الفصل السادس
جولة في الرسائل
1- نحن ضعفاء والمسيح مات من أجلنا
سنة 57، يوم كان بولس في كورنتوس مع الفريق الرسوليّ حيثُ قضوا سنة وستّة أشهر وهم يبشِّرون في تلك المدينة العامرة، في تلك السنة كتب الرسالة إلى كنيسة رومة. هو ما بشَّر بعدُ هناك. بل حين وصل في مسيرة الأمم، لاقاه المسيحيّون الذين أتوا من رومة ليدخلوا كما الجنود وراء قائدهم. فبولس رسول الأمم، لهذا ترتبط به كلُّ رسالة إلى الأمم، سواء بشَّر هذه المدينة أو لم يبشِّرها. كتب اللاهوت في هذه الرسالة: نحن خطأة ولا يحقُّ لنا أن نعود إلى الله. هذا في منطق البشر، لا في منطق الله الذي قام بالخطوة الأولى لكي يصالحنا. فماذا يكون جوابنا. لهذا نقرأ روم 5: 6-11 في إطار التبرير والخلاص.
ضعفاء. هي الخطيئة تجتذبنا إليها، فنعمل ما لا نريد، وما نريده لا نعمله. هذا ما أحسَّ به بولس. وما نحسُّ به نحن. نقع سريعًا في التجربة، لهذا نصلّي في الأبانا: لا تدخلنا في التجربة. لا تسمح. وإذا حصل، قوِّنا لئلاّ نسقط. وإذا، لا سمح الله، سقطنا نقوم سريعًا. وأفهِمْنا أن تكونَ يدُنا في يدك وأن نكون حذرين من السقوط، وأن لا ننظر إلى الوراء وكأنَّنا ندمنا على ما تخلَّينا عنه لكي نتبع المسيح.
مات المسيح، من أجلنا. ما كنّا نستحقُّ. لو أنَّنا أبرار، ربَّما. ولكن نحن خطأة. نحن عادَيْنا الله. أمّا الله فلا عدوَّ له. نحن ابتعدنا عن الله، ولكن ما من إنسان يمكن أن يحسب نفسه بعيدًا عن الله. يقول الإنجيل إنَّ الابن الأصغر مضى إلى البعيد. ولكنَّ توبة صغيرة كانت كافية ليكون بين يَدَي الآب فيستقبله ويُولـم له وليمة. ما نظر الربُّ إلى خطايانا، ولو نظر لما كان تطلَّع فينا. بل رأى فينا أولاده مهما كانت حالنا. فهو يحبُّنا كما نحن. مات في أيّام بيلاطس البنطيّ كما نقول في النؤمن. وموته لا يزال حاضرًا معنا. البشريَّة تبرَّرت. وكلُّ واحد منّا تبرَّر أي جُعل في خطِّ الوصايا وعيش الإنجيل. فلماذا نخاف إذًا؟ لا مجال للخوف بعد الآن، بل نعرف أنَّ الله سكب محبَّته في قلوبنا.
صالحنا. بموت الابن تصالحنا مع الله. كانوا يتكلَّمون في الماضي عن الغضب. هي طريقة بشريَّة في الكلام. فالله لا يغضب. بل يستعدُّ كلَّ يوم أن يغفر. وهو لا يضرب، بل يستقبل بالحنان والمحبَّة كما تستقبل الأمُّ ابنها الآتي من بعيد، وتتحرَّك أحشاؤها. نحن نحسب أنَّ الله عاقبنا لأنَّنا مرضنا! تفكير صبيانيّ يشبه التجديف. نحن ضعفاء على مستوى الجسد ولهذا نمرض. فيرافقنا الله في مرضنا. نحن ضعفاء أمام التجربة ولهذا نسقط فيقيمنا، نخاصمه فيصالحنا. حياته خلَّصتنا من الموت، وسلامه عمَّ قلوبنا. فلا حاجة بعد للتفكير في الخطايا. نجعلها تحت عود الصليب. ولا حاجة بعد للكلام عن الغضب. فالله أبٌ وأمٌّ معًا، فلماذا لا نتعامل معه كالأبناء الأحبّاء؟!
2- أنا لبولس وأنا لبطرس
كورنتوس مدينة كبيرة جدٌّا. نصف مليون نسمة وأكثر. بشرَّها بولس سنة 51-52 وكتب لها أكثر من رسالة. وهذه هي الرسالة الأولى التي وصلت إلينا. لم تكن كنائس بعد، بل اجتماعات في البيوت، ولكن في كلِّ بيت حزب. هذا من حزب بطرس الذي يقبل بالختان على مثال اليهود وكأنَّه لا يزال خائفًا من العنصر الآتي من العالم اليهوديّ في الكنيسة الفتيَّة. هذا من حزب بولس الذي ينادي بالحرِّيَّة في المسيح. وحده يسوع هو المخلِّص. هو الفادي. نؤمن به ونتبعه ولا يضاف شيءٌ على تدبيره الخلاصيّ. كيف عرف بولس ذلك؟ أخبرته أسرة »خلوة« حيثُ كان الاجتماع الأسبوعيّ من أجل سماع الكلمة وكسر الخبز، لهذا دعام الرسول كما في 1 كو 1: 10-13.
الإخوة. هكذا ينادي المؤمنون بعضهم بعضًا. هناك قرابة روحيَّة مهما كان الاختلاف داخل الجماعة. تقول الرسالة إلى العبرانيّين عن يسوع: ما استحى أن يدعونا إخوته. إذا كان يسوع ما استحى منّا مع أنَّنا خطأة، فكيف يستحي الواحدُ من الآخر.
رأي واحد، روح واحد، فكر واحد... كلٌّ واحد. أربع مرّات مع تشديد على الوحدة. هذا لا يعني أنَّنا لا نفكِّر. بل نتطلَّع إلى الأمام، إلى الهدف الواحد، والشخص منّا يتصرَّف بحسب موهبته. إذا نظرتُ إلى ذاتي، إلى فكري الشخصيّ، الأنانيّ، إلى منطقي، يكون اختلاف في الرأي وبالتالي تضعف شهادتنا ليسوع المسيح.
ما الذي يوحِّدنا؟ يسوع. باسمه اعتمدنا، وما اعتمدنا باسم بولس ولا باسم بطرس. إذًا. وراءه نسير لا وراء إنسان من الناس. وحدَه صُلب من أجلنا. وحده أحبَّنا حتّى الموت والموت على الصليب. هكذا نرفع أفكارنا ونظراتنا إلى مستوى المسيح وإلاّ نكون عائشين بحسب حكمة هذا العالم، لا بحسب حكمة المسيح.
3- نحن سفراء المسيح
وصلت إلينا رسالة ثانية من بولس إلى أهل كورنتوس. فيها الدموع لما حصل لمرسَلي الإنجيل. وفيها الفرح بعد أن عادت المياه إلى مجاريها. هاجموا بولس. ومن هاجمه؟ أولئك الذين أحبَّهم وما أراد أن يثقِّل عليهم بشيء. قالوا عنه: هو غير الرسل الذين رأوا الربَّ بالجسد. هو رسول من الدرجة الثانية ويحتاج إلى أوراق اعتماد تُعرِّف الناس به، إلى رسائل توصية تدعم ذاك الآتي إلينا. قال لهم الرسول: أنتم رسالتي. كتبتُها لا على الورق، بل في القلوب. من هنا كلامه في 2 كو 5: 16-17.
حسب الجسد. أناس كثيرون عرفوا المسيح خلال حياته على الأرض، في شفاء النازفة، كان الناسُ يزحمونه. وكلُّهم ما نالوا شيئًا. وحدها المريضة لمست طرف ثوبه فشُفيت: إيمانكِ خلَّصك. ويقول البعض للربِّ في النهاية: أكلنا معك وشربنا، علَّمتَ في أسواقنا، يقول: لا أعرفكم. ونحن هل يعرفنا يسوع حين نقول له: صلَّينا كذا صلوات، زرنا المعابد العديدة، شاركنا... شاركنا.
كلُّ هذا يدل على الإنسان القديم. هي عادات كنّا نعملها في الماضي، ونعملها اليوم أيضًا. مثلاً، كان الكورنثيّون يتكلَّمون بالألسنة قبل أن يتعمَّدوا. ولبثوا يقومون بالعمل عينه بروح الإنسان القديم، ويحسبون أنَّ الإنسان الذي لا يتكلَّم بألسنة هو مسيحيّ من الدرجة الثانية. وبعضهم يتكبَّر أنَّه مؤمن! الإنسان القديم. أمّا الإنسان الجديد فيتطلَّع إلى الأمام، إلى الصليب، إلى المصالحة مع الله بالابتعاد عن الخطيئة وعن الشرّ الذي يتحرَّك فينا ويردُّنا إلى الوراء كما كان يفعل بالقدّيس أوغسطين. الربُّ ما حاسبنا ونحن لا نحاسب أحدًا.
نحن سفراء المسيح. السفير هو الذي يسافر بعيدًا عن بلده ويمثِّل بلده حيثُ يكون. ونحن نمثِّل يسوع المسيح. نفكِّر تفكيره، ونقول الكلمة التي يجعلها الروح القدس في أفواهنا. يقول: الله يعظ بألسنتنا، الله يحتاج إلى لساني حتّى أحمل كلمته هو، لا كلمتي الخاصَّة. فإن قال كلُّ واحد كلمته صرنا في برج بابل، لا في كنيسة واحدة تحمل الرسالة ويقدِّسها الروح.
4- نحن أبناء الله
غلاطية منطقة في تركيّا. عاصمتها كانت أنقرة الحاليَّة. مرَّ بولس في تلك المناطق الجبليَّة فمرض. استقبله هؤلاء القرويّون واعتبروه ملاكًا من السماء أُرسل إليهم لكي يدلَّهم على الطريق. لا حاجة إلى الشريعة اليهوديَّة وممارساتها. فإن عدنا إلى تلك الشريعة عُدنا إلى العبوديَّة. نحن أحرار في المسيح. نحن أبناء الله فلماذا نكون أغبياء فنترك هذه الحرِّيَّة ونصير عبيدًا للماضي في عادات وتقاليد، في رذائل وخطايا. تلك فكرة الرسول في غل 4: 1-7.
العبد، القاصر، لمّا كنّا في الخطيئة، لمّا كنّا ما حصلنا بعدُ على الخلاص، كنّا عبيدًا، اشترانا المسيح بدمه. افتدانا من سلطان الخطيئة ورفعنا إلى ملكوت ابنه الحبيب. من يرضى أن يكون عبدًا؟ من يرضى أن يكون قاصرًا؟ يعني أنه ما بلغ بعدُ سنَّ الرشد. يجب أن نقول له كيف يغسل يديه، كيف يفعل هذا الأمر أو ذاك؟ تلك هي فرائض يهوديَّة كانت تستعبد الإنسان وما زالت تستعبد المؤمنين اليوم.
أبّا، أيُّها الآب. هكذا علَّمنا الروح أن نقول كما يقول الطفل لأبيه، ويتغنَّج عليه ويتدلَّل. وهذا لا يجسر أن يفعله العبد. فإذا كنّا نخاف من الله ومن غضبه، لا نجسر أن نقترب منه وبالتالي نكون عبيدًا. لا شكَّ في أنَّنا خطأة، في أنَّنا ضعفاء، في أنَّنا مهملون. فلو كنّا وحدنا لما تجرَّأنا. ولكنَّ الروحَ هو الذي يصلّي فينا. فما لنا سوى أن نفتح قلبنا ونتركه يصلّي. ما هذه النعمة العظيمة!
أرسل الله ابنه. هذا ما حصل تجاه حكم الشريعة بوصاياها (613 وصيَّة) التي لا يقدر أحد أن يعرفها ويحفظها. وإن سقط في فريضة كان وكأنَّه سقط فيها كلِّها. مسكين الإنسان! ولكنَّ الابنَ جاء إلى عالمنا، مولودًا من امرأة، هي مريم العذراء. افتدانا بعد أن كنّا عبيدًا، كبَّرنا بعد أن كنّا قاصرين. إلاَّ إذا فضَّلنا العبوديَّة على حياة الأبناء. أنا ابن، أنا وارثٌ مع يسوع المسيح الابن الوحيد. كيف أتصرَّف؟
5- المسيح هو سلامنا
أفسس مدينة قديمة. عُرفت في المسيحيَّة بأنَّ فيها عاشت مريم العذراء، وفيها رقدت أمُّ الله كما يقول تقليد قديم. ويقول هذا التقليد إنَّ يوحنّا كان في هذه المدينة حيثُ كُتب الإنجيل الرابع، إنجيل يوحنّا. إلى مدينة أفسس وصلت هذه الرسالة بعد أن سمع كاتبها بإيمان الأفسسيّين وبمحبَّتهم (1: 15). أمّا الكلام الأساسيّ فهو الدعوة إلى الوحدة بحيث لا يبقى يونانيّ ويهوديّ. كلُّهم صاروا واحدًا في جسد المسيح الذي هو الكنيسة. جاءت أف 2: 12-29 تذكرنا بهذه الحقيقة.
اذكروا أنتم. تحدَّثت الرسالة إلى مؤمنين جاؤوا من العالم الوثنيّ، فما عرفوا الإله الواحد بل الآلهة المتعدِّدة. وكان عندهم أرطاميس، إلاهة الطبيعة والصيد، ومعبودة آسية الصغرى. ومن أجلها قاموا بثورة على بولس وهم ينادون: عظيمة أرطاميس الأفسسيّين. كنتم بعيدين عن البشارة بالإنجيل. واليوم تبدَّل الوضع، صرتم قريبين. كنتم غرباء، واليوم صرتُم من أهل البيت. بما أنَّكم لم تعرفوا الإله الواحد، لم يكن أمامكم رجاء. بل كان القدر (هذه القدرة التي هي فوق الجميع) يسيطر عليكم. ولكن اليوم تبدَّل كلُّ شيء.
هدم الحاجز. بما أنَّ اليهود عرفوا الشريعة وعبادة الله الواحد، بنوا جدارًا عاليًا بينهم وبين اليونانيّين. جعلوا حاجزًا وكأنَّهم وحدهم خليقة الله وأبناؤه. لا مكان بعدُ لهذا الحاجز. فنحن نمضي إلى المسيح بالإيمان به والاستسلام. ولا حاجة إلى الشريعة اليهوديَّة. وإذا كان حاجز، جدار مثل جدار برلين أو الجدار الذي يُبنى اليوم في فلسطين، فلا بدَّ أن تكون العداوة التي هي بُعد وانفصال، التي هي نقيض الأخوَّة. أمَّا المحبَّة فهي السير معًا، أبعد منّا، باتِّجاه المسيح. اقتلع يسوع حاجزًا، ووضع جسرًا هو جسده، فاستطاع الواحد أن يتَّصل بالآخر.
إنسانًا واحدًا جديدًا. اليهوديّ إنسان جديد في المسيح. واليونانيّ إنسان جديد في المسيح. لا يستطيع أحد أن يتكبَّر على الآخر. لا بعيدين بعدُ ولا قريبين. كلُّنا في حضن الآب كما الطفل في حضن والديه. والسلامُ هو للمؤمنين وللامؤمنين. السلام عندنا والحرب عند الآخرين! يا للضلال الكبير والكِذبة التي لا تطاق. كلُّنا مع القدّيسين أي الذين آمنوا واعتمدوا. كلُّنا رعيَّة واحدة لا رعايا. فكيف يجب علينا اليوم أن نتصرَّف؟ مع اللون الأسود، مع الخادمة الآتية من البعيد، مع الذي ليس من ديني ولا من طائفتي؟
6- فافرحوا أنتم وابتهجوا
فيلبّي مدينة في مكدونية (اليونان). أقام فيها قدامى الجيش الرومانيّ. جاء إليها بولس مع سيلا ومع تيموتاوس من آسية الصغرى، بعد أن عبروا البحر الذي يرمز إلى قوى الشرِّ التي تحاول أن تمنع انتشار الرسالة. يوم السبت راح بولس إلى اليهود. لا مجمع لهم. ولكنَّهم يُصلُّون بجانب النهر. هناك بشَّرهم بالمسيح. فآمنت تاجرة كبيرة اسمها ليدية، واعتمدت هي وأهل بيتها. وفي بيتها كانت تجتمع الكنيسة. أرسل بولس هذه الرسالة من أفسس حيثُ كان مسجونًا، ومهدَّدًا بالموت، ومع ذلك دعاهم إلى الفرح، الذي يسيطر في هذه الرسالة حيث نقرأ 2: 14-18.
اعملوا. حياة مسيحيَّة بدون عمل لا قيمة لها. محبَّتنا لا تكون بالقول والكلام بل بالعمل والحقّ. والفرّيسيّ سأل يسوع معلومات، فقال له: اذهب واعمل. أمّا العمل فيكون في الفرح، لأنَّ الربَّ يحبُّ المعطي الفرحان. وعكس هذا الفرح: التذمُّر أوَّلاً، التشكّي، لا شيء يرضينا. نحن عملنا هذا وهذا. يكفي. ليفعل غيرنا. ولكن إذا أعطاك الله خمس وزنات، هل يحقُّ لك أن تردَّ له وزنة أو وزنتين؟ ومع التذمُّر الخصام. وعدم الاتِّفاق، فلا نعمل بعضنا مع بعض، بل الواحد ضدَّ الآخر. والنتيجة دمار الكنيسة.
أنقياء بلا لوم. طوبى لأنقياء القلوب، قال لنا يسوع. لا غشَّ عندهم ولا كذب. هم مثل القطيع الصغير الذي أراد الآب أن يعطيه الملكوت. لا لوم عليكم. ومن الذي يجرؤ أن يلومنا؟ كلُّ واحد حين لا نحمل إليه الإنجيل. طلب الأبناء الخبز وما أعطاهم أحد! قال الرسول: تكون خدمتنا بلا لوم، بلا عيب، لأنَّنا نمثِّل يسوع المسيح. فإذا كنّا في عالم ضالّ، هل نضلُّ نحن أيضًا فنشبه الأعمى الذي يقود أعمى؟ وإذا كان العالم فاسدًا، هل نزيده فسادًا على فساد؟ بل نضيء شمعة في قلب الظلمة، بحياتنا وأعمالنا، فيرى الناس نورَ المسيح من خلالنا. بل أراد لنا يسوع أكثر من ذلك: أن نضيء مثل الكواكب. ولكن يقول لنا الربّ: احذر أن يكونَ النور الذي فيك ظلامًا، فتقود الناس إلى الشرِّ لا إلى الخير!
فرحتُ وابتهجتُ. ما هذا الرسول المستعدُّ لأن يُسفَك دمه؟ ما هذا الرسول المستعدُّ أن يكون ذبيحة على مثال الربِّ يسوع؟ هو تعبَ ويريد أن يرى ثمر تعبه في هذه الكنيسة. حين كان هناك، هنَّأهم على الثمار. أتُرى يتبدَّلون في غيابه؟ يرجو أن يلبثوا في الطاعة للرسول وبالتالي لمن أرسله يسوع المسيح. ذاك هو فرحه. أمّا المنفعة الشخصيَّة، الافتخار الفارغ والتبجَّح، فلا موضع لها عند الرسول. وهو يريد لهذا الفرح أن ينتقل من قلبه ليصل إلى قلوب المؤمنين. افرحوا معي. ونحن نفرح ونجعل الفرح الذي في قلبنا يشعل قلب إخوتنا وأخواتنا. فهل نحن مستعدُّون أن نكون تلك النار التي جاء المسيح يشعلها؟
7- تسلكون كما يحقُّ للربِّ ويرضيه
كولوسّي مدينة صغيرة، في تركيّا الحاليَّة وقريبة من أفسس. جاء معلِّمون يقولون: بما أنَّ المسيح أخذ جسدًا، صار أقلَّ من الملائكة الذين هم أرواح بلا جسد. وبالتالي يقتصر عمله على الأرض فقط. فقال الرسول: يسوع هو صورة الله الذي لا يُرى. به خُلق كلُّ شيء، ما يُرى وما لا يُرى. فلماذا العودة إلى التفكير الوثنيّ الذي يحسب الجسد شرٌّا، مع أنَّ الله خلقه وخلقه حسنًا، والذي يمنع الناس عن بعض الأطعمة مع أنَّها كلَّها مخلوقة من أجلِ الإنسان، وهي حسنة لأنَّها خرجت من يد الله. لهذا كانت قراءة كو 1: 9-14.
الله يملأكم. لا مجال لطلب الأمور المادِّيَّة، فالله ذاك الأب الحنون، يعطينا إيّاها قبل أن نسأله، بل الأمور الروحيَّة. أوَّلاً: معرفة مشيئته. ماذا يشاء الله، ماذا يريد لنا؟ أن نكبر، أن ننمو، بل هو يعمل معنا وفينا. فإذا عرفنا مشيئته، وضعْنا يدنا بيده. والمعرفة لا تكون بالعقل فقط، بل بالقلب. فنحن نلتصق بمشيئته ولا نتخلّى عنها أبدًا. ثانيًا: الحكمة. أي حسن التصرُّف. هناك الحكمة البشريَّة الباحثة عن منفعتها. وحكمة الصليب التي هي محبَّة وبذل وعطاء. ثالثًا: الفهم الروحيّ. هناك فهم بشريّ يبقى على مستوى البشر وقد نستعمله استعمالاً سيِّئًا، لا سمح الله. أمّا إذا الروح أعطانا الفهمَ، فمعرفتنا تمضي إلى عمق الأشياء ولا تبقى على سطحها.
حتّى تسلكوا. الله يعطينا المواهب لكي ننمِّيها. لكي نعيش كما هو يريد. نسلك بحسب الربّ. نمشي وراء يسوع ولو طُلب منَّا أن نحمل صليبنا ونتبعه. يقول يسوع: تعلَّموا منّي. فإذا تعلَّمنا من يسوع كما يقول في الإنجيل ويعيش، لا خوف أن نضيع. قال يسوع: من يتبعني لا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة. حتّى تثمروا. فالشجرة التي لا تثمر تُقطَع وتُلقى في النار. نكون مع المسيح كما الغصن في الكرمة فنثمر. حتّى تنموا. إذا كان يسوع ينمو، فكم يجب علينا نحن أن ننمو! لا في الخارج فقط، وهذا أمر نشكر الله عليه، بل في الداخل، في معرفة الله. هنا نلتقي بالقدّيس شربل وهذه الصلاة العميقة التي جعلته حيٌّا إلى الآن مع أنَّه توفِّي في الجسد منذ قرن ونيِّف.
هو نجّانا. ذاك هو عمل المسيح. كنّا في الظلام (الخطيئة، الموت)، فصرنا في النور. كنّا في ملكوت الشرِّ مع »أركون هذا العالم« بأعمالنا السيِّئة، فانتقلنا إلى الملكوت حيثُ الله هو الكلُّ في الكلِّ. وأخيرًا، كنّا مباعين للشرِّ ويمكن أن نبقى اليوم، مباعين لعوائدنا السيِّئة، فافتدانا يسوع. اشترانا. غفر لنا الخطايا وقال لنا كما قال للزانية: اذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة.
8- ذاع خبرُ إيمانكم
بشَّر بولس تسالونيكي، عاصمة مكدونية، بعد فيلبّي. ولكنَّه أُجبر على ترك المدينة سريعًا بسبب اضطهاد اليهود له. فخاف أن يكون »المجرِّب« اقتلع حبَّة القمح التي زُرعت في تلك الأرض الوثنيَّة. لهذا ما إن وصل إلى كورنتوس حتّى كتب هذه الرسالة إلى كنيسة تسالونيكي، وذلك سنة 51-52. هم بضعة مسيحيّين ومع ذلك، هم يُؤلِّفون كنيسة. فيها النجاح والفرح كما فيها الصعوبات. فلا بدَّ من تشجيع المؤمنين وإيضاح الأمور المتعلِّقة بإيمانهم. فجاءت 1 تس 1: 4-9.
نعرف. هي معرفة آتية عن خبرة مع الربّ. فالاختبار يظهر في الطريقة التي فيها نتقبَّل كلام الربّ. الله يدعو الجميع ولا يستبعد أحدًا من دعوته وندائه. ولكن يمكن أن يكون النداء مثل غيمة في شهر شباط فلا ترسل مطرًا. ونحن قد يدعونا الربُّ ونحن لا نجيب. لا نسمع، لا نفتح الباب. فنكون في الخارج مثل يهوذا الذي ترك الاثني عشر أو مثل الابن الأكبر الذي توسَّل إليه أبوه فرفض أن يدخل. كان خارج الوليمة والفرح والنور لأنَّه رفض الدعوة، فرُذل كما رُذل عيسو بعد أن باع بكريَّته بصحن من الطبيخ.
تعرفون. كما اختبر الرسول اختبر المؤمنون. البشارة وصلت إليهم. الخبر الطيِّب. الخبر المفرح. هكذا فعل الملائكة: أبشِّركم بفرح عظيم. وامتلأ قلب الرعاة بهذا الفرح فمضوا يخبرون بما سمعوا وشاهدوا. وهكذا نحن وأهل تسالونيكي. وهذه البشارة ليست فقط كلامًا، مثل أخبار هؤلاء الفلاسفة الجوّالين. يتكلَّمون، يخطبون، يجمعون بعض المال ويتركون المدينة إلى مدينة أخرى. كلام يدخل في الأذن ويخرج من الأذن. ولكن كلمة الرسول هي حيَّة. تنطلق من القلب لتصل إلى القلب. وهي فاعلة. لأنَّ القوَّة من الله لا منّا. فما هي كلام بشر وإن كان البشر هم الذين يحملونها. بل يطلقها الروح القدس بأفواهنا بحيث لا يكون تردُّد: هل هي صحيحة أم لا؟ هل هي كلام فارغ يجعلنا أمام الحائط المسدود؟ عرفتم أنَّها اليقين التامّ فتعلَّقتم بها وما تركتموها بالرغم من الاضطهاد الذي نالكم.
خبر إيمانكم. إيمانكم بدا كالنور الذي يوصل إلى البعيد. أو كالنار التي تشعل حولها وتشعل، ولا سيَّما إذا غذَّيناها بمحبَّتنا وبإيماننا. فالخطب الطنّانة الرنّانة لا تمضي بنا بعيدًا، وفي النهاية نمجُّها. أهل تسالونيكي تركوا عالمًا والتحقوا بعالم آخر. تركوا الأوثان، الأصنام التي كانوا يعبدونها، يقبِّلونها ويطلبون منها الصحَّة والخيرات وغلال الأرض. تركوا »الآلهة« وتعلَّقوا بالإله الواحد. تركوا الأصنام الميتة وعبدوا الإله الحيّ. مسكين الإنسان الذي يتعلَّق بالحجر وبالخشب، أو باللحم والدم. وحده الحيُّ يكون قرب الأحياء. وعبدوا الإله الحقّ. مرّات كثيرة يكذبون علينا بالكلام وبأمور أخرى عديدة فنمضي وراءهم مثل عبّاد البعل في زمن إيليّا، الذين نسوا أنَّ الربَّ وحده هو الإله.
9- عند ظهور ربِّنا
الرسالة الثانية إلى تسالونيكي تبدو معارضة للرسالة الأولى. في الأوَّلى، انتظر المؤمنون مجيء الربِّ الذي اعتبروه قريبًا. فتساءلوا: ما هو مصير الذين ماتوا قبل عودة الربِّ ومجيئه الثاني. وفي الثانية، اعتبروا أنَّ المسيح جاء وما انتبهوا إلى مجيئه. لهذا لا يبقى لنا شيء ننتظره. فلماذا العمل ولماذا لا نعيش في الكسل؟ ولماذا عمل الخير بعدُ، إذا كان يسوع لن يأتي ويجازي أحبّاءه؟ هي تجربة كبيرة نقع فيها. لماذا عملُ الخير؟ ماذا انتفعنا منه؟ هل الله يرانا ويجازي؟ والأغنياء الذين يظلموننا هم بألف خير! لهذا نقرأ 2 تس 1: 3-7.
نحمد الله. نشكره. ولماذا؟ بسبب هذه الجماعة الرائعة. هي نظرة تشجِّع ولا تهبط العزائم. هي نظرة الفرح لا البكاء والتباكي على الماضي بحيث نزرع اليأس في النفوس. لا مقابلة بين الماضي والحاضر: في الماضي، أمّا اليوم! مثل هذا الرجوع إلى الوراء يعني الموت. ماذا اكتشف الرسول؟ إيمان الجماعة. وكيف رآه؟ الكنيسة تنتشر وتنتشر، وعدد المؤمنين يتكاثر. ذاك ما كان يتحدَّث عنه القدّيس لوقا في سفر الأعمال. أمّا إذا كانت الجماعة لا تتطوَّر والأشخاص هم هم، فهذا يعني أنَّ الإيمان يموت أو هو مثل سراج يكاد ينطفئ. والمحبَّة التي جعلت اللامؤمنين يقولون: أنظروا كم يحبُّ بعضهم بعضًا. يا ليتنا نعيش مثلهم، ونكون معهم! وأخيرًا، الصبر أمام الشدائد. فالذين لا يعرفون أن يصبروا، هم أولئك الذين يريدون أن يمشوا وحدهم. بحيث لا يمسكون بيد الربّ. ثمَّ يرون أنَّهم سقطوا لأنَّهم استندوا إلى قصبة مرضوضة.
حكم الله العادل. في الكتاب المقدَّس يشتكي المؤمن إلى الله حين يرى الأشرار في نجاح وفي بحبوحة. حين يراهم يظلمون الآخرين ويأكلون مال اليتيم والأرملة، وهو لا يفعل شيئًا. أين هو؟ أغائب أو نائم أو هو غير راغب في التدخُّل؟ وانتبهَ المؤمنُ إلى خطئه فقال: كدتُ أغدر بجيل محبِّيك وأكون خائنًا لهم: أمّا هنا، فالكلام على الربِّ العادل. الذي يجازي كلَّ واحد بحسب أعماله على ما قال الرسول في الرسالة إلى رومة: بالحياة الأبديَّة لمن يواظبون على العمل الصالح، وبالويل والعذاب لمن يعمل الشرّ. نحن لا نرى هذا بعيوننا البشريَّة. ولكنَّنا متأكِّدون أنَّ الله يعرف أن يجازي.
يجازي بالراحة. أنتم الآن تتعبون، تحسُّون بثقل الأعمال. ولكن حين تمضون إلى يسوع فهو يريحكم. مع يسوع لن يعود الضيق ضيقًا، والصليب لا يبقى أداة عارٍ بل إشارة افتخار. ومتى يكون هذا؟ عند ظهور ربِّنا. في الدينونة التي تبدأ منذ الآن وتتواصل عند دخولنا في الأبديَّة. والنصُّ يشير إلى الدينونة حيث يجلس الربُّ مع ملائكته ويجمع الخراف مع الذئاب، الأبرار مع الأشرار. لهؤلاء يقول: ابعدوا عنّي. ولأولئك: تعالوا يا مباركي أبي.
10- الدعاء والصلاة
تيموتاوس ومعنى اسمه الخائف الله. فتلميذ بولس هذا كان أبوه وثنيٌّا وأمُّه يهوديَّة ومثلها جدَّته. أيكون الوالد قد مات؟ لا نعرف. ولكنَّ بولس حمل البشارة إلى الشابِّ وإلى جدَّته وأمِّه فدخلا إلى الإيمان. وإذ أشارت الجماعة إلى بولس، أخذ معه تيموتاوس، رفيقًا في الرسالة. ودعاه الابنَ الحقيقيّ في الإيمان. كُتبت إليه هذه الرسالة على أنَّه أسقف أفسس، فوجب عليه أن ينظِّم الكنيسة. وها نحن نقرأ معه 1تم 2: 1-7.
من أجل جميع الناس. هكذا تكون الصلاة شاملة ولا تستثني أحدًا، بمن فيهم الأعداء كما قال لنا الربّ. أصلي من أجل القريبين منّي، والذين أحسبهم بعيدين فلا أهتمُّ بهم. أمّا الصلاة الحقيقيّة فطريقة فيها أجعل الناس في قلبي وأكون متَّصلاً بهم كما في عيلة كبيرة. فيسوع ليلة آلامه، صلّى من أجل الذين معه. وصلّى أيضًا من أجل الذين سوف يؤمنون على يدهم.
أربع كلمات. الصلاة. بها يتمُّ الاتِّصال بالله. الدعاء. ندعوه كما الولد يدعو أمَّه أو أباه وهو يجيبنا لأنَّه يسمع بشكل خاصّ صراخ المساكين. الابتهال. هو تضرُّع واقتراب من الله طلبًا للإمساك بيده. والحمد. الذي هو الشكر وإنشاد أمجاد الله وأعماله.
من أجل الملوك. عادة نكون قاسين تجاه أصحاب السلطة، ونعتبرهم المسؤولين عن كلِّ ما يصيبنا. هم يحتاجون اللعنة من الله، لا صلاتنا، ذاك ما يقول الناس أمّا نظرة الرسالة فغير ذلك. هذا مع العلم أنَّ المسيحيّين يعيشون في الاضطهاد من لدن سلطة ترفض لهم الحياة والعيش بكرامة. والسبب: البحث عن حياة مطمئنَّة، هادئة. ففي أوقات الاضطراب، الأقلِّيَّة يصيبها الضياع والتشتُّت وتصبح ضحيَّة المجتمع. أمّا السلام فيساعد على التقوى فتُحفَظ كرامةُ المؤمن. وإلاّ تداس كلُّ كرامة ولا سيَّما كرامة الضعيف الذي ليس له من يدافع عنه.
الله مخلِّصنا. منه وحده ننتظر الخلاص. ولا يخلِّصنا وحدنا نحن المسيحيّين، نحن المؤمنين، ويترك الباقين يهلكون. هذا الفكر خاطئ، خاطئ. فالله يريد خلاص جميع الناس، أكانوا مؤمنين أو لامؤمنين. والمسيح مات من أجل البشريَّة جمعاء. بما أنَّه الإله والإنسان، فهو الوسيط بين الله والإنسان. كما انحدر الله إلى الإنسان فصار شبيهًا به في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة، كذلك يرتفع الإنسان، كلَّ إنسان إلى الله. فهو الفادي الذي ضحّى بنفسه وهو لا يريد أن يهلك أحدٌ من هؤلاء الصغار. ونحن من أجل جميع الناس نصلّي، لأنّ ويسوع مات من أجل جميع الناس. ونسأل: ما هو مدى انفتاح قلبنا؟ هل نحصره في الزوج والزوجة والأولاد والأعمام والأخوال، أم نذهب أبعد من ذلك؟
11- الجندي الصالح
في رسالة أولى إلى تيموتاوس، تعرَّفنا إلى تنظيم الكنيسة في أفسس وفي سائر المدن، حيثُ يتصرَّف الأسقف (وكلُّ مسؤول) مثل الأب والأخ والابن للشيوخ والأمَّهات العجائز. في الرسالة الثانية إلى تيموتاوس، بدا بولس قريبًا من الموت. يبدو أنَّه في السجن، في رومة، وهو يرسل وصيَّته الأخيرة إلى ابنه الحبيب تيموتاوس، ويشجِّعه على المضيّ في حمل البشارة كشاهد للربِّ وكرسوله. وها نحن نقرأ معه 2 تم 2: 1-7.
يا ابني، كن قويٌّا. تلك هي علاقة الأب بأبنائه، وعلاقة الرسول بالذين تتلمذوا على يده وشاركوه في عمل البشارة. كن قويٌّا. يبدو أنَّ تيموتاوس كان بعدُ شابٌّا وما مارس بعد السلطة. فهو يحتاج إلى النعمة. وفي نهاية المقطع يقول المعلِّم للتلميذ: »الله يجعلك قادرًا«. أولاً تفهم الأمور في مناخ الكنيسة التي هي جسد المسيح بأعضائه المتنوِّعين والحاملين المواهب المختلفة الآتية من الروح الواحد. والقوَّة الضروريَّة هي من أجل العمل. وهي ضروريَّة للمحافظة على وديعة الإيمان، بالنسبة إلى الراعي كما بالنسبة إلى الرعيَّة التي أوكله بها. فيكون مِثل الراعي الصالح، لا مثل الأجير الذي لا يهمُّه أمر الخراف.
احتمال الآلام. الرسول يتألَّم وهو في السجن. وتيموتاوس المسؤول يتألَّم من أجل رعيَّته. الصعوبات أمامه. الشقاقات داخل الجماعة، الخصوم العديدون. وخصوصًا أنَّ بولس هو بعيد عنه وهو سيخسره بشكل نهائيّ. هذا يعني الجهاد بلا كلل لكي يستحقَّ »العاملُ« الإكليل المهيَّأ له. هذا يعني أنَّه يزرع لكي يحصد.
هو جنديّ. يضع حياته على كفِّه ولا يخاف الحرب. وسلاحه غير سلاح البشر. هو سلاح إلهي »قادر على هدم الحصون«. تلك هي قوَّة كلام الله. الجدال يسقط حالاً وتنكشف معرفة الله. وكلُّ فكر يفرح بأن يُؤسَر لكي يعيش في طاعة المسيح. وكلُّ سلاح غير هذا السلاح لا يكون لخير الكنيسة. سلاحه اللطف، طول الأناة، القبول بالآخر مهما كان الآخر. هو مصارع. هكذا صارع إبليس يسوع ولا سيَّما في التجارب. وإبليس هذا يلبس لباس النور، فماذا يكون تلاميذه؟! فيقف الأسقف مثل جنديّ عند الثغرة لكي يدافع عن الكنيسة. وهو أخيرًا الفلاّح الذي ينتظر الغلَّة. زرعَ مثل بولس. وسقى مثل أبلُّوس، والله أنمى. وبما أنَّ الحقول ابيضَّت للحصاد، فلا يبقى له سوى أن يأخذ حصَّته من الغلَّة، فرَحًا يملأ قلبه، وجماعةً حيَّة.
12- نعمة الله
تيطس هو تلميذ بولس، شأنه شأن تيموتاوس. كان وثنيٌّا فعمَّده بولس وأخذه معه إلى »مجمع أورشليم.« وحين كانت الصعوبات بين الرسول وكنيسة كورنتوس، مضى تيطس فقبلته الكنيسة وعاد إلى معلِّمه حاملاً الأخبار الطيِّبة. يقول التقليد إنَّه كان أسقفًا على كريت، وهي جزيرة يونانيَّة تقابل أثينة. رسالة متأخِّرة فيها يتمنّى الرسول أن يكون تيطس بقربه. ولكن بانتظار ذلك، يكمِّل تدبير الأمور ويقيم شيوخًا أو كهنة يواصلون العمل الرعائيّ. ذاك ما قيل لهذا الأسقف في تي 2: 11-14.
النعمة. هي عطيَّة الله. وموهبة من لدنه. هي »كاريس« أساس كلّ »كرسما« أو موهبة في الكنيسة. ليست شيئًا خارجيٌّا يأتي إلينا ويتركنا. هي إقامة الله فينا بكلِّ غناه وبركته. بل هي ينبوع يتفجَّر من قلب الهيكل فيصل إلى البحر الميت ليعيد إليه الحياة وإلى البحر المتوسِّط فيصلح مياهه. هي ينبوع في قلب المؤمن بحيث إن من يشرب منه لا يعطش إلى الأبد. كما يتفجَّر في كلِّ إنسان، لأنَّ هذه النعمة حاملة المواهب تُعطى للبشر جميعًا، فهم كلُّهم على صورة الله ومثاله.
ما عمل هذه النعمة؟ تُعلِّمُ. نستطيع أن نقابلها مع الروح القدس الذي يعلِّمنا بعد صعود يسوع إلى السماء. في الوجه السلبيّ، هناك الامتناع عن اثنين: الكفر أي التخلّي عن الإيمان، الابتعاد عن الشرّ، وهذا ما يقابل الاعتراف بالله والإقرار بفضله في حياتنا. ونمتنع أيضًا عن شهوات هذه الدنيا. فهي تنسينا غنى الملكوت. نلتصق بالأرض ولا نعرف كيف نرفع عيوننا إلى السماء. شهوة السلطة والكبرياء وسحق الآخرين. شهوة المال الذي يدفعنا لكي نستغني عن الآخرين ونعتبر أنَّ السعادة تقوم في الطعام والشراب واللباس. شهوة الجسد وما فيه من ميل إلى الزنى والفجور.
ننتظر. في هذا الروح نحن ننتظر بدالَّة الأبناء الأحبّاء، لا بخوف العبيد. ننتظر ورؤوسنا مرفوعة، كما قال الربّ، لأنَّ خلاصنا قريب. ننتظر ذلك اليوم. اليوم هو يوم النصر والظفر والإكليل. هو يوم مجيء الملك إلى مدينته. واليوم بالنسبة إلى المؤمن هو يوم ظهور الله. أو بالأحرى مجده، أي عمله في الخلق وعمله في الخلاص. ما تمنِّينا أن نكون، يُتمُّه الربُّ يسوع بصليبه. ما بدأ العمل فيه، يجد كماله بقدرة الربِّ الذي يحوِّلنا لكي نكون معًا شعبه الخاصّ. نصبح له كما هو أراد أن يكون لنا.