سقوط أورشليم.

 

سقوط أورشليم

2أخ 36: 14-23

أوجز المؤرّخ الكهنوتيّ الذي دوّن 1أخ، 2أخ، عز، نح، في هذه القطعة، المصيرَ المأساويّ الذي عرفته أورشليم، كما قرأه في سفر الملوك الثاني: دُمِّرت أورشليم وانطلق الشعب إلى بابل في سبي سيدوم نصف قرنٍ من الزمن. فاستخلص الكاتب الملهم الأمثولة: تركوا العهد، استخفّوا بالأنبياء، وكانت سياسة الملك كذاهب إلى الانتحار مع شعبه. فدُمِّرت المملكة، وتفكّكت الرباطات بين أفراد الشعب. وكاد مشروع الله يضيع. ولكنّ كتاب الأخبار لا ينتهي في هذا المناخ: أصدر كورش الفارسيّ قرارًا، فانطلقت مجموعة صغيرة، هي البقيّة الباقية. نقّتها المحنة، فأحيت مشروع الله في التاريخ.

ونقرأ النصّ الكتابيّ:

14 وبالغ جميعُ رؤساء الكهنة وزعماء الشعب في خيانة الربّ بارتكاب معاصي الأمم حولهم، ونجَّسوا الهيكل الذي قدّسه الربُّ في أورشليم.

15 ولم يتوقّف الربّ، إلهُ آبائهم، عن إنذارهم على ألسنة أنبيائهم، لأنّه أشفق على شعبه وعلى هيكله.

16 فكانوا يستهزئون برسل الله وأنبيائه، ويحتقرون كلامه على ألسنتهم، حتّى ثار غضبُ الله على شعبه ولم يعُد هناك من علاج.

17 فأرسل الربّ ملك بابل لمحاربتهم، فقتل خيرة شبّانهم بالسيف حتّى في بيت مقدسهم، ولم يُشفق على فتى أو عذراء، ولا على شيخ أو كهلٍ مُقعَد، بل أسلم الربُّ الجميع إلى يده.

18 ونهب جميع آنية الهيكل، الكبيرة والصغيرة، وكنوزه وكنوزَ الملك وأعوانه، وأخذها إلى بابل.

19 وأحرق بالنار هيكل الله وجميعَ قصور أورشليم، وهدمَ سورَ المدينة، وأتلف كلَّ نفيس فيها.

20 والذين نجوا من السيف، سباهم إلى بابل حيث صاروا عبيدًا له ولبنيه حتّى قيام دولة الفرس.

21 وبذلك تمّ ما قاله الربّ بلسان إرميا:

»تبقى الأرضُ بورًا سبعين سنة، حتّى تعوِّض ما فاتها من السبوت التي لم تسترح فيها طول تلك المدّة«.

22 وفي السنة الأولى لكورش، ملك فارس، حقّق الربّ ما وعد به على لسان إرميا، إذ ألهم كورش بأن يكتبَ هذا النداء، ويُذيعه في مملكته كلّها.

23 »هذا ما يقوله كورش، ملك الفرس:

أعطاني الربّ إله السماوات جميع ممالك الأرض، وأوصاني أن أبني له هيكلاً في أورشليم التي بيهوذا. فمن كان منكم من شعبه، فليذهب إلى هناك، والربّ إلهه يكون معه«.

هذا النصّ المأخوذ من كتاب الأخبار يجعلنا في إطار قراءة جديدة للأحداث الكبرى في تاريخ شعب يهوذا حتّى المنفى البابليّ. دُوِّن حوالي القرن الثالث ق.م.، فتوخّى أن يقدّم تفسيرًا لاهوتيٌّا لما قرأه في أسفار صموئيل والملوك. وما يقابل »نهاية أورشليم« نقرأه في 25: 10-16 (آ19-20)، وفي عز1: 1-3 (آ22-23). وهذا ما يُتيح لنا منذ الآن أن نقدّم ثلاث ملاحظات.

الأولى: إن آ14-16 هي تفكير دينيّ قدّمه الكاتب حول تكاثر خطايا بني إسرائيل، بالرغم من تدخّل الأنبياء. وتأتي آ21، فتبيّن أنّ ما قاله الأنبياء تحقّق. هذا يعني أنّ دمار أورشليم يدخل في مخطّط الله، فيكون الانتقالُ من استعداد سياسيّ لاستقبال المخلّص، إلى استعداد روحيّ مع »مساكين الربّ« الذين ينتظرون من الربّ كلَّ خلاص.

الثانية: جاء خبر سقوط أورشليم والجلاء موجزًا جدٌّا. وها نحن نقرأه في 2مل 25: 8-16:

8 وفي اليوم السابع من الشهر الثامن، في السنة التاسعة عشرة للملك نبوخذنصّر، ملك بابل، جاء نبوزردان، قائدُ حرسه وكبير حاشيته إلى أورشليم،

9 وأحرق فيها هيكل الربّ وقصر الملك، وجميع بيوت الأشراف،

10 وهدم جنودُه كلّ أسوارها.

11 وسبى نبوزردان سائر الذين بقوا في المدينة، الهاربين اللاجئين إلى ملك بابل، وسائر المهرة من الصنّاع،

12 لكنّه ترك من مساكين الشعب بعض الكرّامين والفلاّحين.

13 وحطّم البابليّون أعمدة النحاس، والقواعد، والحوض الكبير، في الهيكل، وحملوا كلَّ نحاسها إلى بابل،

14 وأخذوا القدور والرفوش والسكاكين والأواني والصحون، وجميع الأدوات التي تُستعمَل للعبادة في الهيكل.

15 كذلك أخذ نبوزردان، قائد الحرس، الطسوت والمجامر والسكاكين والقدور والمنارات والصحون والأقداح، وكلَّ مصنوعات الذهب والفضّة.

16 كما أخذ مصنوعات النحاس التي صنعها الملك سليمان للهيكل، وهي العمودان والحوض الكبير، وقواعده الاثنتا عشرة، وكانت ثقيلة لكثافة نحاسها.

الملاحظة الثالثة: جاءت نهاية 2أخ شبيهة ببداية سفر عزرا، فما أعطتنا سوى جزء من »قرار كورش«. احتفظ المؤرّخ بالنصوص التي تهمّه، وكيّفها بحسب فكره اللاهوتيّ. ونقرأ عز 1: 1-3:

1 في السنة الأولى لكورش، ملك الفرس، شاء الربّ أن يُتمّ ما تكلّم به على لسان إرميا، فأيقظ ضمير كورش فأطلق في مملكته كلِّها نداء مكتوبًا جاء فيه:

2 »هذا ما يقول كورش، ملك الفرس:

أعطاني الربُّ إله السماوات، جميعَ ممالك الأرض، وأوصاني أن أبني له هيكلاً في أورشليم التي بيهوذا.

3 فمن كان منكم من شعبه، فليذهب إلى أورشليم ويبني هيكل الربّ إله بني إسرائيل، وهو الإله الذي في أورشليم، وليكن الله معه.

أورد 2أخ هذه الخاتمة (آ22-23) لينهي خبر الكوارث الوطنيّة، في مناخ من العزاء، الذي يفتح الباب على المستقبل. وقابل هذا »الأملَ« مع ما قرأناه في نهاية كتاب الملوك. أطلق يوياكين الملك من السجن، »وكلّمه مردوخ بلطف، وجعل عرشه أعلى من عروش الذين معه في بابل. وغيّر يوياكين ثيابَ سجنه، وبقي يتناول الطعام على مائدة ملك بابل، كلَّ أيّام حياته«.

أمّا عز 1: 1-3، فتحدّث عن عودة المسبيّين إلى أورشليم، وقد طلب إليهم كورش أن يُعيدوا بناء الهيكل على نفقة الخزانة الملكيّة. سلب نبوخذنصّر، ملك بابل، آنية الهيكل، فردّها كورش بيد شيشبصَّر، أمير يهوذا، برفقة الذين عادوا من السبي.

بعد أن نقرأ الأحداث، نتوقّف عند المواضيع الكتابيّة من خلال التفسير اللاهوتيّ.

2- الأحداث

أ- سقوط أورشليم وهيكلها

سنه 598-597، حُوصرت أورشليم مرّة أولى، ونُهب الهيكل وسُلب. واستسلم يوياكين لنبوخذنصّر، وأُجلي إلى بابل مع آلاف النبلاء والصنّاع. هذا ما نقرأ في 2مل 24: 10-14:

10 وفي تلك الأيّام، زحف جيش نبوخذنصّر، ملك بابل، على أورشليم وحاصرها.

11 وفي أثناء الحصار، جاء نبوخذنصّر، ملك بابل، وانضمّ إلى جيشه.

12 فاستسلم إليه يوياكين، ملك يهوذا، هو وأمُّه وحاشيته وأمراؤه وخدمه، فأخذه ملك بابل أسيرًا، وهو في السنة الثامنة لملكه.

13 وحمل إلى أشور كنوز هيكل الربّ وقصر الملك، وحطّم نبوخذنصّر جميع آنية الذهب التي عملها سليمان، ملك إسرائيل. في هيكل الربّ، فتمّ ما قال الربّ.

14 وسبى سكّان أورشليم، وجميع الأمراء والقادة وهم عشرة آلاف، وجميع المهرة من العمّال، منهم الحدّادون، ولم يترك في يهوذا إلاّ مساكين الشعب.

ذاك كان المنفى الأوّل. وسنة 587-586، سيكون المنفى الثاني، في زمن صدقيّا. وأخذ نبوخذنصّر المعادن والعاملين في المعادن، هكذا لن يُصنَع سلاح بعد. وغياب الأمراء وقوّاد الجيش والصنّاع المهرة، يجعل شعب الأرض مجموعة عبيد يؤمّنون الضرائب وأعمال السخرة للدولة الحاكمة.

في أيّام صدقيّا الضعيف، ابن يوشيّا وعم يوياكين، كان الاجتياح الثاني لأورشليم: بعد حصار دام ثمانية عشر شهرًا ونيّف، دخل إلى المدينة المقدّسة نبوزردان، القائد الكبير لدى نبوخذنصّر. كان ذلك سنة 587 ق.م. ويظهر من أخبار كتاب الملوك، أنّ دمار أورشليم كان تامٌّا بقدر الإمكان. وشدّد الكاتب على الهيكل الذي أخذ منه البابليّون كلّ المعادن التي استطاعوا أن يحملوها قبل الحريق. نشير هنا إلى ردّة تتكرّر: أخذوا المصنوعات التي صنعها سليمان (2مل 24: 13؛ 25: 16)، بعد أن أُخذت أكثر من مرّة. أمّا أوّل مرّة قيل هذا الكلام، ففي أيّام رحبعام، خلف سليمان المباشر، في 1مل 14: 25-26:

25 وفي السنة الخامسة للملك رحبعام، صعد شيشق ملك مصر، لمحاربة أورشليم،

26 فنهب كلَّ ما في خزائن هيكل الربّ وقصر الملك، وأخذ تروس الذهب التي صنعها سليمان.

تحدّث المؤرّخ الكهنوتيّ عن هذه الكارثة العظيمة (آ18-19). ولكن ما يهمّه هو معنى الحدث، لا تصويره في تفاصيله. قد نتوقّف عند أمور سياسيّة أو حربيّة، أمّا الكاتب الملهم فينظر إلى السبب الأوّل، إلى الربّ الإله. فهو »الذي أرسل ملك بابل«، لأنّه سيّد التاريخ، والملوك يأتمرون بأمره. ما فعل ملك بابل ما فعل، بمبادرة من عنده، بل بمهمّة أرسله فيها الله. والسبب: خطايا أورشليم المتراكمة. في أيّ حال، الخطيئة تحمل دمارها في ذاتها. وأبرز النصّ لامسؤوليّة الله، بعد أن أرسل الأنبياء العديدين. ولكنّ التمرّد بقي مسيطرًا، ورفض الشعبُ السماع. قدّم الربّ الدواء، فرفضوه المرّة بعد المرّة. لهذا قيل: »لم يعُد هناك من علاج« (آ16). أمّا الكلام عمّا قاله النبيّ (آ21)، فيبيّن مخطّط الله الذي دخل فيه ملك بابل، وما دخل فيه ملكُ أورشليم وشعبُه. وما بدّده صدقيّا وأعوانه، سوف يجمعه كورش. في عهد ملك يهوذا، دُمِّر الهيكل. في عهد كورش الفارسيّ، سيُعاد بناء الهيكل. كأنّي بالله يستغني عن شعبه بصورة رسميّة، ويتوجّه إلى الأمم. في هذا الخطّ كان لاهوت بولس الرسول على مستوى الإيمان والدخول في عهد مع الله بواسطة يسوع المسيح.

ب- سبيُ اليهوذاويّين إلى بابل

قدّم لنا كتابُ الملوك بعض المعلومات عن هذا السبي الثاني، الذي حصل سنة 587-586. من قام به؟ نبوزردان. بما أنّ الأعيان أُجلوا خلال حصار أورشليم الأوّل، سنة 598-579، فأجليَ الآن المساكين فكانوا ضحيّة تعنّت الملك الذي رفض السماع لإرميا، خوفًا من الذين حوله (2مل 25: 11: من أبقوا في المدينة).

ولكنّ السبي لا يكون تامٌّا، بحيث لا يبقى إنسانٌ في الأرض. بل حفظ نبوزردان وترك في أورشليم »الكرّامين والفلاّحين« (آ12). هذا ما يفسِّر وجود والٍ في البلاد كما نقرأ في 2مل 25: 22-24:

22 وأمّا الذين أبقاهم نبوخذنصّر في يهوذا، فولّى عليهم جدليا بن أحيقام بن شافان.

23 فلمّا سمع قادةُ الجيوش وجنودُهم الذين لم يستسلموا، أنّ ملك بابل ولّى جدليا، أتوا إليه في المصفاة...

24 فحلف جدليا لهم وقال:

»لا تخافوا من البابليّين. فخيرٌ لكم أن تظلّوا في أرضكم آمنين، وتخضعوا لملك بابل«.

هذا من جهة. ومن جهة ثانية، يروي كتاب الملوك أنّ عددًا من الأسرى، ولا سيّما الأشراف الذين عُرفوا بعدائهم لبابل ومنهم »سرايا الكاهن الأوّل، وصفنيا الكاهن الثاني، وحرّاس أبواب الهيكل الثلاثة« (2مل 25: 18)، أنّ هؤلاء الأسرى »قتلهم الملك في أرض حماة« (آ21)، وبالتحديد في ربلة.

وأعطى ملحق سفر إرميا رقمًا عن المسبيّين: 832. ولكن يبدو أنّ هذا الرقم هو جزء من كلّ (إر 52: 29). بعد مقتل الوالي جدليا، هرب يهوذاويّون عديدون إلى مصر خوفًا من تدابير انتقاميّة، وأخذوا معهم إرميا. نقرأ في 2مل 26: »فقام الشعبُ من الصغير إلى الكبير، وعلى رأسهم قادة الجيوش، ورحلوا إلى مصر خوفًا من البابليّين«. تلك كان بداية »الشتات«. تشتّت اليهود خارج فلسطين، وتبعهم كثيرون من خائفي الله، فرافقوهم إلى المجامع من أجل الصلاة، وسماع كلام الله.

ما تحدّث المؤرّخ الكهنوتيّ عن السبي الأوّل، فجعل الخبر كلّه في جملة واحدة أصيلة (آ22): »الذين نجوا من السيف، سباهم«. وكان قد تحدّث في آ17 عن ذبح سكّان أورشليم، وهو أمر لم يذكره كتابُ الملوك. ما يهمّ كتاب الأخبار، هو حالة الخضوع والذلّ تجاه الوثنيّين، التي وجد فيها الشعب المختار نفسه الآن.

ج- قرار العودة

انتهى المقطع الذي قرأنا في 2أخ، بإيراد من بداية قرار كورش، وبه يسمح لليهود المنفيّين في بابل بالعودة إلى فلسطين. واستعاد »المؤرّخ« القرار كلّه في بداية سفر عزرا. جوهر القرار صحيح، والتعبير أيضًا يدلّ على ما نعرف من كورش. هذا الأمير الصغير الذي كان خاضعًا لملك ماداي، صار في سنوات قليلة، رئيس إمبراطوريّة واسعة امتدّت من الخليج العربيّ إلى مصر.

بدأ حملاته العسكريّة، حوالي سنة 550، فثار على استياجيس، ملك المادايين. سنة 539، احتلّ بابل. وسنة 538 سمح لليهود بالعودة إلى أرضهم. هذا الوثنيّ بدا متسامحًا، فاستفاد من الظرف الدينيّ ليربح الشعوب إليه، سعى إلى أن يتصالح مع الشعوب الخاضعة، فأتاح لها ممارسة شعائر عبادتها. فقال للبابلونيّين إنّ مردوك »أخضع له الأرض كلّها«. وقال لليهود في قراره: »الربّ، إله السماوات، سلّمني كلّ ممالك الأرض« (آ23). وبما أنّه يعبد »إلهًا سماويٌّا سرّيٌّا«، أعطى لهذا الإله اسم يهوه (الربّ) لكي يرضي اليهود.

يندرج القرار هذا في سياق تاريخيّ: يستطيع اليهود أن يعودوا بحرّيّة إلى أرضهم، ويبنوا الهيكل في عاصمتهم، أورشليم. لا شكّ في أنّ المؤرّخ جعل من هذا النصّ الإداريّ وسيلة لكي يعبّر عن إيمان المنفيّين الذين يريدون العودة، وعن رجائهم بما فيه من شجاعة. »يكون الله معه، ويصعد«. وتوقّف النصّ وما تابع، لأنّ نصّ القرار سمح له بأن يتكلّم عن نهاية المنفى، وهذا ما يهمّه.

2- المواضيع الكتابيّة

أربعة مواضيع تستوقفنا: العقاب، الهيكل، الكتب المقدّسة، الملك الوثنيّ.

أ- العقاب

أمام الكارثة التي أقفلت تاريخ مملكة يهوذا، أراد الكاتب أن يجيب عن سؤال طرحوه كلّهم: »لماذا«؟ وكان الجواب: »بسبب الخطيئة«. هذا ما نقرأه في 2مل 17: 7-23 وسقوط السامرة:

7 وسقطت السامرة، لأنّ بني إسرائيل خطئوا إلى الربّ إلههم الذي أخرجهم من مصر...

8 وسلكوا في طرق الأمم...

9 وعمل بنو إسرائيل فقط ما يسيء إلى الربّ إلههم، فبنوا أماكن لعبادة البعل في جميع مدنهم الصغيرة والكبيرة.

ترك الكاتب دراسة الوضع السياسيّ والحربيّ، كما لم يتحدّث عن هؤلاء الملوك الذين خضعوا »للزعامات«، فانقادوا لهم وما تجرأوا على معارضتهم، مثل صدقيّا بعد أن سمع كلام إرميا. وتوقّف عند المعنى الدينيّ. العقاب هو ثمرة الخطيئة، كما قال 2أخ 36: 14: اقتدوا بنجاسات الأمم، مارسوا عبادة الأصنام، نجّسوا هيكل أورشليم، الذي يرتدي للمؤرّخ أهميّة كبيرة، كما نفهم لدى قراءتنا 2أخ 23: 4-5.

ومع ذلك، إن شاء منطق العهد أن تجد الخطيئة عقابها، فالربّ لا يمكن أن يخضع لهذا المنطق بالسرعة التي »يطلبها« الإنسان. لماذا؟ لأنّه »أشفق على شعبه وعلى هيكله« (آ15). فأرسل الأنبياء. هذا ما نقرأه أيضًا في 2مل 17:

13 وأنذر الربّ إسرائيل ويهوذا على ألسنة جميع رسله وأنبيائه لكي يتوبوا عن سوء سلوكهم، وليعملوا بوصاياه وفرائضه في الشريعة التي أوصى بها آباءهم، والتي أعطاهم إيّاها على ألسنة عبيده الأنبياء

14 فلم يسمعوا، بل عاندوه كآبائهم الذين لم يؤمنوا به، ورفضوا فرائضه وعهده مع آبائهم.

الهدف الأوّل للرسالة النبويّة، هو النداء إلى التوبة، فيعي الشعب خطاياه ويتخلّى عنها، وبهذه الطريقة يتجنّبون العقاب. هنا نتذكّر إرميا وحزقيال، اللذين أنذرا الشعب أكثر من مرّة، وطلبا منه العودة إلى الربّ لكي يعود الربّ إليهم. نقرأ مثلاً إرميا (ف 2) حيث يعاتب الربّ شعبَه فيقول:

4 إسمعوا كلام الربّ، يا بيت يعقوب ويا جميع عشائر إسرائيل:

5 »أيَّ سوء وجد آباؤكم فيَّ حتّى ابتعدوا عنّي، وتبعوا آلهة باطلة، وصاروا باطلاً؟

6 نسوا أن يقولوا:

أين الربّ الذي أخرجنا من أرض مصر.

8 فلا الكهنة قالوا: أين الربّ،

ولا معلّمو الشريعة عرفوني،

والحكّام أنفسهم عصوني،

والأنبياء تنبّأوا باسم البعل، وذهبوا وراء إله لا نفع فيه.

13 شعبي ارتكب شرّين:

تركوني أنا ينبوع المياه الحيّة،

وحفروا لهم آبارًا مشقّقة لا تمسك الماء«.

ويدعو إرميا الشعب إلى العودة، في ف 3:

14 إرجعوا أيّها البنون الشاردون،

فأنا سيّدكم.

آخذكم واحدًا من مدينة واثنين من عشيرة،

وأجيء بكم إلى صهيون.

وكان حوار في قلب النبيّ، في آ22. قال الربّ:

»إرجعوا أيّها البنون الشاردون،

فيغفر لكم الربّ شروركم«.

ويأتي جواب الشعب، ويا ليته أتى:

»ها نحن نأتي إليك،

فأنت الربّ إلهنا«.

ويعترفون بخطاياهم (في آ25). ويا ليتهم ندموا في ذلك الوقت، بل جاءت الندامة متأخّرة. قالوا:

والآن، نضطجع في عارنا

ويغطّينا خجلنا،

لأنّا خطئنا إلى الربّ إلهنا،

ورفضنا أن نسمع لصوته.

ووصف حزقيال بالتفاصيل الخطايا التي تُقترف في الهيكل. في طريق الشمال »صنم الغيرة« (حز 8: 5). نسوا أنّ الربّ إله غيور، ولا يرضى مزاحمًا له. وهكذا يُبعدون الربّ عن هيكله (آ6). وفي مدخل الدار، »كلّ شكل من أشكال الدواب والبهائم النجسة وجميع أحكام بيت إسرائيل« (آ10). وفي كلّ هذا يقولون: »الربّ لا يرانا. الربّ هجر الأرض«! (آ12). والنهاية النهاية نقرأها في آ16: »خمسة وعشرون رجلاً، ظهورهم إلى هيكل الربّ، ووجوههم إلى الشرق وهم يسجدون للشمس«.

تكلّم هذان النبيّان، فما سمع الشعب لهما، ولا أرادوا أن يفهموا، بل كان الاضطهاد. حينئذ حلّ غضب الله، وكان العقاب القاسي للشعب. ولكنّ العقاب ليس الكلمة الأخيرة. مضوا إلى المنفى واعتبروا أنّهم لن يرجعوا. فقال 2أخ 36: 23: من أراد أن يذهب إلى أورشليم ويبني الهيكل، يستطيع ذلك »والربّ إلهه معه«.

ب- الهيكل

ذُكر الهيكل في بداية النصّ وفي نهايته، نجّسه الكهنة وشعب إسرائيل. فأحرقه نبوخذنصّر بشكل مأساويّ. ولكن يجب أن يُبنى في أيّام كورش (آ14، 19-23). حين كان المؤرّخ الكهنوتيّ يدوّن كتابه، كانت روحيّة الهيكل حيّة، ناشطة. في البناء الصغير الذي شيّده زربّابل، كما يروي عز 1-3، رأى اليهود أيضًا علامة حضور الله، وامتلأوا بالرجاء المسيحانيّ. هنا نقرأ مز 42 وفيه ما فيه من شوق إلى الإله الحيّ:

3 إليك أيّها الإله الحيّ، عطشت نفسي،

فمتى أجيء وأرى وجه الله.

5 أتذكّر فتذوب نفسي بي

كيف كنتُ أعبرُ مع الجموع

في موكب نحو بيت الله

أقودهم بصوت الترنيم والحمد،

وبالهتاف كأنّهم في عيد.

تذكّر ذاك الكاهن (أو اللاويّ) نفسَه حين كان يأتي إلى الهيكل ويؤمّ المصلّين. ولكنّه الآن في المنفى، يمشي في الحداد وتسيطر عليه الكآبة. ولكنّ الأمل لا يزال حاضرًا وإن كان شعلة خافتة، كما في مز 122:

1 فرحتُ بالقائلين لي:

إلى بيتِ الربّ نذهب

2 تقف أقدامنا هناك،

في أبوابك يا أورشليم.

لهذا، اهتمّ كتاب الأخبار اهتمامًا خاصٌّا ببناء هيكل سليمان، فروى كيف بُنيَ. وذكّرنا أكثر من مرّة بذلك الذي بناه. لماذا؟

أوّلاً: لأنّه يكفل سلالة داود

نسب كتاب الملوك إلى سليمان كلَّ بناء الهيكل، بعد أن أبعد داود عن هذا العمل الرفيع، لأنّ يديه تلطّختا بالدماء. أمّا كتاب الأخبار، فأعاد المبادرة إلى داود الذي وضع التصاميم، وهيّأ المواد فلم يبقَ لسليمان سوى أن ينفّذ ما أعدّه أبوه (1أخ 28). وهكذا كان رباط بين الهيكل، علامة حضور الله، والسلالة الداوديّة، حاملة المواعيد المسيحانيّة: فالهيكل بيت الله. والسلالة الداوديّة أيضًا.

2 فوقف داود وقال:

»استمعوا لي يا إخوتي وشعبي،

كان في نيّتي أن أبني بيتًا ثابتًا لتابوت عهد الربّ ولموطئ قدس إلهنا. ولمّا جهّزتُ كلّ للبناء

3 قال لي الربّ:

أنتَ لن تبني بيتًا لاسمي...

4 ولكنّ الربّ اختارني من جميع بيت أبي لأكون ملكًا على إسرائيل إلى الأبد«.

فالهيكل والملكيّة الداوديّة يترافقان. فنفهم أن يمضي الملك باحتفال إلى الهيكل ليصلّي هناك. وأورد 2أخ 6: 12-40 (رج 1مل 8: 30-52) صلاة سليمان الرائعة في حفلة التدشين:

14 »أيّها الربّ إله إسرائيل، لا إله مثلك في السماء ولا على الأرض، حافظ العهد وصانع اللطف لعبيدك الذين يخدمونك بكلّ قلوبهم.

15 أنتَ يا من حقّق بيده اليوم ما قاله بفمه لعبده داود.

18 ولكن هل تسكن الأرض حقٌّا يا الله؟

حتّى السماوات وسماوات السماوات لا تسعك،

فكيف يسعك هذا البيت الذي بنيتُه لك.

هكذا تنطلق الصلاة من الهيكل لكي تصل إلى داود، كما في آ42: »أيّها الربّ الإله الذي لا تردّ طلب الملك مسيحك، أُذكر مراحمك لداود عبدك«. ونستطيع أن نقرأ أيضًا صلاة يوشافاط في الدار الجديدة. »خاف فاستنجد بالربّ، وأعلن الصوم في جميع يهوذا« (2أخ 20: 3)، بعد أن صار العدوّ على الأبواب. ونتذكّر أنّ يوآش أُجلس على العرش، في الهيكل، بالرغم من مؤامرات الإجرام التي كانت عثليا تحيكها.

ثانيًا: لأنّه علامة العهد

الهيكل الواحد هو علامة الإله الواحد الذي عقد عهدًا مع شعبه. لهذا كانت إصلاحات عباديّة قام بها »ملوك صالحون«. ونبدأ مع آسا في 2أخ 14: 2-5:

2 وعمل آسا ما هو خير وقويم في نظر الربّ إلهه،

3 وأزال المذابح الغريبة والمعابد التي على المرتفعات، وحطَّم الأنصاب وقطع أصنام كثيرة.

4 وأمر شعب يهوذا بأن يعبدوا الربّ إله آبائهم...

5 ولأنّه أزال مذابح البخور والمعابد... استراحت المملكة في أيّامه.

ارتبط السلام بالعبادة الحقّة، وقويَتْ مملكة يهوذا جدٌّا، فجاء تعبير عن هذه القوّة بعدد جيش لا يتصوّره عقلٌ في ذلك الزمان: »300 ألف من يهوذا، 280 من بنيامين. إلاّ إذا عنى »الألف« بضعة رجال. ويوآش الذي جاء بعد مقتل عثليا، وعمل على تجديد هيكل الربّ (2أخ 24: 1-16) على مستوى الحجر (ترميم هيكل إلهكم (آ5) وعلى مستوى البشر، »فجمع الكهنة واللاويّين« (آ4). وطهّر حزقيّا الهيكل (2أخ 29: 3-17). جمع الكهنة واللاويّين، وأدخلهم إلى الساحة الشرقيّة في هيكل الربّ، وقال لهم:

5 إسمعوا لي أيّها اللاويّون. طهّروا الآن أنفسكم، وطهّروا بيت الربّ إله آبائكم، وأخرجوا الرجاسة من هذا المكان المقدّس...

في آ3، بدا وكأنّ أبواب الهيكل كانت مغلقة، ففتحها. وأنّها كانت خربة، فرمّمها. وأطاعه اللاويّون فطهّروا البيت كلّه في ثمانية أيّام (آ17) واستعدّوا للتدشين، كما في أيّام سليمان. وسار يوشيّا في خطّ حزقيّا (2أخ 34: 3-13)، »فطهّر الأرض والبيت« (آ8)، وقام بإصلاح في خطّ »كتاب الشريعة« الذي أخفيَ في الهيكل، وكأنّ الشعب لا يريد أن يسمع كلماته، ولا أن يحفظها في حياته. في عهد منسّى، الملك الكافر، غاب كتاب الشريعة عن الشعب. ومع يوشيّا، تجدّد العهد مع الربّ (2أخ 34: 30-31). روى المؤرّخ هذه المشاهد بحماس كبير، فدلّ على حبّه الكبير للهيكل، لأنه يدلّ على حضور الله وسط شعبه، وعلى عهد الله الذي لا شيء ينقضه لأنّ الله كافله. وإن هو »غاب« بفعل خطايا الشعب، فهو »سيقوم« كما من سبات عميق، لا في ذاته، بل في قلوب المؤمنين.

ثالثًا: لأنّه موضع العبادة للربّ

شدّد كتاب الملوك، وتبعه كتاب الأخبار فأضاف كلامًا على حضور اللاويّين المغنّين في هيكل أورشليم. هم حاضرون فيه منذ التدشين (مع سليمان)، يخدمون الله ولا يتوقّفون، على صوت آلاتهم الموسيقيّة. هذا ما نقرأ في 2أخ 5: 12-13:

12 وكان جميع اللاويّين المغنّين الذين بقيادة آساف وهيمان ويدوثون، مع بنيهم وأنسبائهم لابسين الكتّان، ومعهم الصنوج والقيثارات والكنّارات. فوقفوا شرقيّ المذبح، ومعهم مئة وعشرون كاهنًا ينفخون بالأبواق.

13 وكان صوتُ المغنّين وهتاف الأبواق صوتًا واحدًا في تسبيح الربّ وحمده. وعندما رفعوا الصوت بالأبواق والصنوج وآلات الألحان، أنشدوا:

»احمدوا الربّ لأنّه صالح، لأنّ لطفه إلى الأبد«.

وامتلأ هيكل الربّ بالسحاب (= البخور).

تحدّث 2مل 23: 21-23 باختصار عن فصح احتفاليّ أقيم في أورشليم، على أثر إصلاح يوشيّا:

24 وأمر الملك جميع الشعب:

»أقيموا فصحًا للربّ إلهكم، كما هو مكتوب في سفر هذا العهد«.

25 ولم يكن فصحٌ مثله في أيّام أيّ ملك...

26 وكان ذلك الفصح في أورشليم، في السنة الثامنة عشرة للملك يوشيّا.

أمّا كتاب الأخبار فروى بالتفصيل الفصحين الكبيرين اللذين احتفل بهما الشعب في إصلاح حزقيّا وإصلاح يوشيّا. امتدّ الأوّل في فصل كامل (2أخ 30): اشترك إسرائيل كلّه باحتفال كامل بحسب فرائض »كتاب الطقوس«، أبّهة فارقة وعظمة لا مثيل لها: وفرة المحرقات. عيد يمتدّ خمسة عشر يومًا في حرارة الصلاة والموسيقى والفرح. وفي 2أخ 35: 1-18، احتفل يوشيّا بالفصح:

1 وأقام يوشيّا في أورشليم فصحًا للربّ، فذبحوا الخراف في الرابع عشر من الشهر الأوّل،

2 وعيَّن الكهنة في وظائفهم، وشجَّعهم على خدمة هيكل الربّ.

16 وهكذا تهيّأ كلُّ شيء في ذلك اليوم، لخدمة الربّ، وإقامة الفصح، وتقديم المحرقات على مذبح الربّ، كما أمر الملك يوشيّا.

17 واحتفل بالفصح كلُّ من حضر من بني إسرائيل، وبالفطير سبعة أيّام.

18 ولم يكن لذلك الفصح مثيل في إسرائيل، منذ أيّام صموئيل النبيّ. فما من ملك في إسرائيل احتفل بالفصح مثلما فعل يوشيّا والكهنة واللاويّون وجميع شعب يهوذا ومن حضر من شعب (مملكة) إسرائيل، وسكّان أورشليم.

ج- الكتب المقدّسة

أشار 2أخ 36: 21 إلى أنّ سبي بابل أتمّ نبوءة إرميا. وعاد الكاتب إلى الموضوع عينه، حين أدخل قرار كورش، في آ22: »حقّق الربّ ما وعد به على لسان إرميا«. غير أنّنا لا نجد في سفر إرميا إلاّ بعض آ21: »تبقى الأرض بورًا سبعين سنة«. قال إر 25: 11 عن العدوّ البابليّ: »وتكون هذه الأرض كلّها خرابًا وقفرًا، وتخدم هذه الأمم ملك بابل سبعين سنة«. وفي إر 29: 10: »عندما تتمّ لكم سبعون سنة في بابل، أتفقّدكم وأبرُّ بوعدي لكم«. أمّا الجزء الأكبر من 2أخ 36: 21 فيلخّص نصٌّا من سفر اللاويّين (26: 33-35):

33 وأشتتكم بين الأمم،

وأشهر وراءكم سيفًا،

فتصير أرضكم قفرًا ومدنُكم خرابًا

34 فتنعم الأرض براحتها

طولَ أيّام خلوّها منكم،

وأنتم في أرض أعدائكم

ترتاح الأرض وتنعم براحتها

35 طول أيّام خلوِّها منكم.

فهي قلّما ارتاحت في أيّام سبوتها،

وأنتم مقيمون فيها.

ويقدّم سفر اللاويّين في خاتمة »شريعة القداسة« سلسلة من البركات لإسرائيل الأمين، وسلسلة من اللعنات لإسرائيل الخائن (ف 26؛ رج تث 28). وبين اللعنات، أقساها كلام عن المنفى يجعل »السبت« يطول، لأنّ الأرض لن تُزرَع. وينتهي المنفى في يوم من الأيّام، ولا يُقال في أيّ يوم. أمّا التحديد الذي قدّمه إرميا فتنقصه بعضُ الدقّة. ما دام المنفى سبعين سنة، بل خمسين. ولكن حين قدّم النبيّ رقمًا (عشرة) ضربه بسبعة عدد الكمال، بيّن أنّ المنفى سيدوم طويلاً.

وهكذا ربط المؤرّخ الأحداث بأقوال الأنبياء: الله أمين لكلمته، في العقاب كما في الرحمة. والكتب تتمّ. فعلى المؤمن أن يستند دومًا إليها.

د- الملك الوثنيّ

قبل أن يورد »المخبّر« قرار كورش، نقرأ »ألهم كورش«، »أيقظ الربّ روح كورش، ملك الفرس«. رأى الكاتب في كورش أداة الله من أجل العودة من المنفى وإعادة بناء الهيكل. وإذا كان كورش ساد على العالم، فسيادته عطيّة من الربّ، ملك العالم. فلماذا لا يستفيد الشعب المختار من سلطان الله، دون أن يتوقّف عند الأداة المستعملة؟

في بدايات التاريخ العبرانيّ، اعتُبر الوثنيّون أعداء لهم. وبالتالي أعداء الربّ، ولكن مع الأنبياء، برز لاهوت إيجابيّ بالنسبة إلى الوثنيّين وملوكهم. فشرح أشعيا أنّ الله أرسل الملك الأشوريّ ليعاقب شعبه المختار. ولكنّه مارس العنف وأفرط، فاستحقّ بدوره العقاب (أش 10: 5-14). قال الربّ:

5 »ويل لأشور قضيب غضبي وعصا غيظي.

6 أرسلتُهم على أمّة كافرة، وأطلقتُهم في شعب أغاظني، ليسلبوا ثروتهم وينهبوا أرزاقهم ويدوسوهم كوحل الأزقّة،

7 لكنّهم لا يرون هكذا، ولا يفكّرون به في قلوبهم، بل يفكّرون في قلوبهم أن يبيدوا ويجتاحوا أممًا لا تُحصى.

12 وبعد أن يكمل الربّ جميع عمله في جبل صهيون وفي أورشليم، يحاسب ملك أشور على عاقبة الكبرياء في قلبه، والافتخار في عينيه الطامحتين«.

أمّا إرميا فدعا نبوخذنصّر »عبد الربّ« لأنّه أداة المنفى. قال إر 25: 9 بفم الربّ: »أرسل وآخذُ جميع عشائر الشمال ونبوخذنصّر عبدي، وأجيء بهم إلى هذه الأرض لمحاربة يهوذا وجميع سكّانها والأمم المجاورة لها«. وسيعود أشعيا الثاني إلى كورش، في عدد من الأقوال النبويّة التي تُبرز دور العناية الإلهيّة في التاريخ. دُعيَ »الراعي« و»الممسوح« (أو: المسيح) و»حبيب« الربّ. وهذا في ثلاثة نصوص: أش 44: 28؛ 45: 1؛ 48: 14:

* أقول لكورش: إرعَ شعبي،

وتمِّم كلّ ما أشاء

ولأورشليم: سأبنيك،

وللهيكل: سأضعُ أسسك.

* وهذا ما قال الربّ لكورش الذي مسحه ملكًا

وأخذه بيمينه ليُخضع له الشعوب.

* إجتمعوا كلّكم واسمعوا!

من منكم أخبر بهذا؟

الرجل الذي أحبّه الربّ

سيفعل مشيئته في بابل

ويرفع ذراعه على شعبها.

استعاد كتاب الأخبار هذا التعليم القائل بأنّ الله وحده سيّد التاريخ، وهو يوجّهه من أجل شعبه. وهكذا نكون في مناخ من الرجاء المسيحانيّ. أنشده الأنبياء مرارًا، ولا سيّما في نهاية كلماتهم: »أغرسهم على أرضهم التي أعطيتها لهم، ولا يُقتلعون منها فيما بعد، يقول الربّ الإله« (عا 9: 15).

الخاتمة

في حقبة غلبت عليها الحيرة بسبب صمت ظاهر لدى الله، بعد أن صمت الأنبياء وتأخّر العهد المسيحانيّ، أعلن »المخبّر« الكهنوتيّ إيمانه بالربّ ورجاءه. على ضوء الكتب المقدّسة، أعاد رسمة أحداث إسرائيل السابقة ووجّه العقول والقلوب لدى معاصريه، نحو مستقبل زاهر. وهذا الكلام يتوجّه إلينا، نحن الذين بلغنا نهاية الأزمنة. كم نحتاج إلى إيمان واثق وإلى رجاء كبير يوجّه حياتنا إلى الله المخلّص. ما عاد غائبًا، كما ظنّه الناس في نهاية تاريخ الشعب العبرانيّ. بل هو حاضر. عمانوئيل. إلهنا معنا. فلا يبقى لنا سوى أن نذهب إليه. إن كان من مرضٍ يمنح الشفاء، ومن جرحٍ الضماد، فيحيينا ويقيمنا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM