الفصل العشرون:
مدراش لمار أفرام في الكنيسة السريانيَّة
في مقال نشره د. باسيل عكولة في مجلَّة بيبليا(1)، قرأنا هذا المدراش الذي تتلوه الكنيسة السريانيَّة في عيد مار بولس، وها نحن نأخذه بعد طلب من الناشر. وننقل هنا، من المقال عينه، بعض ما جاء في سيرة بولس كما تقرأها الكنيسة السريانيَّة.
يروى أنَّه في المكان الذي سالَتْ فيه دماء القدِّيسين بطرس وبولس، نبتت شجرتان عظيمتان تختلفان عن سائر الأشجار كلِّها، يتقاطر الناس إليهما لنيل البركة لهم ولبلدانهم. وكانت الشجرتان، في ليلة عيد القيامة من كلِّ سنة، تنحنيان وتتعانقان أثناء القدَّاس عند توزيع السلام، دليلاً على اتِّفاقهما، وأنَّ وحدة التعليم لديهما مستمرَّة بعد موتهما. فقطعهما أعداءُ الإيمان، ولم ينبتْ بعد ذلك شيء.
نتذكَّر هنا الإيقونة البيزنطيَّة التي ترينا بطرس وبولس وهما يحملان الكنيسة كلُّ واحد من جهة، دلالة على دورهما، على ما قال الرسول إلى أهل غلاطية، بطرس يحمل الإنجيل إلى أهل الختان، وبولس إلى الأمم التي لم تمارس الختان. فهناك كنيسة واحدة، لا كنيستان.
* * *
طوباك بولس، يا ابن العبرانيِّين
يا إناء مصطفى يفيض بالفضائل
لأنَّ ابن الله قادَهُ حبُّه
إلى أن يحوِّلك من ذئب إلى حمل
فأدخلك إلى حظيرته،
ودعاك إلى عرسه،
ولقَّنك أسراره، وأقامك وكيلاً
على كنوزه الإلهيَّة.
طوباك شاول، يا من نبذتَ
اسمك
ومعه الفكر اليهوديَّ
وأصبحتَ بولس الاسم الجديد
الذي وضعتْه لك البشارةُ الجديدة.
فنبذتَ تصرُّفك القديم ومعه
اسمَك
ولحقتَ بالمخلِّص وبصليبه.
فغيَّرك وأصبحت تلميذًا جديدًا
اسمًا وفعلاً.
طوباك لأنَّه ارتضى فتحدَّث إليك
من دياره السامية في السماء
فأسرَك صوتُه، وقيَّدك حبُّه
لئلاَّ تواصل اضطهادَ المسيحيِّين
وبالضياء الباهر الذي أراك إيّاه
نزع ضياء بؤبؤك.
فاستنار باطنُك
بضياء السماء لتنير الظلمات.
طوباك لأنَّه أصعدك عنده إلى دياره
بذلك الإنسان الخفيِّ في باطنك.
وهناك لقَّنك كلَّ أسراره
بلغة الإعجاز التي لا تُوصَف
كشف لك الناصريُّ في دياره
السامية تلك
عن هويَّته وعن نسبه
وعن أنَّ حبَّه أنزلَهُ
ليَحطَّ في الناصرة
ويخلِّص السفليِّين.
طوباك لأنَّك ارتفعتَ وتعاليتَ
فوقُ إلى السماء الثالثة
وهناك لقَّنك أساتذة أجلاَّء
بلغة الألوهة
ودرَّسوك، بألفاظ خفيَّة،
غريبة عن الأفواه - اللغاتِ
لأنَّ الروح هو معلِّمُ
كلِّ من هو أهل
لذلك العلم السماويّ.
طوباك لأنَّك عايشتَ التوراة
كأمٍّ مربِّية
والبشارة الإنجيليَّة كقرينة (= اقترنت بها)
أحببتَها ولازمتَها بقداسة
فأكرمتَ تلك الأمَّ المباركة،
ولازمت تلك القرينة المبهجة.
اقترنتَ بالبشارة الإنجيليَّة،
وأصبحتَ وإيّاها، أنت وهي،
شخصًا واحدًا.
طوباك يا من صرتَ في الأقطار الأربعة
قيثارة للإنجيل
تغنِّي بكَ عروس النور غناء عذبًا
بصوتٍ مرتفع
فدوَّى كالرعد تعليمك
وناديتَ بالصليبِ بين الأممِ كلِّها
فأخجلتَ العلماء بألفاظ مبسَّطة
لكونها حقيقيَّة.
طوباك يا من احتويتَ
كلَّ محاسن صلبه.
وانتظمتْ فيك من كلِّ جانب
جراحُه بأسرها.
فرحًا بسلاسلك وقيودك المختلفة
تحمَّلت السجنَ والرجم مرَّات عديدة
جلدوك بالسياط فصرتَ شريكًا
في عذابات ابن الحيّ.