الفصل الرابع: الحياة والموت في الكتاب المقدَّس.

الفصل الرابع:

الحياة والموت في الكتاب المقدَّس

منذ بضع سنوات، أخذ الموتُ يحتلّ جزّاً هاماً في الأدب بشكل خاص، وفي الأبحاث بشكل عام. وهكذا استعاد مكانتَه في وجه الذين أنكروا وجوده، واعتبروا أن لا قيمة له. قال الأقدمون: لا علاقة للموت بالأحياء ولا بالأموات، لأنه ليس بشيء لأولئك، ولأن هؤلاء لم يعودوا أحياء. وهناك من يُخفي الموت وكأنه شيء مفزع رهيب. ولكن الموت حاضر هنا، ونودّ أن نلغيه. لكننا لا نستطيع أن نتهرّب منه، فالموت هو مصير كل انسان. عن الموت والحياة يكون كلامنا في الكتاب المقدّس. ننطلق من العالم السامي، فنتحدّث عن الخبرة اليوميّة، لنصل إلى الإيمان في وقت المحنة، قبل أن نتعلّم من خبرة التاريخ.

1 - الموت والحياة في الحضارة الساميّة

أ - الكون الساميّ

ما يقدّمه الكتاب المقدّس في هذا المجال، يتسجّل في خبرة جميع الشعوب في الشرق الأوسط. وهكذا ندخل في العالم السامي وتصوّراته.

وأولها السماء. فالسماء واقع ماديّ يتميّز بالمتانة والثبات. والمؤمن يتصوّرها بشكل قبّة ترتكز على عواميد(1). هذا الجَلَد »الصلب كمرآة معدن مسكوب« (أي 37:18)، يفصل المياه السفلى عن المياه العليا (تك 1:6 - 8). أما الكوى التي لا تنفتح إلاّ مع الطوفان أو الأمطار، فهي تشكّل الاتّصال الوحيدَ بين السماء والأرض(2).

وبشكل أوضح، السماء موجودة فوق الجلد. يعود اللفظ إلى »سما، يسمو« كما في العربيّة أي علا وارتفع. واعتبر العالم العربي أن السماء هي »ما نشاهده فوقنا كقبّة زرقاء محيطة بالأرض«. أما الكلمة العبرية (ش م ا ي م) فهي دوماً في صيغة الجمع كما هو الأمر في السريانية (ش م ي ا). هذه الإشارة اللغويّة هي مهمّة، لأن الشرق، اعتبر في وقت من الأوقات، أن السماء تتكوّن من عدّة طبقات. نقرأ في مز 148:4: »هلّلي له، يا سماء السماوات«، اي يا أعلى موضع في السماوات. وقالوا في بابل: هناك ثلاث سماوات. والإله البابليّ يُقيم في أعلاها.

أما الأرض فاسطوانة مسطّحة ترتكز على عواميد تغرز أركانها في أعمق أعماق العالم السفليّ، كما يقول أي 9:6: »يزلزل الأرضَ من مكانها، فتتزعزع أعمدتُها«. أو مز 104:5: »أسّستَ الأرض على قواعدها، فلا تتزعزع إلى الأبد(3)«.

والشيول أو مثوى الأموات، يقع تحت الأرض، في العالم السفلي. لا نستطيع أن نتصوّره. والعبرانيّ نفسه لا يقاربه إلاّ باللغة الرمزيّة التي تستطيع وحدها أن تجمع اللاتماسكات والتناقضات. الشيول عالم من الدمار والشواش والموت. فعبر المياه التي تخرج بقوّة من الأرض، وتلك التي تسقط بعض المرات مدراراً من السماء، يشعر الانسان أن الشواش يحيط بالأرض، فيمكن أن تعود إلى العدم، كما كاد الأمر يحصل في الطوفان. وحده عملُ الله الخالقُ الذي فصل، وما زال، ما كان في البدء شواشاً ولا تميّزيّة، يضع الحدود بين الأرض ومياه الشيول المهدّدة.

ب - تمثُّل الحياة

ينطلق الانسان من هذه الأبعاد الثلاثة، السماء والأرض، وتحت الأرض حيث يقيم الموتى، فيعطي معنى لمسيرته الإنسانيّة والدينيّة.

السماء هي، في جوهرها، عالم الله. »السماوات هي سماوات الربّ، والأرض منحها لبني البشر« (مز 115:16).إذن، لا يقدر الانسان أن يُدركها، وهو الذي ما صعد إلى السماء ونزل منها (أم 30:4). من هناك ينطلق الله، الراكب على السحب (مز 68: 5، 34)، فيُرعد صوتُه فوق المياه العظيمة (مز 29:3). فالوصول إلى السماوات جنون وعملُ مستحيل. هذا ما يدلّ عليه خبرُ برج بابل (تك 11:1 ي). أمّا ما يدهش في الوحي، فهو أن الله عزم أن ينزل. وهو يقول في خر 3:8: »نزلتُ لأخلّصكم من يد المصريّين«.

هنا نجد ما يميّز التوراة عمّا هناك من أدب لدى الشعوب السامية. من جهة، نقول كما يقول الشرق، إن الله هو في السماء وأنتَ على الأرض (جا 5:1). ومن جهة ثانية، حين ينزل الله وسط البشر من خلال التوراة والشريعة، وحين يقطع مع شعبه عهداً سرياً، يجعل المؤمنين يشاركونه في حياته.

أما الأرض فهي موطن الانسان. على هذا المستوى، لا لبس في موقع الانسان البيبلي، كما هو الأمر في الميتولوجيا البابلونيّة. هنا، خُلق الانسان من جثّة تيامات. أما في البيبليا (تك 1:1ي)، فلم يعد من أثر للاله على الأرض. لا شكّ في أن الله يخلق الأرض، ولكنه يخلقها بكلمته. ووظيفة هذه الكلمة أن تجعل مسافة بين الله والخليقة، وأن تكوّن الأشياء حين تفصلها بعضها عن بعض.

والانسان لا يمتلك ملء الحياة، ولا هو مستقلّ كلّ الاستقلال عن الله: فالحياةُ ملك الله الذي به يرتبط كلُّ موجود. مثل هذا الوعي للعطبيّة ترافق الانسان البيبليّ منذ البداية. هي تلد أول ما تلد في الكوسمولوجيا (أو علم الكونيّات) وفي الانتروبولوجيا (دراسة البشر). ما يميّز الله هو ملءُ الحياة: والانسان ينالها بشكل مجانيّ كنعمة، وبطريقة عابرة.

ويزداد هذا الارتباط بوعي يُفهم الانسان أنه يعيش بفضل عمل الله الخلاّق الذي يُوقف العودة الممكنة للشواش. فالمياه العليا والسفلى، حاملة الدمار، لن تأتي بعد إلاّ في شكل استثنائيّ، وتبقى خاضعة لله. وخبرُ الطوفان يشكّل إحدى هذه السطر حيث تمركز قلقٌ بعودة ممكنة للشواش الأصليّ.

هنا، لا بدّ من التوقّف عند نظرة إلى الانسان الذي يمتدّ وجودُه على الأرض. فالانتروبولوجيا البيبليّة متماسكة مع النظرة إلى العالم. وقبل أن نتطرّق إليها، يجب أن نترك تصوّراتنا السابقة. فقد ورثنا من العالم اليونانيّ نظرة ثنائيّة إلى الانسان: يتألّف الانسان من نفس وجسد، وكأن الواحد قرب الآخر. أمّا في الكتاب المقدّس، فالانسان واحد، ولا تنفصل النفس أبداً عن الجسد. نفس الانسان هي الانسان في عمقه. وجسدُ الانسان هو الانسان في ما يُرى منه.

ونورد بعض الألفاظ التي تدلّ على الانسان في البيبليا.

* الانسان بشر، من لحم ودم

حين نقول إن الانسان بشر ننظر فيه إلى الوجهة الخارجيّة، الأرضيّة، إلى ما يُتيح له أن يعبّر عن نفسه من خلال هذه البشريّة، التي هي جسده، فتدلّ على الشخص البشريّ في وضعه على الأرض. في هذا المعنى، كل خليقة، حتّى لو كانت ملاكاً (حز 10:12) توصف بلفظ »ب ش ر«. إذن، هو الوضع البشريّ في عطبيّته ومحدوديّته وارتباطه. وحين يريد الكاتب البيبليّ أن يتحدّث عن »أنا« المتجسّد، المتألّم (أي 14:22)، الخالق (مز 119:120)، الفرح (مز 84:3)، الراغب (مز 63:2)، فهو يعود إلى لفظ »ب ش ر«. وننتقل من العهد القديم إلى العهد الجديد مع الألفاظ عينها لكي نضع الانسان تجاه الله. »ما وُلد من الجسد هو جسد، وما وُلد من الروح هو روح« (يو 3:6).

* الانسان نفس (ن ف ش)

تدلّ النفس دوماً على الانسان كله، كما ينعشه روحُ حياة. هو ما يقابل »أنا«. والنفس تشير إلى المبدأ الذي يجعل الكائن حياً، وإلى ما يميّز الحيّ عن الميت.

* الروح (روح)

هو يدلّ أيضاً على أصل الحياة في مبدأه الشامل. وحين يتجسّد ويصبح فرداً مميّزاً، يصبح »ن ف ش«.

* الدم

يدلّ الدم مراراً على موضع الحياة: »ن ف ش« (الحياة) هي الدم (تث 12:23). ونستطيع القول إن »ن ف ش« هي ما يميّز الحيّ من الميت. والدم هو الحياة، لأن من خسر دمه خسر نفسه.

كل هذا يبقى معقّداً. في الواقع، حين يتكلّم العبراني عن اللحم والدم، عن النفس والدم والروح، فهو لا يميّز بين حقيقة وأخرى، بل يقدّم الانسان في مركّباته وسماته الخاصة. البشريّة تدلّ على أنه سريع العطب. والنفس تقول لنا إنه حيّ، لا ميت. والروح يدلّ على نسمة الحياة التي تنعش الخليقة كما تُنعش الكون كلّه وجميع الأحياء. ويبقى أن الانسان الحيّ، بأي جزء وضعتَه، هو ذاك الزائل، العابر. والله وحده يمتلك ملء الحياة والحياة النهائيّة التي لا تزول.

ماذا نستنتج من كل هذا؟ هنا نقرأ تك 2:7: »وجبل الربُ الاله الانسان بتراب أخذه من الأرض. ونفخ في منخريه نسمة حياة فصار الانسان نفساً حيّة«. وهكذا لا نستطيع بعدُ أن نتحدّث عن الموت على أنه انفصال النفس عن الجسد. فالانسان نفس وجسد في الحياة وفي الممات.

الانسان البيبلي هو في العمق واحد. والموت لا يصيب جسده فقط، بل نفسه كما قلنا أعلاه. ماذا يبقى من الانسان بعد الموت؟ التراب ولا شيء آخر. فانحلال الجسد وزوال النسمة هما علامتان خارجيّتان يحصلان للنفس. هذا يعني أن النفس لن تعود موجودة بعد الموت. إذن، لن نطرح بعد السؤال: إلى أين تمضي النفس بعد الموت؟ هي لا تمضي إلى أي مكان، بل تعود بكل بساطة إلى العدم. وهناك نصوص عديدة تُثبت هذا القول: »أذكر خالقك في أيام شبابك، قبل أن تجيء أيامُ الشرّ... فيرجع الجسد إلى التراب حيث كان، وترجع الروح إلى الله الذي وهبها« (جا 12:1، 7). بعد ذلك، ما هو الفرق بين الانسان وبين الحيوان؟ لا فرق، يقول الحكيم. »كيف لا، ومصير البشر والبهيمة واحد. فكما يموت الانسانُ تموت هي، ولهما نسمة حياة واحدة، وما للانسان فضلٌ على البهيمة، لأن كليهما باطل« (جا 3:19).

ج - الشيول أو العالم السفلي

بعد أن تحدثّنا عن السماء موطن الله، والأرض موطن الأحياء، يبقى أن نحدّد موقع المكان الثالث في الكوسمولوجيا البيبليّة. وهذا ما يجعلنا نوضح ما سبق وقلناه عن مصير الموتى. هذا العالم السفلي الذي عرفه الأشوريون والبابليون (أرالو) واليونان (هاديس) يصعب وصفُه. ففي كل تاريخ الشعب العبراني، لبثت التصوّرات هي هي. وهذا ما يُتيح لنا أن نلجأ إلى نصوص تعود إلى حقبات مختلفة لكي نتصوّره(4). ومع ذلك، المعلومات التي يمكن أن نجمعها لا تترك شكاً في ما يخصّ نوع الوجود المحفوظ للموتى.

هو موضع عتمة وظلمة حيث السواد حالك ولا نظام، والضياء كالظلام الدامس (أي 10:21 - 22؛ رج مز 49:20؛ 88:7). هو أرض الهلاك (مز 88:12؛ أم 15:11؛ 27:20؛ أي 28:22؛ 31:12). هو الهاوية والعودة إلى التراب (مز 49:10؛ 103:4؛ أي 33:18، 24، 30). هو عالم لا نرجع منه، كما قال أي 16:22: »فأسير في طريق لا أعودُ منه«.

هذا الوصف لموضع لا يمكن السكن فيه، يدعونا إلى أن نطرح السؤال: كيف يكونُ سكان ذاك الموضع السفليّ؟ يعيش الموتى في رقادٍ مستمرّ. يقول أي 14:12: »الانسان يرقد ولا يقوم، وتزول السماوات قبل أن يفيق، وينهض ثانية من رقاده«. في الواقع، هو وجود لا استقرار فيه. وهذا ما يجعلنا نتساءل: أما نحن أمام صورة رمزيّة عن العودة إلى العدم؟ قال مز 39:14: »وسّع لي فأنشرح، قبل أن أمضي ولا أكون (بعدُ شيئاً)«. وأي 7:21: »قليلاً وأرقد في التراب، وتبكّر في طلبي فلا أكون«. وإش 26:4: »هم أموات ولا يحيون! هم أشباح ولا يقومون، لأنك عاقبتَهم ودمّرتهم، وأبدتَ كلّ أثرٍ لهم«. وأبشع ما في اللاوجود هو أن يسقط الانسان في عالم النسيان، كما قال جا 9:5: »أما الأموات فلا يعرفون شيئاً، ولا جزاء لهم بعد، وذِكرُهم طواه النسيان«.

ولكن أهمّ شيء لم يُقل بعد. ففي نظر المؤمن، يقوم ملءُ الحياة بأن نحيا في اتحاد مع الله. أما في الشيول، فينقطع الانسان عن الله، بشكل نهائيّ. »فالشيول لا يقدر أن يمدحك، كما يقول إش 18:8، والهاوية لا تمجّدك، والذين يهبطون إلى الهاوية لا يثقون بأمانتك«(5).

هناك لفظ نصفُ به الموتى: ر ف ا ي م(6). هو لفظ سريّ. يدلّ على »الظلال« أو »الأشباح«. هذا اللفظ يدلّ أيضاً على الجبابرة الذين أقاموا على الأرض، في الأيام الماضية(7). وفي أوغاريت على الآلهة الذين يقيمون في مملكة الموتى. ولكننا هنا أمام تناقض. كيف تكون الظلال (أو: الأشباح) آلهة أيضاً؟ لا شكّ في أن اللفظ خسر، في البيبليا، ما يحمله من تصوّر ميتولوجي، ولكن يبقى أننا أمام فكرين. من جهة، هي عودة إلى العدم بعد الموت. ومن جهة ثانية، وجودُ العالم السفليّ بمخاوفه يشكّل موضع انتظار.

2 - الحياة والموت في العيش اليوميّ

ذاك كان وضع الانسان البيبليّ في عالمه. يبقى أن نتعرّف إليه في عيشه اليوميّ، وهو يحاول أن يلتقي بالربّ، بالاله الحيّ. كيف تكون حياته ملئاً لا فراغاً، رغم ما يحيط به من ظروف تأتي من الكون أو من الطبيعة البشريّة؟ هنا نعرف أن الحياة تعني العمر الطويل، والبنين العديدين، والأرض التي نمتلك. وحين يأتي الموت، يحسّ الانسان أنه أمام قدَر محتوم.

أ - الحياة والعمر الطويل

ما يحلم به الانسان هو أن يشيخ ويشبع من الأيام (تك 35:29؛ رج 25:8). وقد بيّن سفرُ الأخبار الأول أن كلَّ حياة داود كانت بركة في نظر الله لأنه »مات في شيخوخة سعيدة، بعد أن شبع أياماً وغنى ومجداً« (1 أخ 39:28). أما يعقوب فيشتكي لدى الفرعون: »أيام غربتي مئة وثلاثون سنة. قليلة وسيّئة كانت أيامُ حياتي، على غير ما كانت أيام حياة آبائي في غربتهم« (تك 47:9).

من خلال هذا القول، هناك يقين بأن الحياة الطويلة تدلّ على بركة الله الذي يوزّع أيام الحياة بالنظر إلى استحقاق الانسان. في بلاد الرافدين، كان المؤمنون يقدّمون ذبائح لكي تطول أيامهم لأن »من يُكرم الآلهة تطول أيامه«. هنا نجد مفتاح تفسير تك 5، الذي يروي لنا أن آباء ما قبل الطوفان رأوا أيامهم تنقص تدريجياً بقدر ما تتكاثر الخطيئة في العالم.

لقد قرّر الله، كما يقول المرجع اليهوهي (ينادي الله يهوه، أي الربّ)، أن عمر الآباء، بعد نوح، لن يتجاوز المئة وعشرين سنة (تك 6:3). لن نبحث هنا عن معطيات تاريخيّة (هناك خلاف بين تقليد وتقليد)، بل عن اعتقاد بأن حياة البشر تنقص بقدر ما يبتعدون عن الله. وحين عمّت الخطيئة الكون »وتكاثر شرّ الانسان على الأرض« (تك 6:5)، كادت الحياةُ تزولُ عن وجه الأرض. قال الله لنوح: »قربُت نهايةُ كلَّ جسد« (تك 6:5). وحين حلم إشعيا بالأيام الأخيرة، تكلّم عن طول خارق العادة فقال: »ولن يكون هناك طفلٌ يموت بعد أيام، ولا شيخ لا يستكمل أيّامه وهي مئة سنة. فإن مات قبل ذلك يكون خاطئاً وملعوناً« (إش 65:20).

هذا الموضوع سوف يستمرّ طويلاً. بل هو إلى أيامنا في العالم الشرقيّ. ونورد هنا نصاً يدلّ على التوافق بين البرّ وطول الأيام: »في تلك الأيام، يشرع الأولاد يدرسون الشريعة ويطلبون الوصايا ويعودون إلى طريق البرّ. وتكثر الايام بين أبناء البشر إلى أن تصل الأيام إلى ألف سنة وإلى عدد من السنين أكثر ممّا كانت أيّامُهم في الماضي« (كتاب اليوبيلات 23:26).

ب - الحياة والبنون العديدون

لا نحصر تعلّق الانسان بالحياة على أنه ظاهرة فرديّة وحسب. على هذا المستوى، نشير إلى »الشخصيّة المتضمّنة«(8). فالانسان البيبليّ يتحدّد موقعه دائماً داخل مجموعة أوسع هي الأسرة أو العشيرة أو الشعب. على المستوى السلبيّ، يعرف أن عليه أن يتحمّل نتائج أعمال عُملت في أسرته أو في حياة شخص يمثّل الشعب مثل الملك. وعلى المستوى الإيجابيّ، لا تتوقّف حياته عند مصيره الشخصيّ، بل هي تمتدّ في كل نسله الذي به تقوم حياته، حسب المثل القائل: »من ولد أولاداً لم يمُتْ«.

عندئذ نفهم أن الحياة مهما طالت، تبقى غير مكتملة، إذا لم يكن بعدها نسلُ. في هذا قال صموئيل الثاني: »انسان يمضي ولا نسل له، أسرة كاملة انقطعت من أرض الأحياء، لأن لا اسم لها« (14:7). ولهذا، بما أنه لم يكن لأبشالوم ولد، بنى بناء، وهو حيّ، لكي يُحفظ اسمُه (2 صم 18:18). والربّ نفسه سيعطي، في الأيام الأخيرة، اسماً أبدياً للخصيان الذين يحفظون شرائعه (إش 56:3؛ تث 23:1).

هذه الحياة بعد الموت عبر نسل، هي أمر أساسيّ في وعي الشعب العبرانيّ. لهذا، فمن حُرِم منه وتهدّده مثلُ هذا العار، تكون ثلاثة خيارات أمامه. التشريع الذي أتاح لسارة العاقر، أن تتبنّى أبناء جاريتها، هاجر (تك 16:1 - 2؛ رج 30:1 - 8؛ رفقة، وليئة). هذه الممارسة عُرفت أيضاً لدى شعوب أخرى في الشرق القديم. الحيلة للتهرّب من العار. هذا ما فعله لوط مع ابنتيه (تك 19:30 - 38) وتامار مع حميِّها (تك 38:1 ي). مثل هذا العمل يدهشنا، ولكن يهوذا يعتبر كنّته أبرَّ منه. وانجيل متّى يجعلها في نسب داود وبالتالي جدّة المسيح (مت 1:3). عطيّة الله: الحلّ الثالث يلتقي بالنظرة الدينيّة إلى الحياة لدى المؤمن. فإن هو لم يَنَلْ نسلاً، فالسبب هو الله نفسه »الذي يميتُ ويُحيي«. غارت راحيل العاقر من اختها الكثيرة الأولاد فاشتكت إلى زوجها يعقوب. غضب هذا وقال لها: »هل أنا مكان الله الذي حرمك ثمر البطن« (تك 30:2)؟

فالرجل الذي ينجب ينجب بفضل عمل إله الحياة. وكذا نقول عن المرأة التي تلد. ومع ذلك، هناك حالات يسطع فيها تدخّلُ الله سطوعاً. وعد الربّ سارة، العجوز والعاقر، بولد (تك 18:1 - 3). سيكون اسحقَ الذي يجعلها تضحك بعد أن لحق بها ما لحق من العار. وتجاه ضحكة سارة التي لم تؤمن، التي عرفت حتميّة الموت، هناك ضحكة الله الذي يتغلّب على هذه الحتميّة. »لا شيء يستحيل على الله« (تك 18:14).

ج - الحياة وخيرات الأرض

وُعد الآباء بنسل كبير مثل رمل البحر. وفي الوقت عينه، بأرض يمتلكونها. قال الله لابراهيم: »فهذه الأرض كلّها أهبها لك ولنسلك إلى الأبد« (تك 13:15). قد تكون النصوص الحاملة الوعد قد كُتبت على ضوء أحداث لاحقة عاشها الشعب في زمن الخروج. ولكن يبقى أن تجلّي الله الحيّ، في تلك الحقبة، بدا في وجهتين: في الأولى، اقتُلع الشعب من الموت الذي رمزتْ إليه أرض مصر، أرض العبوديّة. في الثاني، ينتقل الشعب إلى الحياة حين يصل إلى ارض الموعد. هذه الأرض »تدرّ لبناً وعسلاً«. وفيها فقط تتفتّح حياة العبراني الآتي من البريّة. إنها عطيّة من الله، شأنها شأن الحياة (تث 4:38). وهي ترتبط ببركة الله.

نحن هنا أمام رؤية واقعيّة: نتيجة العهد مع الله الحيّ، بالنسبة إلى الشعب وإلى المؤمنين. هي ملء الحياة التي تقاس بأمور ملموسة: حياة طويلة، نسل عديد، ازدهار ماديّ، أرض. هذا هو المنطق بالذات، ولا سيّما حين نتذكّر أن بركة الله لا تتعدّى، في نظر العبراني، هذه الحياة الحاضرة. وهذه الواقعيّة تؤكّدها النصوص كل مرّة يكون العهد في خطر.

»فاسمعوا، يا بني اسرائيل، وأحرصوا أن تعملوا بها (= الوصايا) لتلقوا خيراً وتكثروا جداً في أرض تدرّ لبناً وعسلاً« (تث 6:3). ولكن »إن فعلتم الشرّ في نظر الربّ، إلهك فأغظته، أُشهد عليكم اليومَ السماء والأرض، بأنكم تبيدون سريعاً من الأرض التي أنتم عابرون الأردنّ لتمتلكوها. لا تطول أيامكم عليها، بل تزولون لا محالة« (تث 4:25 - 26).

الله يهب الحياة للذين يُحبّهم. ذاك هو المبدأ الذي ناله الشعبُ على جبل سيناء. ولكن ستأتي الخبرات المؤلمة فتطرح هذا المبدأ على المحك: ما هي العلاقة بين الحياة والسعادة، والشقاء والموت؟

هنا يبرز الموت. بقدر ما هذه المتطلّبات الاساسيّة مؤمَّنة، يدخل الموت في حياة الشعب كعبور لا بدّ منه، كعبور لا يحمل المأساة ولا الحزن. فالانسان، آدم، يرتبط بالأرض (ا دم ه). أخذ من الأرض، ويعود إلى الأرض. أُخذ من التراب ويعود إلى التراب. وقال أي 30:23: »الموت« هو »دار ميعاد كل حيّ«.

وهكذا لا نجد في الكتاب المقدّس كلّه ثورة على الموت، كما في خبر غلغامش مثلاً. ومع ذلك، فالذي كتب تك 2 - 3 عرف حقاً خبر شجرة الحياة التي وجدها غلغامش في نهاية سفَره. صارت شجرة الحياة التي هي قرب شجرة معرفة الخير والشرّ. وُضعت الشجرة تجاه الأخرى مع أنهما لا تتوافقان، وهذا ما يعني أن حتميّة الموتى في البيبليا تبقى لغزاً: لماذا تستبعد شجرةٌ الشجرةَ الأخرى؟ لماذا لا نستطيع أن نأكل من شجرة المعرفة دون أن نخسر شجرة الحياة؟ لماذا يقاسمُ الانسانُ اللهَ الفهمَ، والحيوانَ الموت. الانسان إله لأنه يعرف. وهو حيوان لأنه يموت. هذا اللغز، حمله العبرانيّون من آبائهم عبر خبر غلغامش. وطرْدُ آدم من الجنّة »مخافة أن يمدّ يده فيأخذ من شجرة الحياة ويأكل منها ويحيا إلى الأبد«، قريبٌ ممّا نقرأ في غلغامش: »حين خلق الآلهة البشر، أعطوا البشر الموتَ، واحتفظوا بالحياة في أيديهم«. وبعد ذلك، يبتعد الكاتب البيبليّ عن الخبر السطريّ. فالانسان الذي يتكلّم عنه، هو مؤمن دخل في عهد مع الله. ولكن تبقى الطريق أمامَه طويلة لكي يتعرّف إلى اللغز فتظهر التناقضات ويزيل الوحيُ الطرقَ المسدودة.

3 - الإيمان في وقت المحنة

الحياة والموت. نحن هنا أمام دورة عاديّة يتسجّلُ فيها مصيرُ الانسان. منذ بداية تاريخه حتى عتبة المسيحيّة، تقبّل العبراني هذه الضرورة بحتميّة كبيرة وبهدوء. وقد قال أيوب في هذا المجال: »عددُ ايامه محدودةٌ منك، وعددُ شهوره معيّن عندك، وله قضيتَ أجلاً لا يتعدّاه« (14:5). وجاء مز 89:49 صدى لهذا الكلام: »اذكر كيف أنا زائل، أللباطلِ خلقتَ بني آدم؟ ايحيا الانسان ولا يرى الموت؟ أيُنجّي نفسه من يد الهاوية«؟ ومع ذلك، هناك حالات يُقصَّر فيها الزمن الذي منحه لانسان من الناس. فلا يعود المؤمن يرضى بأجوبة بسيطة، سطحيّة، فيحفر ليكتشف حقيقة أخرى.

أ - الموت قتلاً

حين نقرأ الكتاب المقدّس، يلفت انتباهَنا القتل ومكانه وأهميّته. قد نتشكّك للوهلة الأولى، بأن يكون الكتاب مملوءاً بالعنف والدم. ولكن هل نجهل حياة شعوب الأرض، ومنها شعوب هذا الشرق؟ عبر الاحتلالات العنيفة والدمار التام للأعداء، يؤمِّن شعبٌ من الشعوب موضعاً له تحت الشمس. ثم يُقال أن هذا القتل هو تنفيذ لأوامر الله. هل ننسى أن جميع الشعوب تحاول أن تبرّر عنفها فتعطيه طابقاً مقدّساً وتنسبه إلى الاله؟

ومع ذلك، ففي بداية الكتاب طُرح مبدأ يُشرف على التاريخ كله، ويشجب مسبقاً كل جريمة: الحكم على قايين الذي قتل هابيل: »صوتُ دم خيك يصرخ إليّ من الأرض« (تك 4:10). لا بدّ من أن نلاحظ أن أول خبر في البيبليا يجري على الأرض (خارج جنّة عدن) وبين البشر، هو خبرُ قتل. ما يستنبطه الانسان هنا هو الموت. لا شك في أن الله قال لآدم وحواء »تموتان«. ولكنه كان تهديداً ممكناً. حتّى الآن ما كان أحدٌ مات بعدُ. طالما لبث الانسان في الزمن الالهيّ، كان هناك تهديد بالموت مُصلت على البشريّة، ولكن أحداً لم يَمُت حتى تلك الساعة. ويوم أمسك البشر تاريخهم بيدهم وصاغوه، خُلق الموتُ بشكل رئيسيّ.

النصّ البيبليّ يحكم على الموت الذي يسومه انسانٌ لانسان. فمن سلب أخاه الحياة تعدّى على الله الذي هو وحده سيّد الحياة. فهذا المنع الذي هو أساسيّ في الحياة، هو المعيار الذي يدين كلَّ قتل تعرفه البشريّة، وحين ننسب ذلك إلى إله منتقم، يبقى القتل قتلاً. وهنا نعرف أن الحياة ملك الله الذي بسط حمايته على أول قاتل.

ب - الموت المبكر

من السهل أن نشجب موت هابيل، لأننا أمام عمل جائر يرتبط بشرّ الانسان. ولكن كيف نفهم الخبرة المريرة التي سيختبرها المؤمنون حين يرون الأبرار يُحرَمون من الحياة باكراً في شكل لا يمكن أن يُفسَّر؟ إن المزامير ترينا موقف هؤلاء المؤمنين، من خلال  صلواتٍ استعملتها الليتورجيا، بشكل خاص، بعد المنفى سنة 587 ق م.

ونبدأ برمزيّة المرض والشفاء. أمام مثل هذه الخبرة، يلجأ المؤمن طوعاً إلى لغة الصور التي تشير إلى الموت والقيامة. نورد هنا مز 88 الذي هو صرخة أمام خطر الموت: »أيها الربّ الاله مخلّصنا، في النهار والليل صرختُ أمامك. دع صلاتي تصل إليك، وإلى صيحتي أمل أذنك. نفسي شبعتْ من المصائب، ودنت إلى عالم الأموات حياتي. حُسبتُ مع المنحدرين في الجبّ وصرتُ كرجلٍ لا قوّة له، كرجل متروك بين الأموات، بين القتلى المطروحين في القبور، الذين لا تذكرهم من بعدُ، ومعونة يدك انقطعت عنهم« (آ 2 - 6). هي صرخة انسان وصل إلى ابواب الموت. تركه اصدقاؤه. وهذا الموت الذي يفاجئه لا يُفهَم: »جعلتَني في الجبّ الاسفل، هناك في الظلمات والظلال« (آ 7). ولكن هل الظلالُ تُنشد مدائح الله العليّ؟ وهذا الصراخ هو صلاة لا تجد لها جواباً. وساعة يمضي المؤمن إلى »ارض النسيان« حيث ينفصل عن الله، لا يبقى له مخرج سوى التطلّع إلى الربّ وإن لم يلقَ بعدُ جواباً.

أما مز 30 فهو فعل شكر بعد الشفاء. نلاحظ هنا أن الصور أُخذت من عالم الموت والقيامة: »أعظمك، يا رب، لأنك نشلتني (من براثن الموت)... استغثتُ بك فشفيتني... أصعدتني من أعماق عالم الأموات، وأحييتني من بين الهابطين إلى القبر... حوِّل نواحي إلى رقص، ومسوحي إلى ثياب الفرح، لأرتّل لك ولا أسكت«. أجل، هذا المؤمن أفلت من الموت فجاء يشكر الله سيّد الحياة. حين صوّر مرضه وشفاءه بشكل موت وقيامة آتية من عند الله، هيّأ الطريق لما سيكتشفه المؤمنون فيما بعد.

هنا تنطلق صرخةُ الإيمان. مع مز 16 الذي دعاه بعضهم »مزمور الخلود«، نفهم أننا أمام موت مفاجئ، مبكر، قاتل: »الربّ منيتي وحظّي ونصيبي، وفي يديه مصيري. يفرح قلبي ويبتهج كبدي، ويستريح جسدي في أمان. لا تتركُني في عالم الأموات، ولا يرى تقيُّك الفساد«. هذا المؤمن أعلن ثقته بالله في المستقبل، كما في الزمن الحاضر. أما كيف يبقى متّحداً بالله رغم الموت، فأمر لا يهتمّ له. هو لا يخاف الموت المفاجئ، العنيف. بل هو لا يخاف الموت. هذا لا يعني أنه يعتبر أنه يحيا إلى الأبد. ولكن بفضل حضور الله، صارت مشكلة الموت ثانويّة، وكادت تُمَّحى. فهذا التقيّ الذي يعيش من الله ولله وفي الله، لا ينظر بعدُ إلى الموت كواقع مهدِّد في الساعة الحاضرة. هذا الموت خسر أهميّته في حضرة الله الحيّ. والمؤمن مرتبط بالربّ بعد أن امتلأ قلبه منه، بحيث إن حياته لا تسير في مناخ الموت، بل في إشعاع المجد الالهيّ.

لا نستطيع هنا أن نتكلّم عن يقين، بل عن رغبة تتجذّر في الله نفسه. وحين نُقل هذا المزمور إلى اللغة اليونانيّة صار: »لا تدع البار يرى الفساد« كما طبّقه بطرس على يسوع في خطبة بعد العنصرة.

مع مز 49 و73 نتعرّف إلى لغز برّ الله. هنا تصطدم خبرةُ المؤمنين بما يرونه من ازدهار لدى الأشرار وفشل لدى الابرار. وما الفائدة من تلاوة كلام قاله أليفاز لأيوب (أي 4:7): »أتذكرُ واحداً بريئاً هلك، أو رجلاً مستقيماً أبيد«؟ فالواقع يفرض نفسه ويحطّم المبادئ. ماذا سيفعل المؤمنون أمام هذا السرّ؟ »ألا ترى الحكماء يموتون، والكسالى والأغبياء أيضاً يبيدون، تاركين ثروتهم للآخرين« (مز 49:11)؟ وهذا السرّ الذي لا يفهمه المؤمن يُشكّل له تجربة رهيبة: »كادت قدماي تزيغان، ولولا قليل لزلّت خطواتي، حين غرتُ من المتباهين، ورأيتُ الأشرار في سلام. هم لا يقاسون الشدائد، وأجسامُهم سليمة سمينة« (73:2 - 4). غير أن مثل هذا الشك سيحمل معه الخلاص. فهو سيتيح للمؤمنين أن يجدوا جواباً لرجائهم. أما الآن، فالمؤمن يقف أمام لغز يجعل إيمانه في محنة.

ولكن مز 49 و73 يرفضان الحتميّة التي تجعل الأبرار والأشرار يتساوون في عالم الموت. قال مز 49:16: »لكن الله يفتدي حياتي من يد الموت حين يأخذني« و73:23- 25: »وأنا معك في كل حين، تمسكني بيدي اليُمنى. بمشورتك تهديني، وإلى المجد تأخذني من بعدُ. من لي في السماء سواك، وفي الأرض لا أريدُ غيرك«.

وهكذا فُتحت ثغرةٌ في نظر إلى الانسان والعالم لم تكن لتجد لها مخرجاً. ما وصلنا بعد إلى قول صريح بالمجازاة في الآخرة. ومع ذلك، يؤكّد المؤمنون، بشكل سريّ، أنهم يستطيعون أن يؤمنوا وإن لم يروا. هؤلاء الاشخاص الأتقياء يعبّرون عن يقين يرتبط برجاء حي لا بمعرفة عقليّة: الله يأخذ معه الذين يموتون. فوجودهم من وجوده.

وما معنى أنه الاله الحيّ إن كان يترك البشر في الموت؟ سوف يكتشف الكتاب معنى الحياة لا انطلاقاً من تفكيره بالانسان، بل من تعمّقه في معرفة الله الحيّ. عندئذ يكون التجاوز لكل محدوديّة، ممكناً.

في هذا الإطار، ترد أخبار أشخاص اختطفهم الله، أخذهم إليه. لا شكّ في أن الفكر السامي اعتبر أن جميع البشر ينزلون بعد الموت إلى الشيول، ويكون انحدارُهم نهائياً. ولكن كانت بعض الاستثناءات مثل أخنوخ وإيليا وموسى. عن الأول نقرأ في تك 5:21- 24: »وعاش أخنوخ خمساً وستين سنة وولد متوشالح. وسلك أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح ثلاث مئة سنة وَلد فيها بنين وبنات. وكانت كلّ أيام أخنوخ ثلاث مئة وخمساً وستين سنة. وسلك أخنوخ مع الله، ثم توارى لأن الله أخذه إليه«. أخنوخ هو واحد من الآباء الذين عاشوا قبل الطوفان. وزمن حياته يبدو أقصر من الذين وصلوا التسع مئة وتعدّوها، مع أنه سلك مع الله. في الحقيقة، عاش 365 سنة أي زمن سنة شمسيّة، وهذا ما يرمز إلى زمن الملء. ثم هو لم يعرف المصيرَ الذي عرفه سائر البشر: الله أخذه. هذا هو الفعل الذي قرأناه في مز 49 و73. وسوف نجده في خبر إيليا.

»فذهب جماعة الأنبياء الذين في بيت إيل إلى أليشع وقالوا له: هل علمتَ أن الربّ في هذا اليوم سيأخذ سيّدك إلى السماء. فأجابهم: نعم، علمتُ فاسكتوا... وفيما كان (إيليا واليشع) سائرَين وهما يتحدّثان، إذا مركبة ناريّة فصلت بينهما وارتفع إيليا في العاصفة نحو السماء« (2 مل 2:3، 11). ونقرأ عن موسى الذي لا يُقال لنا أنه أُخذ ورُفع. ومع ذلك، إن السرّ حول قبره وعلاقته الخاصة بالله الذي سيدفنه، عملا في التقليد اليهوديّ على جَعْله مع أخنوخ وإيليا. نقرأ في تث 34:5 - 6: »فمات هناك موسى عبدُ الربّ في أرض موآب بأمر الربّ. ودفنه الربّ في الوادي في أرض موآب، تجاه بيت فغور، ولا يعرف أحد قبره إلى يومنا هذا«.

هؤلاء الأشخاص الثلاثة نموذج عمّا يستطيع الله أن يفعل من أجل الذين يسلكون في طرق الربّ (تك 5:24). من أجل الذين »يغارون على الربّ، إله الجنود« (1 مل 19:10). من أجل الذين كانوا خدّام الربّ مثل موسى الذي عرفه الربّ وجهاً إلى وجه (تث 34:10). وهكذا نبت رجاء في وجدان المؤمنين: من يدري؟ فقد يكون الربّ هيأ لهم جميعاً مثل هذا المصير.

ج - الحياة في الله

لاحظنا أكثر من مرّة أن المباركة ترتبط طوعاً بالازدهار والسعادة والغنى والعمر الطويل. كل هذا يغرز جذوره في وجداننا. ومع ذلك، هذا الإرث لديانة شعبيّة سوف يتأثّر بالإيمان بالربّ. وبشكل خاص من خلال ممارسة الشريعة والعيش في شعائر العبادة. مفهوم الحياة سوف يتّخذ مدلولاً يستقلّ شيئاً فشيئاً عن التفسير الماديّ المحض. لا شكّ في أن العبرانيّين سيظلّون يكرّرون أن ممارسة الفرائض تحمل »طول الأيام وسنوات حياة« (أم 3:2). ولكن في النصوص الملهمة، في العهد، الحياة الحقّة والموت الحقيقيّ ليسا على المستوى البيولوجي. هذه السمة الروحيّة والدينيّة تظهر بوضوح في المزامير حيث النظرة إلى الموت نظرة خوف لأنها انفصال عن الله الحيّ. هل يقوم الأموات من الشيول لكي يمجّدوك؟ والجواب هو كلا. وأرض فلسطين هي أكثر من أرض. هي عطية من الله تتوخّى أن تتيح للشعب أن يؤدّي العبادة لله. حين دوَّن الكاتبُ الاشتراعي سفر التثنية، بعد المنفى (587 ق م)، مرّت ستة أجيال على إقامة العبرانيين في أرض الموعد. ومع ذلك، يجعلهم الكاتب في عبر الأردن (تث 1:1). هذا يدلّ على أن امتلاك الأرض لا يصبح حقيقياً إلاّ حين يُحترم العهد: فالذي يميل عن الاله الحقيقيّ وينظر إلى الأوثان، هو منذ الآن غريب عن الأرض.

فمن اختار العهد اختار الحياة. ومن مال إلى الأوثان اختار الموت. قد تبدو الظواهر غير هذه، فيزدهر الاشرار ويُضطهَد الأبرار. ولكن عبر هذه الملاحظة المؤلمة، يتأكد يقينٌ متجذّر في الإيمان، وهو أكثر صدقاً من الواقع: من اختار الإيمان والفرائض والحكمة هو في الحياة. ولا يني سفر التثنية يؤكّد عقاب الموت على الخطأة وعطيّة الحياة للأبرار(9). فالحكمة هي »طريق الحياة« (أم 3:18)؛ »ينبوع الحياة« (أم 13:14)، »شجرة الحياة« (أم 3:18؛ 11:30؛ 15:4). هنا نقرأ أم 8:35: »من وجدني وجد الحياة، ونال رضى من الربّ. من أخطأني اضرَّ نفسه، ومن أبغضني أحبّ الموتَ«. نجد هنا أول الأجوبة على صعوبات نصادفها أمام شرٍّ لا يُعاقب وأمام خير يُتجاهَل. يبدو الخطأة وكأنهم يحيون، ولكنّهم أموات أحياء. أما المؤمنون فيشاركون في حياة الله، بواسطة العهد.

ونعود هنا إلى تك 2 - 3. في هذا المنظور، نجد أغنى تفسير عن شجرة الحياة وعن تهديد بالموت يرتبط بشجرة المعرفة. هل نحن في هذا النصّ أمام خلود فيزيولوجي وُعد به الانسان؟ لا يبدو هذا معقولاً: لاحظْنا أن الموت البيولوجيّ يرافق الانسان في عالمنا. والحكمة تدعونا إلى القول، مثل امرأة تقوع مع داود: »لا بدّ أن نموت كلّنا، ونكون كماء مصبوب على الأرض« (2 صم 14:14). ثم إن الحكم بالموت الذي وعد به الربّ، يبدو خفيفاً لأن الموت لم يأتِ حالاً بعد أن أكل الرجل والمرأة من الشجرة. غير أن تك 2 - 3 يستضيء حين نقرأه في إطار العهد. فجنّة عدن، مثل أرض فلسطين، وُضع فيها الانسان (المؤمن)، »ليحرثها« و»يحرسها«. ولكن هذين الفعلين يدلاّن على حفظ الوصايا والقيام بشعائر العبادة. فيومَ كُتب هذان الفصلان، بدت الجنّة التي فيها وُضع آدم وحواء، بشكل أرض موعد حيث يستطيع المؤمن أن يجد الحياة في الله إن قبِلَ العهد المقدّم له. وإن رفض هذا العهد، اختار الموت الذي يرمز إليه الطردُ من الجنة. هل طُردا بشكل نهائيّ؟ إذا قرأنا النصّ على ضوء العهد، نستطيع القول: كلا، لم يُطردا. فكل مرّة قبل الشعب أن يحفظ الشريعة ويمارس شعائر العبادة، وجد من جديد طريق الجنّة وطريق الحياة.

4 - خبرة التاريخ والحياة

في المحطات الثلاث السابقة، لاحظنا متانة العالم البيبليّ الذي فيه جسّد المؤمنون خبرتهم الانسانيّة والدينيّة. وهذه الصورة عن الانسان والعالم، بدت عظيمة وإن اختلفت اختلافاً جذرياً عن نظرتنا المطبوعة »بالعلم والبحث«. فقد شكّلت، على مدى قرونٍ من الزمن، مرجعاً رمزياً لعب وظيفة هامة. ورأينا في الوقت عينه أن ألغازاً أساسيّة مثل موت الأبرار ونجاح الأشرار، تنتظر بعدُ جواباً يُرضينا. كما رأينا أن النظرة إلى الحياة في الله، التي تختلف عن النجاح المادي وطول الحياة، كانت جواباً أوّل. وصلاة العبرانيين التي لم تكن بحثاً ما ورائياً (هو غريب عن العقليّة الساميّة)، قد لعبت دوراً هاماً. من هذا القبيل كان سفر المزامير (الذي هو تعبير عن صلاة الجماعة) شاهداً هاماً عن تساؤلات شعب اسرائيل ورجائه. ونضيف أن صدمة المنفى (587 ق م) ستسرِّع التفكير وتوجّهه في الطريق الصحيح.

أ - المسؤوليّة الفرديّة

ماذا اختبر المؤمنون في تلك الحقبة؟ العري التام والفقر على كل المستويات. فالمنفى سيكون البوتقة التي ستتيح لشعب اسرائيل أن يعيد النظر في تساؤلاته. هذا يعني أن الشعبَ كلّه يحمل نتائج أعمال قام بها أسلافه أو ملوكه. يُذكر هذا التضامن ليفسِّر شقاء جائراً أو موتاً مبكراً. فالبار يحتمل نتائج خطيئة آبائه لأن »الله يجازي ذنب الآباء في البنين وبني البنين إلى ثلاثة وأربعة أجيال« (خر 34:7). فسقوط السامرة بدا كنتيجة جحود يعود إلى يربعام، أول ملك فيها (2 مل 17:21 - 23).

ولكن جاء المنفى، فجعل هذا المبدأ على المحكّ. فحزقيال سيكون النبي الذي يعارض التضامن في الاستحقاق كما في الخطأ. فرقيبُ بيت اسرائيل تلقّى مهمّة بأن يقول »إن الشرير الذي لا يتوب عن شرّه يموت في خطيئته وإن البار الذي لا يخطأ يحيا« (حز 3:16 - 21). ورفض القول الماثور: »الآباء أكلوا الحصرم واسنان البنين ضرست«. »حيّ أنا، يقول السيّد الربّ، لن تُردِّدوا بعد الآن هذا المثَل في اسرائيل. فجميع النفوس هي لي: نفس الأب ونفس الابن، كلتاهما لي. النفس التي تخطأ هي وحدها تموت« (حز 18:3 - 4). مثل هذا التأكيد القويّ يبقى معزولاً في كتابات بيبليّة معاصرة للمنفى. ولكنه سوف يتابع مسيرته بمحاذاة التفسير التقليدي الذي يقدّمه أصدقاء أيوب. فمع أن المؤمن متضامن مع شعبه في النجاح كما في الفشل، إلاّ أنه يبحث خارجَ خطايا شعبه عن تفسير لآلامه وموته.

ب - إعادة البناء

أعطت محنةُ المنفى لشعب اسرائيل، مناسبة خبرة أخرى. فقد عرف الشعبُ وضعاً بشرياً شبيهاً بالموت. أحسّ المؤمنون بثقل المنفى. تشتّتوا وسط شعب قويّ، وشاهدوا العظمة التي تحيط بالاله مردوك، فوعوا أن وضعهم البشريّ وضع يأس. إنهم مثل جثث غرق رجاؤها غرقاً نهائياً في الأرض. في هذا السياق نقرأ حز 37 حيث إلهام النبي وإيمانه يأخذان وسعاً كبيراً. هو مثَل ينطلق من ساحة معركة امتلأت بالموتى الذين تُركوا منذ زمان. جعل الروحُ النبيَّ في وادٍ مليء بالعظام البشريّة التي صارت يابسة. هذا يعني أننا أمام موت نهائي لا قيامة منه: »يا ابن الانسان، هل ستحيا هذه العظام«؟ فقلتُ: »يا رب، أنت تعرف« (أ 3).

تضمّن جوابُ النبيّ قولين. أولاً، أقرّ بضعف الانسان أمام عمل قوى الموت المدمّرة والتي لا تعود إلى الوراء. ثانياً، أقرّ المؤمن أن الله لا يخضع لقوى الموت بل يمتلك سلطة إقامة العظام اليابسة. وما يلي يؤكّد أن روح الربّ يقدر أن »ينفخ على الموتى ويُحييهم«. »فتنبّأتُ كما أمرني، فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أرجلهم جيشاً عظيماً جداً« (آ 10).

قرأ بعض المفسّرين اليهود هذا الخبر قراءة حرفيّة، فظنّوا أن حزقيال نفحه روح الله فأقام الموتى. فقال رابي اليعازر: »الموتى الذين أحياهم حزقيال انتصبوا واقفين وأنشدوا نشيداً وماتوا«. ولكن ما يلي من الخبر (آ 10 - 14) الذي هو تفسير المثل، يُفهمنا أن لا شيء من هذا حصل. »فقال الربّ لي: يا ابن البشر، هذه العظام هي بيت اسرائيل بأجمعهم. هم يقولون: يبست عظامُنا وخاب رجاؤنا وانقطعنا. لذلك تنبّأ وقل لهم: هكذا قال السيّد الربّ: سأفتح قبوركم وأصعدكم منها يا شعبي وأجيء بكم إلى أرض اسرائيل« (آ 11 - 12). إن الخروج من القبر هو صورة عن العودة إلى أرض فلسطين. مثل هذا الكلام يحمل قوّة كبيرة. فساعة كتب حزقيال رؤياه، سوف ننتظر أربعة قرون من الزمن من أجل الكلام عن قيامة الأبرار مع دانيال. ومع ذلك، فهناك شيء حاسم فتح الطريق أمام الرجاء: فالله له سلطان بأن يُحيي. فما لا تستطيع مخيّلة الانسان أن تستشفّه، الله يُتمُّه. هو الربّ الذي يتكلّم ويفعل (آ 14).

ج - الخبرة الفرديّة

نجد هنا أكثر من خبرة. ولكننا نكتفي باثنتين: الخضوع لمشيئة الله. أيوب أو الألم المفرط.

أولاً: الخضوع لمشيئة الله

نجد في أسفار الحكمة تيّاراً هاماً يترجم موقفاً واعياً أمام حتميّة الموت. نحن أمام فلسفة شاملة لا تعود إلى تاريخ شعب اسرائيل بشكل خاص. فلسفة واقعيّة تقول لنا إن الموت ينتظر جميع الأحياء (أي 30:23). والانسان قصير الأيام (أي 14:1). لهذا يجب أن نحيا ملء الحياة وننعم يوماً بعد يوم بعطايا الله. نقرأ جا 7:14: »في يوم الخير (السعادة) كن بخيرٍ (سعيداً) وفي يوم الشرّ (الشقاء) تأمّل أن الله يرسل الخير والشرّ معاً، لئلاّ يعلم البشر شيئاً ممّا يكون فيما بعد«. لا شكّ في أن سرّ الموت ما زال هنا. بل بقي اللغزَ الذي يطرح سؤالاً على كل التزامات الانسان على الأرض. ونقرأ في جا 9:4 - 6: »فالكلب الحيّ خير من الأسد الميت. والأحياء يعرفون أنهم سيموتون. أما الأموات فلا يعرفون شيئاً، ولا جزاء لهم بعد. وذكرُهم طواه النسيان. حبُّهم وبغضُهم وحسدُهم زال جميعاً، ولا حظّ لهم بعدُ في شيء ممّا يجري تحت الشمس«. هذا ما يلاحظه الحكيم في كل أيام حياته.

ونقرأ في 8:14: »لكن هذا باطل عندي. في الأرض أبرار يصيبهم ما (يجب أن) يصيب الأشرار وأشرار يصيبهم ما (يجب أن) يصيب الأبرار«. هذا الحسّ بمحدوديّة الانسان وبالسرّ الذي يحيط به، دفع الحكيم إلى أن يطلب الاعتدال. وفي النهاية رأى أن كل شيء باطل.

ثانياً: ايوب أو الألم المفرط

ايوب يتطلّع إلى الألم والموت والجزاء، ويبدأ حواراً مع الله يحمل الألم وفي النهاية ينقّيه. فالألم والموت المبكر قد اعتبرهما إيمانُ الشعب نتيجة مباشرة للخطيئة. ونقرأ في 13:23: »كم لي من الآثام والخطايا؟ عرِّفني معصيتي وخطيئتي«. ويتابع في 16:17: »مع أن يدي بريئة من الجور، وصلاتي لا تشوبها شائبة«. وهكذا يطرح أيوب السؤال على الله. عندئذ يكتشف أمرين. الأول، الله لا يُدرك. والثاني الله هو القريب.

اقتنع أيوب أن الله وحده يستطيع أن يفسِّر ما لا يفسَّر. ولكنه غائب غياباً. »ليتني أعرف أين أجده، أو كيف أصل إلى مسكنه. فأعرض أمامه دعواي، وأملأ فمي حججاً« (23:3 - 4). »أسير شرقاً فلا أجد الله، وغرباً فلا أشعر به. أطلبه في الشمال فلا أراه، وأميل إلى الجنوب فلا أبصره« (23:8 - 9). يبقى على الانسان أن يعرف أنه صغير أمام الله. في هذا المعنى نفهم أسئلة يطرحها الله على أيوب: »أين كنتَ حين أسّستُ الأرض؟ أخبرْ إن كان عندك فهم. من أقرّ حجمها إن كنت تعلم، أم من مدّ الخيط عليها فقاسها؟  هل وصلتَ إلى ينابيع البحر، أم تمشّيت في أعماق الهاوية؟ هل انفتحت لك أبوابُ الموت، أم عاينتَ أبواب ظلّ الموت« (38:4 - 5، 16 - 17).

ومع ذلك، فالله قريب من المتألّم الذاهب إلى الموت. فهو يقول في إحدى صلواته: »لي من الآن شاهد في السماوات ومن يحامي عنّي في الأعالي« (16:19). أجل، الاله الذي يتّهمه أيوب هو الإله الذي يخلّص. وأيوب سيعود إلى الله مع أنه رأى في الله »العدوّ« الذي يحاربه. وفي النهاية، هذا الاله سيُقيم صفيّه من على المزبلة ويمنحه الحياة بعد مرض كاد يُودي به: »أعرف أن شفيعي حيّ وسأقوم آجلاً من التراب، فتلبس هذه الأعضاء جلدي، وبجسدي أعاين الله. وتراه عيناي إلى جانبي، ولا يكون غريباً عنّي« (19:25 - 27).

خاتمة

الحياة والموت، مسيرة طويلة قدَّمها لنا الكتاب المقدّس الذي طرح الأسئلة حول المرض الذي يصيب البار والنجاح الذي يناله الشرير. فمع الموت هناك المجازاة. وبما أنها انحصرت في هذه الدنيا، ظلّ الأفق مسدوداً. ولكنه ينفتح شيئاً فشيئاً من خلال العيش اليومي، ومن خلال المحن التي عرفها المؤمن أو عرفها الشعب كله، ولا سيّما خبرة المنفى التي جعلته يخسر كل شيء. ما بقي له سوى الله يتطلّع إليه. ذاك كان وضع أيوب في عُرْيه، فارتفع إلى الله كما لم يرتفع أصدقاؤه الثلاثة الذين أرادوا أن يدافعوا عن الله بطريقة بشريّة فأعطوا صورة سيّئة عن الله.

ولكن المسيرة لم تنتهِ عند القبر بل انفتحت على القيامة، ولا سيّما مع دانيال الذي تحدّث عن قيامة الأبرار وقد رآهم يستيقظون للحياة الأبديّة ويضيئون كالأفلاك في السماء (دا 12:2 - 3). ومع الشبّان المكابيين الذين فضّلوا الموت وهم يمارسون شريعة الله على الحياة في الطاعة للوثنيّة. قال أحد الإخوة: »بإمكانك أن تأخذ منّا حياتنا هذه، ولكن ملك العالمين سيُقيمنا لحياة أبديّة، إذا مُتنا في سبيل شريعته« (2 مك 7:9). ومع سفر الحكمة الذي يجعل المؤمنين في دار الخلود مع الله. فيقول: »أما نفوس الأبرار فهي بيد الله فلا يمسّها عذاب... ورجاؤهم أكيد أنهم خالدون« (حك 3:1، 4).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM