إيليّا في صرفت صيدا.

 

إيليّا في صرفت صيدا

1مل 17: 8-16

اعتاد الكتاب المقدّس أن يطلب من المؤمنين أن يراعوا اليتيم والأرملة: »لا تسئ إلى يتيم ولا إلى أرملة. فإن أسأت إليهما وصرخا إليّ، أسمع صراخهما« (خر 22: 21-22) وقال سفر التثنية عن الله: »لا يحابي ولا يرتشي. يحكم لليتيم والأرملة، ويحبّ الغريب ويرزقه طعامًا وكسوة« (10: 17-19). وأضاف في كلامه عن أعشار الغلّة التي يوزّعها المزارعون. تكون »للغريب واليتيم والأرملة الذين في مدنكم، فيأكلون ويشبعون فيبارككم الربّ إلهكم في جميع ما تعملون« (14: 29). وفي عيد الحصاد، وجمْع غلّة القمح، يتمّ التبرّع والعطاء، »فيفرح الغريب واليتيم والأرملة الذين بينكم، في الموضع الذي يختاره الربّ إلهكم ليُحلَّ فيه اسمه« (تث 16: 11). ولكن كيف نفهم أن يكون إيليّا مضى إلى إرملة وإلى يتيم لم يبقَ لهما سوى بعض الدقيق والقليل من الزيت؟ ثمّ أما خاف أن يتنجّس عابدُ الربّ حين يأكل من طعام الوثنيّين. بل أن يطلب تقدمة لإلهه من غلاّت وُجدت في أرض منجّسة؟ هذا ما يفكّر فيه يهوديّ تقيّ في زمن المسيح. فيتحاشى أن يسلّم على الوثنيّ، وبالتالي لا يأكل معه. لا إيليّا، الذي أقام عند تلك الأرملة، وأكثر لها الدقيق والزيت إلى أن زالت أيّام المجاعة. ونقرأ النصّ الكتابيّ:

8 فقال الربّ لإيليّا:

9 »اذهبْ إلى صرفت صيدا وأقمْ هناك. فأنا أمرتُ أرملة أن تطعمك«.

10 فذهب إيليّا إلى صرفت، ولمّا وصل إلى مدخل المدينة، رأى هناك أرملة تجمع حطبًا. فناداها وقال لها:

»هاتي شربة ماء«.

11 وفيما هي ذاهبة لتأتي بها، ناداها وقال:

»هاتي كسرة خبز«.

12 فقالت له:

»حيّ هو الربّ إلهك، لا خبز عندي. ولكن عندي قبضة من الدقيق في القصعة، وقليل من الزيت في الخابية. وها أنا أجمع عودين من الحطب لأعدَّ طعامي لي ولابني، فنأكله ثمّ نموت من الجوع«.

13 فقال لها إيليّا:

»لا تخافي. روحي كما قلتُ. لكن اخبزي أوّلاً قرصًا صغيرًا وهاتيه لي. وما تبقّى من العجين، أخبزيه لك ولابنك.

14 فالربّ إله إسرائيل قال:

»قصعة الدقيق لا تفرغ،

وخابية الزيت لا تنقص،

إلى يوم يُرسل فيه الربّ

مطرًا على وجه الأرض«.

15 فراحت وعملت كما قال إيليّا.

وأكلت هي وهو وبيتُها أيّامًا.

16 وقصعة الدقيق ما فرغت

وخابية الزيت ما نقصت،

كما قال الربّ على لسان إيليّا.

1- إيليّا المدافع عن ديانة يهوه

أ- الدخول إلى كنعان

اعتادت التبدّلات الاجتماعيّة أن تكون لها ردّات فعل عميقة على الحياة الدينيّة لدى الأفراد والمجموعات. وهذا ما نراه في أيّامنا مع التحوّلات التي تتمّ في الكنيسة في مرحلة الانتقال من حضارة ريفيّة قرويّة إلى حضارة مدينيّة صناعيّة. وفي تاريخ رفاق موسى ويشوع، حرّك العبور من البرّيّة إلى حياة الحضر في كنعان، أزمة دينيّة خطيرة. بدا الآتون من سيناء في مستوى حضاريّ أدنى من الذي يتعرّفون إليه الآن في كنعان، فسُحروا وأغرقوا في عادات الكنعانيّين وممارساتهم. فشابهوا أهل البلاد، وأخذوا يقدّمون الدعاء إلى إله الخصب لينالوا منه غلّة وافرة في حقولهم، وكثرة في قطعانهم وفي عيالهم. حينئذٍ حلَّ البعل محلّ الربّ. تارة راحوا إلى البعل، وطورًا إلى يهوه. لهذا قال لهم إيليّا (1مل 18: 21):

»إلى متى تعرجون بين هذا الفريق وذاك؟

إن كان الربّ (يهوه) هو الإله فاتبعوه.

وإن كان البعل هو الإله فاتبعوه«.

وجاءت عبارات تبدو في ظاهرها وكأنّها تتوجّه إلى الربّ. وفي داخلها، تدعو البعل. هنا تكثرُ العبارات التي نقرأها في سفر القضاة 21: 11-17:

11 ففعل بنو إسرائيل الشرّ في عيني الربّ، وعبدوا البعل.

12 وتركوا الربَّ إلهَ آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر، وتبعوا آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم، وسجدوا لها وأغاظوا الربّ.

13 تركوه وعبدوا البعل وعشتاروت.

14 فغضب الربّ عليهم، فسلّمهم إلى أيدي الناهبين فنهبوهم، وباعهم إلى أعدائهم الذين حولهم، فلم يقدروا بعدُ أن يثبتوا أمامهم.

15 فكانوا حيثما يخرجون للحرب تكون يد الربّ عليهم لشرّهم (لشقائهم)، كما قال الربّ وأقسم. فتضايقوا جدٌّا.

16 فأقام الربّ عليهم قضاة، فخلّصوهم من أيدي الناهبين.

17 ولقضاتهم أيضًا لم يسمعوا، فخانوا الربّ باتّباع آلهة أخرى وسجدوا لها، وحادوا سريعًا عن الطريق التي سلكها آباؤهم على طاعة وصايا الربّ، ولم يعملوا مثلهم.

بحسب هذه الرسمة دُوِّن سفر القضاة، مع صراع بين يهوه والبعل. يهوه لا يُرى. لا صورة له ولا تمثال. ولا ممارسات قرب المعابد سوى الإنشاد لله وقراءة أعماله. أمّا لدى البعل، فالهياكل العظيمة، والأناشيد والأعمال الإباحيّة التي فيها تنفلت الغرائز. فماذا يختار ذاك الآتي من الصحراء؟ وحين يسقطون عميقًا ويتضايقون، يصرخون إلى الربّ، فيرسل إليهم مخلّصًا، قاضيًا، يقضي فيهم ويتدبّر أمورهم. ولكن ما إن يموت »القاضي« الذي يعلن إيمانه كما فعل يشوع، كانوا يعودون إلى ما قبل، فيتركون معبد الربّ ويمضون إلى معبد البعل.

قال يشوع: »أمّا أنا وأهل بيتي، فنعبد الربّ« (24: 15).

وأجاب الشعب: »الربّ إلهنا نعبد، ولصوته نسمع« (آ24).

ولكن ماذا حدث بعد موت يشوع؟ امتدّت الأزمة وامتدّت، ولا سيّما في مملكة إسرائيل في الشمال، مع عاصمتها السامرة. وبلغت مستوى خطيرًا في زمن إيليّا. وحين نقل عمري عاصمته من ترصة إلى السامرة (1مل 16: 24) وجّه سياسة المملكة نحو فينيقية بدون تردّد. وبرهن عن ذلك حين زوّج ابنه آخاب لإيزابيل ابنة ملك صور. فكان هذا الاتّجاه السياسيّ الجديد شؤمًا لليهويّة، لعبادة يهوه، الربّ الإله. وما اكتفت إيزابيل بأن تعترف علنًا بعبادتها للبعل، بل سعت إلى نشرها بجميع الوسائل التي جعلتها السلطة في متناولها.

بدأت أوّلاً اضطهاد أنبياء الربّ. رُوي عن عوبديا، قيِّم القصر أنّه كان »يخاف الربّ. ولمّا بدأت إيزابيل تبيد أنبياء الربّ، أخذ مئة منهم وأخفاهم، كلّ خمسين منهم في مغارة، وعالهم بالخبز والماء« (1مل 18: 3-4). أمّا »أنبياء البعل الأربعمئة والخمسين وأنبياء عشتروت الأربع مئة، فكانوا يأكلون على مائدة إيزابيل« (آ19). فهي التي تؤمّن لهم الطعام والشراب والمأوى. وكرامة عيون الملكة، عبد آخاب »البعل وسجد له. وأقام مذبحًا في بيت البعل الذي بناه في السامرة« (1مل 16: 31-32).

ب- إيليّا وعبادة يهوه

مثّل إيليّا وجه الدفاع عن اليهويّة، عن ديانة يهوه، في وجه عبادة البعل. والمشهدُ الدراماتيكيّ على جبل الكرمل، وهربُ النبيّ إلى جبل حوريب، وتدخّل النبيّ ساعة مرض أخزيا، وسائر العجائب المرويّة، من الجفاف والمطر، وإكثارُ الطحين والزيت، وإقامة ابن الأرملة، كلّ هذا يوجّهنا نحو نقطة واحدة: الدفاع عن اليهويّة، وممارسة عبادة البعل التي سيقضي عليها ياهو، في فترة حاسمة من تاريخ مملكة إسرائيل. قال ياهو في 2مل 10: 25:

»ادخلوا واقتلوهم، ولا تدعوا أحدًا يفلت«.

فأطاعوه بعد أن عرفوا أنّه »إذا نجا أحد من كهنة البعل، تؤخذ نفوسهم بدل نفسه« (آ24). »فضربوهم بحدّ السيف وطرحوهم خارجًا. ثمّ دخلوا إلى محراب بيت البعل وأخرجوا التماثيل وأحرقوها. وكسَّروا تمثال البعل، وهدموا بيته، وجعلوه مزبلة إلى هذا اليوم« (آ25-27).

أوّلاً: مشهد الكرمل (1مل 18: 20-46)

يشكّل مشهد الكرم قلب هذا الصراع في ثلاثة مشاهد:

الأوّل (آ1-19). المواجهة بين إيليّا وآخاب. عبر شخص عوبديا:

17 فلمّا رأى آخاب إيليّا، قال له:

»أأنتَ إيليّا مصدر ويلات إسرائيل؟«

18 فأجابه إيليّا:

»ما أنا مصدر هذه الويلات، بل أنت وبيت أبيك، لأنّكم تركتم وصايا الربّ وعبدتم البعل«.

الثاني (آ20-40). مشهد الكرمل الذي يبدو مخاطرة فيها يحكم الله على »المذنب« بقوّة النار. وبدأ دور أنبياء البعل:

26 أخذوا الثور الذي هيّأوه، ودعوا باسم البعل من الصباح إلى الظهر وهم يقولون:

»أيّها البعل، استجب«.

27 فلمّا كان الصباح، راح إيليّا يهزأ منهم ويقول:

»اصرخوا بصوت أعلى، فربّما إلهكم غارقٌ في تأمّل، أو هو مشغول أو في سفر، أو لعلّه نائم فيفيق«.

28 فأخذوا يصرخون بصوت عظيم، ويهشّمون أجسادهم بحسب شعائرهم، بالسيوف والرماح، حتّى سالت دماؤهم.

29 ... ولكن لم يكن صوت ولا مجيب ولا مصغٍ.

وجاء دور إيليّا، فرمّم مذبح الربّ الذي تهدّم. وقال:

37 »استجب لي يا ربّ، استجب لي، ليعلمَ هذا الشعب أنّك أنت الإله، وأنّك رددتَ قلوبهم إليك...«

38 فنزلت نار الربّ، والتهمت المحرقة والحطب والحجارة والتراب وحتّى الماء الذي في الخندق.

39 فلمّا رأى ذلك الشعب كلّه، سجدوا إلى الأرض وقالوا:

»الربّ هو الإله! الربّ هو الإله!«

الثالث (آ41-46). أعاد الربّ إلى إيليّا كرامته، فوضع حدٌّا للجفاف:

45 فلم يمضِ وقتٌ حتّى اسودَّت السماء بالغيوم، وهبّت الرياح، وسقط مطر غزير.

أهميّة حدث الكرمل نقرأها في الأساس الدينيّ واللاهوتيّ. فالخبر يجعلنا نستشف الأزمة العميقة التي تمرّ فيها العقيدة اليهويّة وممارستها. فوجود إيزابيل في بلاط السامرة، أنمى عبادة البعل وجعلها تنتشر انتشارًا واسعًا. بل إنّ هجوم عبّاد البعل توصّل إلى هدم هيكل يهوه على جبل الكرمل وتنظيم عبادة البعل من جديد. نشير هنا إلى أنّ جبل الكرمل لم يدخل في الأراضي المعطاة للقبائل العبرانيّة. ولكن حين احتلّه داود، بني عليه مذبحًا، بعد أن كان من أهمّ المرتفعات لعبادة البعل.

وحدثُ الكرمل يُبرز أيضًا وجهَ إيليّا المدافع عن ديانة يهوه. هو يشبه يشوع القائل أمام القبائل المجتمعة في شكيم، كما في يش 24: 14-15:

14 »فخافوا الربّ، واعبُدوه بكمال وإخلاص، وانزعوا الآلهة التي عبدها آباؤكم في نهر الفرات وفي مصر، واعبدوا الربّ.

15 وإن كان يسوؤكم أن تعبدوه، فاختاروا لكم اليوم من تعبدون: إمّا الآلهة التي عبدها آباؤكم عبر الفرات، أو آلهة الأموريّين الذين أنتم مقيمون بأرضهم«.

فإيليّا امتلأ غيرة من أجل قضيّة الله، فجعل الشعب أمام خيارين لا ثالث لهما: عبادة يهوه أم عبادة البعل. إن كان يهوه هو الإله فاتبعوه. وإن كان البعل فاتبعوه. ودلّت محنة النار أنّ يهوه هو الإله الوحيد في أرض إسرائيل. وهذا ما أقرّ به الشعب وأعلنه: »يهوه هو الله«. وتحدّي إيليّا لأنبياء البعل انتهى بنصر ساطع لليهويّة على عبادة البعل التي هدّدت بهجومها تهديدًا جدّيٌّا، وجود الديانة الحقّة.

ثانيًا: الهرب على جبل حوريب (1مل 19: 1-18)

يتحدّد أيضًا موقع هذا الحدث في منظار حرب إيليّا من أجل ديانة يهوه. فالغلبة على جبل الكرمل، زادت قوّة إيليّا قوّة، وجعلته يتطلّع إلى الآمال القريبة، غير أنّ إيزابيل لم تعتبر نفسها قد هُزمت، فأطلقت التهديدات الخطيرة على النبيّ لكي تخيفه فتجعله يهرب. والمدلول الرمزيّ لمسيرة إيليّا نحو جبل حوريب واضح. شعرَ بالملل وبخيبة الأمل، فراح إلى حوريب يبحث عن قوّة جديدة. ذاك المدافع الشرس عن اليهويّة الصريحة، وعن نقاوة العهد، انطلق إلى الجبل المقدّس ليجدّد خبرة موسى في سيناء. و»خروجه« هو عودة إلى منابع العهد وديانة يهوه. وبعد أن مشى أربعين يومًا وأربعين ليلة، وصل إلى حوريب، فتجلّى له الربّ كما تجلّى لموسى. نقرأ سفر الخروج (33: 18: 23):

18 فقال موسى:

»أرني مجدك«.

19 فقال الربّ:

»سأعرض كلَّ جلالي أمامك، وأنادي باسمي أنا الربّ على مسمعك، وأتحنّن على من أتحنّن، وأرحم من أرحم«.

20 وقال:

»أمّا وجهي فلا تقدر أن تراه، لأنّ الذي يراني لا يعيش«.

21 وقال الربّ:

»هنا مكان بجانبي تقف فيه على الصخرة

22 وحين يمرّ مجدي، أجعلك في فجوة الصخرة، وأغطّيك بيدي حتّى أمرّ.

23 ثمّ أزيح يدي، فتنظر ظهري. أمّا وجهي، فلا تراه«.

منذ الظهور على جبل سيناء، اعتاد العبرانيّون على الريح والزلزال والبروق والرعود التي ترافق التيوفانيا (الظهور) الإلهيّ. نقرأ خر 19: 18-19:

18 الجبل يلفّه دخان، لأنّ الربّ نزل عليه بالنار، فتصاعد دخانه كدخان الأتون، واهتزّ الجبل اهتزازًا جديدًا.

19 وكان صوت البوق يرتفع جدٌّا، وموسى يتكلّم، والله يجيبه بقصف الرعد.

ظنّ إيليّا أنّ الله في هذه الظواهر الكونيّة بما تحمل من تدمير، عرف أن يتجاوزها، حين قتل أو أمر بقتل أنبياء البعل، ولكنّ الصمت الخفيف أقوى، لأنّه يدلّ على عمل الله في الخلق والخلاص، في البناء لا في الهدم. الله هو الصامت، تجاه الرعد الذي يزعق صوته كصوت الأسود. ونقرأ لقاء إيليّا بالربّ في 1مل 19: 11:

11 ثمّ عبر الربّ، وهبّت ريح عظيمة وشديدة شقّت الجبال وكسَرت الصخور، ولم يكن الربّ في الريح، وبعد الريح زلزال، ولم يكن الربّ في الزلزال.

12 وبعد الزلزال نار، ولم يكن الربّ في النار. وبعد النار صمت هادئ خفيف.

13 فلمّا سمع إيليّا، ستر وجهه بعباءته، وخرج ووقف بمدخل المغارة.

وجه موسى، ووجه إيليّا. كلاهما يكونان مع يسوع في تجلّيه على الجبل، الذي اسمه ثابور، أو حرمون، على ما نقرأ في مر 9: 4-5:

4 وظهر لهم (للرسل) إيليّا وموسى، وكانا يكلّمان يسوع.

5 فقال بطرس ليسوع:

»يا معلّم، ما أجمل أن نكون هنا، فننصب ثلاث مظالّ: واحدة لك، واحدة لإيليّا، واحدة لموسى«.

ثالثًا: مرض أحزيا ومعجزات أخرى (2مل 1: 2-8)

إنّ مرض أحزيا يدلّ مرّة أخرى، كيف اعتاد الناس أن يلجأوا بسهولة إلى بعل. كما يعطي فرصة لإيليّا لكي يتدخّل من أجل يهوه.

2 وسقط أحزيا، ملك إسرائيل، من شرفة قصره في السامرة، وأصيب بجرح بليغ.

فأرسل يسأل بعل زبوب (بعل الأمير، السيّد)، إله عقرون (إحدى مدن الفلسطيّين)، إن كان سيُشفى من جرحه.

3 فقال ملاك الربّ لإيليّا التشبيّ:

»إذهب إلى رسل ملك السامرة، وقل لهم:

ألا يُوجَد إله في إسرائيل حتّى تسألوا بعل زبوب، إله عقرون؟

فلذلك قولوا للملك:

لن تخرج من الفراش معافى، بل موتًا تموت«.

حكم إيليّا بشكل جذريّ وجارح على أحزيا الذي أرسل يسأل بعل من أجل شفائه. ثمّ أكّد حقوق يهوه وقدرته التي لا تقف بجانبها قدرة، هذا إذا كان للأصنام قدرة!

حسب النظرة اليهوديّة في بيت إسرائيل، وفيها ما فيها من نظرة دينيّة مقدّسة، يجب اللجوء إلى يهوه حين يكون المرض خطيرًا. وقد وبّخ المؤرّخ الكهنوتيّ الملك آسا، لأنّه لجأ إلى الأطباء، لا إلى يهوه. قال فيه: »ومع أنّ العلّة اشتدّت عليه، لم يستعن بالربّ، بل بالأطبّاء« (2أخ 16: 12). وكان سفر الخروج قد قال معبّرا عن رأي الكتاب: »أنا الربّ طبيبك، شافيك« (15: 26).

ودخلت سائر العجائب التي أجراها إيليّا، في منظار الدفاع عن اليهويّة تجاه البعليّة. نعود هنا إلى أدب أوغاريت (راس شمرا، شمال اللاذقيّة)، حيث اعتُبر بعل في الأوساط الكنعانيّة إلهَ العاصفة والخصب، فيعطي البركة للإنسان والغلّة الوافرة للأرض. كما كان ينبوع العاصفة والنار (البرق) والمطر. هو الذي يمنح الحنطة والزيت والخمر. واستطاع أن يشفي المرض ويقيم الموتى.

أمّا الكتاب، فرفض كلَّ هذا. من يشفي المرضى؟ ما استطاع بعل زبوب أن يشفي الملك أحزيا. من يقيم الموتى؟ إيليّا أقام ابن الأرملة. وأليشع ابن الشونميّة. بل إنّ عظامه أقامت الميت من قبره. من يوقف المطر بحيث يسيطر الجفاف؟ الربّ وحده. فقد هدّد إيليّا التشبيّ آخاب فقال له: »حيّ هو الربّ إله إسرائيل الذي أعبده: لن يكون في هذه السنين المقبلة ندى ولا مطر، إلاّ حين أعلن ذلك« (1مل 17: 1). فهل استطاع البعل أن يأتي بالمطر؟ بل شابهت قدرتُه قدرة سحرة مصر، الذين رأوا في »عصا موسى« إصبع الله. فتركوا الساحة ومضوا. ومتى يأتي المطر؟ حين يأمر رجل الله باسم الله. نقرأ في 1مل 18: 1: »قال الربّ لإيليّا: إذهب إلى آخاب واحضر أمامه، فقريبًا آتي بالمطر«. وفي الحقيقة، بعد أن بان عجز بعل وتبّاعه، قال إيليّا لآخاب: »ها صوت دويّ المطر« (آ41).

وسوف يتوسّع هوشع في هذا الموضوع، ظنّت السامرة »عروس« الربّ، أنّ بعل »زوجها« يعطيها المطر، وبالتالي يُنمي القمح والزيتون والكرمة، فيُكثر الزيت والخمر، وتفيض الأعياد والفرح. فقال هو 2: 10-14 بفم الربّ:

10 لا تعرف أنّي أنا أعطيتُها

القمح والخمر والزيت،

وأكثرتُ لها الفضّة والذهب،

فصنعت منهما تمثالاً للبعل.

11 لهذا، ها أنا آتٍ

فأستعيد قمحي في وقته،

وخمري في موعده

وأنزع عنها صوفي وكتّاني

اللذين تكسو بهما عورتها.

12 والآن، أكشف جسدها

أمام عيون عشّاقها،

فلا ينقذها أحدٌ من يدي.

13 وأبطل كلَّ سرورها،

أعيادها والأهلّة والسبوت

وجميع احتفالاتها.

14 وأدمِّر كرمها وتينها

الذي قالت عنه: هو أجرتي

التي نلتُها من عشّاقي.

وأصيّرهما وعرًا،

فيأكلها وحش البرّيّة.

2- قراءة النصّ (17: 8-16)

أ- السياق

جميع الأمور الواردة في 1مل 17-18، تدخل في إطار واحد: الجفاف العظيم الذي ذكره 17: 1-7. هدّد إيليّا بانقطاع المطر (آ1). ثمّ مضى إلى كريت أو الوادي اليابس (آ3). وفي النهاية »جفّ النهر بعد أيّام، لأنّ المطر لم ينزل على الأرض« (آ7). ثمّ نزول المطر في 18: 41-46. عن هذا الجفاف الذي طال ثلاث سنوات، تحدّث ميناندريس الأفسسيّ، وأورد كلامَه فلافيوس يوسيفُس المؤرّخ اليهوديّ. ولمّح يسوع إلى هذا الأمر حين كان يعظ في الناصرة: »وبحقّ أقول لكم: نعم، كان في إسرائيل كثير من الآرامل في زمن إيليّا، حين توقّف المطر ثلاث سنوات وستّة أشهر، فحدثت مجاعة شديدة في البلاد كلّها. وما أرسل الله إيليّا إلى واحدة منهنّ، بل أرسلَه إلى أرملة في صرفت صيدا« (لو 4: 25-26). رفضت الناصرة ابنها، فكانت رمزًا بعيدًا عن الشعب الذي جاء إليه الابن فما قبلوه (يو 1: 11). الوثنيّون استقبلوا البشارة الجديدة. وكذلك، استقبل العرب، شرقيّ فلسطين، إيليّا، واستقبلته الأرملة الفينيقيّة وابنها، غربيّ فلسطين، في صرفت التي لصيدون.

اعتُبر هذا الجفاف عقابًا من الله بسبب التنكّر لله لدى العائلة الملكيّة وقسمٍ من الشعب. فكان مناسبة لأعمال عجائبيّة. عند سهل كريت أطعمه العرب (وتقول السبعينيّة والتقليد اللاحق: الغربان). وفي صرفت، استقبلته أرملة وابنها، ففاض الخير عندها حتّى نهاية المجاعة.

إنّ الطابع الشعبيّ لهذه الأخبار يُبرز التعارض بين نمطين من النساء: إيزابيل الحاضرة في ف 17-18، وأرملة صرفت صيدا التي بدا تصرّفها مختلفًا كلّ الاختلاف عن تصرّف الملكة. إيزابيل اضطهدت النبيّ، والأرملة استضافته. إيزابيل فرضت البعل على إسرائيل، والأرملة الوثنيّة ربّما عابدة البعل، استقبلت نبيّ الربّ. إيزابيل الغنيّة تقابل الأرملة الفقيرة. نالت إيزابيل اللعنة من إيليّا، والأرملة البركة. قال إيليّا بعد حادثة كرم نابوت لإيزابيل: »عند أسوار مدينة يزرعيل تفترس الكلاب جثّتها« (1مل 21: 23).

ب- إيليّا في صرفت

»فقام إيليّا ومضى« (آ10)

صرفت تقابل الصرفند (لبنان)، على الشاطئ الفينيقيّ. تبعد 5 كلم إلى الجنوب من صيدا. ولماذا مضى إيليّا إلى خارج أرضه؟ لا شكّ بسبب الاضطهاد، على ما يقول 1مل 18: 10. قال عوبديا لإيليّا: »حيّ هو الربّ إلهك، ما من أمّة ولا مملكة إلاّ أرسل إليها سيّدي الملك (آخاب) يسأل عنك. وإذا أنكر حاكمها أنّك هنا، استحلفه آخاب ليتأكّد من الأمر«. وكما فعل إيليّا، كذلك فعل يسوع، الذي مضى إلى تخوم صور وصيدا، حين رأى العداوة تتكاثر عليه من قبل الشعب. ولكنّه هناك لم يقدر أن يخفي أمره (مر 7: 24). ثمّ ترك نواحي صور وصيدا ومضى إلى الجليل (آ31).

»أرملة عند مدخل المدينة«. هي لا تعيش في وسط المدينة حيث الأغنياء والوجهاء. هي فقيرة، بل تستعدّ لكي تموت جوعًا. نشير هنا إلى أنّ الأرملة التي لا أولاد لها، قد يتزوّجها سلفها فيعطي نسلاً لأخيه. وإلاّ تعود إلى بيت والديها. وإذا كان لها أولاد، فهي تعيش على صدقات المحسنين. أمّا هذه الأرملة، فما طلبت بل أعطت. استضافت إيليّا فدلّت على سخائها. ومع أنّ الجوع على الأبواب تقاسمت القليل الذي لديها. فما من فقير إلاّ ويجد من هو أفقر منه. هذا يدلّنا أيضًا على أنّ إيليّا كان أفقر الفقراء، وأنّه كان ملاحَقًا فما أراد أن يعرف أحدٌ بمكانه.

»قبضة من الدقيق« (آ12)

حيّ هو الربّ. بدت الأرملة وكأنّها عارفة بإله إيليّا. وسوف تقول للنبيّ: »يا رجل الله« (آ18). هو القداسة، وبذلك يذكّر المرء بذنوبه. نستطيع القول إنّنا أمام مرحلتين في الوصول إلى عبادة الإله الواحد. في الأولى، أعبد إلهي وأعتبر أنّ لكلّ شعب إلهه. هكذا كان الأمر مع يعقوب (العبرانيّ) ولابان (الآراميّ). قال تك 31: 53: »إله إبراهيم وإله ناحور (جدّ لابان) يحكم بيننا«. في مرحلة ثانية، يفضَّل إله على سائر الآلهة، دون إنكار سائر الآلهة. ذاك كان موقف نعمان، قائد جيش آرام: »الآن علمتُ أن لا إله في الأرض كلّها إلاّ في إسرائيل« (2مل 5: 15). لا شكّ في أنّه سيرافق الملك لإكرام هدد، إله دمشق. ولكن حين رأى ما فعل إلهُ أليشع، عرف أنّه يتفوّق على إلهه، وبالتالي أنّ مياه الأردنّ لا تشبه مياه أبّانة وفرفر، لا على المستوى الطبيعيّ والحيويّ، بل على مستوى قدرة يهوه تجاه سائر الآلهة. وسوف ننتظر بعد المنفى وأشعيا الثاني، لنصل إلى عبادة الإله الواحد دون سواه، بحيث تصبح سائر الآلهة أصنامًا، لها عيون ولا ترى، لها آذان ولا تسمع، لها الأيدي ولا تفعل. لها الأرجل ولا تمشي فتحتاج إلى من يحملها.

ونعطي هنا بعض الأمثال. في قض 6: 24 نقرأ ما فعله جدعون. بعد أن ظهر له ملاك الربّ: »فبنى جدعون هناك مذبحًا للربّ، ودعاه »يهوه شلوم« أو »يهوه سلام«. »وهو إلى هذا اليوم لا يزال في عفرة الأبيعزريّين«. أي في قبيلة منسّى. ذاك كان فعل إيمان من قبل جدعون الذي أرسله الربّ في مهمّة خلاص.

وفي قض 11، نقرأ كلام يفتاح مع العمّونيّين:

23 والآن، إذا كان الربّ إله إسرائيل طرد الأموريّين من أمام شعبه بني إسرائيل، فكيف تريد أنتَ أن تملك من الأرض ما تمتلكه؟

24 لك أن تمتلك ما أعطاك إيّاه كموش إلهك، ونحن نملك أرض الذين طردهم الربّ إلهنا من أمامنا.

إلهان متقابلان. كموش أعطى العمّونيّين، وقد يكون طرد الشعوب التي سبقتهم. ويهوه أعطى العبرانيّين بعد أن طرد الأموريّين. كلّ إله اقتطع له أرضًا وأعطاها لشعب تعبّد له. و»إله شلوم« قد يكون إلهًا محلّيٌّا، أو معبدًا محلّيٌّا، مع العلم أنّ أورشليم هي في الأصل مدينة الإله شاليم.

ولكنّ العبارة التي استعملتها المرأة، بدت وكأنّها أبعد من ضمِّ إله إلى إله. هي فعل إيمان حقيقيّ بالربّ. وربّما لهذا السبب جاء إليها إيليّا. وهي استضافته بالقليل الذي لديها. هي واحدة من تلك الوجوه الوثنيّة التي أحدثت فجوة في أسوار أورشليم »المغلقة« على العالم الوثنيّ، فأفهمونا أنّ كلام الله لا يكون لليهوديّ دون الوثنيّ، ولا للعبد دون الحرّ. ولا للرجل دون المرأة.

سلسلة طويلة بدأت مع ملكيصادق (تك 14: 19-20) الذي بارك أبراهم فقال:

19 »مبارك أبرام من الله العليّ،

خالق السماوات والأرض.

20 ومبارك الله العليّ

الذي أسلم معاديك إلى يدك«.

وقال يترو، حمو موسى، حين جاءه زائرً في خر 18: 10-11:

10 تبارك الربّ الذي نجّاكم

من أيدي المصريّين ويدِ فرعون.

تبارك الربّ الذي نجّى شعبه

من تحت أيدي المصريّين.

11 الآن علمت

أنّ الربّ أعظم من جميع الآلهة،

لأنّه صنع هذا بالمصريّين

الذين طغوا عليكم...

وقالت راعوت لنعمة حماتها في را 1: 16-17:

16 فأينما ذهبتِ أذهب،

وأينما أقمتِ أقيم.

شعبك يكون شعبي،

وإلهك يكون إلهي.

17 حيث تموتين أموت،

وهناك أُدفَن.

تحدّثت الأرملة عن عودين، عن خشبتين. رأى فيهما آباء الكنيسة رمزًا إلى الصليب الذي يُعطي الكنيسة طعامًا لا ينفذ أبدًا.

ج- قصعة الدقيق وخابية الزيت (آ14-16)

نقرأ هنا أربعة أشطر تبدو بشكل مثَل شعبيّ. هو فعل إيمان وثقة بالعناية الإلهيّة التي تهتمّ بالإنسان دون أن تفرض نفسها عليه. نشير إلى أنّ هذا المثل عاد ثلاث مرّات (آ12، 14، 16).

»كما قال الربّ«. بحسب النظرة البيبليّة، فالتاريخ بشكل عامّ هو توسّع في كلمة الله المنفّذة، بعد أن أعلنها الأنبياء. قال عا 3: 7:

السيّد الربّ لا يفعل شيئًا،

إلاّ إذا كشف سرَّه لعبيده الأنبياء.

هذه النظرة اللاهوتيّة إلى التاريخ بشكل وعد يتمّ، تأخذ مكانة هامّة في »التاريخ الاشتراعيّ« (يش، قض، صم، مل). وكتاب الملوك يقدّم خمسة وعشرين خبرًا مبنيٌّا بحسب الرسمة: الوعد وتتمّة الوعد. ومنها عشرون في 2مل. وها نحن نعطي بعض الأمثلة:

أخيا الشيلونيّ. تنبّأ عن انقسام المملكة، وزوال سلالة يربعام، وموت عوبديا المبكر. نقرأ أوّلاً 1مل 11: 28-39:

29 وفي تلك الأثناء، خرج يربعام من أورشليم، فصادفه أخيا الشيلونيّ النبيّ في الطريق، وكان مرتديًا عباءة جديدة. وكانا وحدهما في البرّيّة.

30 فقبض أخيا على العباءة الجديدة، وشقّها اثنتي عشرة قطعة،

31 وقال ليربعام:

»خذ لك عشر قطع، لأنّ الربّ إله إسرائيل يقول لك:

ها أنا آخذ المملكة من يد سليمان، وأعطيك عشرة أسباط«.

تمَّ ما قال أخيا في 1مل 12: 20: »وعندما سمعت القبائل برجوع يربعام، من مصر، دعته إلى اجتماع، وأقامته ملكًا عليها«. ونقرأ في آ15 تحقيق هذا الكلام: »لم يسمع رحبعام للشعب، فتمّ كلام الربّ إلى يربعام بن ناباط على لسان أخيا الشيلونيّ«. وفي 1مل 14: 1-18، تنبّأ أخيا على نهاية سلالة يربعام:

10 أجلبُ الشرّ على بيتك، فأبيد لك كلَّ ذكر من الكبير إلى الصغير، وأفنيهم عن آخرهم، كما يكنَّس البعر.

11 ومن مات لك في المدينة تأكله الكلاب، ومن مات في البرّيّة تأكله طير السماء. هو الربّ تكلّم.

وهذا ما تحقّق في 15: 29-30:

29 ولما ملَكَ ناداب، أباد جميع بيت يربعام عن آخرهم، كما تكلّم الربّ على لسان عبده أخيا الشيلونيّ.

30 لأنّ يربعام أغاظ إله إسرائيل بما فعل من الخطايا.

ويمكن أن نذكر ياهو بن حناني الذي تحدّث عن إبادة سلالة بعشا (1مل 16: 1-14) أو ميخا بن يملة الذي تكلّم عن دمار السامرة ونهاية بيت آخاب (1مل 22: 7ي) وإيليّا (1مل 21: 19ي) وأليشع (2مل 9: 30-11: 11) اللذين أشارا إلى أحداث كثيرة في تاريخ إسرائيل.

هذه السلسلة من المواعيد والأقوال النبويّة التي تمّت، تشكّل بنية تحتيّة حقيقيّة، تعطي مجموعةَ الأخبار تماسكها وديناميّتها. ولهذه النظرة إلى التاريخ قيمة فعل إيمان ضمنيّ في سلطة الربّ الحانية التي توجّه مسيرة الطبيعة وأحداث التاريخ لخير الذين يحبّونه. هذا ما يكتشفه المؤمن بعد أن يحصل. ولكنّه يقرأه في نور الله، قبل أن يحصل.

الخاتمة

كيف يصبح هذا النصّ تعليمًا لنا في زمننا الحاضر؟

1- الربّ هو الذي يعطي الدقيق والزيت، لا البعل. فالهدف الهجوميّ واضح ويجد موقعه في إطار مهمّة إيليّا الذي يجسّد الحرب على البعل والدفاع عن الديانة اليهويّة. ويعرف المجتمع اليوم أزمة دينيّة شبيهة بأزمة اليهويّة في زمن إيليّا. على مثال معاصري النبيّ، يبحث الإنسان المعاصر عن حلّ لتساؤلاته على هامش الله. يريدون أن يصلوا إلى السماء (برج بابل) من دون الله، إن لم يكن في مقاومة الله. معاصرو إيليّا ركضوا إلى الأصنام. ومعاصرونا يستندون إلى العلم والتقنيّة...

2- الشموليّة. دلّ الخبر الذي قرأنا على قدرة كلمة الله التي تفعل في الأرض الوثنيّة. فالربّ ليس فقط إله إسرائيل: فبواسطة نبيّه يتوجّه إلى الفقراء لدى الأمم الوثنيّة، ليحمل إليهم الخلاص. وكانت أرملة صرفت نموذج الآتين إلى الإيمان. وقد رأى فيها يسوع باكورة الآتين إلى الإنجيل (لو 4: 25-26).

3- الإيمان العامل بالمحبّة. تصرّف إيليّا بإيمان، فمضى يبحث عن هذه الأرملة، كما قال له الله. طلب أوّلاً قليلاً من الماء، ثمّ قليلاً من الخبز. وألحَّ مع أنّه عرفها فقيرة. فهو يتصرّف باسم الله الحيّ القدّوس. وأطاعت الأرملة طاعة الإيمان. مع أنّه وجب عليها أن تفكّر أوّلاً في نفسها وفي ابنها. طلب منها إيليّا أن تقوم بقفزة في المجهول، فوثقت بهذه الكلمة التي قالها الربّ بواسطة إيليّا (آ16). ورأت هذه الأرملة أنّ أفضل طريقة لإظهار إيمانها، تقوم بمساعدة النبيّ في حاجته المادّيّة. ورأى إيليّا فيها صورة عن الله الذي يُعطي كلّ شيء من أجل الحياة. ورأت الأرملة في إيليّا صورة الله الذي يستطيع كلّ شيء. يستطيع أن يحيي كما يستطيع أن يُميت (آ18). تصرّفا كلاهما على ضوء الإيمان، فكان لهما بحسب إيمانهما.

4- السخاء التامّ لا يقوم بأن نعطي قليلاً، بل أن نعطي كلَّ شيء. فمثلَ أرملة صرفت صيدا فعلت تلك الأرملة التي وضعت في الخزانة كلَّ مالها فهنّأها الربّ (مر 12: 38-44). أعطت كلّ مالها، وسلّمت أمرها إلى الربّ الذي يعرف كيف يُطعم أولاده.

5- فاعليّة كلمة الله. ما يقوله الله يتمّ، على ما نقرأ في أش 55: 10-11:

10 وكما ينزل المطر والثلج

ولا يرجعان ثانية إلى السماء،

بل يرويان الأرض ويجعلانها

تجدّد فتنبت نبتًا وتعطي

زرعًا للزارع وخبزًا للآكل،

11 كذلك تكون كلمتي،

تلك التي تخرج من فمي.

لا ترجع فارغة إليّ،

بل تعمل ما شئتُ أن تعمله،

وتنجح في ما أرسلتُها إليه.

6- في سيرة إيليّا، نرى عناية الله بنبيّه. عند نهر كريت، أرسل العرب أو الغراب (آ1-6). وفي صرفت صيدا استقبلت الأرملة إيليّا. وهكذا يؤمّن الربّ لإيليّا الطعام والمبيت، مع أنّ الزمن زمن جوع، ومع أنّ لا أحد يجسر أن يستقبل إيليّا لأنّ الملك يلاحقه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM