إعلان الكلمة في شعب الله.

 

إعلان الكلمة في شعب الله

نح 8: 1-10

بعد دمار أورشليم وحريق الهيكل سنة 587 ق.م، توقّفت الذبائح، ومضى الكهنة العديدون واللاويّون إلى المنفى البابليّ. فبقيَ مؤمنو فلسطين كخراف لا راعي لها. والذين تشتّتوا ابتعدوا عن مركز تجمّعهم أورشليم، فما عاد لهم أن يقدّموا المحرقات والذبائح. ففهموا مع مز 51: 19 أنّ العبادة الحقّة تتمّ بالروح المنكسرة، بالقلب المنسحق. وأنّ الربّ ما عاد يُسرّ بذبائح ولا يرضى بمحرقات (آ 20). ولكن عادت الذبائح بعد رفع المذبح وبناء الهيكل وإصلاح أسوار أورشليم. ولكنّها ستزول نهائيٌّا بعد سقوط أورشليم سنة 70ب.م. ودمار الهيكل بشكل نهائيّ في الثورة اليهوديّة الثانية مع ابن الكوكب، سنة 135. فماذا بقي للمؤمنين؟ أعمال الرحمة التي حدّثنا عنها سفر طوبيّا، من إطعام جياع ومؤاساة محزونين ودفن موتى. أمّا شعائر العبادة فتتمّ في المجامع يوم السبت، في أناشيد ومزامير، وفي قراءة الكتاب المقدّس بأقسامه الثلاثة: الشريعة، الأنبياء، الكتب الباقية. ونحن نقرأ في سفر نحميا (ف 8) احتفالاً من هذه الاحتفالات:

1 واجتمع الشعب كلّه بقلب واحد في الساحة التي أمام باب المياه (شرقيّ الهيكل)، وقالوا لعزرا الكاهن والعالم بالشريعة، أن يُحضِر كتابَ شريعة موسى التي أمرَ بها الربّ بني إسرائيل.

2 فأحضر عزرا الكاهنُ كتاب الشريعة أمام جميع الشعب، الرجال والنساء والأولاد القادرين على الفهم. كان ذلك في اليوم الأوّل من الشهر السابع.

3 وقرأ عزرا في الكتاب أمام الساحة التي أمام باب المياه، من الصبح إلى نصف النهار، وكلُّهم آذان صاغية إلى كتاب الشريعة.

4 وأقام عزرا على منبر من خشب مصنوع لهذا الغرض، ووقف متتيا وشمع... عن يمينه وفدايا وميشائيل... عن يساره.

5 وفتح عزرا الكتاب بمرأى من جميع الشعب لأنّه كان فوق الشعب كلِّهم، فوقفوا جميعُهم

6 وبارك عزرا الربّ الإله العظيم، فأجاب جميع الشعب: »آمين، آمين«!

وهم رافعون أيديهم، وركعوا أمام الربّ وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض

7 ثمّ وقفوا في أماكنهم، وأخذ اللاويّون يشوع وباني... يفسّرون لهم الشريعة

8 فقرأوها في كتاب شريعة الله وترجموها لهم وفسّروا معناها.

9 وكان الشعبُ كلُّهم يبكون عند سماع كلام الشريعة. فقال لهم نحميا الحاكم، وعزرا الكاهن والعالم بالشريعة، واللاويّون الذين كانوا يفسّرون الشريعة: »هذا يوم مقدّس للربّ إلهكم. لا تنوحوا ولا تبكوا«.

10 وقالوا لهم: »إذهبوا، كلوا ما طاب لكم واشربوا ما حلا، ووزّعوا منه حصصًا على من لم يكن عنده، لأنّ اليوم يوم مقدّس لربّنا. ولا تحزنوا، فالفرح المُعطى من الربّ يقوّيكم«.

نلاحظ أوّلاً أنّ القراءة تكون في اللغة العبريّة، وكانوا يترجمون للمؤمنين إلى الأراميّة، بعد أن ضاعت العبريّة لدى الشعب (آ 8). والمنبر المذكور في آ 4، صار »البيما« في العالم الشرقيّ المسيحيّ. ونلاحظ ثانيًا حضور اللاويّين اللافت: يقرأون، يترجمون، يفسّرون. فلا ذكر للمحرقات ولا للذبائح. فالخدمة تقوم بصلاة يجيب عليها المؤمنون »آمين، آمين« (آ 6). ويصلّون »رافعين أيديهم، ساجدين (آ 6) سجودًا تامٌّا (»بوجوههم إلى الأرض«).

1- ولادة جديدة

بعد المنفى الطويل (587-538) الذي عاشته مملكة يهوذا في بابل، عرف الشعب ولادة جديدة، نهضة جديدة، يرويها سفر عزرا ونحميا: عاد أوّل العائدين بقيادة شيشبصّر (عز 1: 11). وأعيد بناء الهيكل مع زربّابل، من سلالة داود، ويشوع الكاهن من سلالة صادوق (عز 2-6). وأصلح نحميا أسوار أورشليم (نح 1-7؛ 11-13). وأخيرًا تمّ إصلاح دينيّ بدفع من عزرا الكاتب والعالم بالشريعة (عز 7-8؛ 9-10؛ نح 8-10). متى تمّ كلّ ذلك؟ بُني الهيكل سنة 515 ق.م. والأسوار رُمِّمت في منتصف القرن الخامس، ربّما سنة 444 بيد نحميا.

أمّا عزرا فمن عائلة كهنوتيّة عاشت في المنفى، على ما قال عز 7:

1 ... كان رجل اسمه عزرا، وهو ابن سرايا بن عزريا

6 وكان عزرا عالمًا ماهرًا في شريعة موسى التي أعطاها الربُّ إلهُ بن إسرائيل، ومنحه الملكُ كلَّ ما طلبه، لأنّ بركة الربّ إلهه كانت عليه.

7 فخرج من بابل إلى أورشليم، ومعه قوم من بني إسرائيل، ومن الكهنة واللاويّين... كان ذلك في السنة السابعة لأرتحششتا (ملك الفرس).

هو كاهن (عز 7: 12؛ 10: 10؛ نح 8: 2، 9). بل »عظيم كهنة« كما يقول سفر عزرا الثالث (9: 40) الذي هو كتاب منحول يعود إلى القرن الثاني ق.م. ويتضمّن مقاطع عديدة أُخِذت من سفري عزرا ونحميا، ومنها النصّ الذي نقرأ في 3 عز 9: 38-52.

ما استطاع عزرا أن يمارس وظائفه المقدّسة في المنفى البابليّ، فاكتفى بأن يكون »الكاتب« (عز 7: 6؛ نح 8: 1، 4) و»معلّم الشريعة« (3عز 9: 39). كما نال لقب »العالم بشريعة إله السماء« (عز 7: 12). بما أنّه ذلك الماهر (عز 7: 10)، صار نوعًا ما، رئيس مكتب الأمور اليهوديّة في الإدارة الفارسيّة، في بابل.

وإذ رغب ملوك فارس إقامة النظام والسلام في مملكتهم الشاسعة، تركوا الشعوب الخاضعة لهم أن تعيش بحسب عاداتها والقوانين الخاصّة بها. ووُجدت برديّةٌ في مصر تُعلمنا أنّ داريوس صادقَ على كتاب حقوق مصريّ قديم. وحاء إجراءٌ من هذا النوع اتّخذه أرتحششتا فأرسل عزرا في مهمّتين اثنتين: يرى إن كان يهوذا وأورشليم يعيشون حسب شريعة الله. يقيم كهنة وقضاة. وهكذا يحافظون على شريعة الله التي هي شريعة الملك.

هنا يرد الكتاب (أو »فرمان أرتحششتا«) الذي قد يكون دوّنه عزرا أو موظّفون في مكتبه، وخُتم بختم الملك. والبداية (ف 7) هي:

12 من أرتحششتا ملك الملوك إلى عزرا الكاهن العالم بشريعة إله السماء، سلام.

13 أذعتُ أمرًا...

14 وأنا الملك ووزرائي السبعة أرسلناك لتتعلّم عن مدى مراعاة يهوذا وأورشليم لشريعة إلهك التي بيدك

15 ولتأخذ الفضّة والذهب اللذين تبرّع بهما الملك...

25 وأنتَ، يا عزرا، بحسب حكمة إلهك التي معك، أقم قضاة وحكّامًا يقضون بين جميع الشعب الذين في غرب الفرات ممّن يعلم شرائع إلهك، ومن لا يعلَم فعلّموه.

26 وكلّ من لا يعمل بشريعة إلهك وشريعة الملك، فليُحكم عليه عاجلاً، إمّا بالموت أو بالطرد من الجماعة (المنفى)، أو بغرامة مال أو بالحبس.

إذًا، جمع عزرا الشرائع القديمة، أخذها من سفر التثنية ومن النصوص الكهنوتيّة في مجموعة واحدة. هي »شريعة الله الي في يد عزرا« (عز 7: 14). اختلفت بعض الشيء عمّا نقرأ في البنتاتوكس أو أسفار موسى الخمسة. حملها عزرا، علّمها للشعب فكانت سلطتُها سلطة شريعة ملكيّة.

أورد هذا النصّ إعلانًا جديدًا لشريعة موسى، وهو حدث رئيسيّ في ولادة الشعب اليهوديّ. منذ الآن، يتميّز اليهوديّ بممارسة التوراة، بممارسة الشريعة. فيراعي وضعَه الحُكّامُ الذين تعاقبوا فخضع لهم اليهود. ذاك كان الوضع مع الإسكندر الكبير وخلفائه (ما عدا أنطيوخس الرابع)، ومع الرومان. وأورد يوسيفوس في العاديات اليهوديّة (12/3: 3) قرارًا من أنطيوخس الثالث يعلن أنّ رعايا هذا الشعب يعيشون بحسب شرائع أجدادهم.

وصف عزرا في »مذكّراته« هذا المشهد، كما في مسيرة ذاتيّة حول رسالته. جاء كلامه في صيغة المتكلّم المفرد، في ف 7-9. مثلاً نقرأ في 7: 15: فجمعتهم (أنا)... وحين نظرتُ (أنا). وما ورد في صيغة الغائب المفرد (7: 1-10؛ 10: 1-7؛ نح 8: 1-12؛ 9: 1-5)، يستلهم ما دُعي »مذكّرات عزرا«. غير أنّ المؤرّخ الكهنوتيّ (1أخ + 2أخ + عز + نح) الذي دوَّن ما دوّن حوالي سنة 300، أعاد قراءة ما كتبه عزرا، وجعله في إطار ليتورجيا مجمعيّة تمارَس في عصره. لا ذبائح في هذه الليتورجيّا، بعد أن حُصرت الذبائح في الهيكل. هنا نقرأ سفر اللاويّين 23:

23 وكلّم الربُّ موسى فقال:

24 »قل لبني إسرائيل:

يكون لكم اليومُ الأوّل من الشهر السابع يوم عطلة وتذكارٍ واحتفالٍ مقدّس على صوت البوق.

25 لا تعملوا فيه عملاً شاقٌّا. وقرِّبوا وقيدة للربّ.

ذاك كان الاحتفال الذي قام به عزرا هنا: في اليوم الأوّل من الشهر السابع. ونقرأ الشيء عينه في سفر العدد، 29:

1 وفي اليوم الأوّل من الشهر السابع، تنظّمون احتفالاً مقدّسًا، ولا تعملون عملاً، بل يومَ هتافٍ بالبوق يكون لكم.

7 وفي اليوم العاشر من الشهر السابع، تنظّمون احتفالاً مقدّسًا للربّ، تصومون به ولا تعملون عملاً.

2- ليتورجيّة الكلمة

أ- الجماعة

تكوّنت الجماعة كما نقرأ في نح 7: 72:

»فسكن الكهنةُ واللاويّون وبعض الشعب في أورشليم. أمّا البوّابون والمغنّون وسائر بني إسرائيل، فسكنوا في مدنهم«.

تكوّنت، أمّنت وحدتها في توافق وصوت واحد، كما في تنوّع واختلاف. وما ضمّت الرجال فقط، بل النساء والأولاد أيضًا. ولها رئيس هو الكاهن عزرا الذي يراه الجميع. هنا نقرأ 3 عز 9:

42 ونهض عزرا الكاهن وقارئ الشريعة، فوقف على منبر من خشب صنعَه لهذه الغاية

45 فأخذ عزرا كتاب الشريعة أمام كلّ الجماعة، وجلس مجيدًا في الساحة العامّة أمام الجميع

46 ولمّا فتح التوراة، وقفوا كلّهم وانتصبوا. وبارك عزرا الربّ العليّ، إله الصباؤوت القدير

47 فأجاب كلُّ الشعب: »آمين«. ورفعوا أيديهم إلى العلاء.

وجلس قرب عزرا 13 شخصًا وكأنّهم يشاركونه في الاحتفال، على ما في كنائسنا، والتأمت الجماعة وكأنّها إنسانٌ واحد، »بقلب واحد«. هي تجعلنا نفكّر بجسد المسيح، الجسد الواحد بالأعضاء المختلفة كما يقول الرسول في 1 كور 12: 12-30: »وكما أنّ الجسد واحد وله أعضاء كثيرة هي على كثرتها جسد واحد، فكذلك المسيح« (آ 12). هكذا يجب أن تكون جماعاتنا. تلتئم في اليوم السابع، بعد ستّة أيّام من العمل في بناء المدينة أورشليم. قال نح 6: 15: »وتمّ بناء السور في الخامس والعشرين من أيلول في اثنين وخمسين يومًا«. أمّا 3 عز 9: 38 فقال: »فالتأمت كلُّ الجماعة معًا بقلب واحد في الساحة العامّة، أمام باب الهيكل تجاه الشرق«. ذاك الباب يبقى مغلقًا حتّى مجيء الرئيس، مجيء المسيح الذي يأتي في المجد. هنا نقرأ حز 44:

1 ورجع بي الرجل إلى باب الهيكل الخارجيّ من جهة الشرق، وكان مغلقًا.

2 فقال لي الربّ: »هذا الباب يكون مغلقًا، لا يُفتَح ولا يدخل فيه أحد، لأنّ الربّ إله إسرائيل دخل منه.

3 ولكنّ الرئيس بصفته رئيسًا يجلس فيه ليأكل خبزًا...«.

ب- الاحتفال بالتوراة

أدخل الكتاب باحتفال، استقبله الشعب باحترام ومهابة. فالشعب يحتاج إلى كلمة الله. لهذا حمل إليها عزرا كتاب التوراة في احتفال يذكّرنا بما تفعله طقوسنا حين نحمل الإنجيل في تطواف قبل أن يُقرأ على المؤمنين. في ذلك الوقت، يكون الجميع واقفين وكأنّهم يستقبلون زائرًا. فالله حاضر من خلال الكلمة. وبالنسبة إلينا، الكلمة هو يسوع المسيح. صار بشرًا فسكن بيننا، ويأتي إلينا في كلّ احتفال ليقرأ لنا إنجيله في الوضع الذي نعيشه اليوم.

أحاط اليهود دومًا كتاب التوراة بالإكرام الكبير، كما المسيحيّون أمام الجسد والدم، أمام القربان المقدّس: الخيمة، غطاء من الحرير، استعمال الجُريسات. هنا نتذكّر ما قاله المجمع الفاتيكانيّ الثاني في الدستور في الليتورجيّا (رقم 7): »المسيح حاضرٌ دومًا في كنيسته... هو حاضر في كلمته، لأنّه هو الذي يتكلّم عندما تُقرأ الكتبُ المقدّسة في الكنيسة«.

والبركة التي يتفوّه بها عزرا هي في ثقلها، هتاف للربّ ومديح، وقد احتفظت لنا نصوص المعلّمين ببعض العبارات. »مبارك أنت يا ربّ، أعطيتنا التوراة«. فيجيب الشعب: آمين. ويرفع يديه كتعبير عن التوسّل. قال عزرا عن نفسه: »ولمّا حانت ذبيحةُ المساء، قمتُ من معاناتي وركعتُ على ركبتيّ بثوبي وعباءتي الممزَّقين، وبسطتُ يديّ إلى الربّ إلهي« (عز 9: 6). ونقرأ أيضًا مز 28:

1 إليك يا ربّ أصرخ،

يا خالقي لا تسكت عنّي.

إن أنت تحاشيتني أصير

كالهابطين في القبر

2 إستمع إلى تضرّعي

حين أستغيتُ رافعًا يديّ.

أمّا في مز 134 فرفعُ اليدين علامة المديح والفرح:

1 باركوا الربّ يا جميع عباده،

الواقفين في بيت الربّ

في الليالي.

2 إرفعوا إيديكم إلى المقدس

وباركوا الربّ.

3 يباركك الربّ من صهيون

صانع السماوات والأرض.

بعد ذلك، تسجد الجماعة، ويمسّ الرأسُ الأرض، كما يفعل الرهبان في »المطانيّة« التي تدلّ على التوبة الكبيرة وانسحاق القلب. بهذا السجود ندلّ على استسلامنا لله والاستعداد للطاعة والتعلّق بكلامه. هكذا نعبِّر عن موقف داخليّ من الإيمان وإكرام ضروريّ للذين يريدون أن يسمعوا الله يكلّمهم. ذاك كان موقف إبراهيم حين استقبل ضيوفه: »سجد إلى الأرض« (تك 18: 2). ومثله فعل لوط حين جاءه الملاكان: »وسجد بوجهه إلى الأرض« (تك 19: 1).

ج- قراءة التوراة وترجمتها وتفسيرها

قدّم لنا هذا النصّ ما هو ضروريّ لكي تُسمَع الكلمة وتحمل ثمارها: وقف عزرا فرآه الجميع (آ 4-5). توجّه إلى الشعب (آ 3). وقالت نصوص المعلّمين فيما بعد: على القارئ أن يقف منتصبًا، أن يقرأ بصوت عالٍ، أن يلبس ثيابًا حلوة، أن يستعدّ للقراءة المقدّسة ليلة السبت. وأضاف باوا المكرَّم (كاتب روحيّ لاتينيّ): »من يُعلن الإنجيل يأخذ نموذجه حاشَ المسيح وآلامه«. حاش المسيح يكون مثال حياته »لئلاّ يقدّم للآخرين أن يفعل ما لا يفعله هو«. ويتابع باوا المكرّم: كما كان عزرا على منبر من خشب، يكون الواعظ بالإنجيل على خشب الصليب ليقتدي بآلام المسيح.

وموقفُ القاري على مستوى الجسد ومستوى الروح، يقابل استعداد السامعين: »وكلّهم آذان صاغية إلى كتاب الشريعة« (آ 3). ونقرأ في 3 عز 9: 41: »فقرأ في الساحة العامّة أمام باب الهيكل المقدّس، من الصباح إلى المساء أمام الرجال والنساء. فأعطوهم كلُّهم انتباههم للشريعة«، بعد أن كرّموها وقوفًا، ركوعًا، سجودًا.

راعوا نصَّ التوراة كما كُتب. فقرأوه، وما زالوا يقرأونه في الأصل العبريّ. ولكن بما أنّ الجميع ما عادوا يفهمون النصّ منذ زمن نحميا (نح 13: 24: ما كانوا يحسنون التكلّم باللغة اليهوديّة)، وجبت ترجمةُ القراءة وشرحها في اللغة الأراميّة. حسب تقليد المعلّمين، هذه الترجمات التي دُعيت »تراجيم« (جمع ترجوم)، لا تُقرأ، بل تُرتَجل ارتجالاً أو تُتلى غيبًا. من يقوم بهذا العمل؟ الترجمان الذي يلعب الدور الذي لعبه اللاويّون هنا (آ 7-8). مثلُ هذه الظروف لا تراعي دقة الترجمات، فتحلُّ عبارة موسّعة محلّ لفظ صعب، أو يستضيء النصّ بشروح طويلة، بحيث إنّ الحدود بين الترجوم أو الترجمة الحرّيّة وبين المدراش أو الشرح التفسير، وبين العظة، لم تعد واضحة. أمّا النصّ المقدّس الذي يُقرأ في العبريّة فما كان يتبدّل، بل هو تميَّز دومًا عن تفسيره الذي يتكيّف مع سامعين معيّنين.

إنّ شرح التوراة هذا جزءٌ مهمّ في لاهوت كتاب الأخبار، جزء مهمّ من وظيفة الكهنة واللاويّين (آ 7-9)، كما يقول 2أخ 17: 7-9:

7 وأرسل يوشافاط (ملك يهوذا. مُصلح دينيّ)... بعض الرؤساء ليعلّموا في مدن يهوذا...

8 ومعهم من اللاويّين...

9 فحملوا كتاب الشريعة، وطافوا في جميع مدن يهوذا يعلّمون الشعب.

ذاك كان أيضًا دور المسيح الكهنوتيّ الباحث في الشريعة، كما ينتظره الأسيانيّون أو جماعة قمران.

د- العيد في الفرح

حين تُعلَن كلمة الله، ولو كانت التطويبات، يرتاع البعض أمام ما يطلبه الإنجيل، كما في إنجيل لوقا (6: 20-27):

20 هنيئًا لكم أيّها المساكين، لأنّ لكم ملكوت الله

24 لكن الويل لكم أيّها الأغنياء لأنّكم نلتم عزاءكم.

وهناك خوف من العقاب الذي ينتظر أولئك الذين لا يحفظون الشريعة ولا يعملون بها. نقرأ أوّلاً سفر اللاويّين، 26:

14 وإن كنتم لا تسمعون لي ولا تعملون بجميع هذه الوصايا

16 فأنا أيضًا أعاملكم بالمثل، فأجلب عليكم رعبًا، وداء عضالاً... وتزرعون زرعكم باطلاً فيأكله أعداؤكم

22 وأطلقتُ عليكم وحوش البرّيّة.

ويروح سفر التثنية (28) في الخطّ عينه:

16 تكونون ملعونين في مدنكم وفي حقولكم،

17 وتكون ملعونة سلالُكم ومعاجنكم

18 ويكون ملعونًا ثمر بطنكم وثمر أرضكم ونتاج بقركم وغنمكم

19 وتكونون ملعونين أنتم في رواحكم وفي مجيئكم.

رفض عزرا ونحميا هذا الموقف الذي يدعو إلى الحزن واليأس وضياع الهمم: يجب أن نتقبّل كلمة الله في الفرح، والمحبّة الأخويّة، والثقة التي تدفعنا إلى العمل والتوبة إلى الله. هذه الكلمة تدعونا إلى فرح الوليمة وإلى مشاركة لا يُستبعَد منها أحد. وهكذا يكون الاجتماع الليتورجيّ مناسبة نعيش فيها المقاسمة والمحبّة. نقرأ في تث 14: 29 حول العُشر الذي يكون للاويّين، »للغريب واليتيم والأرملة الذين في مدنكم، فيأكلون ويشبعون فيبارككم الربُّ إلهكم في جميع ما تعملون«. وفي تث 16: 13-15 ندخل في جوّ الفرح:

13 وعيِّدوا عيد المظالّ سبعةَ أيّام حين تجمعون غلَّة بيادركم ومعاصركم

14 وافرحوا في عيدكم هذا، أنتم وبنوكم وبناتكم وعبيدكم وجواريكم واللاوي والغريب واليتيم والأرملة الذين في مدنكم

15 سبعةَ أيّام تعيّدون للربّ إلهكم في الموضع الذي يختاره، لأنّه يبارككم في جميع غلاّتكم وفي كلّ أعمال أيديكم ولا تكونون إلاّ فرحين.

وهذا الفرح ليس »بالكيف« الذي يرافق الولائم، بل هو فرح عميق لدى ذاك الذي يجعل سعادته في الاستماع إلى الشريعة. هنا نقرأ مز 19:

8 شريعة الربّ كاملة تُنعش النفس،

وفرائضه حقّ تجعل الغبيَّ حكيمًا.

9 أمرُ الربّ مستقيم يفرّح القلب،

ووصيّته صالحة تنير العيون.

وينشد مز 119 الشريعة، كما ينشد فرحه بالعيش في فرائضها:

77 تأتيني مراحمك فأحيا

وأستنير بشريعتك.

92 شريعتك نور لي،

لولاها هلكت في شقائي

174 أشتاقُ إلى خلاصك يا ربّ،

وشريعتُك نورٌ لي.

الخاتمة

مثل هذا الفرح يحرّك الرجاء الذي هو سور حقيقيّ يقي من الخطيئة ومن غضب الله وعقابه. سور متين يُشبه أسوار أورشليم التي انتهى نحميا من بنائها. مثل هذا الفرح عاد إلى قلب الشعب العائد من المنفى، حين استمع إلى كلام الله. فما تكون فرحتنا نحن شعب العهد الجديد بعد أن سمعنا كلام الإنجيل يعلن يسوع مدشِّنًا الملكوت في الناصرة، كما في لو 4: 18:

روح الربّ عليّ

مسحني لأبشّر المساكين

أرسلني لأنادي للأسرى بالحرّيّة،

وللعميان بعودة البصر إليهم.

وما يكون موقفنا حين نطوف بالإنجيل في كنائسنا! وحين نسمع الكلمة استماع الشوق والاستعداد للعمل بما يطلبه منّا صاحب الإنجيل. وهل نسينا ما قاله المجمع الفاتيكانيّ حين قابل خبز الكلمة مع خبز القربان. من لم يأكل خبز الكلمة لا يستفيد كلّ الإفادة من الخبز الآخر. إن كنّا نجد في الإفخارستيّا النور والحياة، نتذكّر أيضًا أنّ كلمة الله هي غذاؤنا. ففي النهاية الكلمة التي تصل إلينا هي يسوع الكلمة الذي كان لدى الله وصار بشرًا من أجلنا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM