عاموس نبي العدالة

عاموس نبي العدالة
1- عاموس نبي من بين الرعاة والفلاحين
كان عاموس يرعى الغنم في البرية ويعمل في الحقل أيام الموسم في مملكة الجنوب في منطقة تقوع، قرب بيت لحم، فاختاره الله سنة 750 ق. م ليكون رسوله في مملكة الشمال.
"اني لست نبياً ولا ابن نبي، انما أنا راعي بقر وجاني جمَّيز، فأخذني الرب من وراء الغنم وقال لي الرب انطلق وتنبأ لشعبي اسرائيل" (7/14- 15).
كان عاموس من صفوة الانبياء لأنه لم ينتم إلى جماعة الانبياء العرّافين ولا إلى كهنة الهيكل، ولا إلى مستشاري البلاط، وقد كثرت في الكتاب المقدس المقاطع التي تشير إلى وجود جماعات للانبياء. إنه حرّ من كل طبقة. هو النبي في دعوته الخام، لمع شهابه في وقت وجيز، وكان كالبرق قصير المدى، ركالرعد قوي الصدى، ينذر بالعاصفة، فإذا أتت غاب وانتهى.
ولم تدم رسالته بضعة أشهر حتى منعه الكاهن اماصيا من التنبؤ في بيت ايل، لانه أنبأ بموت الملك وبجلاء اسرائيل عن أرضه. "فالارض لم تعد تطيق احتمال جميع كلامه". (7/10- 13).
وما يميز عاموس عن سائر الانبياء الذين ظهروا قبله هو انه كان اول من بدأ بتدوين كلامه، فلم يأت كلامه مسموعاً فحسب بل مقروءاً أيضاً. وقد تمت الكتابة بقلمه او بقلم أتباعه لتبقى كلماته محفوظة بين الناس بعد رحيله عن الديار شهادة عليهم.
يقسم الكتاب ثلاثة أقسام: القسم الأول (الفصل 1 و2) فيه سبعة أقوال على الأمم الوثنية القريبة من اسرائيل. أما القسم الثاني (الفصل 3- 6) فهو نبوءات على اسرائيل والسامرة وعظمائها. والقسم الثالث (الفصل 7 و9) يضم خمس رؤى وأقوالاً على الدينونة والخلاص. وأخيراً نبلغ الخاتمة التي تنبئ بآفاق جديدة.
لم يخرج عاموس عن خط الانبياء. فهو مرسل من الله مثلهم ليذكّر الناس بالعهد ويدعو الى تجديد روحي سريع.
وإذا أردنا أن نلخص تعاليم عاموس التي يتميز بها عن سائر الانبياء لا نجد كلمة أخرى سوى كلمة العدالة ببعديها العامودي والافقي: العدالة الالهية والعدالة الاجماعية.
فهو يدافع عن العدالة الالهية واضعاً اسرائيل في قفص الاتهام فيكشف جرائمه ويفضح أساليبه ويؤكد أن من حق الله الامين لوعوده أن يتخذ كل الاجراءات الزجرية تجاه من خان العهد ونكر الجميل: "اياكم وحدكم عرفت من بين جميع عشائر الارض. فلذلك سأعاقبكم على جيع آثامكم" (3/2).
ويدافع أيضاً عن العدالة الاجتماعية مطالباً بالنزاهة والصدق ومحبة القريب والعدل: "الويل لكم، انكم تحوِّلون القضاء علقما، وتهملون العدل على الأرض" (5/7 و6/13).
2- عاموس ينادي بعدالة الله
لما بدأ عاموس رسالته في مملكة الشمال كانت الضمائر مخدرة: يعيش الناس وكأن الله لم يكن.
وكان ياربعام الملك وحاشيته في تنعّم واستقرار والشعب في رخاء وسلام، فلا خوف على البلاد من الآشوريين المنهمكين بالحروب مع جيرانهم، ولا خوف من الفراعنة حيث النزاع على الحكم قائم على أشدّه. وتوجهت الانظار نحو الملك الزاهي في مجده حتى لم يبق مكان لله تعالى في قلوب الناس، وتركوه وشأنه ولم يحسبوا له حساباً إلا ببعض طقوس وثنية.
ولكن الله ليس إله المتاحف والمقابر، وليس إله الهياكل والمعابد، بل هو إله حي، واذا أغمض جفنه فلا يعني أنه ينام، واذا أغلق شفتيه فلا يعني أنه فقد الكلام.
ويأتي النبي عاموس ليُخرج الله من صمته ويؤكد ان الله لا ينام أبداً، ويشهد على يقظة الله الدائمة وحضوره المستمر في كل الأحداث وكل الأزمنة: "الله يزأر من صهيون، ويطلق صوته من أورشليم، فتنتحب مراعي الرعاة وييبس رأس الكرمل" (1/2).
أ- يوم الرب
واليك مجموعة من الألفاظ استخدمها عاموس معبِّراً عن غضب الله بلغة من حديد ونار: "أُرسل نارا، أكسر المزلاج، أستأصل الساكن، أهلك البقية، السيف والغضب والحنق والدمار، أضرب البيت الشتوي وأبيد بيوت العاج..."
هي كلمات جديرة بملحمة نضال وثأر وغضب، والله سينتقم فالويل من نقمة الله وحذار من لقاء الرب.
"اني لذلك اصنع بك هكذا يا اسرائيل، وبما اني اصنع بك هذا فاستعد للقاء الهك يا اسرائيل" (4/12).
واذا بالنبي عاموس ولاول مرة في الكتاب المقدس يتحدث عن "يوم الرب": "ويل للمتمنين يوم الرب. ان يوم الرب هو لكم ظلمة لا نور. كما إذا هرب انسان من وجه اسد فلقيه الدب او دخل البيت وأسند يده إلى الحائط فلسعته حية. يوم الرب ظلمة لا نور بل هو ديجور لا ضياء له" (5/18-20).
وهذا التعبير استخدمه الانبياء فما بعد، ولا يزال يستخدم في العربية في ضروب الوعيد "لك يوم يا ظالم "سيأتي يوم".
ب- الاختيار ليس ضماناً بل مسؤولية
إله عاموس واحد ولكنه ذو صفتين متكاملتين: المحبة والعدالة. فالله محبّ في عدله وعادل في محبته.
وما كان الله ليرضى أن تذهب الواحدة ضحية الاخرى وأن يستغل الانسانُ محبته متناسياً عدالته كما فعل الشعب أيام عاموس لما اعتقد انه ضَمَن اختيار الله فغدا بعيداً عن سخط الله، ونسي أن الاختيار يتطلب المسؤولية وتأدية الحساب كما يقول عاموس: "بالسيف يموت جميع خطأة شعبي. القائلون ان الشر لا يدانينا ولا يدركنا" (9/10).
يُظهر لنا عاموسُ وجهَ الله الديّان دون أن ينسى وجهه الحنون الصفوح كما يقول: "فندم الرب على ذلك، وذلك ايضاً لا يكون، قال السيد الرب" (7/6).
ج- الله يرفض العبادات الخارجية
جاء عاموس ليحارب على جبهتين: يحارب الوثنية مؤكداً وحدانية الله، ويحارب الطقوس العقيمة معلناً أنها مرذولة من لدن الله.
اليكم هذه الاناشيد الجميلة عن الله وهي تشير إلى مدى تأثّره بالطبيعة وليالي الشرق التي تدعو إلى مناجاة الخالق:
"فانه صانع الجبال، خالق الريح، المبيّن للبشر ما فكره، الجاعل الظلمة فجراً، الواطئ مشارف الأرض، واسمه الرب اله الجنود" (4/13).
"وانه خالق الثريا والجوزاء ومحوِّل الظلمات صباحاً ومعتِّم النهار بالليل الذي يدعو مياه البحر فيفيضها على وجه الارض واسمه الرب" (5/8).
أرأيت شفافية هذا النشيد. انه نشيد الكون كما فهمته المزامير ورسائل بولس ومن بعدهم فرنسيس الاسيزي وتيار دي شاردان. فالله هو خالق الكل وفوق الكل وفي الكل.
ولكن إله عاموس ليس إلهاً قبلياً، وإذا لقّبه بإله الجنود فما ذلك الا ليشير إلى جبروته وقدرته. والله هو للجميع، يهتم بالوثنيين كا يهتم بالشعب المختار. اقرأ معنا هذه الاسطر لتتأكد صحة هذه الشمولية في التفكير النبوي:
" ألستم كبني الكوشيين يا بني اسرائيل يقول الرب: الم أخرج اسرائيل من أرض مصر والفلسطين من كفتور وآرام من قير" (9/7).
ويدوّي صوت الله بلسان النبي ليرفض العبادات الكاذبة بقوله "لقد أبغضتُ أعيادكم ورذلتها ولم تَطِب لي احتفالاتكم. اذا أصعدتم لي محرقاتكم وتقادمكم لا أرتضي بها، ولا ألتفت إلى ذبائح السلامة من مسمناتكم. أقصِ عني زجل أغانيك فاني لا أسمع نغم عيدانك. بل ليجرِ القضاء كالمياه والعدلَ كنهر لا ينقطع". (5/21- 27).
د- الله يرأف بالبقية
إن النبي لا يتكلم فقط باسم الله، بل يرى الأحداث بعين الله فهو صوت الله وعين الله. انه يقرأ المستقبل على ضوء الماضي واشارات الحاضر، ويهبّ لتدارك الخطر، فهو يصحو حيث الآخرون ينامون، ويلتهب نارا حيث الآخرون يلهون.
ولمّا كان كل شيء في المملكة أيام عاموس يشير إلى الهدوء: السياسة في أمان، والدين في ركود. والشعب في اكتفاء، كان النبي يعلّم بأن الخطر وشيك وأن الغاصفة على الابواب. فالسامرة ستقع في أيدي الاشوريين القادمين من الشمال الذين سيسلبونها ويَجلُون أهلها. وهذا ما تحقق بعد بضع سنوات، لأن الله عندما يتكلم ينفّذ كلامه.
"ها أنذا أقيم عليكم يا آل اسرائيل، يقول الرب اله الجنود، أمّة فيضايقونكم من مدخل حماة إلى وادي العربة". (6/15)
ولكن الله في سخطه وعدله يبقى رحيماً ولا ينسى وعده، فكيف يبيد الشعب بكامله اذا كان منه سيأتي الخلاص؟ والجواب يأتينا من عاموس بفكرة جديدة تبعث الأمل والرجاء: ستظل بقية باقية تتحقق فيها المواعيد المسيانية:
"فعسى الرب اله الجنود أن يرأف ببقية يوسف" (5/15).
فالشعب سيمر في المحنة كما تمر الحنطة في الغربال، فالضعيف سيقع وأما الصالح فيبقى، والخاطئ سيموت وأما البار فسيحيا، والشرير سيضمحل وأما الامين فسيعود من السبي ليبني الارض من جديد: "وأهزّ آل اسرائيل في جميع الامم هز الحنطة في الغربال فلا تسقط حصاة على الارض... وأردّ سبي اسرائيل فيبنون المدن المخرّبة ويسكنونها، ويغرسون كروماً ويشربون من خمرها، وينشئون جنات ويأكلون من ثمارها (9/8- 15).
3- عاموس ينادي بالعدالة الاجتماعية
كانت الصدمة قوية والدهشة عنيفة لما وصل عاموس إلى السامرة ووجد -فيها الترف والبزخ والفجور، فمن أين للشعب المصطفى بحبوحة العيش هذه- بعد حياة البداوة؟!
وكانت الصدمة أعنف لمّا رأى عاموس ذلك البون الشاسع بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء. ومَثَله كمثل من يزور العواصم الكبيرة ويكتشف بلوعة اكواخ الفقراء بجوار ناطحات السحاب.
- عاموس يثور ضد الواقع
وراح عاموس يرفض الواقع وينقد المجتمع ويسير ضد التيار. وكيف لا يسعى إلى قلب العادات السائدة والمتعفنة بعد أن اصطدم بالمكاسب الخاصة وجشع الأغنياء وظلم الحكام. فلم يرسله الله للسياحة بل ليكون صفارة انذار وصرخة خطر تدخل الآذان دون استئذان.
"اسمعي هذه يا بقرات باشان التي في جبل السامرة التي تظلم الفقراء وتضغط المساكين وتقول لسادتها: هاتوا فنشرب. بقداسته أقسم السيد الرب أن ستأتي عليكم أيام يأخذكن العدو فيها بالكلاليب ويأخذ أعقابكن بشصوص السمك. فتخرجن من الثلم كل واحدة على وجهها وتطردن إلى حرمون، يقول الرب" (4/1- 3).
عاموس لا يمضغ الكلمات ولا يحسب للناس حساباً ولا يعرف الحلول الوسطى. فكل شيء بالنسبة إليه معدن صاف ونور باهر. انه يرفض المداهنة والمجاملة والتملق، ومتى كان الله يرف التملق؟
"هكذا قال الرب: إني لأجل معاصي اسرائيل الثلاث والاربع لا أعود عن قراري، لأنهم باعوا الصدّيق بالفضة والمسكين بنعلين. وهم انما يبتغون أن يغطي تراب الأرض رأس الفقراء ويصدون طريق البائسين" (2/4- 11)
عاموس بشر بين البشر، يعيش آلام الناس ويدافع عن المظلوم بأسلوب واقعي وصريح ومباشر، ويتكلم باسم من لا يستطيع الكلام.
"فاني عالم بمعاصيكم الكثيرة وخطاياكم العظيمة، تضايقون الصديق، وتأخذون الرشوة، وتحرمون حق المساكين في الباب (أمام القضاء)، لذلك يسكت العاقل في ذلك الزمان لانه زمان السوء (5/10- 13).
4- العهد الجديد يتابع رسالة عاموس
لم يخرج العهد الجديد عن هذا الخط فكان فيه لعاموس مكانة خاصة. لقد ذُكرت كلماته في سفر الرؤيا (10/7) وفي أعمال الرسل 15/16 و7/42 بشكل صريح ولكن أفكاره ورسالته كانت جزءا من الديانة المسيحية التي وجدت في محبة القريب تتمة لمحبة الله، وفي العدالة البشرية طريقاً للسلام مع الناس والله (1 يو 4/19- 21).
وعلى غرار عاموس لم يكن المسيح رجل هيكل أو خادم بلاط، بل رجل الترحال والتجوال يتكلم باسم الرب، وينبئ بفجر جديد، ويرى في عمق الزمان ليصبح الافق البعيد قريباً من كل انسان يريد الخلاص. وحاك حول الرعاة والفلاحين أجمل أمثاله فهو من بسطاء القوم واليهم تحدّث وبشّر بالعدل والمحبة تجاه الله والقريب.
آ- المسيح يتحدث على محبة الله
ألم يتحدث المسيح عن يوم الحساب عن يوم الرب وهو يوم الدينونة العظمى حيث ستظهر عدالة الله في أسمى ضيائها (متى 24/26؛ 25/31)؟
الم يأت المسيح ليتابع رسالة الانبياء الأسبقين داعياً إلى العبادة الباطنية؟ "هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فبعيد عني... ليس ما يدخل جوف الانسان ينجسه... ليس من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات. "الانسان سيد السبت."
الم يأت المسيح ليحرر وحدانية الله من الشوائب والشرك؟ لأن الانسان لا يستطيع ان يعبد ربّين الله والمال، فاما ان يعبد الواحد أو الآخر. "اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله".
الم يأت المسيح ليؤكد شمولية الله الذى "يشرق شمسه على الابرار والاشرار" ويعلمنا ان ندعوه "أبانا الذي في السماوات"؟
ألم تكن رسالة المسيح دعوة إلى التوبة والتجديد الروحي والرجاء برحمة الله لنيل الخلاص؟ "توبوا قد اقترب ملكوت السماوات".
وجاءنا الانجيل بكامله بشرى رجاء وأمل كما فهمه الرسل وآباء الكنيسة، ودعوة الى الثبات والصبر "لان من يصبر إلى النهاية يخلص".
وأفضل ما في هذا الرجاء أن الكنيسة أصبحت البقية الباقية كما يقول بولس الرسول: "وكذلك في الزمن الحاضر لا تزال بقية مختارة بالنعمة". (روم 11/1- 7) وهذه الكنيسة التي تحققت فيها المواعيد ستعاني أيضاً المحن وسيهزها الغربال كما جاء في سفر الرؤيا إلى أن تصل إلى كمالها وتصبح البقية أهلا للملكوت الابدي. "أنا البدء والنهاية. من كان عطشان أرويته أنا من ينبوع الحياة مجاناً. سأكون له الها ويكون لي ابناً" (رؤ 21/1- 7).
ب- المسيح يبشر بمحبة القريب والعدالة الاجماعية
وأرى من الضروري الاشارة في هذه العجالة إلى موقف المسيح من الغنى ومن الفقراء وإلى المواقف التي اتخذها ضد كل مظاهر القهر والظلم والترف. أنّى لنا أن ننسى التطويبات ومثل لعازر والفقير، والغني الجاهل. فلم يكن تعليم المسيح كلاماً بل كان عملاً نبوياً. عمل أولاً ثم علّم، فكان مثال الفقير قبل أن يكون إلى جانب الفقير، وسار على خطاه سائر الرسل (يعقوب 4/13).
وهكذا فهمت الكنيسة الأولى هذه الناحية في اختيار التجرد والتقشف والمساواة والعدالة الاجماعية ولنا في كتاب أعمال الرسل خير دليل على حياة المسيحيين المشتركة: "لا يقول أحد منهم أنه يملك شيئاً من أمواله بل كان كل شيء مشتركاً بينها... فلم يكن فيهم محتاج، لأن كل من يملك الحقول أو البيوت كان يبيعها ويأتي بثمن المبيع، فيلقيه عند أقدام الرسل، فيُعطى كل منهم على قدر احتياجه" (4/32- 35).
5- رسالة عاموس دعوة معاصرة
لم ينته زمن الانبياء، فلكل عصر أنبياؤه يحملون المشعل من أسلافهم ويتابعون السير كي ينيروا طريق الانسانية مبشرين بكلام الرب. وهذه البشارة تستحيل إلى صراخ يتمخض عنه عالم الغد.
فرسالة عاموس لم يطوها الزمان وهي لا تزال تدعونا اليوم بلسان جديد ولغة عصرية لنحقق كلام الله في حياتنا اليومية.
ان المسيحي يجد عن حق في الله تعالى أباً محباً وربً، ولكن لا ينسى أنه سيَمثل أمام هذا الاله الديان العادل، فتصبح التوبة المبنية على الثقة والرجاء طريقاً ضرورياً للسير قدماً في الحياة الروحية. "لأن كل شجرة لا تثمر ثمراً طيباً تقطع وتلقى في النار" (متى 3/8).
ويخطئ المسيحي إذا علل النفس بالقول: ان الله اختارني، ونلت المعمودية فضمنت ملكوت السماوات. فليس للمسيحي أي فضل، ولا تكفيه الهوية المسيحية إن لم يتحمل مسؤولية خلاصه بحفظ الوصايا وإتمام مشيئة الله، لان من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي" (متى 12/50).
إن الكنيسة، أم ومعلمة، لا تستطيع اهمال العدالة الاجتماعية لأنها ضرورة ملحة في عالم تخلّفت فيه شعوب لتستفيد شعوب أخرى، وفي مجتمعات مبنية على التفاوت الطبقي حيث يتنعم الغني على حساب الفقير، وفي مؤسسات تفشت فيها الرشوة والربح الحرام وروح الاستغلال والاحتكار... فأنَّى للمسيحي ان يقف مكتوف الأيدي وملجوم اللسان أمام الظلم والجشع واللامساواة وكل أنواع القهر والحرمان التي تمارَس على الأفراد والشعوب.
إن العدالة والرحمة هما من صميم الحياة الانجيلية. فعبثاً يدّعي المسيحي بالمسيحية إن لم يسعَ إلى تحقيق العدالة الاجماعية التي هي طريق السلام.
الخاتمة
لقد ساهم الانبياء في صنع التاريخ لأنه تاريخ الله، وسعوا إلى تطوير الأحداث وقلب المفاهيم لأن الشعب هو شعب الله، فهم من المجتمع واليه. ولم يكن بوسع عاموس ان يتكلم عن الله وباسم الله دون الكلام عن الناس ومشاكلهم لأن الله في قلب كل انسان وكل انسان في قلب الله.
في مجتمعنا المعاصر حيث تخدّرت الضمائر وفسدت الأخلاق ونُودي بموت الله، تأتينا كلمات النبي عاموس من عمق التاريخ بكل قوتها الآنية وقيمتها الثابتة ونضارتها الخالدة لتقول لنا: "اطلبوا الله فتحيوا...
"اطلبوا الخير لا الشر لتحيوا" (5/13).
ان نبوءة عاموس لم تفقد قوتها ومغزاها، بل تدعونا إلى قراءة الازمنة بعين جديدة، بعين الله، لان التاريخ يشيب والزمان يشيخ، وأما كلام الله فلا يشيب ابداً.
بطرس مراياتي
مطران حلب للارمن الكاثوليك

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM