القراءة اللاهوتيَّة والرعائيَّة: يسوع مع فيلبُّس ونتنائيل.

القراءة اللاهوتيَّة والرعائيَّة

يسوع مع فيلبُّس ونتنائيل

بعد أندراوس وسمعان، ها هما فيلبُّس ونتنائيل. واحد دعاه يسوع، والآخر جاء بصديقه إلى يسوع.

1- يسوع وفيلبُّس

"في الغد... من مدينة أندراوس وبطرس" (آ43-44).

تُمثِّل آ43 مسألة غامضة على المستوى الغراماطيقيّ، فقُدِّمت الفرضيّات. من أراد أن يخرج؟ قالوا: يسوع أراد أن يخرج، بحيث لا تكون حاجة إلى ذكر "يسوع" في العبارة التالية، حيث نقرأ: "وقال له يسوع". لا فقط: "وقال له". هذا يعني أنَّ يسوع التقى بفيلبُّس. وهكذا تتبلبل حركة النصِّ إجمالاً، حيث التلميذ يحمل البشرى إلى التلميذ واعتبر Léon-Dufour أنَّ هذا البناء اعتباطيّ، واستند إلى Dodd في تاريخ التقليد ص 303-305. والبرهان: التقى أندراوس "أوَّلاً أخاه سمعان" (1: 41). أما يعني أنَّه التقى "ثانيًا" فيلبُّس؟ إذًا، هو أندراوس الذي استعدَّ للذهاب إلى الجليل في خطى يسوع، والذي كلَّم فيلبُّس.

هذه القراءة تستطيع أن تلقي الضوء على معطية أخرى في هذا المقطع: بما أنَّ أندراوس هو "واحد من الاثنين اللذين سمعا يوحنّا (المعمدان) وتبعا يسوع"، أما يمكن أن نفترض أنَّ الآخر هو فيلبُّس؟ (عكس الذين يقولون هو: يوحنّا الحبيب، أو التلميذ الآخر). ولإسناد هذه الفرضيَّة، نلاحظ أنَّ أندراوس وفيلبُّس ورد اسماهما معًا في بعض لوائح الرسل، أنَّهما من القرية عينها، وأنَّهما يشكِّلان صديقين حميمين: تدخَّل كلُّ واحد بدوره في حدث تكثير الأرغفة (6: 5-9) ومضيا معًا إلى يسوع يكلِّماه عن اليونانيّين الطالبين أن يروا يسوع (12: 22). ثمَّ إنَّ فيلبُّس استعاد في 1: 46 العبارة التي تفوَّه بها حين ردَّ على التلميذين الأوَّلين، دون أن ينال إعلانًا من لدن المسيح.

إذًا، ما الذي حصل؟ بعد أن قضى أندراوس المساء لدى يسوع، تعلَّق به حالاً. أمّا فيلبُّس فاحتاج إلى أن يُدعى بشكل صريح بفم يسوع الذي قال له الآن: "اتبعني". إنَّ أوَّل اتِّصال مع المعلِّم، وجب أن ينضم كلام شخصيّ يسمعه فيلبُّس فيتَّخذ القرار الذي لا رجوع عنه تجاه هذا النداء.

أمّا الخبر الإزائيّ حول دعوة الرسل الجليليّين فينتهي حين يورد موقفهم:  "تركوا كلَّ شيء وتبعوه". أغفل يوحنّا ردَّ فيلبُّس الذي هو "نعم". وهذا ما يبرز سلطان يسوع بكلِّ معنى الكلمة. والإشارة حول مسكن فيلبُّس هي أصيلة، فنسمح للقارئ بأن يأخذ نفسًا قبل الحديث الأخير الذي جاء أكثر توسيعًا.

أوردنا موقف X. LEON-DUFOUR, Lecture de l’évangile selon Jean, t. I, (Paris, Seuil, 1988), p. 192-193. من أجل الاطِّلاع. ولكنَّنا لم نقتنع به. فيبقى أنَّ يسوع هو الذي انطلق إلى الجليل، وأنَّ ذاك الذي رافق أندراوس إلى "بيت يسوع" هو التلميذ الحبيب.

2- يسوع ونتنائيل

"ووجد فيلبُّس نتنائيل... سترى أعظم من هذا" (1: 45-50).

وتقدَّم الخبر أيضًا وبسرعة، بعد أندراوس، بعد سمعان، بعد فيلبُّس، ها هو نتنائيل الذي لا يُذكَر مع الاثني عشر، والذي يُماهى مع برتلماوس. أعلن فيلبُّس، كما أندراوس لسمعان، "وجدناه". من؟ وجاءت عبارة عن طريق المفارقة، وفيها ضمَّ أندراوس سمتين في يسوع، جوهريَّتين في سياقنا: هو المسيح الذي أنبأت به الكتبُ المقدَّسة كلُّها. ثمَّ: هو ابن يوسف من الناصرة. هذه العبارة الأخيرة، وإن تقليديَّة، هي فريدة في فم تلميذ من تلاميذ يسوع. عادة ترد في فم الجمع (لو 3: 23؛ 4: 22؛ يو 6: 42). هو من الناصرة (مر 1: 9؛ مت 2: 23؛ 4: 13؛ 21: 11؛ لو 1: 26؛ 2: 4، 39، 51؛ 4: 16؛ مر 6: 1-6 وز) لا من بيت لحم (يو 7: 41-42).

بدأ نتنائيل فأبعد إمكانيَّة الأصل الجليليّ، لا لأنَّ الناصرة قرية صغيرة وحسب، بل باسم تقليد يهوديّ، بحسبه يجهل الناس من أين يأتي المسيح (7: 27). أمّا جوابه فدلَّ على المفارقة بشكل واضح. فهل سينفتح نتنائيل على واقع لامنتظر أو أنَّه سينغلق على ما يظنُّ أنَّه يعرف عن المسيح؟

ما أراد فيلبُّس أن يشرح له أيَّ شيء، ولد في الكتب المقدَّسة التي ذكرها الآن. بل دعاه بكلِّ بساطة إلى أن يختبر ما اختبره هو: "تعال وانظرْ"، كصدى لكلام يسوع: "تعاليا وسوف تنظران". إذًا جاء نتنائيل. وبدت المفارقة اليوحنّاويَّة مرَّة أخرى (كما في خبر زكّا، لو 19: 1ي: جاء ليرى يسوع، فإذا يسوع ينظر إليه): ما سبق يسوع وشاهده، بل يسوع "رآه" آتيًا إليه، ورآه مستعدًّا للإيمان بشخصه، لا بالكتب المقدَّسة فقط، وكما يفهمها.

ومرَّة أخرى لم يكن يسوع هو الذي دعا نتنائيل. بل التقى به للمرَّة الأولى فدلَّ أنَّه يعرفه في العمق. قال: نتنائيل إنسان "لا غشَّ فيه". وحسب الاستعمال البيبليّ، هذه العبارة تعني: غير محتال (مثل جدِّه يعقوب)، لا دجل عنده ولا كذب (مز 32: 2؛ أش 53: 9)، ما خضع للآلهة الكاذبة فكان أمينًا للإله الواحد (رؤ 14: 5). هو إسرائيليّ أصيل لا يتذرَّع بمعرفته لكي يعفي نفسه من المجيء إلى ابن يوسف (5: 39). ويسوع الذي يعرف خرافه (10: 14) امتدح عند إسرائيل الحقيقيّ الذي انفتح فتقبَّل ذاك الذي دلَّ عليه فيلبُّس أنَّه يُتمُّ الكتب المقدَّسة.

تعجَّب نتنائيل أن يكون يسوع عرفه هذه المعرفة الحميمة. وجاء جواب الربِّ دليلاً على معرفته إيّاه: "حين كنتَ تحت التينة رأيتك". فالتقليد اليهوديّ يستطيع أن يلقي الضوء على هذا الكلام الملغَّز. لسنا هنا أمام حدث من أحداث حياة يسوع، ولا أمام قعدة يهوديّ في أرضه لكي يدرس التوراة: كما قال رابّي عقيبة: صارت التينة في العالم اليهوديِّ، شجرة معرفة السعادة والشقاء. وهكذا يلمِّح الكلام أنَّ نتنائيل حين درس الشريعة، استعدَّ للقاء يسوع نفسه، بحيث يختار السعادة إذا تبعه، أم الشقاء والحزن إذا رفضه على مثال الشابّ الغنيّ (مر 10: 22).

كان ردُّ نتنائيل خطوة تجاوزت اكتشاف رابّي عظيم، فأعطى ليسوع أكبر مديح ممكن في عينيه، أعلنه "ملك إسرائيل" فعرف فيه المسيح، كما سيفعل الجمع المتحمِّس حين دخول يسوع إلى أورشليم (12: 13). وبدأ فأعلنه "ابن الله". أمّا المسيحيّ فيرى هنا اعترافًا بألوهيَّة يسوع. غير أنَّ السياق يمنعنا من الاحتفاظ بهذه الفكرة في مستوى أوَّل من القراءة. وإلاّ، لماذا أضاف يسوع شيئًا على هذه التسمية الرفيعة؟ ففي الإطار اليهوديّ الذي يقف فيه النصّ، يجب أن نتذكَّر بالأحرى مز 2: 6-7: "دعوني أنا الملك أخبر بما قضى به الربّ: قال لي: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك". نجد هنا اعتراف نتنائيل في عبارتين اثنتين: "حين أجلس الله الملك داود على العرش، أعلنه ابنه" (2صم 7: 14؛ مز 89: 27). بهذه الأقوال، بيَّن نتنائيل أنَّه استشفَّ قرابة فريدة بين يسوع والله، هي قرابة المسيح الداوديّ. فاعترافه شبيه باعتراف بطرس: "أنت قدُّوس الله" (6: 69؛ رج 11: 27). وهكذا بيَّن يوحنّا أنَّ هذا "الإسرائيليّ" الصريح توجَّه نحو ملء الإيمان. وفي الواقع، يسوع لم يقُل له: "قبل أن يدعوك فيلبُّس..."، وكأنَّه يعني أنَّ العلاقة بينه وبين نتنائيل لا ترتبط بأيَّة وساطة. ونلاحظ أخيرًا أنَّ اعتراف ذاك الذي يمثِّل إسرائيل الحقيقيّ، هو الاعتراف الحقيقيّ الذي يتوجَّه إلى يسوع ذاته في النصّ، لأنَّ فيه ذروة تعلّق سائر التلاميذ بيسوع.

ولكن، ما توقَّف يسوع عند هذا الحدّ. فبعد أن سأل: "ماذا تطلبان؟"، وبعد أن دعاهما للمجيء حيث يقيم، أما وجب عليه أن يكشف عن هويَّته لهؤلاء الرجال الذين مضوا إلى نهاية الاستقبال الذي استطاعوه؟ إنَّ طريقة يوحنّا تختلف عن طريقة الإزائيّين. في مت 16: 16-17، فرح يسوع باعتراف بطرس، ورأى فيه وحيًا من العلاء. وهنا، تقبَّل ضمنًا لقبين مسيحيّين وجَّههما نتنائيل له، وبدا يتنسَّب relativiser إيمانًا حرَّكه هو، لكي يفتح التلميذ على واقع هو أعلى من الواقع. قال له: "سترى أعظم من هذا". عبارة هي المستقبل. تدعوه لكي يتجاوز الكتب المسيحانيَّة، فتجعل السامعين صامتين، بحيث يبقى منفتحًا على اللامحدود واللاواضح. ولكنَّ يسوع استعاد في لغة احتفاليَّة الوعد بأن "يرى" الذي أعلن في 1: 39 (تعاليا وسوف تنظران)، بل إنَّ السامع لم يعد سامعًا واحدًا، بل كثيرون (أنتم محلّ أنت): فعبر نتنائيل، دُعي إسرائيل كلُّه لكي "يرى"، لا رؤية بحسب الجسد، بل رؤية روحيَّة.

3- إعلان العهد النهائيّ

الحقَّ الحقّ أقول لكم:

"سترون السماء مفتوحة،

وملائكة الله صاعدين ونازلين

على ابن الإنسان" (1: 51)

بدأ الإعلان مع "آمين، آمين" (متكرِّرة) التي يستعملها يسوع من أجل وحيٍ سامٍ جدًّا (بحسب يوحنّا)، ويعبِّر عنها في لغة بيبليَّة يجب أن نكتشفها: فيها يكشف يسوع سرَّ شخصه ودوره: فعبْرَه يتمُّ اتِّصال المؤمنين بالله بشكل مستمرّ ونهائيّ. B. LINDARS, Behind the Fourth Gospel, Londres, 1971, p. 52-54.

حين عماد يسوع، لاحظ الإزائيّون، وإن بشكل مختلف، انفتاح السماء F. L. LENTZEN-DEIS, Biblica, 50(1958), p. 315-327. استعاد مرقس كلام أشعيا: "تمزَّقت السماوات" (أش 63: 19). حسب متّى ولوقا، "انفتحت" السماوات في وقت محدَّد كما تقول صيغة الماضي المبهم. وهذه المعطية التقليديَّة لا تظهر في الآيات التي فيها يعلن الشاهد نزول الروح على يسوع في عماده (1: 32-33). بل تظهر هنا في سياق آخر مع فعل في صيغة الكامل، الحاضر (عمل تمَّ في الماضي ويتواصل الآن)، فيتضمَّن لاواقع الانفتاح فقط، بل تحقيقه المستمرّ. الرائي في سفر الرؤيا، الذي شاهد أوَّلاً "بابًا مفتوحًا في السماء" (رؤ 4:1)، لاحظ في النهاية أنَّ السماوات انفتحت كلُّها إلى الأبد. E. CORSINI, L’Apocalypse maintenant, Paris, Seuil, 1984, p. 117

هذا يعني أنَّ الاتِّصال بين السماء والأرض قد تمَّ في شكل لا رجوع عنه وعند يوحنّا، يسوع نفسه تكلَّم عن هذا الانفتاح، لا الراوي كما في الخبر الإزائيّ عن التيوفانيا (الظهور الإلهيّ) العماديَّة.

إذا كانت السماء انفتحت، فهذا يعني أنَّ الملائكة يصعدون وينزلون على ابن الإنسان. تذكَّر يسوع الرؤية التي رآها يعقوب في بيت إيل. فبعد أن سرق يعقوب من عيسو البركة الأبويَّة، وجد نفسه مهدَّدًا من قبل أخيه، وتساءل: هل يستطيع أن يحتفظ بإرث الاختيار العهد؟ وإذ هو يرى في الحلم الأرض تتَّصل بالسماء بواسطة الملائكة الطالعين والنازلين لكي يؤمِّنوا هذا الاتِّصال:

"فحلم أنَّه رأى سلَّمًا منصوبة على الأرض،

رأسها إلى السماء،

وملائكة الله تصعد وتنزل عليها" (تك 28: 12).

وتكلَّم الربُّ مع يعقوب، فثبَّت له الوعد وأكَّد له أنَّه يكون معه في سفره. فاستخلص يعقوب:

"الربُّ في هذا الموضع ولا علم لي؟"

فخاف وقال:

"ما أرهب هذا الموضع!

ما هذا إلاّ بيت الله وباب السماء!" (28: 16-17).

أعلن قولُ يسوع في 1: 51 أنَّ العهد حاضرٌ فيه على الأرض: فشخصُه هو الموضع الذي فيه يتجلّى الله ويتَّصل بالبشر. يسوع هو بيت إيل الجديد، "بيت الله" الجديد. وكما أنَّ الألفاظ الأخيرة في تك 28: 12 تترجَم "عليها" (أي على السلَّم) أو "عليه" (على يعقوب)، فعلى يسوع وبدون واسطة السلَّم، يصعد الملائكة وينزلون. وبصريح العبارة، بين الإنسان والآب، هناك وحدة حياتيَّة بها يتحقَّق مشروع الله.

قبل الحلم، جهل يعقوب أنَّ الله كان حاضرًا "في هذا الموضع". والتلاميذ حول يسوع لم يكونوا يعرفون هم أيضًا. أمّا يسوع فتهلَّل فرحًا حين عرف أنَّ به تتحقَّق في علاقة لا تنقطع مع الآب، الوحدة النهائيَّة بين السماء والأرض، بين الله والمؤمنين (مت 11: 27). وإن استعمل الكلمات التي استعملها سلفُه (يعقوب) فلكي يُبرز تواصل قصد الله، ويجعل تلاميذه يستشفون هنا دوره الخاصّ.

وإذ أراد يسوع أن ينبئ بهذا المستقبل الذي يعنيه، هو والمؤمنين، ما استعمل صيغة المتكلِّم المفرد (أنا)، بل امَّحى وراء لقب يعود إلى عالم الرؤيا: ابن الإنسان F. J. MOLONEY, The johannine Son of Man, Rome, 1978, p. 23-41..

نجد هذه التسمية التقليديَّة في سياقات إسكاتولوجيَّة حول مجيء الديّان وجاءت كلمة يسوع مثل صدى لقول احتفظ به التقليد الإزائيّ. فأمام السنهدرين، أو المحكمة اليهوديَّة، حدَّد يسوع موقع تدخُّله في نهاية الأزمنة، فقال مع دا 7: 13:

"سترون ابن الإنسان

جالسًا عن يمين القدير

وآتيًا مع سحاب السماء" (مر 14: 62).

أمّا التقليد الإزائيّ فتطوَّر بعض الشيء: في مرقس هو المجيء (باروسيّا) ومتّى ولوقا طبَّقا الكلمة على الزمن الذي يلي مباشرة قيامة يسوع: "منذ الآن" يمارس ابنُ الإنسان الدينونة. لقد استبقت الباروسيّا في الزمن الفصحيّ الذي هو زمن الكنيسة. ومع يوحنّا، حركةُ الاستباق تلتقي مع حياة يسوع الناصريّ: منذ بداية خدمته، اتَّحدت السماء بالأرض.

في هذا المنظار السنكرونيّ (= الإجماليّ) الذي نحتفظ به، لا يكون القول في آ51 قالة (لوغيون) أدرجت بشكل مصطنع لكي تتوِّج المقطع الكتابيّ. وها نحن نعود إلى التصاق التلاميذ الأوَّلين بيسوع: هؤلاء الرجال مضوا إلى يسوع الذي دلَّ عليه المعمدان، وإن لم يستعيدوا إعلاناته حول ما يصنعه يسوع (غفران الخطايا في العالم، عماد في الروح)، فقد تملَّكوا ما قاله المعلِّم عن شخصه، وردَّدوه في لغتهم، ورأوا في يسوع من هو المسيح، تتمَّة الشريعة والأنبياء، ابن الله وملك إسرائيل. في هذه السلسلة من الألقاب، يُوجَز الانتظار المسيحانيّ والرباط بين العهدين. وعبر شخص نتنائيل، هو إسرائيل الصريح، الذي لا غشَّ فيه، يستعدُّ لكي يؤمن بيسوع، عكس هؤلاء "الكذبة" الذين سيفضحهم يسوع فيما بعد (8: 44-55). وهكذا يشدِّد الإنجيليّ في هذا المقطع على تأكيد مسيحانيَّة يسوع فيتجاوب مع اهتمام الجماعة المسيحيَّة، في مواجهة المجمع الذي يعارض إيمانها بيسوع الناصريّ.

وهذه الاعترافات بالإيمان الرائعة، يسمعها يسوع ولا يبدي دهشته إزاءها بل يجد فيها الانفتاح الذي يتيح له بأن يعلن لهؤلاء الرجال حقيقة "أعظم". وهذا "الأعظم" يأتي في خطِّ نموٍّ دلَّ عليه الإزائيّون: فبعد الاعتراف بيسوع على أنَّه المسيح، يأتي إعلان يسوع حول مصير ابن الإنسان: إنَّ التقليد الإنجيليّ كلَّه، ربط بين هذين المضمونين. غير أنَّ يوحنّا لا يقدِّم ابن الإنسان هنا، كذاهب إلى المجد عبر ذلِّ الآلام. ونستطيع أن نلاحظ أيضًا أنَّ الملائكة ليسوا أولئك الذين يحيطون بالديّان الإسكاتولوجيّ، كما تقول الأناجيل الإزائيَّة (مر 8: 38؛ مت 16: 27؛ يو 9: 26).

والتعرُّف إلى يسوع الذي "وجدوه"، وإن كان بالنسبة إلى التلاميذ خطوة نحو النور، إلاَّ أنَّه ليس "الرؤية" التي وُعدوا بها. فيسوع يُتمُّ الكتب المقدَّسة، ولكنَّه لا يتجاوز في تتميمها قراءةَ معاصريه: فطريق التلميذ تقود إلى اتِّحاد فيه يجد الشعب مشاركة في مجد الربّ. فيسوع يتحرَّك، وتلاميذه يتحرَّكون فيتبعونه ويُدعَون لأن يتقبَّلوا ما يتجاوز انتظارهم. والتلميذ لا يحلم بما وراء هذا العالم، لأنَّ على الأرض يربط ابنُ الإنسان الأرض بالسماء. وبدلاً من أن يتطلَّع إلى مجد يطلُّ في البعيد، فهو ينتظر بانتباه إلى ما يحصل أمامه، إلى ما يحصل في قانا الجليل حين يُظهر يسوعُ مجده.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM