السفليّ. الألفاظ الثلاثة الأولى، تقابل الثلاثة التالية، كما «قمم السماوات» تقابل «تجاويف الجحيم» . ونجد لائحة «القوّات» أيضًا في 79: 10-14؛ 114: 1-9. يعدِّدها يوحنّا لكي يقول إنَّها تخاف الله الذي يقدر في كلِّ وقت أن يُخضعها.

[25](25)  يميِّز النصّ مجموعتين: جمهور الشعب من جهة، والمؤمنون الآتون من جهة أخرى. نرى الفئتين في مرض كليوبتره، الذي لا يُشفى، كعلامة قوَّة رهيبة. ولكنَّ العواطف مختلفة بين فئة وفئة. جمهور الشعب يتثبَّت في عدم إيمانه، أمّا المؤمنون فيتألَّمون من ظفر الشيطان المنظور. وتكون نتيجة شفاء كليوبتره دمار العلَّة السيِّئة التي يلجأ إليها الشعب لكي يبرِّر لاإيمانه، وتبديد تعاسة المؤمنين. نشير هنا أنَّنا لسنا في نظرة ثنويَّة حيث المختارون يعارضون جمهور الشعب. والموت التالي في المسرح (ف 30-36) يبرهن أنَّ كرازة يوحنّا تتوجَّه إلى مجمل الأفسسيِّين وإن كان البعض فقط سوف يَهتدون.

[26](26) النفس الكاملة لا تتأثَّر بالألم. رج 21: 7ي؛ 54: 2؛ 112: 5.

[27](27)           في هذا المشهد يلعب البكاء دورًا كبيرًا (رج 21: 2-3 مع ليكوميد، 21: 12 مع يوحنّا)، وذلك كما في روايات الحبّ. ولكنَّ كليوبتره تضبط ألمها.

[28](28) هو الهدوء والصمت وسط الظروف القاسية، أو بعد حصولها (24: 12؛ 30: 8؛ 54: 12؛ 66: 3؛ 75: 9). فالربّ بقدرته يهدِّئ قوى الشرّ التي تُلقي البلبلة (79: 11-12؛ 114: 7).

[29](29) kai anaperhjana Compassion parfaite et sans orgueil: ta telera splagcna. رج 52: 3؛ 108: 6؛ ق أع تو 48.

[30](30) despota : يا سيِّد، يا ربّ: ويُدعى يوحنّا بأكثر من اسم: الأب، الطوباويّ، المعلِّم...

[31](31)           عبارة ملغزة. هل نقرِّبها من مت 8: 22 (اتبعني واترك الموتى يدفنون موتاهم؛ رج لو 9: 60). كما هو الأمر بالنسبة إلى أع بط  40؛ ولكن ماذا يربط هذا الكلام بأمر المسيح: اترك الموتى...؟ فالعبارة محيِّرة لاسيَّما أنَّ يوحنّا قال لكليوبتره إنَّ الله يعيد إليها ليكوميد حيًّا (23: 16-17). يبدو أنَّ التفسير يكون روحيًّا: الله يردُّ الموتى أي الجثث (وهنا جثَّة ليكوميد) إلى الموتى، أي إلى الناس الذين لا يزالون متعلِّقين بالأمور المادِّيَّة. وبكلام آخر، الله يعطي النعمة بأن يقوم أناس موتى (جسديًّا) لكي يستطيعوا أن يجدوا أيضًا مكانهم في عالم الأحياء (روحيًّا). هي حقًّا نعمة، لأنَّ على المعجزة أن تأتي بالمُقام (هنا ليكوميد الذي قام من الموت)، والشهود (هنا الوالدان والجمع) أن ينتقلوا من حالة الموت الروحيّ هذه إلى الحياة الحقَّة باهتداء النفس. ويُثبت تفسيرَ هذه العبارة حدثُ الصورة (ف 26-29) ولاسيَّما في 29: 18-19. حين رسم ليكوميد يوحنّا بحسب جسده، رسمَ فقط انسانًا ميتًا، كائنًا مادِّيًّا. فالكائن الحيّ الحقيقيّ هو الإنسان الباطنيّ الذي ولدته فضائلُ عاملة في النفس.

[32](32)           كلَّف يوحنّا كليوبتره بأن تقيم ليكوميد من الموت. وفي ف 47 أُمر الشابُّ بأن يقيم قريبه من الموت. فالرسول ينقل القوَّةَ العجائبيَّة التي عنده إلى شخص آخر.

[33](33)           أع 10: 25-26؛ رؤ 19: 10: لا يركع كورنيليوس أمام بطرس، ولا يوحنّا أمام الملاك، بل أمام الله.

[34](34)           أو: «ابقَ معهما لئلاَّ يتشكَّكا قدَّام الربّ». ولكن يبدو أن ليكوميد وكليوبتره اللذين اهتديا الآن، قد يقعان من جديد وبسرعة في الضلال، على مثال مسيحيِّي رومة الذين «تشكَّكوا» بسبب غياب بولس ومجيء سيمون الساحر (أع بط 4، 6، 10).

[35](35) اعتبر ليكوميد أنَّه بواسطة الصـورة، سـوف يمتلك الرسول، لا الصورة فقـط. راجع عبارة auton ecein.

[36](36) مزجُ الألوان (رج 29: 15-16، وصورة النفس) متناسق فيعطي اللوحة حقيقتها ووضوحها.

[37](37) لأنَّه بدا متحيِّرًا. رج أع تو 20.

[38](38) pistoiV هم سوف يصيرون مؤمنين بواسطة يوحنّا. رج 19: 11 حيث كليوبتره تُدعى خادمة قبل لقائها بيوحنّا. هي سوف تكون خادمة doulhn. نلاحظ وجود إبليس diabolh  تجاه يسوع IhsouV، والانتقال من الشكوى إلى الثقة والاتِّكال.

[39](39)           أُعطيَ أمرٌ مماثل إلى أبّولون قبل مثوله أمام الإمبراطور: عريانًا، بدون حرز ولا وثيقة مكتوبة. لا حاجة إلى الوسائل السحريَّة. أمّا الاسم onoma فهو اسم «يسوع».

[40](40) نقرأ في السينائيّ 526، وريقة 131: النفوس المباعة للرغبات. يشدِّد أع يو على الرغبات أو الشهوات epiqumiaiV وعلى ما هو مشين aiscraiV. رج 35: 11؛ 63: 15؛ 68: 6؛ 69: 5؛ 70: 40؛ 44: 10؛ 54: 8؛ 76: 26. نحن بعيدون هنا عن عالم التجارة من بيع وشراء وتبادل. فالرسول يتحدَّث إلى أناس «امتلكهم» عدمُ الإيمان، وهم «مباعون» للرغبات.

[41](41)  هونير الرب. رج مت 11: 29. ثم كلام في التجرد. رج مت 6: 19.

[42](42)  موضوع الضمير نجده في الخلقيَّة الهلِّنستيَّة، في خطِّ التصوُّر الأفلاطونيّ «للشيطان» حارس الإنسان.

[43](43)  رج لو 16: 19ي ومثل لعازر والغنيّ.

[44](44)  إنَّ حدث شفاء العجائز في مسرح أفسس (الذي يبدأ في ف 30) مُقتطَع. فالجملة التي تلي خطبة يوحنّا الطويلة إلى الأفسسيِّين (33: 1-36: 13) هي موجز سريع لخاتمة كانت ستكون أكثر توسُّعًا: «بعد أن خطب فيهم...». فالمشهد الذي نراه في ف 30-33 يتيح لنا أن نعيد على الأقلّ، تكوين عنصرين من هذه الخاتمة الضائعة: 1. معجزات الأشفية التي قام بها يوحنّا، توخَّت أن تُوقف الضلالَ وتعيد إلى الإيمان جزءًا من الأفسسيِّين الذين أتوا سريعًا إلى المسرح (30: 15-16؛ 33: 6-9). إذًا، كان على الخبر أن يصوِّر ردَّة فعل الحاضرين أمام المعجزة واهتداء بعضهم (23: 10-11؛ 42: 6-12؛ 44: 2-4). كما وجب أن يتحدَّث عن الطريقة التي بها شفى الرسول العجائز والمرضى، ولاسيَّما الصلاة أو كلمات الاستحلاف التي تلفَّظ بها في هذه المناسبة. 2. توخَّت أشفيةُ مسرح أفسس أن «تُفحم لاإيمان» القائد أندرونيك (33: 9ي) المذكور في ف 31. فالتحدِّي الذي أرسله هذا الشخص على يوحنّا، كان سوف يُستغَلّ في ما يلي من الخبر.

هذه الخاتمة (وبعد أن...) العامَّة والموجز دوَّنهما الناسخُ، لا المؤلِّف، الذي ما أراد أن ينسخ ما يلي من الخبر، أي نهاية مشهد المسرح وشفاء النساء العجائز وخبر اهتداء أندرونيك وزوجته دروسياني (الفجوة الثانية). ما دفع الناسخ إلى إلغاء هذه المقاطع هو الحاجة إلى تقصير خبر طويل جدًّا، أو حَذْف حدثٍ اعتُبر مشكوكًا بأمره على مستوى التعليم لأنَّه يدعو إلى العفَّة في الزواج.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM