الخاتمة

الخاتمة

رافقنا بولس الرسول وفرحنا برفقته في أكثر من كتاب، خصوصاً في سنة تكرّست للتعرف إلى ذاك الذي وضع الأساس للاهوت المسيحي. في القرنين الأولين للمسيحية، تناسوا هذا المفكّر الكبير، لأنه تكلّم عن الثالوث، عن التجسّد، وطرح المواضيع الحاسّة في ما يتعلّق بالشريعة والخلاص الذي تجاوز العالم اليهوديّ. واليوم، لا يزال بولس يخيف الذين يخافون هجمة المسيحية. يريدون أن يخطّموه، أن يلفوا رسائله، لأنه يعتبرون أنه شوّه تعليم يسوع المسيح. ولكن هذا الرسول استعاد رونقه منذ القرن الثالث مع إيرينه وأوريجان ويوحنا الذهبي الفم وأوغسطين وافرام وديونيسيوس الصليبي، وأشوعداد المردزي وغيرهم وغيرهم. فمات الكتاب والمقالات كل سنة عن رسائل القديس بولس وعن المناخ الذي عاش فيه. منهم معه، وعنهم ضدّه. منهم يعتبرون أنه كان عارفاً بالشعر اليوناني والفلسفة، عارفاً باللغة العبرية وشروح الكتب المقدسة. ومنهم من يرى فيه ذاك النقط بعض المعلومات هنا وهناك، وما قيل عنه إنما هو بناء شيّده لوقا في القسم الأكبر من سفر الأعمال. ذاك هو مصير العظماء، ومن أعظم من رسول الأمم في الكنيسة.

دعا نفسه عبد المسيح، لأنه التصق به وبصليبهن بانتظار إن يشاركه في قيامته. وجعل نفسه بين الرسل، أولئك السفراء الذين حملوا الانجيل إلى الأصقاع الأربعة. فالبشارة لبثت في أورشليم واليهودية، وخرجت بصعوبة إلى انطاكية. ولكن الذي وصل بها إلى أقاصي الأرض، شخص انطلق من الشريعة وإسمه شاول، فوصل إلى الحرية في المسيح واتخذ اسم بولس في العالم اليوناني. فما وقف في وجهه حاجز: لا الطرق الطويلة، ولا أخطار البحر، ولا الاضطهاد خصوصاً من الشعب اليهودي الذي رأى فيه شخصاً خان قضيّة الناموس الموسوي وتبع ناموس يسوع.

وهكذا جاء كتابنا 'بولس عبد المسيح ورسولهب في أربعة أقسام: ما كتبناه هنا وهناك، وما ألقينا من محاضرات أو قدّمنا من مداخلات. وكان قسم كبير يدخلنا في عالم آباء الكنيسة. وانتهينا مع النصوص الليتورجية في عدد من الطقوس في الشرق وفي الغرب. فالأثر الذي تركه بولس على اوريجان مثلاً وعلى أوغسطين، يمكن أن يتركه فينا. والعشق الذي سيطر على يوحنا الذهب حين شرح كل رسائل بولس بما فيما الرسالة إلى العبرانيين، قد تنتقل عدواه إلينا. اعتدنا في القداس وفي الاجتماعات الليتورجية وغيرها أن نقرأ الانجيل ونشرحه. فكلام الرب هو الأساس كما نقله الشهود العيان. ولكن شرح الرسائل البولسيّة فتح الآفاق الواسعة بالنسبة إلى الواعظ بالنسبة إلى السامعين. فالمواضيع التي طرحها هذا الذي انطلق من الكتاب المقدس وطعّمه بالحضارة اليونانية، شملت كل الفكر المسيحي، بدءاً بقانون إيمان نيقية والقسطنطينية. فالكلام عن موت المسيح وقيامته، بحسب الكتب، وجود نبعه خصوصاً في الرسالة الأولى إلى كورنتوس. ومفهوم الكنيسة على أنها شعب الله، يجد جذوره خصوصاً في الرسالتين إلى أفسس وإلى كولوسي. وعقيدة الثالوث نقرأها في عبارة لافتة: 'ولتكن نعمة ربّنا يسوع المسيح، ومحبّة الله، وشركة الروح القدس، معكم جميعاًب (2 كو 13: 13). وقيامة الموتى شرحها الرسول وربطها بقيامة المسيح أساس إيماننا. أما المعموديّة التي هي موت وقيامة مع المسيح، فانطلقت مع الرسالة إلى رومة، وألقت بضوئها على السلوك المسيحي.

ما كان أجملها العودة إلى بولس الرسول وما تركه من آثار. وكم نتمنّى أن نواصل تعرّفنا إلى ذاك الآتي من خارج الجوقة الرسولية، إلى ذاك الذي ترك أورشليم، موضع الانغلاق، وجعل رحلاته تنطلق من انطاكية، المدينة المفتوحة على العالم السرياني والعالم اليوناني. أما هذا هو عالمنا؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM