الفصل الثالث والعشرون: إيشوعداد المروزي والرسالة إلى كولوسي

الفصل الثالث والعشرون

إيشوعداد المروزي والرسالة إلى كولوسي

هذه: الذي أهَّلنا لنصيب ميراث القدِّيسين في النور (1: 12). أي اعتَبركم اهلاً، بواسطة معرفته، لجوقة القدِّيسين، حين كنتم غرباء عن مخافة الله. في النور. أي بواسطة معرفته.

هذه: أتى بنا إلى ملكوت ابنه الحبيب (1: 13). قال اليونانيّ: ابن حبِّه.

الذي هو شبه (د م و ت ا) الإله اللامنظور (1: 15). قال اليونانيّ: صورة (ص ل م ا). فيه، كما في صورة منظورة، نرى هذه الطبيعة اللامنظورة ونصوِّرها في وجداننا.

بكر كلِّ الخلائق  (1: 15). باسم البكر يبيِّن الكتاب في أماكن كثيرة الوقار (أو المجد) لا قِدَم الولادة، مثل هذه: »جعله أيضًا بكرًا« (مز 89: 27). و»إسرائيل هو ابني وبكري« (خر 4: 22). أي يستحقُّ الوقار (المجد). ومن المعروف أنَّ بعض قدمائهم دُعوا »أبناء الله«: »رأى أبناء الله...« (تك 6: 2).

والمسيح الذي هو في (جسم) بشريٍّ دُعيَ في قديم الزمن بكر كلِّ الخلائق، لأنَّه كان منذ البداية في الحياة اللامائتة (الخالدة)، ومبدئ التجديد أيضًا. وفي الرسالة إلى رومة قال بجلاء: »هو يكون بكرًا على إخوة كثيرين« (8: 29) الذين هم أبناء شبهه (أو: على شبهه). وهكذا في الرسالة إلى العبرانيّين: »كنيسة الأبكار المكتوبين« (12: 23) حين بيَّن عظمة المجد الذي أُهِّلوا له بسببه، لا لأنَّهم سبقوا إخوة آخرين، بل لأنَّه أضاف »كلَّ الخلائق«، لهذا أشار إلى إنَّه أكثر مجدًا من كلِّ خليقة.

وبه خُلق كلُّ ما في السماوات (1: 16). ما قال 'بيدهب، بل 'بهب، لأنَّه لا يتكلَّم عن الخلق الأوَّل بل عن هذا التجديد الذي حصل في المسيح. فهو الذي أتى إلى التوافق بالخلائق التي انفصلت الواحدة عن الأخرى.

بما أنَّ الإنسان هو رباط كلِّ الخلائق، ما في السماوات وما على الأرض، وبما أنَّنا لا نعرف إذا كان بتلك التي هي في السماوات وعلى الأرض تكلَّم عن المنظورة واللامنظورة أم لا - ففي السماوات هناك المنظورة مثل الشمس والقمر والكواكب (أو: النجوم) - قال وشرح كلَّ ما هو منظور (ما يُرى) وما هو لامنظور (ما لا يُرى)، فكلُّ هذه الخلائق ارتبطت به ارتباطًا وإليه انشدَّت وبه تجدَّدت. وبما أنَّه ظُنَّ أنَّ ما قيل عن إنسان لا يمكن أن يُصدَّق - أي فيه خُلق كلُّ شيء (1: 15)، قال: كلُّ شيء خُلق بيده وفيه. فلا تتعجَّبوا. فالسلطة ليست في طبيعته البشريَّة، بل في الطبيعة (الإلهيَّة) الساكنة فيه. ذاك الذي بيديه خُلق كلُّ شيء وهو قبل كلِّ شيء (1: 17).

وبعد أن قال ذلك عن الطبيعة الإلهيَّة، قال أيضًا عن الناسوت (أي الطبيعة البشريَّة) وليس في ذلك عجبًا، إذ هو يتكلَّم عن الإنسان، يَترك ما هو من اللاهوت. فعلَ ذلك في الرسالة إلى فيلبّي وفي أماكن أخرى: يكون الأوَّل في كلِّ شيء (1: 18). وليس فقط لأنَّه شرع وهو الأوَّل بالقيامة، بل أيضًا بعظمة المجد، فهو الأوَّل التي تقرِّب الخلائقُ كلُّها المجدَ لعظمته بسبب اتِّحاده مع الكلمة.

لأنَّ فيه ارتضى الله أن يُسكن الملء كلَّه (م و ل ي ا) (1: 19). ودعا إيضًا ملء الله الكنيسة والخليقة كلَّها. ودعاه أيضًا الملء  (ش و م ل ي ا) لأنَّه يملأ الكلَّ في الكلّ. أراد الله أن يسكن في المسيح كلُّ ملء الخليقة، تلك التي امتلأت منه لأنَّه أراد أن يربطها به.

قال حنانا (الحديابيّ، توفِّي سنة 610):

جمع كلَّ ما هو موجود (هـ و ي ا) كما (تُجمَع) الأعضاء المبعثرة في مجموعةٍ هي جسد المسيح، لكي يكون المسيح ذاته ملءَ النقص الذي فيكم، حيث ترتبط (الموجودات) وتتألَّف مثل الأعضاء بالرأس. وبه تكمل بقوَّة النعمة في كلِّ ملء الله. أي تكون لله بمقام هيكل نقيٍّ فيسكن فيها على الدوام.

وقال آخرون:

دعا الملء الخليقة كلَّها، تلك التي يسكن فيها أي ليرتبط بها. فهو ربط به كلَّ شيء كما الجسم بالرأس. فالإيمان يركِّب الأعضاء تركيبًا مرتَّبًا كما في الطبيعة. فهو رأس جسد الكنيسة، لأنَّه الرأس والبكر الذي من بين الأموات (1: 18). فما هو الرأس بالطبيعة للأعضاء وللجسد، هكذا هو المسيح للمؤمنين حين يوحِّدهم روحيٌّا في جسم واحد، وهو من يرسل الحياة (ح ي و ت ا) والحفاظ في القداسة... إلى أعضائه كلِّهم.

وبيده صالحَ لنفسه كلَّ شيء (1: 20). صالحَ كلَّ شيء بموته. وهذا هو معنى »دمه« و»بصليبه«.

وأُكمل نقصَ مضايق المسيح... (1: 24). أي، بما أنَّ المسيح سبق وتألَّم من أجل مساعدتكم ليجعلكم جسده بواسطة القيامة (قال بولس): أُكمل أنا ما ينقص من المضايق لأجلكم. ولكن ماذا ينقص؟ منذ تعلَّمتم تلك التي صُنعت من قِبَله لأجلكم، سوف تقبلون المواعيد بسببها، وهي لا يمكن أن تكون بدون المتاعب والضيقات. لأجل هذا إذًا، أتألَّم وأنا أدور وأكرز بتلك التي هي في المسيح. بما أنَّكم تؤمنون بواسطة الحُبِّ الذي في نفوسكم تقبلون البيتوتة لديه (من أهل البيت) لأنِّي صرتُ خادمًا (1: 25). فجليٌّ أنَّ بولس ربَّى (أنمى) الإيمان بالمسيح في الشعب (اليهوديّ) وفي الشعوب (الوثنيَّة) بواسطة المتاعب والضيقات.

السرُّ الذي كان مخفيٌّا منذ الدهور (1: 26). دعا السرَّ تدبير ربِّنا. فيسوع المسيح هو الكمال هنا كما في الرسالة إلى غلاطية والرسالة إلى أفسس. ودعا الحياة العتيدة تلك التي لا ينقصها شيء صالح.

فيه مخفيَّة كلُّ كنوز الحكمة والمعرفة (2: 13). الآن، ولكنَّها ستُكشَف في الأخير.

دعا تعاليم البشر (2: 8) ممارسة أقوال الفلاسفة.

دعا عناصر العالم (2: 8) الأمور الناموسيَّة (أي ممارسات الشريعة). أي حفظ الأيّام والأزمنة والسبوت (يع 2: 16؛ رو 14: 5). وما يتعلَّق بالشمس والقمر، دعاه عناصر كما قال في الرسالة إلى غلاطية.

لا بحسب المسيح. ففيه يسكن ملءُ اللاهوت سكنًا جسميٌّا (2: 8-9). هنا يدعو أيضًا ملء اللاهوت الخليقة كلَّها، السماويَّة منها والأرضيَّة. أي ارتبطت به وتركَّبت مثل جسم بواسطة الارتباط به. فجليٌّ أنَّ الخلائق كلَّها تجدَّدت في المسيح لأنَّها به رُبطت (أُسرت) بأخوَّة (ا ح ي ن و ت ا، أو: قرابة) طبيعيَّة.

قال حنانا:

فيه امتلأتْ وكَمُلَتْ كلُّ إرادات الله. لا بكلمة عارية، بل بطريقة جسميَّة أُسرت الموجودات وشُدَّت كلُّها بجسم المسيح.

وفيه أنتم أيضًا أُكملتُم (2: 10). أي امتلأتم منه وأُهِّلتم للارتباط بذاك الذي يحلُّ محلَّ الرأس لكلِّ الكائنات اللامنظورة لأنَّها كلَّها ارتبطت به ارتباطًا جسميٌّا بواسطة الأخوَّة (أو: القرابة) مع ناسوته.

قال تاوفيل الفارسيّ:

فيه يسكن كلُّ... (كو 2: 9). قيل عن سكن الله الكلمة الذي هو في الإنسان. لا أنَّ الله الكلمة يسكن جسميٌّا في المسيح، لكن إلهيٌّا. لكنَّه دعا ملء الله طغمات الكائنات المنظورة واللامنظورة التي قيل فيها إنَّ المسيح هو رأسها. لأنَّه يربطها به بترتيب. وقيل: فيه يسكن كلُّ الملء جسميٌّا (2: 9) لأنَّ الملء يُركَّب مثل جسد من أعضاء كثيرة ومختلفة التي يفتقدها المسيح افتقادًا، وهذا يكون في واحد فواحد من الأعضاء المنفصلة. وهذا القول: يسكن  يعني به يقوم الملء ويثبت ويدوم.

قيل إنَّ المسيح هو رأس جسد الكنيسة وبكر (القائمين) من بين الأموات (1: 18) ورأس كلِّ الرئاسات والسلاطين (2: 18). لأنَّ كلَّ ما يقوم، به يُقام، ومنه تقتني الخلائق النسمة والحياة والمعرفة والقوَّة. وفيه تختفي كلُّ الكنوز (2: 3).

قال دانيال برطوبنيتا (بداية القرن الثامن)

الله ليس صالحًا فقط، بل أقنومه (شخصُه) هو ملء الصلاح. هو الآن ويكون. فالذي هو مثل جوهر هو شيء (يشبه) كلَّ الخيرات. لهذا لا يليق به أن يتنعَّم وحده في طوباويَّة كينونته الأزليَّة، بل أن يشارك أيضًا الآخرين، الآن بشكل عربون، وبعد الآن بشكل كامل. لهذا، خلق بعض الطبائع بدون حياة وبدون إحساس بحيث يشركهم معه بما هم وبما هم فقط. فكينونته أكبر من كينونتها، أي أكبر من كينونة السماوات والنيِّرات والعناصر. وفوق هذه، أتى إلى المشاركة معه بكلِّ هذه المتنفِّسة ولكنَّها لا تقتني الحياة والإحساس مثل الأعشاب والنباتات. بعد هذه، الأجسام الحيَّة والحسّاسة التي لا تقتني التحرُّك من مكان إلى مكان، مثل الإسفنج والحلزون. ثمَّ خلق للمشاركة الرابعة تلك التي تقتني الكيان والتنفُّس والحياة (ح ي و ت ا) والإحساس والتحرُّك من موضع إلى موضع، مثل الحيوان والبعير والطير والزحّاف. وخلق للمشاركة الخامسة الإنسان ذاك الكون الصغير (مكروكوسم)، الذي به ترتبط الكائنات المنظورة والكائنات اللامنظورة لأنَّه يريد بهذا الخير  لمشاركة أكثَر رفعةٍ وبيتوتيَّة أن يعلي الطبيعة الناطقة، أي لتكون واحدة معه في مرضاته... بما أنَّ هذا لا يليق أن يتمَّ في كلِّ أقانيم طبيعة (من الطبائع)، أخذ أقنومًا واحدًا منها، زهرة الطبيعة وجمالها (أو: أجمل زهرة) فقدَّسها لتكون مسكن لاهوته في شخص (ف ر ص و ف) الخليقة كلِّها، لأنَّها منها أُخذت ولأجلها أُخذت. ووهب لها كلَّ ما له: السيادة والباقي. هذا هو ملء اللاهوت، وملء المشاركة الإلهيَّة.

فالله أعطى الخليقة أن تكون لديه في طبيعتها شيئًا فشيئًا، والآن أسكنَ الكلَّ في المسيح مثل جسم مركَّب من أعضاء كثيرة بحيث لا ينقص هذه الأعضاء شيء ممّا هو ضروريٌّ لئلاَّ يأمرَ إنسانٌ خارجًا عن ناسوت ربِّنا بالكلام أو بالفكر، بيد كلِّ تشابيه اللاهوت وجلالاته.

في موضع من الرسالة إلى تيموتاوس قال الرسول الطوباويّ عن ناسوت ربِّنا: الله فوق كلِّ اسم، وفي موضع (آخر): الله العظيم والمحيي. وفي موضع (آخر): رأس الكنيسة الذي فيه يسكن كلُّ ملء اللاهوت جسميٌّا (أو: جسديٌّا) (2: 9). فهو يدعو الملء كلَّ الخلائق سواء المنظورة أو اللامنظورة وإلاَّ... (هنا نقص). فكما أنَّ جسم الإنسان كلَّه يسكن في الرأس ويقوم، ومن (الرأس) تجري الحياة التي تحيي الأعضاء كلَّها، وكلُّ الأعضاء تُحفظ فيه وتقوم كما في كمال، هكذا أيضًا كلُّ الخلائق المنظورة واللامنظورة تقوم وتحيا وتُحفَظ في المسيح ربِّنا كما في الرأس. ومنه، كما من علَّة محيية وواهبة الحياة وقائمة، تُحفَظ وتحيا وتقوم في كيانها.

وأيضًا إنَّ المسيح هو إله وإنسان. فهو إله مساوٍ بالطبيعة للآب والروح، وهو إنسان مساوٍ بالطبيعة لكلِّ الخلائق. فبحقٍّ يقال: في المسيح يسكن كلُّ ملء (والباقي). فكلُّ ملء اللاهوت والخلق مرتبط به وموحَّد وساكن فيه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM