الفصل الثالث الأسفار القانونية

الفصل الثالث

الأسفار القانونية

أ- مقدمة
القانون هو كلمة يونانية مشتقّة من اللغات السامية وتعني قصبة القياس. أما معناها في اليونانية فهو القاعدة والمقياس.
أول من إستعمل كلمة "قانون" هو أوريجانس، فدلّ على الكتب التي هي قاعدة الإيمان والتي تشكّل مجموعة تحدّدها السلطة. لا يصير الكتاب قانونيأ عندما تُدخله الكنيسة في المجموعة الكتابية. فالكتاب يكون قانونياً بفضل الإلهام الإلهي الذي يعطيه صفة "القاعدة المعصومة من الخطأ".
ولكي نقدر أن نسمي أحد الكتب "قانونياً"، يجب أن تعترف الكنيسة رسمياً بطابعه الملهم. هذا لا يعني أن التعليم الكنسي يزيد شيئاً على قيمة الكتاب الذي تعلن الكنيسة قانونيته، بل يضفي على هذا الكتاب سلطة من جهة الإيمان ويكون علامة الإلهام.
ميّز سكستوس السياناوي سنة 1566 الأسفار القانونية الأولى والأسفار القانونية الثانية. هذه كانت موضع جدال في الكنيسة، وتلك لم تكن يوماً موضع جدال. الأسفار القانونية الثانية هي في العهد القديم: طوبيا، يهوديت، باروك، إبن سيراخ، الحكمة، السفر الأول للمكابيين والسفر الثاني للمكابيين. أما الأسفار القانونية الثانية في العهد الجديد فهي الرسالة إلى العبرانيين، رسالة يعقوب، رسالة بطرس الثانية، رسالتا مار يوحنا الثانية والثالثة، رسالة يهوذا، سفر الرؤيا.

ب- قانون العهد القديم
إمتلك اليهود في القرن الأول ب. م. مجموعة من الكتب المقدسة إعتبروها ملهمة من الروح القدس ووجدوا فيها التعبير عن إرادة الله. وجدوا فيها قاعدة تحدّد ما يجب الإيمان به وما يجب ممارسته. هذا ما يؤكّده المؤرخ بوسيفوس وسفر عزرا الرابع وكتاب التلمود.
متى حدّدت الكتب التي تشكّل لائحة الأسفار المقدسة؟
فبل نهاية القرن الخامس ق. م. كان العبرانيون يقرأون شريعة موسى في مجامع فلسطين والشتات، وكانوا يفسّرونها، فحلت في المقام الأول في قلب اليهود الأتقياء ولا سيما الكتبة. وحين فُصل السامريون عن الجماعة اليهودية وأبعدوا عن المشاركة في عبادة الهيكل سنة 408، إحتفظوا بهذه الأسفار الخمسة دون سواها.
أما أسفار الأنبياء (أكانوا سابقين أم لاحقين) فقد قُبلت منذ منتصف القرن الثالث ق. م. وأعطيت سلطة شبيهة بسلطة أسفار موسى الخمسة. إعتبر اليهود أن الأنبياء كتبوها، وأنها كانت مشبعة بالروح التيوقراطية فدخلت بين الأسفار المقدسة. ولقد قال 2 مك 13:2 عن نحميا إنه أنشأ مكتبة جمع فيها أخبار الملوك والأنبياء.
وتبقى سائر الكتب. أفرد للمزامير مكانة فريدة. أما المجلّدات الخمسة، فقد كانت تُقرأ خلاله الإحتفالات: قرأوا نشيد الأناشيد في عيد الفصح، وقصة راعوت في عيد العنصرة، والمراثي في تذكار خراب أورشليم (587)، والجامعة في عيد المظال، وأستير في عيد الفوريم (أو البوريم). ولكن متى أخذوا بهذه العادة؟ لا نعرف. وسيُدخل الكتبة سائر الأسفار تدريجياً حتى القرن الثاني ق. م.
وقامت خلافات بين فلسطين والشتات حسمها مجمع يمنية الذي انعقد حوالي السنة 90 ب. م. بقيادة يوحنا بن زكاي. فأخذ بقانون العهد القديم الفلسطيني نهائياً ورفض الترجمة السبعينية للعهد القديم ليتميّز عن الكنيسة الأولى.
أما الكنيسة الأولى، فتسلّمت العهد القديم في ترجمته اليونانية. أخذت قانون الإسكندرية الذي هو أطول من القانون الفلسطيني، وانطلقت منه وأوردت نصوصه في تعليمها وكتاباتها فارتبط مصيرها بمصيره.
أقرّت الكنيسة الكاثوليكية نهائياً القانون الإسكندراني الذي يضّم الأسفار القانونية الأولى (كتبت في العبرية) والأسفار القانونية الثانية (التي وصلتنا في اليونانية) والذي يشكل 46 سفراً ملهماً. وكان ذلك خاصة في المجمع التريدنتيني سنة 1546. أما الأرثوذكس فتبنّوا القانون الإسكندراني في مجمع القسطنطينية سنة 692. وعاد البروتستانت إلى القانون الفلسطيني فأعتبروا الأسفار القانونية الثانية كتباً منحولة متتّبعين في ذلك خطى اليهود.

ج- قانون العهد الجديد
في بدايات الكنيسة كانت قاعدة الإيمان محصورة في التعليم الذي يعطيه أولئك الذين تسلّموا مهمّة نشر الإنجيل من المسيح. ولكن حين تضاعفت الجماعات وتكاثر المرسلون، وابتعد أو مات الذين كانوا شهوداً عاينوا الكلمة وخدموها، وخفت حدة إنتظار المجيء وتنظمت شعائر العبادة الجديدة، برزت الحاجة إلى إنجيل مكتوب ودوّنت كتب عديدة.
خلال القرن الثاني، أخذت تروج مؤلفات عديدة، كانت في ظاهرها شبيهة بأسفار العهد الجديد بينما كان محتواها بعيداً عنها. لهذا بدأت الكنيسة، رعاة وشعباً، تميّز الغث من السمين، وما هو ملهم ممّا هو من تأليف البدع المتكاثرة.
إنطلق المؤمنون من محتوى هذه الأسفار التعليمي واستعمال الكنائس لها. فإذا ارتقت إلى الرسل أو أشخاص إتصلوا بالرسل، أحسّت الكنيسة أنها تستطيع أن تثق بهذه الكتب التي يمكن أن تكون قاعدة الحق أو قاعدة الإيمان كما يقول القديس إيريناوس أسقف ليون في فرنسا.
قال القديس يوستينوس (+ 165) إن المسيحيين يُولون ذكريات الرسل أي الأناجيل الأربعة منزلة كمنزلة الكتاب المقدس، وإنهم كانوا يقرأونها في إجتماعات الأحد كما كانوا يقرأون أسفار الشريعة والأنبياء.
وهكذا عدّت الأناجيل الأربعة كتباً قانونية، وأحتلّت المنزلة الأولى في قانون العهد الجديد. ومنذ بداية القرن الثاني، أقرّت كنائس عديدة بقانونية مجموعة القديس بولس وأعمال الرسل، ثم رسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى.
يورد قانون موراتوري أسماء الأسفار التي كانت تعترف بها كنيسة رومة سنة 180- 190. يعود المخطوط إلى القرن الثامن، وقد اكتشف سنة 1740 في ميلانو بأيطاليا. يذكر الأناجيل ثم أعمال الرسل ورسائل مار بولس ويهوذا ويوحنا وسفر الرؤيا. ويمكننا أن نذكر أيريناوس وهيبوليتوس وترتليانوس (+ 225 في أفريقيا الشمالية) وإكليمنضوس الإسكندراني. ينتج عن كل هذا أن مجموعة العهد الجديد كانت قد تنظمّت قبل نهاية القرن الثاني في كنائس الشرق والغرب. تميّزت الأناجيل القانونية عن الأناجيل المنحولة حوالي السنة 150- 160. وكذلك إعتُبرت رسائل القديس بولس وبطرس الأولى ويوحنا ويهوذا وسفر الأعمال وسفر الرؤيا كتباً قانونية على غرار أسفار العهد القديم. وقبلت بعض الكنائس الرسالة إلى العبرانيين ورسالة يعقوب ورسالة بطرس الثانية، ورفضتها كنائس أخرى. ولقد اكتشفنا برديات من بداية القرن الثالث تحتوي أسفار العهد الجديد.
تحدَّد عدد الأسفار القانونية في العهد الجديد كما نعرفه اليوم في أعمال المجمع الروماني (382 مع البابا داماسيوس) ومجمع قرطاجة الثالث (397) وفي مجمع فلورنسا (1442) وفي المجمع التريدنتيني في الجلسة الرابعة، في 8 نيسان 1546

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM