الخاتمة

الخاتمة

بولسيّات عنوان عامّ لأنَّنا ما أردنا أن نتوقَّف عند وجهة خاصَّة من تعليم بولس في رسائله. أمور تتعلَّق ببولس قرأناها أسبوعًا بعد أسبوع، وتعمَّقنا في ما تركه هذا الرسول العظيم من إرثٍ لا تزال الكنيسة تغتني منه.

كتاب جاء في أربع محطّات. الأولى تفتح لنا نافذة على تطلُّعات بولس في إطار الرسالة وعلاقته بالمؤمنين. دعوناها: تطلُّعات بولس. كان شاول فصار بولس، كان الفرِّيسيَّ فصار المسيحيّ. ترك الشريعة وتعلَّق بالصليب وبالصليب فقط، لأنَّ هذه الخبرة المؤلمة تنتهي في القيامة.

المحطَّة الثانية تفتح آفاقًا على بعض تعاليم هذا الرسول الذي ترك بيده أو بيد تلاميذه أربع عشرة وثيقة تشكِّل أساس العقيدة مع الأناجيل. دعوناها: فكر بولس. الحياة، الحرِّيَّة، الشريعة، الإيمان، السلام، الصليب. ونتخيَّل بولس في قلب المحنة التي عرفها والتي نعرفها اليوم في عالمنا العربيِّ يدعونا إلى الفرح: »افرحوا في الربِّ كلَّ حين وأقول لكم افرحوا«. وفي عالم يضع الحواجز من كلِّ نوع: من الجدران التي يبنيها بالباطون والحديد ليفصل بين شعب وشعب، إلى جدران من نوع آخر على مستوى الدين واللغة والحضارة واللون: فابن اللون الأسود لا يمكن أن يكون على مستوى ابن اللون الأبيض، خصوصًا في أكثر البلدان تحضُّرًا. وابن هذه الطائفة يجب أن يُلغى لتسيطر طائفة معيَّنة. أما هكذا عاشت الكنيسة في تاريخها: نطرد كلَّ من لا يقول بعقيدتنا، نضطهده، ندعو عليه السلطة السياسيَّة والعسكريَّة فنشابه »وحش البرِ« في سفر الرؤيا، الذي يدعو »وحش البحر« (وكانت ساعتها الإمبراطوريَّة الفارسيَّة أو الرومانيَّة) لكي يضطهد المؤمنين بالمسيح. هكذا نعيش مطمئنِّين وراء »حاجز خاصّ«. أمّا يسوع فجاء يزيل الحواجز.

المحطَّة الثالثة دعوناها: نظرة بولس إلى المرأة. فكره عبقريّ. ولكنَّ أولئك الذين جاؤوا بعده شوَّهوا نظرته الثوريَّة في شأن النساء كما في شأن العبيد: لا فرق بين عبد وحرّ. لا فرق بين رجل وامرأة. وواصلَ بولس المقابلة: لا فرق بين يونانيٍّ وبربريّ، واسمه كذلك لأنَّه لا يعرف اليونانيَّة. وهكذا كلُّ من لا يتحدَّث بلغتنا نرفضه. هو »بربر«. لا تفوُّق للرجل على المرأة، ولا تفوُّق للمرأة على الرجل. كما لا تفوُّق لليهوديِّ على اليونانيّ، لأنَّه يمارس الختان، ولا تفوُّق للوثنيِّ على اليهوديِّ لأنَّه صار أكثر عددًا في الديانة الجديدة. كلُّنا واحد في المسيح. وما يجمعنا هو الإيمان.

والمحطَّة الرابعة تورد نصوص الآباء، من العالم اليونانيِّ والعالم السريانيِّ والعالم العربيِّ. سبقونا، قرأوا النصوص البولسيَّة، ونحن نأخذ غناهم ونحاول أن نزيد مدماكًا على البناء الذي رفعوه. ذكرنا يوحنّا الذهبيَّ الفم الذي شرح جميع الرسائل البولسيَّة، وأفرام السريانيَّ الذي وصلت شروحه في الأرمنيَّة. وديونيسيوس الصليبيّ ابن الكنيسة السريانيَّة الغربيَّة، وإيشوعداد المروزيّ، ابن الكنيسة السريانيَّة الشرقيَّة. وأخيرًا، أخذنا من التراث العربيِّ المنقول عن السريانيَّة بشر بن السرّيّ الذي عاش في دمشق في القرن التاسع.

هذا هو كتاب بولسيّات. وسوف تتبعه كتبٌ أخرى في الموضوع عينه بحيث يكتشف العالم العربيُّ المسيحيَّةَ وينسى تلك المقولة التي تعدَّاها الزمن: المسيحيَّة لا تتعرَّب، لا تُكتب في لغة عربيَّة. كلام سخيف. أما هم السريان المسيحيُّون الذين نقلوا حضارة اليونان إلى العرب؟، أفلا يعرف أولادهم أن يكتبوا في العربية حضارتهم وإيمانهم؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM