الفصل الثامن: الحياة موت وقيامة

الفصل الثامن

الحياة موت وقيامة

حين كان بولس في أثينة يجادل الفلاسفة هناك من إبيقوريّين يحاولون أن يتجنَّبوا الألم في عالم تحكمه الصدفة، ومن رواقيّين يجعلون الإنسان، هذا الكون المصغَّر، مواطنًا في العالم الذي يبدو قرية صغيرة. وحين كان بولس يذكر الشعراء مثل إبيمنيديس وأراتوس مع أهل الأدب في مدينة اعتادت على هذا العالم الفكريّ منذ قرون، طُلب منه أن يتكلَّم حيث سبق لكبار الفكر أن تكلَّموا. على الأغورا، هذه التلَّة الشهيرة، حدَّث الحاضرين عن الإله المجهول الذين يعبدونه دون أن يعرفوه، وعن البشريَّة الواحدة التي تعود إلى جدٍّ واحد. استمعوا إليه باشتياق مع أنَّهم حسبوه في البداية »ثرثارًا« (أع 17: 18). ولكن حين »سمعوه يذكر قيامة الأموات، استهزأ به بعضهم. وقال له آخرون: نسمع كلامك في هذا الشأن مرَّة أخرى« (آ32). فالكلام عن »يسوع والقيامة« اعتُبر »تبشيرًا بآلهة غريبة« (آ18). فماذا يقول العالم الوثنيَّ عن القيامة وما هو ردُّ بولس؟ كيف تكون القيامة ومتى تكون؟ أمّا الإيمان المسيحيّ فيعلن أنَّنا حين نعتمد نموت مع المسيح ونقوم مع المسيح. فنحن منذ الآن أبناء القيامة، نعرفها بالإيمان بانتظار أن نختبرها بالعيان »حين نرى الله وجهًا لوجه« (1 كو 13: 12).

1. العالم اليونانيّ والتعليم البولسيّ

اعتاد العالم اليونانيّ منذ القديم، ولاسيَّما بعد الفيلسوف أفلاطون (وذلك في خطِّ الحضارة الهنديَّة) أن يفصل الإنسان بين نفس وجسد. النفس وُجدت منذ القديم في عالم المثُل، في عالم السماء إذا شئنا. هي تنزل في الجسد وتُقيم فيه كما في سجن. وهي لا تتوق إلاَّ أن تتركه وتعود إلى عالمها. أمّا الجسد فيُوضَع تحت التراب ولا يُذكَر من بعد. ولهذا يجب أن يُدفَن بأيِّ ثمن كان لكي ترتاح النفس. والمثل المعروف أنطيغوني التي تحدَّت أوامرَ الملك فدفنت أخاها بولينيس، وما خافت ما ينتظرها من عقاب.

أن يأتي رجل »غريب« إلى أثينة، عاصمة الفكر، ويتكلَّم عن قيامة للجسد، أمر لا يقبل به عقل! فوجب على بولس أن يعلن أمرين. الأوَّل: المسيح مات ثمَّ قام. والثاني نحن نموت ولكنَّنا لا نبقى في الموت بل نقوم معه.

أ. قيامة المسيح

هو إعلان إيمانيّ لا جدال فيه: »الحقيقة هي أنَّ المسيح قام من بين الأموات. هو بكر من قام من رقاد الموت« (1 كو 15: 20). فالقيامة خبرة تتعدَّى السمع والنظر واللمس. وإن قيل في الأناجيل إنَّ يسوع طلب من التلاميذ أن يلمسوه ويتحقَّقوا، أن يعطوه طعامًا ليأكل (لو 24: 39، 41)، فالعالم اليونانيّ الذي كتب له لوقا لا يرى في الموت سوى »أشباح«. فحين ظهر المسيح بين التلاميذ »ظنُّوا أنَّهم يرون شبحًا« (آ37)، أراد هو أن يبيِّن لهم أنَّه ليس بشبح »لأنَّ الشبح لا يكون له لحم وعظم كما ترون لي« (آ39). وتابع الإنجيليّ: »وأراهم يديه ورجليه« (آ40).

ما الذي أراد يسوع أن يقول لتلاميذه: أنا هو بالحقيقة حاضر أمامكم. أنتم لستم مخطئين. وقال أيضًا: أنا حيّ ولست ميتًا، لأنَّ الأموات لا يأكلون. »ناولوه قطعة سمك مشويّ، فأخذ وأكل أمام أنظارهم« (آ42-43). وكان صراع بين »ظنُّوا«، »لبثوا غير مصدِّقين« من جهة، ومن جهة ثانية: »ترون«، »أمام أنظارهم«. هو عالم يفوق عالم البشر. لهذا يواصل القدّيس لوقا: »ثمَّ فتح أذهانهم ليفهموا الكتب... وهو أنَّ المسيح يتألَّم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثالث« (آ46).

إلى مثل هذا المجتمع توجَّه بولس. إذا كان الرسل الذين رافقوا يسوع ثلاث سنوات استصعبوا الكلام عن القيامة، فما يكون أمر العالم اليونانيّ الذي يعيش حاضره ويعتبر أنَّ كلَّ شيء ينتهي حين يُوضَع الإنسان في القبر! ومع ذلك، لا بدَّ من إعلان القيامة، لأنَّه »إذا كان المسيح ما قام، فإيمانكم باطلٌ وأنتم بعدُ في خطاياكم« (1 كو 15: 17). فكيف »يبرهن« بولس عن هذه الحقيقة؟ بواسطة الشهود، كما قال الربُّ للتلاميذ بعد أن تراءى لهم: »أنتم شهود على ذلك« (لو 24: 48).

ومن هم الشهود؟ بطرس ثمَّ الرسل... يعقوب وجميع الرسل. »ثمَّ ظهر لأكثر من خمسمئة أخ معًا« (1 كو 15: 6). وفي النهاية، ظهر لبولس نفسه مع أنَّه لا يستحقّ (آ8-9). يمكن أن تسألونا. يمكن أن تسألوهم.

ثمَّ بواسطة الكتب على ما قال يسوع: »لا بدَّ أن يتمَّ لي كلُّ ما جاء عنّي في شريعة موسى وكتب الأنبياء والمزامير« (لو 24: 44). والرسول استند مرَّتين إلى الكتب، على مستوى القيامة، رأيناه يموت فما صدَّقنا. ولكنَّنا سمعنا: »المسيح مات من أجل خطايانا كما جاء في الكتب« (1 كو 15: 3). رأيناه يُدفَن كما يُدفَن كلُّ إنسان. ولكن يجب أن نؤمن أنَّه »قام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب« (آ4). فالكتب تدلُّ على قصد الله الخلاصيّ الذي يَتمُّ في يسوع المسيح.

الشهود حاضرون منذ بداية الكنيسة. قال بطرس: »فيسوع هذا أقامه الله، ونحن كلُّنا شهود على ذلك« (أع 2: 32). وبولس شهد في أنطاكية بسيدية: »وبعدما تمَّموا (= أهل أورشليم ورؤساؤها) كلَّ ما كتبه الأنبياء في شأنه، أنزلوه عن الصليب ووضعوه في القبر. ولكنَّ الله أقامه من بين الأموات، فظهر أيّامًا كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم، وهم الآن شهود له عند الشعب« (أع 13: 29-31).

والكتب حاضرة: »لا تترك قدّوسك يرى فسادًا«. هو كلام المزمور الذي أورده بطرس (أع 2: 27) وبولس (أع 13: 35)، فدلَّ أنَّه تمَّ في المسيح: »أقامه الله فما رأى فسادًا« (آ37).

وأخيرًا، هناك برهان بالقياس. إذا كان المسيح ما قام، فهذا يعني أنَّنا لا نقوم. وإذا كنّا لا نقوم، فهذا يعني أنَّ المسيح ما قام من بين الأموات. فإذًا »ألغيت« القيامة، لا سمح الله، وكان كلُّ تصرُّفنا باطلاً وعبثًا. قال الرسول: »أنا أذوق الموت كلَّ يوم« (1 كو 15: 31). فأنا »مجنون« إذا لم تكن قيامة. ثمَّ، لماذا التعب؟ »تعالوا نأكل ونشرب فإنّا غدًا نموت« (آ32).

ب. قيامتنا

ويُطرَح السؤال: كيف نقوم نحن؟ أن تقوم النفس الخالدة، أمرٌ عرفه الكتاب المقدَّس خصوصًا منذ سفر الحكمة: »أمّا نفوس الأتقياء فهي بيد الله فلا يمسَّها عذاب« (حك 3: 1). وسبق الكاتب فقدَّم المبدأ الأساسيّ: »خلق الله الإنسانَ لحياة أبديَّة، وصنعه على صورة خالدة« (حك 2: 23).

ولكن كيف يقوم الجسد؟ منذ القديم تاق الأبرار إلى مثل هذه القيامة، فهتف أيّوب من عمق ألمه: »أعرفُ أنَّ شفيعي حيٌّ وسأقوم آجلاً من التراب، فتلبس هذه الأعضاء جلدي وبجسدي أعاين الله، وتراه عيناي إلى جانبي« (أي 19: 25-27). أجل، هذا الجسد، المضروب بالجرب من باطن قدمه إلى قمَّة رأسه« (أي 2: 7) سوف يقوم. وأنشد إشعيا نشيد النصر: »يحيا موتاك وتقوم أشلاؤهم، فاستفيقوا ورنِّموا يا سكّان التراب« (إش 26: 19). وقدَّم لنا حزقيال صورة رمزيَّة رائعة عن القيامة. قال النبيّ: »سمعت خشخشة، فإذا العظام تتقارب، كلُّ عظمة إلى عظمة، ورأيتُ العصب واللحم عليها والجلد فوقها« (حز 37: 7). وبعد ذلك هبَّ الروح »في هؤلاء الموتى فحيوا وقاموا على أرجلهم جيشًا عظيمًا جدٌّا« (آ10). وتبقى النظرة الروحيَّة: »كثير من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، بعضهم للحياة الأبديَّة وبعضهم للعار والذعر الأبديّ« (دا 12: 2).

كلُّ هذا يذكرُه الرسول وهو العارف بالكتب المقدَّسة. ولكن يبقى السؤال: كيف تتمُّ القيامة؟ وطرح الآباء الأسئلة وهم يتكلَّمون عن قيامة »اللحم والدم«: إذا قُطعت يدُ إنسان، هل تبقى يده مقطوعة في السماء؟ وإذا فقد عينه أو أذنه؟ وإذا أكله السمك فهل يستعيد السمك ما أكله ليقوم؟

بدأ الرسول فأعلن: »اللحم والدم لا يمكنهما أن يرثا ملكوت الله« (1 كو 15: 50). هما من الأرض ويبقيان في الأرض. إذًا ماذا يقوم؟ عمق الإنسان. فالإنسان ليس جسدًا بقرب النفس، ليس إناء يدخل فيه إناء آخر ثمَّ يخرج منه. الجسد هو هنا في اتِّصالي بالعالم الخارجيّ. والنفس هي هنا وفي شخصيَّتي. فأنا نفس وأنا جسد. والله يعرفني باسمي. منذ كنت بذرة صغيرة في حشا أمي حتّى الصبا والشباب والشيخوخة. فهذا الذي يقوم، يترك لباسًا ويأخذ لباسًا آخر. أنا كنتُ على الأرض بلباس أرضيّ وأكون في السماء بلباس سماويّ. قال الرسول: »يُدفَن جسمًا بشريٌّا (من لحم ودم) ويقوم جسمًا روحانيٌّا« (آ44)، أي أعطاه الروح الحياة الجديدة. وشبَّه الرسول أيضًا هذا الانتقال من حالة إلى حالة: هي خيمة على الأرض، موقَّتة. تقتلعها الرياح. أمّا في السماء »فلنا بيت أبديّ بناه الله« (2 كو 5: 1). ويواصل الرسول: »كم نتأوَّه حنينًا إلى أن نلبس فوقها بيتنا السماويّ!« (آ2).

وتأتي الصور من عالم الكواكب، من عالم الزراعة. قال: »ما تزرعه لا يحيا إلاَّ إذا مات. وما تزرعه مجرَّد حبَّة من الحنطة مثلاً، أو غيرها من الحبوب، لا جسد النبتة كما سيكون، والله يجعل لها جسمًا كما يشاء« (1 كو 15: 36-38).

2. العالم اليهوديّ والتعليم البولسيّ

تطلَّع العالم اليهوديّ إلى الآخرة. حين يأتي المسيح فيقطع الشجرة التي لا تعطي ثمرًا جيِّدًا ويلقيها في النار (مت 3: 10)، وينقّي البيدر »فيجمع القمح في مخزنه ويحرق التبن بنار لا تنطفئ« (آ12).

هو مجيء أوَّل. وسيكون مجيء ثانٍ يُصوَّر على مثال مجيء الملوك لزيارة مدينة من المدن: »ينفخون في البوق« فيقوم الأموات لابسين الخلود ونحن نتغيَّر« (1 كو 15: 52).

أ. العهد القديم

في الأساس، لم يعرف العهد القديم القيامة. فجميع الموتى يُحشَرون في موضع تحت الأرض يُدعى »الشيول« الذي تُرجم ترجمة غير دقيقة: الجحيم. هو في الواقع مثوى الأموات. كلُّهم هنا، سواء كانوا أبرارًا أو أشرارًا. مثل شبح أو خيال. وخصوصًا لا يقدرون بعدُ أن يسبِّحوا الربّ.

في هذا الخطّ اعتبر الآباء أنَّ هؤلاء الموتى ينتظرون مجيء المخلِّص، منذ آدم حتّى المسيح. هو ينزل إليهم وينتشلهم، وهذا ما نرى في الإيقونات. أمّا الذين صعدوا قبل ذلك الوقت مثل أخنوخ وإيليّا، فهم استثناء بعد أن أضيف إليهم موسى في التقليد اليهوديّ. إلى هؤلاء مضى يسوع »يبشِّرهم« كما قال بطرس في رسالته الأولى (1 بط 3: 19).

وكيف يأتي المسيح ليضمَّ البشر المخلَّصين إليه؟ »ينزل من السماء عند الهتاف ونداء رئيس الملائكة وصوت بوق الله، فيقوم أوَّلاً الذين ماتوا في المسيح ثمَّ نُخطف معهم في السحاب نحن الأحياء الباقين، لملاقاة الربِّ في الفضاء فنكون كلَّ حين مع الربّ« (1 تس 4: 16-17).

مرحلتان في القيامة الأخيرة: الأموات يقومون ويستعدُّون لمرافقة الأحياء. ثمَّ ينطلق الجميع في موكب الله الظافر. جاء كلام الرسول هنا ردٌّا على سؤال طرحه أولئك الذين انتظروا عودة الربِّ يسوع في القريب العاجل، على ما فهموا كلام الإنجيل: »في الحاضرين هنا من لا يذوقون الموت، حتّى يشاهدوا ملكوت الله في مجد عظيم« (مر 9: 1). قالوا لرسولهم: المسيح آتٍ، فما يكون مصير الذين ماتوا قبل عودته؟ فجاء جوابه: يقومون. ولكن أين يكونون بين موتهم وقيامتهم العامَّة مع البشر كلِّهم؟ هناك تيّارات تواصل الامتداد اليهوديّ: ينتظرون في حالة من الراحة وهم مجموعون . هم لا يقومون ويكونون في النعيم قبل المجيء الثاني كما نقول في »النؤمن«: »وأيضًا سيأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات«. نستطيع القول في هذا الإطار إنَّ الموتى مرُّوا في الدينونة، وهم ينتظرون ملء الجزاء. ولكنَّهم لا يعرفون كيف يشرحون إرسال اللصّ »اليوم« إلى الفردوس (لو 23: 43). أو كلام الربِّ في »الدينونة العامَّة«: »تعالوا، يا مباركي أبي« (مت 25: 34)، »ابتعدوا اعنّي، يا ملاعين، إلى النار الأبديَّة« (آ41).

انطلق الرسول من هذه الصور ليدْعو المؤمنين إلى اليقظة والسهر: يوم الربِّ يجيء كاللصّ (1 تس 5: 2). هو يفاجئ »كما يفاجئ المخاضُ الحبلى« (آ3). اللصُّ يأتي في الليل، فهل المؤمنون يعيشون في الليل أم في النهار؟ اللصُّ يأتي في الظلام. فهل ينسى المؤمنون أنَّهم أبناء النور؟ (آ5). ولكن من أكَّد لنا أنَّنا أبناء النور والنهار؟ اعتمادنا في المسيح. لا شكَّ في أنَّنا نموت، ولكنَّنا نقوم أيضًا: »دُفنّا معه بالمعموديَّة وشاركناه في موته... نتَّحد به في موت يشبه موته... ونتَّحد به في قيامته« (رو 6: 4ي)

ب. الموت والقيامة في المسيح

منذ بداية الرسالة إلى رومة، أطلَّت الخطيئة وأطلَّ معها الموت الذي هو نتيجة الخطيئة. »بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت« (رو 5: 12). فهل نبقى في الموت؟ إن بقينا تكون قيامة المسيح بلا فائدة. بل نحن نقوم. نموت مع المسيح ونقوم معه. وكيف ذلك؟ في العماد المقدَّس.

في المعموديَّة نحن نتَّحد بالمسيح، فهل يمكن أن يفصلنا شيء عنه؟ لا الحياة. وخصوصًا لا الموت (رو 8: 38). فكيف نعيش مفصولين عنه بالخطيئة ونحن على الأرض؟ أتُرانا نُحرَم من الحياة مع الربِّ مئات آلاف السنين بانتظار مجيئه؟ هذا لا يمكن أن يكون. فنحن منذ الآن أبناء الله. ومنذ الآن نتنعَّم بهذه البنوَّة، فكيف نخسرها في الموت؟ أو كيف تُؤخذ منّا لتعاد في القيامة العامَّة؟ فأنا وأنتَ وأنتِ وكلُّ واحد منّا يلقى وجه الربِّ حالما يترك هذه الدنيا. فالسعادة مع الله التي يعرفها القدّيسون، هل تتوقَّف؟ بل تصبح في الذروة.

قالت الرسالة إلى رومة: نموت مع المسيح ونقوم معه. هي صيغة المستقبل. هذا ما سوف يكون لنا. أمّا الرسالة إلى أفسس فقالت: نحن منذ الآن متنا مع المسيح. ونحن الآن قائمون مع المسيح بحيث نعيش مثل أبناء القيامة: »ولكنَّ الله بواسع رحمته وفائق محبَّته لنا، أحيانا مع المسيح بعدما كنّا أمواتًا بزلاَّتنا... وبالمسيح أقامنا معه وأجلسنا في السماوات« (أف 2: 4-6).

الخاتمة

ذاك كان العالم الوثنيّ. يموت الإنسان ويبقى تحت التراب. يُوضَع فوقه حجر، فلا يُميَّز عن الحيوان كما قيل ببعض المرارة في سفر الجامعة: »مصير بني البشر والبهيمة واحد. فكما يموت الإنسان تموت هي... كلاهما يصيران إلى مكان واحد، وكلاهما من التراب وإلى التراب يعودان« (جا 3: 19-20). أو تصعد نفسه إلى السماء ويبقى جسده في الأرض، بانتظار أن يصبح الجسد موضع الشرِّ والفساد. أمّا في العالم الساميّ، فالإنسان وحدة لا تُقسَّم، يسعد جسدًا ونفسًا ويتعس جسدًا ونفسًا، على ما قال أفرام السريانيّ، مشدِّدًا على قيامة الأجساد، لا خلود النفس فقط. قال الرسول: »كان الموت على يد إنسان، وعلى يد إنسان تكون قيامةُ الأموات. وكما يموت جميعُ الناس في آدم. فكذلك هم في المسيح يحيون« (1 كو 15: 21-23). لا وجود بعد للموت بعد أن أباده المسيح (آ26). والمؤمن لا يموت، بل »ينتقل من الموت إلى الحياة« (يو 5: 24). بل هو لا يمرُّ في الدينونة كما قال يوحنّا أيضًا: »الذين عملوا الصالحات يقومون إلى الحياة، والذين عملوا السيِّئات يقومون إلى الدينونة« (آ29) وبالتالي إلى حكم الله القاطع: »لا أعرفكم من أين أنتم« (مت 7: 23).

والعالم اليهوديّ اعتبر أنَّ الموتى يُحفَظون في مكان واحد بانتظار الخلاص الآتي في اليوم الأخير. وفي خطِّه راح بعض الشرق يقول: »كلُّ إنسان قائم في ذاكرة الله إلى أن يُقام في اليوم الأخير«. ويقول: »الله سيقيمه في يوم الدينونة«، مع أنَّ الرسول قال لنا: نحن قمنا، نحن قائمون منذ الآن، وإلاَّ من أين هذه »القدرة« لدى القدّيسين إذا كانوا ما قاموا بعد مع المسيح، وجلسوا معه في السماوات؟

ونحن اليوم،! نحاول أن نُبعد شبح الموت. ولكنَّه يأتي. نريد أن نطيل حياتنا على الأرض، وهذا مشروع لا بأس به شرط أن يكون عمرنا الطويل في خدمة الله وخدمة الجماعة. ولكن هل نتطلَّع إلى القيامة؟ وهل نحسب الموت نهاية كلِّ شيء فنتحسَّر على الموتى متشبِّهين بالناس الذين لا رجاء لهم؟ هنا يعود بولس فيقول لنا اشتياقه لأن يكون مع الربّ: »الحياة عندي هي المسيح والموت ربحٌ لي« (فل 1: 21). لا شكَّ أنَّنا لا نطلب الموت لنفوسنا، ولكنَّنا نكون مستعدِّين مثل أناس ينتظرون سيِّدهم الذاهب إلى العرس، على مثال العذارى الحكيمات. الموت هو باب إلى الوليمة. الموت مدخل إلى القيامة. هذا ما نتعلَّمه ونحن نعيِّد العيد الكبير، عيد القيامة. إنَّه عيد النصر والظفر للمسيح ولنا. فيمكن أن نهتف: »أين نصرك يا موت، وأين شوكتك يا جحيم«؟ (1 كو 15: 55). وننهي هتافنا: »فالحمد لله الذي منحنا النصر بربِّنا يسوع المسيح« (آ57).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM