الفصل الثامن: واجب التلميذ تجاه التعاليم الضالَّة

الفصل الثامن

واجب التلميذ تجاه التعاليم الضالَّة

في بداية القرن الثاني المسيحيّ، وبعد موت الرسول بعقود من الزمن، احتاجت الكنيسة كلمةً تنبع من التعاليم البولسيَّة، فكانت بشكل خاصّ الرسالتان إلى تيموتاوس وإلى تيطس، وتنظيم الكنيسة مع الأساقفة والشمامسة في إطار العالم اليونانيّ، والشيوخ في العالم اليهوديّ، الذين صاروا في المسيحيَّة الكهنة المختارين بين كبار السنّ في الجماعة والمتحلَّين بالحكمة والعارفين كيف يتدبَّرون بيوتهم قبل أن يدبِّروا كنيسة الله.

أمّا الموضوع الأساسيّ فهو المعلِّمون الكذبة. سبق الرسول وتحدَّث عنهم مرَّة أولى فقال فيهم إنَّهم ارتدُّوا عن الإيمان... هم قوم مراؤون، كذّابون (1تم 4: 1ي). وجاءت التوصية إلى تيموتاوس: »فعليك أن توصي بهذا وتُعلِّم« (آ11).

وها هو كاتب الرسالة إلى تيموتاوس، كما إلى الكهنة والأساقفة في أيّامنا، يعود إلى الموضوع عينه، فينبِّه إلى التعليم الباطل الذي لا منفعة فيه. ويدعو التلميذ إلى الجهاد الحسن متطلِّعًا إلى »يوم ظهور ربِّنا يسوع المسيح« (6: 14).

وإذ نحن نقرأ 1 تم 6: 3-16 نتوقَّف عند ثلاثة مقاطع: التنديد بالمعلِّمين الكذبة (آ2ج-5): ما هو تعليمهم؟ مثال حياة بعيدة عن الغنى والطمع (آ6-10). وأخيرًا، مهمَّة الأسقف الذي رُسم حديثًا واؤتمن على شعب الله (آ11-16): حياة بحسب الإنجيل، شهادة تشبه شهادة يسوع لدى بيلاطس البنطيّ (أو: بنسيوس بيلاطس). هكذا يتواصل حضور كلمة الله في العالم.

1- أناس فسدت عقولهم وأضاعوا الحقّ

أعطى بولس توصية هنا، فجاء الإرشاد مرافقًا للكلام الهجوميّ على هؤلاء الضالّين الذين يعتبرون نفوسهم معلِّمين. لهذا جاءت آ2ج-10 في شكل سلبيّ، فتبيَّنَ كذبُ هؤلاء المتكبِّرين وطمعُهم. هم يشبهون هؤلاء الفلاسفة الجوّالين الذين كانوا ينتقلون من مدينة إلى مدينة طالبين المال والربح السريع. وميَّز الرسول بين التعليم الصحيح والتعليم الباطل، وها نحن نميِّز معه.

أ- الأقوال الصحيحة

ذاك هو الهدف الذي يتطلَّع إليه تلميذ الرسول أو إذا شئنا »أسقف أفسس«، تيموتاوس التلميذ الحبيب: الأقوال λογοις الصحيحة  υγιαινουσιν، ما يعارضها الأقوال المريضة التي قد تعود إلى الموت. ماذا تطلب هذه التعاليم؟ مجد الله، بناء الجماعة، خلاص المؤمنين. تلك هي الثمار التي بها تُعرَف تعاليم ربِّنا τοις του κυριου  υμων. هي تعارض تعاليم البشر. تعاليمُ ربِّنا هي الإنجيل الذي سلَّمه الرسول إلى الجماعات كما تسلَّمه. هي تعليم الحياة المسيحيَّة و»معرفة الحقّ« (2: 4). هنا نجد الينبوع الذي منه نستقي. وإلى هذه التعاليم نقترب وبها نتعلَّق ونحن عارفون إلى أين نحن ماضون. ذاك هو الفعل προσιχομαι. بمثل هذه التعاليم نهتمّ بل نكرِّس حياتنا. ونلاحظ أنَّ الفعل جاء في صيغة الحاضر، لا في صيغة الماضي. هذا يعني أنَّنا كلَّ يوم نتذكَّر هذه التعاليم، كلَّ يوم »σιنبتلعها« كما قيل في نبوءة حزقيال (2: 8) أو في سفر الرؤيا (10: 9). يأكلها (الرائي) فيحوِّلها »طعامًا قويٌّا« (1 كو 3: 2) من أجل المؤمنين.

هذا التلميذ يرافق الكلمات الصحيحة (1: 10) كلَّ يوم. فهي تعاليم صدرت عن المسيح، وهي في الوقت عينه تحدِّثنا عن المسيح. ذاك ما سبق وقاله الرسول: »وأنتَ إن عرضتَ هذه الوصايا على الإخوة كنتَ خادمًا صالحًا ليسوع المسيح، متغذِّيًا بكلام الإيمان بالتعليم الصحيح الذي تتبعه« (4: 6). هذا من جهة، ومن جهة ثانية، نقرأ في 2 تم 1: 8: »فلا تخجل بالشهادة لربِّنا ولي أنا أسيره«.

فالإنجيل هو »شهادة الله« (1 كو 2: 1)، كما هو الكرازة الرسوليَّة كلُّها التي وصلت إلى »مكدونية وبلاد آخائية« (1 تس 1: 8)، والتي نصلّي »لكي تنتشر بسرعة« (2 تس 3: 1)، التي يجب أن تحلَّ في القلوب بكلِّ غناها (كو 3: 16). أساسها واحد، الخلاص بالمسيح المصلوب، على ما قال الرسول في الأولى إلى كورنتوس: »البشارة بالصليب هي قدرة الله للذين يسكون طريق الخلاص« (1 كو 1: 18).

هذه التعاليم، موضوعها الواحد دينيّ هو، ويبتعد عن الأمور الدنيويَّة، العالميَّة، التي بها نمزج الإنجيل بحيث يغور فلا يعود يُرى ولا يُسمَع. المهمّ أن نُرضي الناس بكلامنا ونبقيهم أطفالاً أو نمنعهم من الوصول إلى الكلمة على مثال الأطفال في مراثي إرميا: »الأطفال يطلبون خبزًا ولا من يعطيهم« (مرا 4: 4). وهكذا لا نأخذ الناس »إلى ينبوع المياه الحيَّة« بل »نحفر لهم آبارًا مشقَّقة لا تمسك الماء« (إر 2: 13).

تعاليم صحيحة، تعاليم ربِّنا. وأخيرًا هي تعاليم بحسب التقوى και ευσεβειαν عبارة نقرأها أيضًا في الرسالة إلى تيطس (1: 1: معرفة الحقّ الموافقة للتقوى). سرّ التقوى هذا يوجزه يسوع المسيح، كما قيل في نشيد ليتورجيّ ورد في هذه الرسالة: سرُّ التقوى عظيم: ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح، شاهدته الملائكة، بُشِّرت به الأمم، أومن به في العالم ورُفع في المجد« (3: 16). هنا نجد قاعدة الإيمان التي »نحكم« بها على التعاليم الضالَّة: المسيح كما ظهر في الجسد.

مثل هذه التعاليم تدفعنا إلى التقوى والعيش في مخافة الله. ذاك هو الربح الحقيقيّ الذي يجب أن يصبو إليه المؤمن. أمّا المتاجرة بكلام الله فهي الرهان الدافع أنَّنا بعيدون عن تعاليم ربِّنا الذي خيَّرنا بين عبادة الله وعبادة المال (مت 6: 24).

هنا يحثُّ الرسول »أسقف أفسس«: »علِّم هذا وعظْ به«. هذا الموضوع نقرأه بشكل خاصّ في الرسائل الرعائيَّة الثلاث. في هذه الرسالة عينها، دعا الرسول تلميذه: »أوصِ بهذا وعلِّم، ولا تدعْ أحدًا يستخفُّ بشبابك« (4: 11). وفي 2تم 4: 2-3: »عظْ بكلِّ أناة وتعليم، فسيجيء وقتٌ لا يحتمل فيه الناس التعليم الصحيح، بل يتبعون أهواءهم ويتَّخذون معلِّمين يكلِّمونهم بما يُطرب آذانهم«.

ب - المناقشات والمماحكات

ذاك ما يعارض الأقوال الصحيحة، فيقدِّم لنا المعلِّمين الكذبة، الذين يُبعدوننا عن سرِّ المسيح، عن سرِّ التقوى. تعاليمُهم ليست بصحيحة، وبالتالي لا يمكن أن تغذّي المؤمنين كما لا يمكن أن تنمّي الحياة المسيحيَّة. هذا يعني أنَّها عاجزة أن تؤمِّن العلاقة بالله. فيصبح المؤمن غصنًا يابسًا يُجمَع مع سائر الأغصان ويُرمى في النار (يو 15: 6). أو »يَحرم نفسه من نعمة الله... فينبَت فيه عرقُ مرارة يسبِّب إزعاجًا ويُفسد الكثير من الناس« (عب 12: 15).

هذا التعليم »الجديد« الذي ينشره الضالّون، يبني لاهوتًا مستقلاٌّ عن المسيح، يُفرغ الكنيسة من محتواها، وهي التي تحاول »أن تسبي كلَّ فكر إلى طاعة المسيح« (2 كو 10: 5). هنا نستطيع أن نورد توما الأكوينيّ في شرحه لهذه الرسالة: إذا أراد أحدٌ أن يعرف كيف تكون التعاليم ضالَّة، يتوقَّف عند ثلاثة أمور. أوَّلاً، تكون مخالفة لتعليم الكنيسة: إن علَّم أحد شيئًا آخر، أي ما أعلِّمه أنا وسائر الرسل... فتعليم الرسل والأنبياء هو القانون، هو القاعدة. لهذا لا يعلِّم أحدٌ تعليمًا آخر. ثانيًا، لا يقبل، لا يأخذ بهذه التعاليم. فالربُّ يسوع أتى يشهد للحقّ... أُرسل من الآب معلِّمًا وموجِّهًا... لهذا يخطئ من لا يتعلَّق بكلامه. ثالثًا، والتعليم الموافق للتقوى هو تعليم الكنيسة. هذه التقوى هي عبادة الله.

حين يحدِّد الرسول »الهرطقة« على أنَّها رفض الاقتراب من التعليم الصحيح، فهذا يفترض عند بولس وتيموتاوس معرفة أكيدة بهذه الأقوال. أمّا الباقي فهو »مناقشات ومماحكات« ولا يمكن أن تَبني الجماعة.

فكيف نستطيع أن نرفض معرفةَ أقوال المسيح التي هي بمتناول الجميع؟ وكيف نتجـرَّأ فنعـرض تعليمـًا »دينيٌّـا« لا يمجِّـد الله؟ لأنَّ الكـبريـاء أعمـت عيونـنا  τετυφωται. ذاك هو السبب الأساسيّ الذي يشرح الباقي كلَّه. إن ضلَّ إنسان عن الحقّ، فالسبب ليس عدم معرفة، ولا هو نقص في الحقيقة، بل نقص في الأخلاق واستعداد سيِّئ يبرزه الإنسان بملء إرادته. هي الكبرياء التي تدفعنا إلى المناقشات. عنها تكلَّم الرسول: »المعرفة تزهو بصاحبها« (1 كو 8: 1)، فلا يعود يرى سوى نفسه. فالكبرياء هي أصل كلِّ الضلالات. لا يمكن للإنسان أن يتراجع عمّا قاله، مهما كلَّفه هذا العناد.

فالمعلِّمون الكذبة يعتدُّون أنَّهم يعرفون كلَّ شيء، وكلّ همِّهم أن ينالوا إعجاب »الجماهير« وتصفيقهم. لهذا نراهم يعلِّمون تعاليم شخصيَّة، غريبة عن الإيمان. في الواقع، هم لا يفهمون شيئًا μηδεω επισταμενος وسبق وقرأنا في 1: 7 μη νοουντος: يبدون لاواعين. لا يمتلكون أيَّ معرفة. فالفعل يدلُّ على العارف بدقّة. ويقابله الجاهل جهلاً مطلقًا كما نقرأ عند يع 4: 14 (لا تعرفون شيئًا عن الغد).

من أجل هذه المعرفة، يحتاج الإنسان إلى مجهود فكريّ وربَّما يكون طويلاً. أمّا هؤلاء المعلِّمون الذين رفضوا، في كبريائهم، أن يقتربوا من أقوال الإنجيل الصحيحة، الذين رفضوا أن يقوموا بالمجهود لكي يفقهوا، فهم لا يعرفون شيئًا. لا معرفة عندهم، لأنَّ المعرفة الحقَّة هي يسوع المسيح (1 كو 2: 2). بعد ذلك، كلُّ شيء يكون نافلاً، ولا يستحقُّ أن نضيِّع وقتنا في »دراسته«. يجب أن نحسبه غير موجود. ولكن ما حيلتنا وهؤلاء »المعلِّمون« هم »عميان«!

والنصُّ يقول عنهم إنَّهم مرضىνοςσων. هو اسم الفاعل الذي يدلُّ على أنَّ هذا المرض يرافقهم وليس أمرًا عابرًا. هو في أعماقهم. قال الذهبيّ الفم: »كالتورُّم في الجسد، هكذا الكبرياء في النفس. وكما أنَّ الذين جسمُهم منتفخٌ تنقصهم الصحَّة، كذلك النفس المتكبِّرة لا يمكن أن تكون صحيحة«. في هذه الظروف، لا تستطيع العقول المنهارة أن تستسلم إلاَّ إلى مناقشات ζητησειω. لفظ نقرأه في 2 تم 23 حيث يقول الرسول إلى تلميذه: »ابتعد عن المماحكات الغبيَّة الحمقاء، لأنَّها تثير المشاجرات«. وفي تي 1: 4 نقرأ كلمة مركَّبة في المعنى ذاته εκζητησεις، أي تنظيرات ومباحث لا نهاية لها: يهتمُّون بأمور فيها الفضوليَّة والحشريَّة فيبدو عملهم شبه فكريّ، ويتعلَّقون بالترّهات. وبدلاً من أن يدرسوا الحقائق، يخصِّصون وقتهم بمجالادت على كلماتλογομαχια (هي أيضًا مراحدة hapax)، وهذا ما يدلُّ أيضًا على اللافهم التي هي رذيلة وُلدت معهم، إذا كنّا نحكم على الشجرة بالثمرة. ومثل هذا النهج التعليميّ لا يقود إلى التقوى، بل يولِّد ألمًا من الطبيعةεζων الحسد (غل 5: 21 φθονου) والشقاق الحادّ ضدّ المعلِّمين »الأذكياء« γινεταιالذين يمكن أن يكونوا مزاحمين مكروهين. من هنا الخصومات قاسية والقتال (رو 1: 29 ερις) والهجوم الشخصيّ الذي ترافقه الشتائم والافتراءات (1: 20 βλασφημιαι). النوايا الشرّيرة ظاهرة υπονοιαι(من تحت إلى تحت) بما فيها من كذب وأعمال الغشّ والمكر. فالنهاية تقابل المبدأ. والرذيلة التي هي في أساس الضلال الفكريّ، تلهم السلوك المنافي للأخلاق.

وما انتهى الرسول هنا، بل أظهر أنَّ هذه العقول المتكبِّرة تعيش دومًا المشاجرات والمشاحنات διεφθαρμενων. هذا اللفظ الذي لا نجده في الكتاب المقدَّس، بل ولا في النصوص اليونانيَّة المعروفة، هو لفظ مقوٌّى مع δια يضاف إلىπαρατριβη. ليشير إلى أنَّ المنازعات تتوالى ولا تتوقَّف، من هنا وهناك. ونقرأ مرَّة أخرى الذهبيّ الفم الذي يقدِّم لنا صورة الخراف المصابة بالجرب أو بمرض من أمراض الجلد ψωραλεια، فتلامس خرافًا أخرى بحيث تفسد الصحيحة فتصبح جربة مثلها. وهكذا نعود إلى فكرة المرض كما في آ4. أو إلى »الآكلة« (السرطان) كما في 2 تم 2: 17.

هذا يعني أنَّ هؤلاء المعلِّمين خسروا إمكانيَّة التفكير بشكل صحيح  διεφθαρμενων »تخربطت« عقولهم.νουν، فسُد (2 تم 3: 8 مثل ينيس ويمبريس؛ تي 1: 14)، الوجدان الخلقيّ، بحيث ما عادوا يستطيعون أن يفهموا شيئًا من الحقِّ أو يرتبطوا به في قلوبهم. هو موضع مغلقٌ عليهم. خسروا كلَّ شيء. اعتبروا أنَّ التقوى التي يعلمون تؤمِّن لهم الربح πορισμος، الربح المادّيّ، لا الروحيّ.

2. معلِّمون يطلبون الربح السريع

ظنَّ هؤلاء المعلِّمون  νομιζω (1 كو 7: 26-36) أنَّ التقوى أو الديانة التي يعلِّمون تؤمِّن لهم الغنى. إذًا، انتظروا أن ينالوا المال لكي يُشبعوا طمعَهم، بالإضافة إلى الإكرام ليرضوا كبرياءهم. لا شكَّ في أنَّ لهؤلاء »المعلِّمين« الحقَّ بأن يكرَّموا، على مثال الزارع الذي يتعب فينال حصَّته من الغلَّة (2 تم 2: 6). ولكنَّ السوء عند هؤلاء يقوم بأن يعلِّموا لكي يجمعوا المال (تي 1: 11: مكسب خسيس). فهدفهم الأوَّل ليس التعليم بل كسب المال. وهكذا صارت التقوى موضوع تجارة، فشابهوا سيمون الساحر الذي أراد أن يربح المال حين يضع يده على الآتين إليه، فكان جواب بطرس قاسيًا: »إلى جهنَّم أنت ومالك« (أع 8: 20).

فالخدمة الروحيَّة هي لهم وظيفة تؤمِّن الربح. هي ذروة الخداع والغشّ. وحبُّ المال كان تجربة المعلِّمين المتنقِّلين والمبشِّرين الجوّالين (1 تس 2: 5). هم يتشبَّهون بفلاسفة يبيعون دروسهم، فاستحقُّوا التنديد من قبل سينيكا في الرسالة 108. والديداكيه أو تعليم الرسل طلب أن نتعرَّف إلى سلطة المبشِّرين الحقيقيّين من خلال تجرُّدهم.

هنا تلاعب الرسول على لفظ μορισμος: لا شكَّ التقوى هي مصدر ربح، وربح كبير μεγας. ولكن على مستوى آخر، لأنَّها تحمل مواعيد الحياة الحاضرة والحياة الأبديَّة (4: 8). هذا الغنى الحقيقيّ هو العيش من أجل الله. هذا يقودنا في خطَّين. في الخطِّ الأوَّل، وهذا بحسب الفكر الوثنيّ، فالتقوى تنال من الله ما هو ضروريّ للإنسان ويكفيه على هذه الأرض (2 كو 9: 8). في الخطِّ الثاني، هذا الاكتفاء، هذه القناعةαυταρκεια يعني أنَّنا نقبل بما نملك. قالوا: التقوى هي الكمال في امتلاك الخيرات. هي حالة تَنقل إلى مالكيها ملءَ السلطان على الذات. والسعادة هي التقوى المرتبطة بالتجرُّد. والتقوى الحقيقيَّة هي ربح للإنسان، لأنَّها تتيح له بأن يحكم على الأمور الحكم الصائب ويجعل كلَّ شيء في مكانه، على مثال ذاك التاجر الذي باع كلَّ شيء ليشتري تلك اللؤلؤة (مت 13: 46). بفضل هذه التقوى، لا نتعلَّق بعدُ بالأمور المادِّيَّة، بل نكتفي بما عندنا بحيث تكون القناعة سرَّ السعادة، كما قال القدّيس أوغسطين: »أفضل أن يكون لك من أن تحتاج إلى أكثر«. وهكذا يصبح »القنوع« سيِّدَ العالم وكلَّ ما يحتويه، والمسيح يتعامل مع كلِّ شيء على أنَّه عطيَّة من الله.

وتشرح آ7 (فما جئنا العالم بشيء) لفظ μορισμος. نكتفي بما أُعطينا. ومن النافل أن نتطلَّع إلى أكثر. فالإنسان، على مستوى التقوى، على المستوى الأدبيّ والروحيّ، يمتلك كلَّ شيء لكي يعيش ويكون سعيدًا. أجل، يمكن أن يكتفي الإنسان بالقليل (آ8): أن يكسي عريَه، أي يشبع جوعَه.

هنا نطرح السؤال حول هذه التعاليم الضالَّة التي يحملها هؤلاء المعلِّمون. أوَّل ما يلفت نظرنا هو التعاليم المتهوِّدة التي ما زالت تعمل في الكنيسة. قالت الرسالة إلى تيطس: »فهناك كثير من المتمرِّدين الذين يخدعون الناس بالكلام الباطل، وخصوصًا بين الذين هم من اليهود« (تي 1: 10). والهدف هو هو: مكسب خسيس (آ11). تدعوهم الرسالة: أهل الختان. هي عودة إلى الممارسات اليهوديَّة التي قيل فيها بمناسبة »مجمع أورشليم« سنة 49: »لا خلاص لكم إذا لا تُختَنون على شريعة موسى» (أع 15: 1).

هؤلاء اليهود يريدون أن يكونوا »معلِّمي الشريعة« (1 تم 1: 7). أوَّلاً، قال الربّ: »أمّا أنتم فلا تسمحوا بأن يدعوكم أحد: يا معلِّم، لأنَّكم كلَّكم إخوة ولكم معلِّم واحد (مت 23: 8). ثمَّ، أيَّ شريعة يريدون أن يعلِّموا؟ فالشريعة القديمة تجاوزها الزمن. هي اكتملت بما فعله يسوع حين صار إنسانًا من أجلنا. وفي أيِّ حال، لم تعد تكفي. قال الربّ: »إن لم يزد برُّكم على برِّ الكتبة والفرّيسيّين لن تدخلوا ملكوت السماوات« (مت 5: 20).

وإذ يريد هؤلاء اليهود أن يعلِّموا، تكون الجدالات حول الشريعة، فيعلن الرسول أنَّ حماقتهم تنكشف سريعًا لجميع الناس (تي 3: 9) مثل »ينيس ويمبريس« اللذين رأى فيهما التقليد ساحرين وقفا في وجه موسى خلال الخروج من مصر. ماذا استفادا من المجابهة؟ لا شيء. مثلهما يكون اليهود الذين يريدون الجدال في أمور الشريعة. وما هو موضوع الحديث؟ »خرافات ووصايا« (تي 1: 14). مثل هذه الخرافات الغريبة الآتية من الميتولوجيّا، هي خطرة لأنَّها تبعد الناس عن الحقّ، عن حقيقة الإنجيل. وتحدَّثت الرسالة الأولى إلى تيموتاوس عن »الخرافات وذكْر الأنساب التي لا نهاية لها« (1: 4). ماذا عن الآباء بحسب التقاليد اليهوديَّة؟ وماذا عن الأبطال الذين »كبر حجمهم« في الأخبار؟ كلُّ هذا سيكون موضوع التنظيرات الغنوصيَّة التي ابتعدت عن المسيحيَّة، وكتبت إنجيلاً أو بالأحرى أناجيل خاصَّة بها.

وتجاه »التعاليم اليهوديَّة« التي خافت من التعاليم المسيحيَّة باكرًا، وأرادت أن  تقف في وجهها أو تزاحمها، على ما نقرأ في الرسالة إلى غلاطية، هناك أيضًا التعاليم الغنوصيَّة التي ربَّما لم تكن دُوِّنت بعد. فالغنوصيَّة ثنائيَّة جذريَّة تؤسِّس خلاص الإنسان على رذل المادَّة الخاضعة لقوى الشرّ، كما إنَّها تعلن أنَّها تمتلك معرفة سامية عن الأمور الإلهيَّة. لهذا، فهي تستطيع أن تجادل من منطق متعالٍ وهي مقتنعة أنَّ معها الحقيقة ملء الحقيقة. وما يتّصل بالغنوصيَّة القول بأنَّ القيامة تمَّت (2 تم 2: 18)، ممّا يعني أنَّ الإنسان يستطيع أن يعيش الفلتان الجنسيّ. لهذا نجد اللوائح العديدة التي تذكر الرذائل والخطايا.

وبما أنَّ الغنوصيَّة رفضت المادَّة والجسد، منعت الزواج وبعض الأطعمة. قال الرسول متحدِّثًا عن المعلِّمين الكذبة الذين اكتوت ضمائرهم فماتت: »ينهون عن الزواج وعن أنواع من الأطعمة خلقها الله ليتناولها ويحمده عليها أولئك الذين آمنوا وعرفوا الحبّ« (4: 2-3). فالغنوصيّ الروحيّ الذي هو مخلَّص بطبيعته، لا يربط خلاصه بأنَّ ممارسة خلقيَّة. قال إنجيل فيلبُّس مثلاً: »اللؤلؤة المغمَّسة في الوحل أو المدهونة بالصمغ، تحافظ على قيمتها في نظر مالكها«. فالغنوصيّ هو فوق سائر البشر ولا يمكن أن يعيش على مستوى البشر الذين يحيطون به. لهذا، إن هو لم يمارس الزواج، فهو إمّا يعيش الفلتان الذي لا حدود له، أو العفَّة في شدَّتها وقساوتها.

3- أمّا أنت يا رجل الله

كيف يتصرَّف تلميذ بولس في هذه الحالة؟ هنا أوَّلاً موقف سلبيّ: »تجنَّبْ هذا كلَّه«. وهكذا تكون حياتك »بلا لوم« (7: 14). والموقفان الإيجابيّان: الجهاد بحيث تكون حياتُنا شاهدة في العالم. ثمَّ الانتظار، انتظار مجيء الربّ. لا. القيامة لم تحلَّ بعد. والمؤمن ينتظر مجيء الربّ الذي يحيي أجسادنا المائتة.

أ- تجنَّبْ هذا كلَّه

جاءت المعارضة قويَّة: أمّا أنت σω δε. تجاه أولئك τις (آ10). وبعد ذلك يأتي المنادى: يا رجل الله. مع الأداة ω فهمنا أنَّ النداء ملحّ جدٌّا. هذا ما نكتشفه في نصوص بولسيَّة أخرى (رو 2: 1، 3؛ 9: 20): »أيُّها الغلاطيّون الأغبياء« (غل 3: 1).

ومن هو ذاك الذي يتوجَّه إليه الكاتب؟ هو »رجل الله«. إن كانت هذه العبارة لا ترد إلاَّ في الرسائل الرعائيَّة (هنا وفي 2 تم 3: 17) في الكلام عن المعلِّم الذي يريده الربّ، فهي معروفة في العهد القديم. رجل الله لقب كريم، ووظيفته وظيفة سامية. فموسى هو رجل الله (تث 33: 1؛ يش 14: 6؛ عز 3: 2) على أنَّه النبيّ والمشترع والمتشفِّع. وداود أيضًا (نح 12: 24، 36؛ 2 أخ 8: 14)، ذاك الذي استنبط الموسيقى في الهيكل. دُعيَ صموئيل »رجل الله« وإليه جاء شاول ورفيقه (1 صم 9: 6-9) ليدلّهما على »الاتِّجاه الصحيح«. وكذلك إيليّا وإليشاع.

»رجل الله« هو إنسان يُرسله الله فيتقبَّل منه رسالة، ويمثِّله لدى الناس الذين يحمل إليهم الإحسان أو العقاب. هو ينقل قدرة الله. وهو يؤتمن على كلام الربِّ وقدرته. ويكون على اتِّصال وثيق بالله. إذًا هو قدّيس فيه قوَّة العجائب. يعلن الخلاص ويحمله. قال فيه الذهبيّ الفم: »رجل إلهيّ. إكرام كبير«. وقال تيودوريه القورشيّ: »يستحقُّ المديح الكبير«

رجل الله هذا هو تيموتاوس، معلِّم الإيمان والمكرَّس لخدمة الله (1: 18؛ 4: 6، 14)، ويكون متجرِّدًا قدر الإمكان من الأرض وخيورها. قال بيلاج: »لا يكون رجلَ الغنى، بل رجل الله«. وفي النهاية، يكون أمينًا لمتطلِّبات مثل هذه الدعوة.

يجب عليه أن يهرب  φευγε من الضلالات ومن رذائل المعلِّمين الكذّابين، وخصوصًا من الطمع. نلاحظ هنا أهمِّيَّة الهرب حتّى في أيّامنا. هناك من يريد أن يجابه معلِّمي الضلال الذين يأتون إلى بيوتنا، وفي النهاية يقعون في شركهم. هم يأتون »من فوق«، ونحن نريد أن ندافع. عمَّ ندافع؟ ولماذا الكلام، والحوار ممنوع مع هؤلاء الذين يعتبرون نفوسهم وحدهم »المخلّصين«، »المؤمنين؟« أمّا الآخرون فهم هالكون في نظرهم، وإيمانهم ناقص وقريب من الوثنيَّة.

يهرب تيموتاوس من جهة، ومن جهة ثانية يطلب، يلاحق διιωκε. فعل متواتر عند بولس (رو 9: 30؛ 12: 13؛ 14: 19؛ 1 كو 14: 1؛ فل 3: 12، 14).  يحاول أن يمتلك أو أن يمارس المزايا الأساسيَّة في المسيحيَّة (2 تم 2: 22)، وذلك تجاه الله وتجاه القريب، ولاسيَّما في الظروف الصعبة، ويبتعد من المجادلات وحرب الكلمات ومناوشات المعلِّمين الكذبة.

واطلب البرّ  δικαιοσυνην. والبرّ لا يعارض فقط البخل والطمع، بل يدلُّ على سلوك تامّ، كامل، مع الناس، ولاسيَّما مع رؤساء الجماعة، مع المؤمنين (2 تم 3: 16) مع الشيوخ أو الكهنة. والتقوى  ευσειβια هي العلاقات الحسنة (ευ) مع الله في الحياة الخاصَّة كما في الحياة العامَّة. والإيمان والمحبَّة يحدِّدان الحياة المسيحيَّة، ويصلان بالعقل إلى الكمال. والصبر υπομονη يتضمَّن الاتِّكال على الله، والثبات المتواصل في محن هذا الدهر. مثلاً، حين نتخلَّى عمّا هو نافل. حين نحرم نفوسنا من الضروريّ. حين نُتمُّ واجبنا مهما كان صعبًا. وهكذا يكون الصبر (والاحتمال وطول الأناة) الشرط الضروريّ لممارسة سائر الفضائل (رو 5: 3-4). بل هو المعيار للرسول الحقيقيّ المستند إلى معونة الله. أخيرًا الوداعة  πραυπαθιαν. بها يساعد الراعي الخاطئين على الوقوف على أقدامهم والانطلاق من جديد (غل 6: 1؛ 2 تم 2: 25). بها يحتمل احتمالاً شخصيٌّا الهجمات ونكران الجميل بلا مرارة ولا ردَّة فعل عنيفة. بها يهدئ الصراعات. وهنا قال توما الأكوينيّ: »تلك هي أسلحة تيموتاوس الروحيَّة«.

ب- جاهدْ في الإيمان

قال تيودوريه: »سبق الرسول وقال لتيموتاوس بأن يمارس الفضائل. والآن يدعوه إلى الجهاد  αγωνιζεσται. نحن هنا في الإطار الرياضيّ، قبل أن نكون في الإطار الحربيّ كما اعتاد الرسول أن يفعل (1: 18؛ 3: 10؛ 2 تم 4: 7؛ 1 كو 9: 25؛ كو 1: 29). هذا الجهاد هو جميل، حسن، نبيل، بل مجيد. والإيمان هو الرابح (فل 1: 27-30؛ عب 11: 33)، لا ضدَّ الهراطقة، بل في معارضة مع المماحكات والصراعات البشريَّة. جاء الفعلُ في صيغة الأمر، فدلَّ على أنَّ الجهاد يطول، وهو يتوخَّى أن يأخذ الحياة الأبديَّة. كدت أقول بالقوَّة. فهكذا يؤخذ الملكوت، كما قال الربُّ يسوع.

ولماذا هذا الجهاد؟ لسببين. الأوَّل، لأنَّ الله يدعونا. قال الرسول لتلميذه تيموتاوس: »واشترك في الآلام من أجل البشارة متَّكلاً على قدرة الله« (2 تم 1: 8). فهدف الدعوة المسيحيَّة هو الحياة الأبديَّة (2 تس 2: 14؛ 1 كو 1: 9؛ كو 1: 13). الربُّ دعا والمؤمن يجيب. والسبب الثاني، هو أنَّ تيموتاوس التزم بكلمة يجب أن يبقى أمينًا لها. هكذا يكون الشاهد للربّ وسط عالم معوجٍ وملتوٍ، وإلاَّ يكون الرسول خائنًا.

في المعموديَّة تلقَّى تيموتاوس نداء الله من أجل الحياة الأبديَّة. وفي المعموديَّة قال نعم لهذه الدعوة، فاعترف اعترافًا شفهيٌّا وعلنيٌّا بأنَّ يسوع الناصريّ هو ابن الله على ما قرأنا في 3: 16. ويسوع نفسه الذي اعترف أمام بيلاطس، قال فقط إنَّه المسيح.

أمام من شهد تيموتاوس؟ أمام الله وأمام المسيح. وذلك في مواعيد المعموديَّة. وهما كفيلان بأن يساعدا المؤمن على تخطّي الصعاب، وبأن يحكما على خدَّام الكنيسة في اليوم الأخير.

الله هو الذي يحيي.   ζωογονεω: ولد، أحيا، وهبه عطيَّة الحياة. ثمَّ أمام المسيح الذي بدا الشــاهد الذي يقتـدي به تيموتاوس كما سبق واقتدى به بولس.  ομολογια هي الشهادة الأسمى عن آلامه وموته: الاستشهاد والموت، كما قال تيودوريه. وهذا ما يشجِّع تيموتاوس في محن رسالته وصعوباتها.

رأى بعض الشرّاح في هذه المواجهة بين المسيح وبيلاطس درسًا للكنيسة: فهي تطلب من الخدّام ومن المؤمنين بأن يسلكوا السلوك اللائق تجاه القوى الزمنيَّة. لا شكَّ في أنَّه يكون انفصال بين الذين يطلبون الغنى والذين يريدون الاستيلاء على الحياة الأبديَّة والاعتراف الإيمانيّ في المعموديَّة. ليس هذا فقط مجرَّد فعل ليتورجيّ، بل بالأحرى هو استعداد للبطولة، على مثال حلف الجنديّ بالدفاع عن وطنه. وحين يتذكَّر تيموتاوس اعترافه الذي حاول أن يكون أمينًا له، وعواطفه السخيَّة التي دفعته إلى الالتزام حين دخل في خدمة المسيح، ينضمّ إلى إعلان المسيح في آلامه، إذا ما أراد أن يتنكَّر لرسالته الإلهيَّة أمام الموت. هو المثال الذي نتطلَّع فيه ونشاهده. وقال الذهبيّ الفم: »كما هو فعل يجب أن تفعلوا«.

ج- انتظار يوم الربّ

في المسيحيَّة لا يدور الإنسان في حلقة مفرغة، كما هو الأمر في العالم اليونانيّ مع العودة اللامتناهية. هناك يشبَّه الإنسان بالقمر والشمس والكواكب، التي تعود إلى النقطة التي انطلقت منها. أمّا في المسيحيَّة، فطريقنا خطٌّ يسير إلى هدف معيَّن، وهو يسير صعُدًا. والهدف هو مجيء الربّ كما نقول في قانون الإيمان. الربُّ يأتي إلينا ونحن نمضي إلى لقائه كما نقول في الليتورجيّا السريانيَّة: »أشعلوا قناديلكم يا إخوتي، فها الختن أتى وبلغ إلينا«. والعذارى العشر انتظرن مجيء العريس الذي وصل في نصف الليل.

وكلُّ مؤمن يعرف أنَّ جهاده لا يذهب سُدى. ففي مسيرته يلتقي بالمسيح أو هو يسير وراءه على مثال سمعان القيرينيّ حين حمل الصليب (لو 23: 26).

كيف يستعدُّ تيموتاوس لهذا المجيء؟ يحفظ الوصيَّة. هو لفظ عامّ. ولا يمكن أن نكون أمام فريضة خلقيَّة، ولا أمام فضيلة يجب أن نمارسها. هي وصيَّة خاصَّة بالعهد القديم (مر 7: 8-9؛ رو 13: 9) أو بالعهد الجديد (يو 13: 34؛ 15: 12). هي إمّا الشريعة القديمة (رو 7: 8، 12، 13)، أو الوحي (يو 12: 50) أو الرسالة (يو 14: 31) التي تسلَّمها الابن من الآب.

الوصيَّة هي دومًا أمرٌ صادر عن الله، ولكن ينقله الرسل من أجل تنظيم الحياة المسيحيَّة (1 كو 14: 37). قد تعني الوصيَّةُ الرسالةَ كلَّها، التي تبدو متطلِّباتها التعليميَّة والعمليَّة مثل وديعة لا تُمسّ، أو قاعدة إيمان وحياة إنجيليَّة. دعاها تيودرويه التعليم الإلهيّ. هي واجبات إلهيَّة على مستوى الفكر والعمل، نبعت من الإيمان وأقسم تيموتاوس بأن يحفظها طوال حياته منذ اعترافه العماديّ.

حين يحفظ التلميذ الوصيَّة، يكون منزَّهًا عن العيب واللو. إنَّ ασπιλον هي لطخة على اليد. لا يمكن أن يكون الرسول إلاَّ بحسب قلب الربّ. إنَّه يشبه الذبيحة، التي لا يمكن أن تقدَّم لله إذا كان فيها عيب. فكيف يكون خادم الله أقلَّ من الذبيحة وبولس قال لنا في الرسالة إلى رومة: »فأناشدكم، أيُّها الإخوة، برأفة الله أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيَّة مقدَّسة مرضيَّة عند الله« (رو 12: 1).

وسلوك التلميذ يكون بلا لوم  ανεπιλημπτον في هذا المجال شدَّد الرسول على سلوك الطريق القويم: لا يكون في خدمتنا عيب. المؤمنون يكونون بلا لوم (فل 2: 15)، وقال لهم الرسول: »تكون بلا لوم في القداسة أمام إلهنا وأبينا، يوم مجيء ربِّنا يسوع مع جميع قدّيسيه« (1 تس 3: 13). وفي الرسائل الرعائيَّة، الأسقف يكون بلا لوم (1 تم 3: 2). وهكذا يستطيع أن يكون الخادمَ الأمين الذي يعطي خدَّام الله الطعام في حينه.

الخاتمة

قرأنا صفحة من تاريخ أفسس في بداية القرن الثاني المسيحيّ. مات بولس منذ نصف قرن من الزمن، ومثله تيموتاوس. ولكنَّ المدرسة البولسيَّة ما زالت حيَّة تستنبط إطارًا قديمًا لكي تضع فيه أفكارًا جديدة. ونحن نستطيع اليوم أن نقرأها ونطبِّقها في أبرشيّاتنا وفي رعايانا. ماذا نرى؟ الوعّاظ المتجوِّلين. هم الفلاسفة الطالبون الربح حين يبيعون تعليمهم. وغيرهم من أصحاب الشيع الذين يريدون أن يربحوا بعض الأفراد الجدد، وهكذا يفرح رؤساؤهم ويرضون عنهم. العنصر اليهوديّ لا يزال حاضرًا وهادمًا منذ أيّام بولس، ولا يزال إلى اليوم يعمل داخل الكنيسة.

أخطار عديدة تواجه الأسقف، تواجه الجماعة. الهرب هو الوسيلة الأولى، لأنَّ قتالنا ليس مع لحم ودم، بل مع رئاسات وسلاطين هذا العالم. ثمَّ الجهاد وعدم التراخي مهما كانت الظروف. فالمسيح يبقى مثالنا. شهد الشهادة الحسنة أمام بيلاطس، وهو يعلِّم »تيموتاوس« أن يكون الشاهد اليوم وكلَّ يوم حتّى ظهور الربِّ في مجيئه الثاني. هو ملك الملوك وربُّ الأرباب، له وحده الخلود... له الإكرام والعزَّة الأبديَّة. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM