الميمرالسادس
هرون الكاهن[1]
آدم كاهن
من البداية، إذ خلق الربُّ آدم
جعله كاهنًا ليكون قائمًا على خدمته.
بالحقيقة وضع الربُّ حدًّا لآدم:
"من كلِّ الأشجار التي في الفردوس، كُلْ يا آدم (تك 2: 16-17)
5 ولا تقترب إلى الشجرة التي في الوسط.
ففي وقت تقترب إليها تذوق الموت".
حسد الشرّير آدم المصنوعَ على صورة الله
ونصح حوّاء فقطفت من الشجرة وأكلت،
ووهب لآدم فأكل وتجاوز الوصيَّة،
10 وتسلَّط الموت على آدم كما قيل.
من آدم إلى موسى...
مات آدم وكان تسلسل على كلِّ الأجيال
وأتى الموت فبلغ مثل السابي[2] إلى موسى.
أتى بالبطاقة[3] وبيَّنها لموسى كسابي الكلّ.
قرأها الموتُ لموسى ابن عمرام (خر 6: 20) وقال له.
15 قال: "لي دَين عليك بسبب أبيك،
يا موسى، فلا تعبر من هنا إلاَّ وتفيَني
ذنبًا[4] عظيمًا أذنبَ إليَّ آدم بين الأشجار،
وإذا لا تفيني فلا سبيل لك أن تعبر من هنا".
قرأ موسى البطاقة التي تركها آدم وأبوه
20 ورأى أنَّ فيها الموت المخيف لكلِّ أولاده.
كُتب (فيها) هكذا: "أموتُ لأنِّي مستوجب الموت،
ولأنّي خطئتُ وهبتُ الموت لكلِّ أولادي.
الذنب الذي أذنبته أفيه أنا لأنَّه حُكم عليَّ،
فوضعتُ الموت رويدًا رويدًا لكلِّ الأجيال".
25 رأى موسى البطاقة التي صنعها آدم أبوه
فاقترب وذاق[5] كأس الموت بألم عظيم.
كلُّ الأبرار والصدِّيقين، والأنبياء والملوك
ذاقوا كأس آدم الذي تجاوز الوصيَّة.
كلُّ الكهنة الذين حملوا أسرار بيت الله
30 ما تخطَّوا ولا تجاوزوا حكم الذنب.
كلُّ الأنبياء والملوك والكهنة، أولاد آدم،
خضعوا لقصاص أبينا آدم.
حين يقوم الكاهن والنبيُّ والملك عابرًا،
يرى البطاقة فيسلِّم نفسه إلى كأس الموت.
كهنوت بني لاوي
35 وإذ تسلسلَ الموتُ وشرُّه في كلِّ الأجيال،
بلغ إلى هرون الكاهن الزاهي في بيت الله.
وعلَّة الميمر الذي أباشر به هو
على الكهنوت: كيف أتى إلى بني لاوي.
حمله آدم من بداية الأجيال كلِّها
40 وبسطه ووهبه رويدًا رويدًا للذين بعده.
هذا الكهنوت، من أبينا آدم حتّى هرون
بلغ وأتى وتحرَّك، فحمله (هرون) بمحبَّة.
وإذ قام ولبس أسرار بيت الله
وحلَّ وربط بين أهل الأرض وأهل السماء.
45 وإذ قام في قبَّة الزمان على (شعب) إسرائيل
وما كان في كلِّ شعبه من يتجاوز أمره.
وموسى جُعل مثل الله على المخيَّم
فحلَّ وأمر بني يعقوب، مثل الله.
جُعلت مريم (أخت موسى) مثل عروس في بيت الله
50 فأمسكت القيثارة في وسط الأسباط.
وهرون حمل المبخرة ودخل إلى قبَّة الزمان
فأرسل البخور عطرًا وغفر لهم خطاياهم.
طرد الموت المخيف من المخيَّم
بالبخور الذي قرَّب فمنع المُفسد في الحال.
55 خلَّص موسى وهرون الشعب من مصر
وجُعل هرون كاهنًا، تاركًا (الخطايا) وغافرًا.
أرسل البخور فتقبَّلته النار (رمز الله) الخفيَّة
والنار بالنار تهب رائحة قدَّام الناظرين:
"أين رأيتم نارًا تتوقَّد من اللهيب
60 إلاَّ هنا حيث أظهرت النور الخفيَّةُ حبَّها؟"
أرسل هرون نار قلبه عطرًا، في بيت الغفران،
فمنعت (النار) الموت سريعًا من المخيَّم.
* * *
نار هرون منعت الموت[6]
حمل هرون نارًا ونارًا،
وأدخلها قدَّام الله.
65 ورأى الله قلبه
فقبل (النارين) الاثنتين.
حمل نارًا جليَّة بيده،
وبوجدانه نورًا خفيَّة.
حسنت له (لله) نور قلبه،
70 ونارُ يديه قُبِلَتْ.
لو أنَّ نار وجدانه الخفيَّة
لم تكن طاهرة،
لما تقبَّل الله أيضًا
النار التي حملها (بيديه).
75 وبسبب نار وجدانه،
قُبلت نارُ يديه
أي النار الغافرة
التي تترك الذنوب والخطايا.
اقتربوا أيُّها الخطأة،
80 وخذوا الغفران مثل هذه النار.
نار يديه أرسلت عطرها
ففرح بها الملائكة في العلاء.
ونار وجدانه أرسلت عطرها،
ففرح بها الربُّ في الأعالي.
85 حيث هدَّد الملاك
بأن يحمل الهلاك إلى المخيَّم
حمل المبخرة مليئة نارًا،
وخرج ومنعه (= المهلك) عن الشعب.
رأى الملاكُ النار
90 فهرب من ضيائها.
رأى هناك نارًا خفيَّة،
فارتعد من منظرها.
هرَّبت النارُ الملاك
وكسرت الرمحَ الذي أمسكه.
95 بأمر الله،
منع الكاهنُ الوباء.
وبواسطة عطره
منع الملاك بحيث لا يُفسِد.
إلعازار يتعلَّم من هرون[7]
وحين اضطرَّ أن يموت
100 لم يُسأل عن الموت
بين الله والشعب.
قام هرون في كلِّ ساعة
وبواسطة إشارة من الله
جُعل آمرًا في الشعب.
105 ووقف إلعازار
داخل قبَّة العهد وتطلَّع
لكي يتعلَّم كيف يقوم
على خدمة الله.
ورأى أباه في كلِّ ساعة
110 كيف يُصعد الذبائح
لكي يصعد هو أيضًا مثله
في النقاوة والقداسة.
إذا كان الصبيّ يتعلَّم
كيف يقف على الدرج (= درج المذبح)
115 تنقّى وصفا وجدانه.
وازدهى تفكيره كلُّه
وفي قبَّة العهد
أكمل تدبير العفاف.
قام هرون أبوه
120 ولبس ثيابَ الكهنوت
لباس الخدمة البهيّ.
نارًا نزلت من الأعالي
وُضع الإكليل على رأسه
والمنصفة فوق جسمه.
125 ولبس البدلة، في الحقيقة،
وعلَّق عليها أحجارًا كاملة.
أجراس الذهب في لباسه
فجُعل حبرًا لله.
ودخل فغفر الذنوب،
130 في قبَّة العهد كما كُتب.
إلعازار يتسلَّم الأسرار من هرون
قال الله لموسى:
"جعلتُك إلهًا لفرعون
وهرون أخون يكون لك
مترجمًا للشعب العظيم" (خر 4: 16).
135 وحين تخرجون من مصر،
حينئذٍ تخدمون الكهنوت.
يليق بمثل هذا الرجل
أن يخدم بيت أدوناي (السيِّد الربّ)،
ويدبِّر بالبرارة
140 الكهنوتَ الذي أوكلَ به.
وحين يقوم في قبَّة العهد
وابنه معه في بيت القدس
ويتعلَّم أسرار الكهنوت
ويكمِّل في تدابيره
145 يعلِّمه أبوه
كيف يحمل بخور الغفران
وكيف يدخلُ
ويدعو الله بنقاوة القلب".
وحين خدم إلعازار الصبيّ
150 في قبَّة العهد
استيقظ الدين العموديّ
ليطالب هرون بما له عليه:
بلغ الزمانُ
لكي يسلِّم هرون الأسرار
155 وزمنُ إلعازار
يدخل ويقوم في مكانه
إذ كان هرون لابسًا الكهنوت
وقائمًا في بيت القدس
استيقظت بطاقةُ آدم
160 لتطالب هرون بما لها عليها
هذا الذي خدم الكهنوت.
أربعين سنة في قبَّة العهد
ما استطاع أن يزيل عنه
صكَّ الدين العموميّ.
165 هذا الذي غفر للشعب
وما تسلَّك عليه ملاك الغضب،
ما استطاع أن ينجو
من البطاقة التي كتبَ آدم.
هذا الذي طرد بواسطة عطره
170 الموتَ والملاك
ما استطاع أن ينقذ نفسه
حين لاقاه كأس الموت.
ساعة موت هرون
حين بلغ الزمان
ليذوق هرون طعم الموت،
175 دعا الربُّ ابن عمرام (= موسى)
وتكلَّم معه وقال له:
"يا موسى، اسمع ما أقول لك
لا تحزن على هذا (الأمر)
ولا يقنطْ وجدانُك
180 بخبرٍ يسقط في مسمعك.
لا يتبلبلْ تفكيرك
فتتسلَّط الشدَّةُ على قلبك.
لا تُجرِ عيناك الدموع
بسبب الألم الذي أكلِّمك به.
185 لا أرَ فيك حزنًا
بهذا السرِّ الذي بيني وبينك.
ولا تأتِ إلى قطع الرجاء
فتكون ضعيفًا مثل كلِّ إنسان".
حينئذٍ ردَّ موسى الكلام
190 وقال لله:
"ما تشاؤه عظمتُك
أنا فاعلُه بحسب مشيئتك".
قال الربُّ الرحيم:
"ها أنا أقولُ لك، يا موسى،
195 بلغ زمان أخيك
ليخرج من هذا العالم.
بلغ زمانُ أخيك،
ليقوم آخر مكانَه.
بلغ زمانُ أخيك
200 ليخلع ثيابَ خدمته.
والآن، يا موسى ابن عمرام،
اسمع ما أقول لك:
قمْ اقتدْ أخاك هرون
وخذ معك إلعازار.
205 واصعد إلى أحد الجبال
الذي أقول لك.
ثلاثتكم، بالبشاشة،
كمِّلوا الأسرار فيما بينكم.
لا تبكِ، يا ابن عمرام،
210 ولا تحزنْ على هرون أخيك.
لا يتضايق! فلا سبيل له
إلاَّ أن يشرب كأس الموت.
ولإلعازار قُلْ
بأن لا يضطرب وجدانُه
215 حين يرى هرون أباه
يُدفَن على رأس الجبل".
* * *
موسى وهرون وإلعازار على الجبل[8]
دعا الربُّ موسى عبدَه وتكلَّم معه:
"قم خذ هرونَ أخاك، كما أمرتَ.
وخذ معه إلعازار فيذهب معك.
220 فعليه أن يصعد ويلبس ثياب القدس
وعليه أيضًا أن يدخل ويقوم مكان أبيه.
وإيّاه أصنعُ راعيًا ليقوم على الرعيَّة
وإيّاه أقيمُ كاهنًا ليغفر (لبني) إسرائيل.
وإيّاه ألبس البدلة وتاجَ هرون أبيه.
225 أنت مُرْهُ بهذه الكلمات التي قلتُ لك
فينقّي نفسه من كلِّ الشرور ويقدِّسها.
فلا أرى فيه إثمًا وشرًّا في شكل من الأشكال.
ولا يقترب منه مكرٌ بغيض فيتدنَّس به".
بهذه الأقوال تكلَّم الله
230 فسمع موسى كلَّ ما قاله له بحبٍّ عظيم.
ودعا موسى هرون أخاه وإلعازار،
وتكلَّم معهما بأقوال الألم والحزن:
"نشأتْ لي طريق، ولك يا هرون (ولك) يا إلعازار:
فالربُّ قال لي بأن نصعد إلى جبل هور[9]".
235 أخذ موسى هرون وإلعازار
وخرجوا سائرين إلى جبل أور كما أُمر.
موسى يودِّع هرون
وصلوا، بلغوا إلى رأس الجبل، كما تعلَّموا،
وشرع موسى يعزّي هرون أخاه
بمثل هذه (الأقوال) قال الأخ لأخيه،
240 بألم عظيم وحزن استوليا عليهما.
قال موسى: "أجلو لك، يا أخي، الأسرار التي لي،
ولا سبيل لي أن أجعلوها حقًّا.
كما العضو يلازم رفيقه أنت تلازمني،
وإلى مصر دخلنا كأنَّنا واحد لأنَّ الربَّ أمرنا
245 وصنعنا أيضًا العجائب بين المصريّين كأنَّنا واحد.
وإذ وقفتُ قبالة فرعون، أنت عضدتَني
وإذ تحوَّلت العصا إلى حيَّة، أنت رميْتَها
وإذ وقف السحرة قبالتنا، كنّا مثل واحد.
وإذ صارت عصيُّهم تنانين كنّا قريبَيْن (الواحد من الآخر)
250 وما ابتعد الواحد عن الآخر بين المصريّين.
وأتى الموت وها هو يفصلنا الواحدُ عن رفيقه
وأمرُ الربِّ يتمُّ فينا بحسب مشيئته.
أدَّيتَ لي، يا هرون، الحسنات الصالحة، كما يليق
وتمَّمتَ نحوي حبَّ الأخ الذي لا عيب فيه.
255 والآن، يا هرون، يُعرَض عليك الدين العموميّ
ولا سبيل لك إلاَّ أن تشرب كأس الموت
ها قد أتى الصكُّ الذي تركه آدم
والأخُ لا يقدر أن يخلِّص أخاه، كما كُتب.
والآن، يا هرون، لا تحزنْ إذ بلغ أجلُكَ
260 ولا يكن فيك فكرٌ واحدٌ من الحزن.
انظر! لا تكن غريبًا عن الربِّ بسبب الكآبة،
لأنَّه ليس بين المولودين من لم يَذُقْ كأس الموت.
آدمُ ذاته وها هو يتسلسل إلى كلِّ الأجيال،
لا تحزن، فابنك يقوم كاهنًا بدلاً عنك.
265 شاء الربُّ للصبيِّ أن يدخل ويمسك مكانك
هو (الربُّ) قال لي: إلعازار يكون كاهنًا بدلاً عنك.
إلعازار يتسلَّم شارات الكهنوت
حينئذٍ أشار الربُّ إلى موسى وقال له:
"لماذا تقف؟ اقترب وانزع عن هرون أخيك ثيابه.
ارفع عنه لباسَ القدس، لباس الأحبار
270 وألبسها لإلعازار الكاهن الذي اخترت.
ارفع عنه كلَّ رتبة بني لاوي
وانزع عنه الثياب فيمضي قبالة الموت عاريًا.
عاريًا وقف أبوك[10] آدم بين الأشجار
وأنت انزع عنه ثياب الكهنوت وحُلَّه فيمضي.
275 دخل إلى العالم بالقداسة وما تدنَّس
وبما أنَّه ما خطئ تجاهي، آخذه بالقداسة".
اقترب موسى قبالةَ أخيه كما أُمر،
ورآه هرون آتيًا قبالته فحنى رأسه.
وهبَ هرون الكاهنُ نفسه لتُنزعَ عنه
280 ثيابُ الكاهن، ثمَّ يذهب إلى العالم الجديد.
اقترب موسى وألقى يديه فوق رأسه،
ونزع عنه إكليل المجد ووهبه لابنه.
رفع عنه العمامة المحبوبة التي كانت مربوطة،
ووهبها لابنه ليدخل ويقوم على خدمته (= خدمة الله).
285 رفع عنه البدلة التي لبس، والمنصفة،
وألبسها لإلعازار قدَّام أبيه.
وقف هرون يتطلَّع فيه وهو ينزع عنه ثيابه
وما تضايق لأنَّه رفع عنه لباس القدس.
نُزِلَتْ ثيابه فصار عريانًا من الكهنوت[11].
290 واقترب الشابُّ وتقبَّل أسرار بيت الله.
وقف هرون وتطلَّع عندئذٍ بابنه
الذي لبس (له) ثيابه وازدهى وقام مثل لاوي.
تطلَّع بالكاهن الشابِّ والحبر الزاهي
ففرح به قبالته، وابتهج قلبه لأنَّه صار بدلاً عنه.
295 لبس الإكليل والبدلة والعمامة مع المنصفة
ولبس الحلَّة، والزنّار أيضًا فوقها كلِّها.
والسروالَ وأجراس الذهب المرتَّبة فيه
والرمّانات الاثنتي عشرة التي تصوِّر سرًّا عظيمًا.
مثل ختن (عريس) تزيَّن هذا الشابُّ للعرس
300 ليكون كاهنًا في قبَّة الزمان.
وإذ وقف الأخوان (موسى وهرون) على رأس الجبل
وهرون منزوع الثياب مثل آدم بين الأشجار.
وإلعازار لابس كهنوت بيت الله
وقف موسى وهو يحبس أحشاءه لئلاَّ يبكي.
305 من له قلبٌ كالصخر ولا يبكي
إذ يرى هرون منزوع الثياب وقريبًا من الموت!
من رآه منزوع الثياب وواقفًا من دون الكهنوت
ولا يأتي بجداول الدموع من عينيه!
* * *
موسى يُطلق هرون[12]
أشار الربُّ إلى ابن عمرام:
310 "لماذا أنت واقفٌ، يا موسى؟
اقترب وهب السلام لأخيك.
وأطلقْه لكي يمضي إلى موضعه.
ها هو الملاك واقف
ويتطلَّع إليك متى تطلقه.
315 فإن كنت لا تهب له السلام
لا يأخذه الملاك.
إن كنتَ لا تطلقه، يا موسى،
لا يتسلَّط عليه الموت.
اقترب يا موسى واغمض (عينيه)
320 لأنَّك تأخَّرتَ كثيرًا على الجبل
لئلاَّ يصنع الشعبُ صنمًا
ويسجد له كما اعتاد"[13].
قال موسى لله:
"كيف أقترب وأغمض (عينيه)؟
325 فهو واقفٌ ويتكلَّم معي.
كيف يمكن أن تُغمَض؟"
قال الربُّ لموسى:
أنت هب له السلام فقط
وفي الحال يأتي الملاك
330 ويأخذ نفسه من جسده".
وإذ كان ابن عمرام واقفًا
وهو يتكلَّم مع الله،
اقترب الشابُّ من أبيه
وأحنى رأسه وسجد له.
335 بمثل هذه الأقوال
توجَّه إلعازار إلى أبيه:
هب لي، يا أبي، البركات
وبعدها تمضي من عندي.
هرون يبارك إلعازار
حينئذٍ فتح أبوه فمه
340 ورفع عينيه إلى السماء
وبالدموع وبالتنهُّدات
قرَّب صلاته لله:
"الله الذي وقفتُ قدَّامه
بالنقاوة والقداسة،
345 هو يبارك شبابك، يا ابني
ويهبك بمراحمه قدَّام الشعب.
الابن الذي سيكون ولدًا[14]
ويخلِّص العوالم بنعمته
هو يمنحك التدابير (أو: السيرة)
350 التي ترضي الله.
الجبّار الذي بإشارة منه
أتى كلُّ شيء إلى الوجود
هو يهب لك الضمير
الذي به يرضى الله.
355 الديّان الآتي ليدين
براياه، في آخر الأزمنة،
هو يهب لك في كلِّ وقت
أن تخدم قدَّامه بالنقاء.
ذاك الذي منحني الكهنوت
360 فوقفت قدَّامه بالنقاء
هو يهب لك
أن تغفر الخطايا والذنوب في المخيَّم،
ويتقبَّل من يديك
العطر النقيَّ والمقدَّس.
365 الربُّ الذي وهب الكهنوت
لملكيصادق الكاهن العظيم
هو يهب لك الكمال
في الدرجة التي قبلتَ اليوم.
القوَّة التي لبسها العلويّون،
370 في خدمة النار والروح
تزدهي في الخدمة
وتتغلَّب على كلِّ الشرور.
الصالح المليء بالبركات
والذي لا تُكال مراحمه،
375 هو يفتح باب مراحمه
ويستجيب لك سؤالاتك.
البارُّ المليء بالأفراح
والذي انتظره الأبرار
هو يهبك الأفراح
380 لتفرح بها كلَّ أيّامك.
نتيجة البركة
إليك يستمع اللاويّون
وبإشارة منك يسيرون
ويخاف الشعب (من الوقوف) قدّامك
ولا يعصون كلمة من فمك.
385 منك يأخذ بنو إسرائيل
الشرائع والوصايا.
وفي كلِّ أجيال العوالم
يخرجُ خبرُ كهنوتك.
ويكون لك الربُّ رفيقًا
390 وحارسًا في كلِّ وقت.
وهو يأتمنك على الكهنوت
الذي يريح لاهوته.
رجاءً صالحًا يكونُ لك
الإله سيِّدُ الكلّ.
395 ويقوِّم كلَّ أفكارك
لئلاَّ تتيه عن معاشرته.
هو الله يكون لك
آمرًا ومدبِّرًا
بكلمة فمه تتدبَّر (تسير)
400 ولا تميل عن وصاياه.
أنت الآن فلاّحٌ عنده
فلا تتوقَّف عن الفلاحة له.
انظر أن لا تميلَ عن طريقه
وتكون لك مثل غريب (عنها).
405 صلواتُ هرون أبيك
تكون لك رفيقًا صالحًا.
وهي تحفظ طرقك
قدّام تابوت عهد الله.
القدّوسُ الذي يفتح بابه
410 لكلِّ من يدعوه بحبّ
هو يقبل بركاتك
وصلواتك وطلباتك، يا ابني.
السماويّ والأرضيّ[15]،
ذاك الذي في العلوِّ وفي العمق
415 هو يهب لك بأن تحسن له.
بأعمال البرارة
ثالوث اللاهوت
يكون لك حارسًا
ويحرسك على الدوام
420 في النهارات والليالي".
صلّى هرون هذه (الصلوات)
على الشابِّ إلعازار
فسمعَ الله صلاته
كما اشتهى وجدانُه.
425 واقترب موسى من أخيه
كما أمره الله
وعانقه بحبٍّ وقال له:
"امضِ، وليكن الربُّ معك!"
الحوار الأخير بين موسى وهرون[16]
قال موسى:
430 "امضِ بالسلام، يا أخًا حقيقيًّا كان معي".
قال هرون:
"ابقَ بالسلام يا أخًا لم يحفظ حقدًا على أخيه".
قال موسى:
"امضِ بالسلام أيُّها الكاهن المحبوب في بيت الله".
435 قال هرون:
"ابقَ بالسلام يا أخًا محبوبًا أحبَّه ربُّه".
قال موسى:
"امضِ بالسلام يا كاهنًا أصعد ذبائح سلاميَّة"[17].
قال هرون:
440 "ابقَ بالسلام يا أخًا عمل كلَّ أعمال جبّارة".
قال موسى:
"امضِ بالسلام يا كاهنًا أتمَّ مشيئة ربِّه".
قال هرون:
"ابقَ بالسلام يا أخًا أنزل المنَّ للشعب".
445 قال موسى:
"امضِ بالسلام يا كاهنًا غفر خطايا الشعب".
قال هرون:
"ابقَ بالسلام، يا موسى، الذي فلق البحر العظيم".
قال موسى:
450 "امضِ بالسلام لأنَّك لازمتَني في هذه كلِّها".
وانتقلت نفسُ هرون[18]
ما إن قبَّل موسى هرون، كما أُمر،
حتّى انتقلت نفسه بسرعة من داخل جسده.
أمرَ الربُّ النفس فانتقلت من رفيقها (الجسد)
أمرَ العصفورَ فرفع جناحه من داخل عشِّه.
455 أمرَ الحمامة فطارت وانتقلت وبدَّلت مكانها.
ولبث الجسدُ على التراب نظيره.
مات هرون على جبل هور، كما كُتب.
وقام بدلاً عنه كاهنٌ جديد يخدم مكانه.
وقف موسى وإلعازار بحزن كبير
460 وعلى رأس الجبل تراءت آيةٌ مدهشة:
هرون مرفوع قدَّام أخيه وقدَّام ولَده.
وحذرا أن يكون الحزنُ فيهما
أيُّ أخ يرى أخاه يُدفَن
ولا يبكيه إذ ينفصل الواحدُ عن رفيقه.
465 ما وهب موسى فرصة للضيق فيتسلَّط عليه
لأنَّه عرف أنَّ لله عالمًا آخر
والشابُّ إلعازار، وقف وتطلَّع في أبيه
وإذ هو يبكي ضبط أحشاءه وهدَّأ حداده
حافظ الوديعان على هذه الوصيَّة التي أمرَ بها الربّ:
470 كما أُمِرا هكذا أتمَّا على رأس الجبل.
دفنة هرون
مات هرون وقاما بالخدمة بحسب الناموس،
وأتى الربُّ معهما ليرافق هرون الكاهن.
شرعوا في التراتيل الروحيَّة وهم واقفون
وأتت بسرعة أجواق الملائكة من العلاء.
475 فتحوا أفواههم ليمتدحوا الترابيّ (هرون)
بأصوات مدهشة وبتهاليل روحيَّة)
اختلط تسبيح الملائكة مع تسبيح الأرضيّين.
ورنَّموا هناك بأقوال مدهشة على اللاويّ (هرون).
ولمّا تمَّت خدمةُ السماويّين
480 صلّى الكاهن الجديد الذي صار الآن (كاهنًا) وأتمَّ
رافق اللاويَّ بمجد عظيم
وقبرَهُ الربُّ وموسى والشابُّ مع الروحيّين.
كفَّنه الأرضيّون وقبرَه السماويّون
وخرجت بإشارة إلى الملائكة بأن يرتفعوا.
485 رسمت أسواق اللهيب (طريقًا) على رأس الجبل
لترافق هرون الكاهن المميَّز إلى هناك
النهارَ كلَّه كانت على الجبل أجواقُ النور،
النهارَ كلَّه اشتعل (الجبل) باللهيب.
على رأس الجبل اندهش الملائكة بموت هرون:
490 كم أكرمَ الربُّ يومَ موته وأكثر!
يا ربًّا أتى وأمَّن بدمه العلوَّ والعمق،
أمِّنْ بيعتك التي متَّ لأجلها، ولك التسبيح[19].
كمل (الميمر) على هرون الكاهن
[1] الميمر الخامس، ܕܥܠ ܐܗܪܘܢ ܟܗܢܐ، بيجان، الجزء الأوَّل، ص 68-84.
[2] ܫܒܝܐ. هكذا كان العدوُّ الذي ينتصر بسبي الناس ويأخذهم إلى مملكته. والموت انتصر وجاء مع الخطيئة. رج رو 5: 12: دخل الموت ودخلت معه الخطيئة.
[3] ܦܬܩܐ. كلمة فارسيَّة (بتوك). تلتقي مع العربيَّة: طبق. يقال: قدَّم له الشيء على طبق. هي موقَّعة بيد آدم الذي اعتبر أنَّه غُلب. نشير إلى أنَّ اللفظ انتقل إلى اليونانيّ مع معنى بطاقة pittakion. ونقرأ في السريانيَّة أيضًا: ܦܬܩܐ في المعنى ذاته.
[4] نقرأ لفظ ܚܒ بمعانيه المعقودة: وجب عليه، أذنب، غُلب، حكم عليه.
[5] ܛܥܡ: ذاق طعم، استطعم.
[6] ترك يعقوب السروجيّ الوزن الذي نعرفه (6+6 مقاطع)، وأخذ بالوزن الأفراميّ (7+7 مقاطع)
[7] عد 17: 1-2: قل لإلعازار بن هرون الكاهن...
[8] هنا نعود إلى الوزن اليعقوبيّ.
[9] نتذكَّر أنَّ "هور" يعني الجبل. وهكذا لا يتوضَّح موقع ذاك الجبل. رج عد 20: 25.
[10] وبالأحرى: أبونا.
[11] ܟܘܡܪܘܬܐ. حرفيًّا: الحبرويَّة، نسبة إلى الحبر.
[12] نعود هنا إلى الوزن الأفراميّ.
[13] ذاك ما حصل حين صعد موسى إلى الجبل ليأتي بلوحي الوصايا. رج خر 32: 1ي.
[14] يتوجَّه هرون إلى ابن الله الذي وُلد من البتول (غل 4: 4). فإلعازار يكون كاهنًا على صورة يسوع الكاهن: هو الابن والجبّار والديّان...
[15] يسوع هو ابن السماء وابن الأرض. هو ابن الله المتجسِّد.
[16] العنوان: مار يعقوب، مار بالاي. ولكنَّنا لسنا أمام وزن بالاي المكوَّن من 5+5 مقاطع. فنحن هنا في وزن مثمَّن أي 8+8 مقاطع.
[17] هي ذبائح توحِّد المؤمن بالربِّ وتجمعه مع الأهل والأقارب، من خلال الذبيحة التي يشارك الجميعُ فيها.
[18] نعود هنا إلى الوزن اليعقوبيّ.
[19] تألَّف هذا الميمر (أو: المقال) من مقاطع أُخذ أكثرها من السروجيّ، وبعضها من أفرام السريانيّ، وقسم صغير من بالاي، إن صحَّ أنَّ بالاي كتب شعرًا في ثمانية مقاطع (8+8). وهكذا لا نكون أمام ميمر سروجيّ، بل ميمر ليتورجيّ جُمعت أجزاؤه في القرن 7-8، بدءًا بيعقوب الرهاويّ المتوفّي سنة 708. أمّا نحن فنقلناه كما هو لأنَّه يقدِّم صورة عن الكهنوت على ضوء شخص هرون وابنه إلعازار. فالكاهن يجب أن يتحلّى بالنقاوة والقداسة، فيبتعد عن كلِّ عيب ونجاسة.
انطلق النشيد من آدم الذي كان الكاهن الأوَّل، وإذ خطئ وجب عليه أن يموت. وكما انتقلت الخطيئة والموت من آدم فوصلت إلى البشر، انتقل الكهنوت فوصل إلى هرون وبني لاوي، بانتظار أن ينتقل إلى إلعازار. ونلاحظ أنَّ موسى نزع الثياب عن هرون قبل أن يموت، فلو لبثت عليه حين مات، لكانت تنجَّست وما عادت تصلح لأن يلبسها ابنه إلعازار. وأتت صورٌ من أفرام يصف بها ممارسة الكاهن والمسيرة التي يجب أن يسيرها. تدرَّب إلعازار على يد أبيه، كما كان الكاهن يتدرَّب على يد الأكبر منه قبل تنظيم المدارس الإكليريكيَّة.
لماذا الكاهن؟ لكي يواصل عمل يسوع التكفيريّ: هناك صكٌّ مدوَّن في بطاقة يجب أن يُدفَع، لهذا لم ينتقل الكهنوت إلى إلعازار إلاَّ بعد موت أبيه. مع أنَّه ارتدى الثياب الكهنوتيَّة المصوَّرة في سفر الخروج، والتي بقيت آثارها بشكل خاصّ في الطقوس السريانيَّة.
وقبل أن يموت هرون، بارك ابنه وأعطاه البرنامج لحياته وأفهمه ماذا ينتظره من فرح ومسؤوليَّة. طارت نفس هرون إلى السماء، وشارك اللهُ موسى وإلعازار لكي يدفناه، كما حضرت الملائكة "مراسيم الجنازة". كلُّ هذا يدلُّ على سموِّ الكاهن في نظر السروجيّ، بمعزل عمّا يمكن أن يكون اقترف من خطايا، نسيَ السروجيّ أو بالأحرى لمَّح إلى خبرة العجل الذهبيّ، ولكنَّها خبرة صارت بعيدة.