بين شاول وداود.

 

بين شاول وداود

1صم 26: 1-25

في سلسلة من الفصول (ف 23، 24، 26) نتعرّف إلى حلم داود وعزّة نفسه تجاه شاول الذي لاحق داود، ولا يزال يطارده، وهو يريد حياته. ولماذا رفض داود أن يقتل شاول؟ لأنّه مسيح الربّ. عليه مسحةُ الزيت المقدّس، فمن يجسر أن يرفع يده ويقتله. ساعة أرسل شاولُ رجاله يبحثون عن داود في كلّ مكان (23: 19) عفا داود عن شاول مرّتين. في الأولى، قطع له طرف جبّته (24: 5) وأفهمه أنّه لا يريد شرٌّا بالملك، ومرّة ثانية حين أخذ له رمحه وكوز الماء الذي بجانبه. أحسّ شاول بالذنب، أقلّه في الخارج، ودعا داود ليرجع إلى المملكة بحيث لا يبقى فارٌّا. ولكنّ داود تابع طريقه تاركًا الربّ يوجّه الأمور. ولن يعتلي داود العرش، إلاّ بعد موت شاول وابنه يوناتان في معركة الجلبوع. وقبل أن نقرأ 1صم 26: 1-25، نتعرّف إلى فنّه الأدبيّ.

1- الفنّ الأدبيّ

نحن هنا في إطار تاريخيّ يرينا التزاحم بين شاول وداود. واحد هو ملك، والآخر هو قائد من الطراز الأوّل. عُرف بقوّته حين كان راعيًا، فما خاف الأسود والدببة (17: 34). ولمّا جاء إلى المخيّم، حيث كان إخوته الثلاثة من مقاتلي شاول، فعل ما لم يستطعه أحد: قتل جليات الجبّار بحجر من مقلاعه. ما أخذ سلاح البشر من خوذة ودرع. قال لجليات: »أنت تجيئني بالسيف والرمح والترس، وأنا أجيئك باسم الربّ القدير« (آ45). ففرح الناس لهذا الانتصار.

6 وخرجت النساء من جميع مدن إسرائيل للقائه وهنّ يغنّين فرحات، ويرقصن بدفوف وآلات طرب.

7 ويردّدن هازجات: »قتل شاول الألوف، وداود عشرات الألوف« (18: 6-7)

تذكّر شاول أنّهم نادوا به ملكًا بعد أن انتصر على بني عمّون (11: 15). فماذا ينقصهم لينادوا الآن بداود ملكًا، بعد أن خاف الملك من جليات وجيشه؟ لهذا (18: 8-9)، حين هتفت النسوة لداود:

8 غضب شاول جدٌّا، وساءه ذلك الكلام، وقال:

»جعلن لداود عشرات الألوف، وأمّا لي فجعلن ألوفًا. وبعدُ، فما بقي له إلاّ أن يأخذ المملكة!«.

9 وأخذ شاول يُضمر الشرّ لداود منذ ذلك اليوم.

حاول شاول أكثر من مرّة أن يقتل داود، فنجا. ولكنّه عاد إلى القصر بواسطة يوناثان ابن شاول. وكانت معركة أخرى »فخرج داود وحارب الفلسطيّين، وأنزل بهم هزيمة كبيرة« (19: 8). حينئذٍ لعب الروح الشرّير بشاول، فحاول »أن يضرب داود بالرمح ويُلصقه بالحائط، فتنحّى داود، فغرز الرمحُ في الحائط وهرب داود ونجا بحياته تلك الليلة« (آ10).

وهكذا بدأت الملاحقة، وما نستطيع أن نسمّيه »الحرب الأهليّة« بين داود وشاول. وفي النهاية، هرب داود إلى أرض الفلسطيّين لينجو من شرّ شاول ورجاله. أمّا الخبر هنا (ف 26) فيشدّد على عزّة نفس داود. كانت له مناسبة (ف 24) بل مناسبتان (ف 26) لقتل شاول، ولكنّه لم يفعل، فدلّ على صدقه وبيّن أنّه لا يريد شرٌّا بالملك.

دعا داودَ رفاقُه إلى إنهاء هذه المغامرة بقتل شاول. ورأى في هذه الصدفة علامة »بأنّ الربّ أسلم عدوّه بين يديه«:

فقال له رجاله:

»هذا هو اليوم الذي قال لك الربّ:

ها أنا أسلّم عدوَّك بين يديك، فتفعل به ما تراه حسنًا«.

هذا ما قرأنا في 24: 25. وفي 26: 8:

فقال أبيشاي:

»أسلم الله اليوم عدوَّك إلى يدك، فدعني أطعنه برمحه، وأسمّره إلى الأرض طعنة وحدة لا غير«.

ولكنّ داود لا يريد أن يرفع يده على الملك الذي مسحه الله. نقرأ في 24: 7:

وقال لرجاله:

»حرامٌ عليّ من الربّ أن أفعل هذا بسيّدي شاول، وأرفع يدي على من مسحه الربُّ ملكًا«.

وإذ سبق داود »وقطع طرف جبّة شاول«، وبّخه ضميره على ما فعل (آ5-6). ونقرأ جوابه أيضًا لرجاله في 26: 9-11:

9 فقال له (لأبيشاي) داود:

»لا تقتلْه فمن الذي يرفع يده على الملك الذي مسحه الربّ، ويكون بريئًا؟«

10 وقال داود:

»حيّ هو الربّ. لا أحد يضربُه غيرُ الربّ. إمّا أن يحين يومه ويموت، وإمّا أن ينزل على الحرب فيهلك.

11 حرامٌ عليّ من الربّ أن أرفع يدي على مسيح الربّ«.

وأعلن داود براءته من أيّ ذنب، وأمانته لشاول. نادى داودُ شاولَ، ولمّا التفت »انحنى له حتّى الأرض« (24: 9) فدلّ على احترام عميق له، وقال (آ10-12):

10 »لماذا تصدّق القائلين لك إنّ داود يطلب أذاك؟

11 ها عيناك رأتا اليوم أنّ الربّ أسلمك إلى يديّ في المغارة، وأشار عليّ رجالي في المغارة أن أقتلك، فأشفقتُ عليك وقلت:

لا أرفع يدي على الذي مسحه الربّ.

12 فانظر، يا أبي، ها طرف جبّتك في يدي. قطعتُه ولم أقتلك، فتعلم أنّي لا أضمر لك شرٌّا ولا خيانة، ولم أذنب إليك وأنت تطاردني لتقتلني«.

وكان حوار بين شاول وداود، بعد أن عفا داود عن الملك مرّة ثانية (26: 17-20): وبّخ داود أبنير قائد جيش شاول، لأنّه لم يقم بواجبه.

17 فعرف شاول صوت داود. فقال له:

»أصوتُك هذا يا ابني داود؟«

فقال له داود:

»هو صوتي يا سيّدي الملك«.

18 ثمّ سأله:

»ما بالك تطاردني، يا سيّدي، أنا عبدك؟ ما الذي فعلتُ؟ وأيّ شرّ فعلتْ يداي؟

19 فاسمع الآن كلامي، يا سيّدي الملك:

إن كان الربّ أثارك عليّ، فرائحة محرقة أقدّمها له تكفِّر لي. وإن كان بنو البشر، فهم ملعونون أمام الربّ، لأنّهم طردوني اليوم من أرض الربّ قائلين:

إذهب إلى حيث تعبد آلهة أخرى«.

20 والآن، لا تدع دمي يسقطُ على الأرض بعيدًا عن وجه الربّ! فلماذا يخرج ملك إسرائيل ليطلب برغوثًا مثلي، كما يطلب الصيّادُ الحجل على الجبال؟«

من يموت خارج أرض الربّ، يُعتبر وكأنّه تعلّق بأصنام الأرض الغريبة التي عاش فيها وأنهى حياته. وهذا ما لا يريده داود. لهذا، نراه يتوسّل إلى الملك، وفي النهاية يسلّم أمره إلى الملك. في المرّة الأولى (24: 13-16) قال:

13 »يحكم الربّ بيني وبينك، وينتقم لي منك. وأمّا يدي فلا أرفعها عليك.

14 كما يقول المثل القديم:

من الأشرار يخرج الشرّ. لذلك لن أرفع يدي عليك.

15 فمن تطارد إذًا، على من خرج ملك إسرائيل؟ أنظروا من يطارد:

كلبًا ميتًا أو برغوثًا!

16 يكون الربّ قاضيًا ويحكم بين وبينك، وينظر في دعواي ويدافع عنها، وينقذني من يدك«.

وفي المرّة الثانية (26: 23-24):

23 »يكافئ الربّ كلَّ واحد بحسب استقامته وأمانته. فالربّ أسلمك اليوم إلى يدي، وما شئتُ أن أرفع يدي عليك لأنّ الربّ مسحك ملكًا.

24 فكما كانت حياتُك اليوم عزيزة في عينيّ، تكون حياتي عزيزة في عيني الربّ ويُنقذني من كلّ ضيق«.

حينئذٍ أقرّ شاول بخطأه، وفي النهاية بارك داود. قال في 24: 17-20:

17 »أهذا صوتك يا ابني داود؟«

ورفع شاول صوته وبكى.

18 ثمّ قال لداود:

»أنت أحسن منّي. أنتَ جازيتَني خيرًا، وأنا جازيتُك شرٌّا،

19 والخيرَ الذي صنعتَ إليّ اليوم عظيم، لأنّ الربّ أسلمني إلى يدك وما قتلتَني.

20 فأيّ رجل إذا تمكّن من عدوِّه يعفو عنه؟ ألا جازاك الربّ لما صنعت معي اليوم!«

وفي النهاية، استحلف شاولُ داود بأن لا يقطع نسله من بعده ولا يبيد اسمه (آ22-23)، كما اعتاد الملوك أن يفعلوا ليُزيلوا كلَّ عائق في طريق حكمٍ مطلق وبالتالي مستبدّ، فحلف له داود (آ23). وفي ف 26 (آ21، 25)، افترقت توبةُ شاول عن مباركته لداود، قال:

21 »أخطأت، فارجع يا ابني داود، فأنا لن أسيء إليك ثانية. فحياتي كانت عزيزة في عينيك اليوم. أنا تصرّفت بحماقة، وضللتُ ضلالاً كبيرًا.

25 »مبارك أنت يا ابني داود! ستقوم بأعمال عظيمة وتنجح«.

ماذا نلاحظ في هذين المقطعين اللذين قرأنا (ف 24، 26). قد نكون أمام خبر واحد، ورد في نصّين يعودان إلى تقليدين اثنين. فالاختلافة بسيطة بين ما قرأنا في ف 24 وفي ف 26. هكذا بدأ صعود داود شيئًا فشيئًا، بل قبل ذلك الوقت، حين دخوله إلى حضرة شاول، كما في ف 16:

14 وفارق روح الربّ شاول، وأزعجه روح من عنده.

15 فقال له خدَمُه:

»ها روح شرّير من عند الربّ يزعجك.

16 فمُرنا يا سيّدنا أن نبحث عن رجل يُحسن الضرب بالعود، حتّى إذا اعتراك الروح الشرّير من عند الله، يضرب بالعود فتنتعش«.

17 فقال لهم شاول:

»فتّشوا عن رجل يحسن الضرب بالعود، وجيئوني به«.

18 فقال أحدُ خدمه:

»رأيتُ ابنًا ليسّى من بيت لحم، يحسن الضرب بالعود، وهو شجاعٌ وأهل للحرب، وفصيح، حسن المنظر، والربّ معه«.

19 فأرسل شاول إلى يسّى يقول له:

»أرسِلْ إليّ داود ابنك الذي يرعى الغنم«.

20 فجاء داود إلى شاول وراح يخدمه، فأحبّه جدٌّا، وجعله حاملَ سلاحه.

21 وأرسل شاول إلى يسّى يقول له:

»دعْ داود هنا في خدمتي، لأنّه ينعم برضاي«.

في محطّة ثانية، كانت حرب داود مع الفلسطيّين. فرفعته درجات، بحيث قالت له قبائل إسرائيل قبل أن تمسحه ملكًا: »حين كان شاول ملكًا، كنتَ تقود شعب إسرائيل للحرب« (2صم 5: 2). وانفتحت الطريق أمامه مع موت شاول (31: 1-7). من خلال هذه النصوص التاريخيّة، لا نتوقّف فقط عند الخبر كخبر، وقد يتكرّر، بل نحاول أن نكتشف المعنى اللاهوتيّ. وهذا ما نعود إليه.

تلك ملاحظة أولى. والملاحظة الثانية تدفعنا إلى الأمام. فهناك تفاصيل في الخبر تبدو غير معقولة. ومنها، كيف ترك شاول بعد أن أعماهُ البغض والحسد، كيف ترك داود يُفلت من يده؟ وهذا مع أنّه يطارده. ثمّ هو يباركه، ويعتبر أنّه صار الملك منذ الآن. ليست هذه نظرة الملك، بل نظرة الكاتب الملهم الذي يكشف لنا شيئًا فشيئًا مخطّط الله من أجل داود.

وإذا قرأنا ف 26 وقابلناه مع ف 24، لا نبحث عن تفاصيل دقيقة ووضعيّة. لم يرغب في إعطائنا إيّاها، بل نحاول أن نلتقي مع هدف الكاتب الذي قدّم لنا »ملحمة« تُبرز سخاء داود تجاه خصمه الشخصيّ. وقد ترتّب الخبر بشكل يصل بنا إلى ما رمى إليه الكاتب. والحوارات تلفت انتباهنا بشكل خاصّ، لأنّها وسيلة مميَّزة بها يعبّر الكاتب عن فكره. فاهتمّ بأن يُبرز عظمة داود، بحيث يُقرّ شاول بخطيئته ويبارك ذاك الذي يطارد. فلا كلام يمكن أن يكون له هذا البُعد مثل ذاك الذي تلفّظ به الملك نفسه.

2- السياق القريب

يجب أن نقرأ ف 26 بالنظر إلى الكتاب كلّه، حيث أُدرج. فالمدوّن يكتب تاريخ خلاص، حيث الفاعل الأساسيّ هو الربّ، في نظره كمؤمن. نقرأ أوّلاً أنّ يهوه ندم لأنّه أعطى شاول المُلك (15: 11). تضايق صموئيل وصرخ إلى الربّ كلَّ ليله (آ12). ثمّ أفهم شاول قبل أن يتركه ولا يعود يراه إلى يوم وفاته (آ35).

وبحث الله حالاً عن رجل بحسب قلبه. هذا ما قال صموئيل لشاول (13: 14): »لن يدوم ملكك، لأنّ الربّ اختار له رجلاً يرضيه، وأمره أن يكون رئيسًا على شعبه. فأنت ما عملتَ بما أمرك الربّ«. بعد ذلك، تمسّك شاول برداء صموئيل طالبًا العون، فانشقّ الرداء، فقال له صموئيل (15: 28-29):

28 »سيشقّ الربّ مملكة إسرائيل عنك اليوم، ويعطيها لمن هو خير منك.

29 ربّ إسرائيل، جلّ جلاله، لا يكذب ولا يندم. فما هو إنسان ليندم«.

منذ الآن، حلّ روح الربّ على داود (16: 13). ساعة حرّك شاولَ »روحٌ شرّير آتٍ من عند الربّ« (16: 14). وسيعود الكاتب فيذكر أنّ »الروح الشرّير اعترى شاول« (19: 9) حين رأى داود يعود من الحرب منتصرًا (آ8). كم هو شبيه بقايين الذي رأى الله راضيًا عن أخيه، لا عنه ولا عن ذبيحته. فروح الربّ هو روح القوّة الذي جعل جدعون ينتصر ومثله يفتاح. وبما أنّه الآن على داود، فهذا يدلّ على بركة انتقلت من شاول إلى داود. فكيف يستطيع الملك أن يحتمل هذا الوضع؟ قتل قايين هابيل. وشاول حاول أكثر من مرّة، ولكنّه لم ينجح لأنّ الربّ كان مع داود، كما قيل أكثر من مرّة. فهو يُعدّه لمهمّة جلّى.

فالشخص الرئيسيّ في هذا الخبر ليس شاول، ولا داود، بل الربّ نفسه الذي يوجّه الأحداث بحسب مشروعه الخلاصيّ. إذا انتصر داود، فالربّ نصره. وإذا تغلّب الحسدُ والبغض على شاول فهذا يعود إلى الله، بشكل غير مباشر. فالربّ أرسل »الروح الشرّير«. تلك طريقة يعود بها كلُّ شيء إلى الله، على ما قيل عن فرعون الذي »قسّى الربّ قلبه«. الله عمل خيرًا من أجل شعبه، فرفض ملك مصر أن يطلق الشعب رافضًا السماع لصوت الله. فلو لم يغدق الربّ بركاته على موسى وشعبه، لما كان تقسّى قلبُ فرعون. وكذا نقول بالنسبة إلى شاول.

هذا لا يعني أنّ مسؤوليّة الإنسان أُنكرت، ولا أنّ حرّيّته أُلغيت. ولكن عبر سخاء داود، نحن مدعوّون إلى مشاهدة عمل الربّ في قلب من اختاره وهيّأه للمُلك، بعد أن رذل شاول.

وخبر نابال (ف 25) الذي جُعل بين الفصلين المتوازيين (24، 26) مهمّ في هذا المنظار. فنحن هنا أيضًا أمام انتقام شخصيّ كان بإمكان داود أن يقوم به، ولكنّه لم يفعل. فنابال اللئيم، شأنه شأن شاول، اضطهد خادم الربّ الأمين ظلمًا، وأساء إلى داود الذي أحسن إليه. فقال داود في نفسه (25: 21-22):

21 »عبثًا حافظت على ما لهذا الرجل في البرّيّة، فما فقد من جميع ما له شيئًا، فبادلني الخير شرٌّا.

22 ويل لي من الله إن أبقيتُ إلى الصبح ذكرًا من جميع أهل بيته«.

كاد داود ينتقم، ولكنّ قدوم أبيجايل امرأة نابال، أبعد التجربة، فقالت له المرأة: »الربّ منعك من سفك الدماء بيدك انتقامًا لنفسك« (آ26). ولماذا يحفظ الربّ داود؟ أجابت المرأة: »لأنّك تحارب حروب الربّ، ولا تفعل شرٌّا طول أيّام حياتك« (آ28). وكما اعترف يهوذا بن يعقوب بفضل تامار فقال: »هي أبرّ منّي وأصدق«، كذلك اعترف داود بصحّة كلام أبيجايل فقال لها: »مباركة حكمتك، ومباركة أنت، لأنّك منعتني اليوم من سفك الدم انتقامًا لنفسي بيدي« (آ33).

أجل، عزم داود أن يأخذ حقّه بيده، فيقتل نابال وكلّ ذكر في بيته بسبب الإهانة التي لحقته. فنابال قال (آ10-11):

10 »من هو داود؟ من هو ابن يسّى؟ كثُر اليوم العبيد الذين هربوا من عند أسيادهم.

11 كيف لي أن آخذ خبزي ومائي وذبيحتي التي ذبحتُ لأجل الذين يجزّون غنمي، وأعطيها لقوم لا أعرف من أين هم؟«

تدخّلت أبيجايل، حملت العطايا (آ18) وطلبت الرحمة، وقالت: »عليّ يقع اللوم يا سيّدي« (آ24). ما انتقم داود إكرامًا لأبيجايل التي ستصبح زوجة له (آ40) وجزاء لحكمتها. ثلاث مرّات أبرز النصّ »حرّيّة« داود، ورفضه للانتقام، بالرغم من الصراع الذي في داخله. ولكنّ الكاتب يقول إنّ الربّ منعه من الانتقام وأخْذ حقّه بيده. في آ26، قالت أبيجايل: »الربّ منعك عن سفك الدماء«. وفي آ34، اعترف داود: »الربّ منعني من الإساءة«. وفي آ39، بارك داود الربّ »الذي منعني أنا عبده عن الشر«. الربّ هو الفاعل والإنسان يتجاوب معه. هكذا كان داود. ومهما كان الأمر بالنسبة إلى موت نابال، فالكاتب ينسب هذا الموت إلى الربّ: »ضرب الربُّ نابال فمات« (آ38). وهكذا »ردّ الشرّ على رأسه« (آ39). فكأنّه يردّد في قلبه: »لي الانتقام، يقول الربّ، وأنا أجازي«.

فما دُعي »تاريخ« (أو خبر) داود، هو أوّلاً خبر ما صنعه الربّ لداود. فبعد أن استبعد الربّ شاول، الملكَ الذي خان الأمانة، هيّأ لنفسه داود، الملك الكامل، وخصوصًا بدّل قلبه تجاه معاديه. ولا سيّما شاول ونابال.

3- شرح النصّ الكتابيّ

أ- أسلم الله عدوّك إلى يدك

هذه العبارة التي نقرأ في آ8، والتي سيردّدها داود في آ23 (الربّ أسلمك اليوم إلى يدي، يا شاول)، تجعلنا نلاحظ أمرًا أمامنا، ولا تشير إلى السلوك الواجب اتّباعه. إلاّ أنّ من الواضح أن أبيشاي يروح أبعد من ذلك: ففي نظره، دعا الربّ لداود لكي يقتل شاول. هذه الطريقة في تفسير الحدث، نفهمها بسهولة في نظرات قديمة حول المجازاة. فلا كلام بعدُ عن مجازاة في الآخرة. وعقاب الشرّير يبدو وكأنّه يتمّ في المدى القريب، وبشكل آليّ تقريبًا. »حفر حفرة لأخيه، فوقع فيها«. فمن اقترف الشرّ، حرّك قوى خفيّة تجعل الشرّ يقع على صاحبه أو على بيته، بحيث يعود التوازن الذي فُقِدَ، في المجتمع.

إذًا، ظنّ أبيشاي أنّ شاول جاء وقتُه لكي ينال جزاء شرّه. وبالنظر إلى شريعة المِثل (سنّ بسنّ، عين بعين)، عرض على داود أن يقتل بضربة رمح، ذاك الذي حاول أن يقتل داود بالرمح. هنا نتذكّر 18: 10-11:

10 وكان في الغد أن استولى على شاول روح شرّير من عند الله، فأخذ يهذي داخلَ بيته، وداود يضرب بالعود كعادته كلّ يوم، وكان في يد شاول رمح،

11 فرماه به مرّتين، قائلاً في نفسه:

»أسمّر داود على الحائط«.

فتنحّى عنه داود مرّتين.

وحاول شاول مرّة ثالثة، دالاً على عزمه الوطيد بأن يقتل داود. تنحّى داود »فغرز الرمحُ في الحائط« (19: 10). إذًا، يستحقّ شاول الموت، في نظر أبيشاي، بالطريقة التي حاول أن يقتل داود. في مناسبات أخرى، ستكون ردّة الفعل عند داود مشابهة. مثلاً، حين طلب من سليمان أن يعاقب باسمه يوآب وشمعي (2صم 2: 5، 8-9). أمّا هنا، فرفض أن يقتل شاول. وهكذا جاء كلام أبيشاي ليبرز موقفه من قتل مسيح الربّ.

ب- مراعاة مسيح الربّ

رفض داود أن »يرفع يده على مسيح الربّ« (آ9). فلقبُ »ممسوح يهوه« (م ش ي ح) أعطيَ لملوك إسرائيل ويهوذا. ومرجعه أنّ الكرامة الملكيّة تُعطى بواسطة مسحة بالزيت المقدّس. وطقس المسحة الذي يُتمّه رجل الله، سواء كانَ كاهنًا أم نبيٌّا، يجعل من الملك ممثّل الربّ على رأس الشعب، مع مهمّة التدبير باسم الله. هو يرتبط بالله ارتباطًا خاصٌّا، فينال منه كرامته وصلاحيّاته. وهكذا يكون مسيح الربّ شخصٌّا مقدّسًا. فمن مسّه بسوء مسَّ الربَّ نفسه. لهذا من مسّه استحقّ الموت. في هذا المجال، نفّذ داود حكم الإعدام بالعماليقيّ الذي افتخر بأنّه قتل شاول: »أما خفتَ أن تمدّ يدك وتُهلك مسيح الربّ«؟ (2صم 1: 14).

حين رفض داود أن يقتل شاول، كان ربّما قد أحسّ بخوف يستجلب عليه عقاب الله (آ9)، لأنه ما راعى الحياة البشريّة. هنا يقول قائل: في ف 16، نال داود المسحة الملكيّة، التي تتيح له أن لا يعتبر بعدُ شاول ممسوح الربّ. ولكنّ 16: 1-13 هو تقليد متأخّر. وفي الحقيقة، مُسح داود ملكًا على يهوذا (2صم 2: 4) وعلى إسرائيل (2صم 5: 3) فيما بعد.

مثل هذا الخوف الدينيّ يرتبط بنظرة بديئيّة تقول إنّ بعض الأغراض أو الأشخاص المقدّسين، لا يمكن لمسهم دون أن ينال اللامسُ عقابه، مهما كانت نيّتُه. مثلاً، حلّ غضب الله على عزّة، الذي كان ذنبه الوحيد أنّه لمس تابوت العهد، ليمنعه من السقوط (2صم 6: 7). وكذلك خاف داود ووبّخه ضميرُه حين قطع جزءًا من رداء شاول (1صم 24: 6).

ج- بين العمل الصالح والانتقام

نجد أنّ موقف داود لا يُفهَم بمخافة بديئيّة من الأقداس. فالكلمات التي وجّهها إلى شاول تدلّ على أنّ لطفه كان فعلاً صالحًا على المستوى البشريّ، ولم يكن مجبرًا عليه من منطق العدالة الدقيقة: »اليوم أسلمك الربُّ بين يديّ، ولكن ما أردتُ أن أرفع يدي على مسيح الربّ« (آ23). وتتوضّح إيجابيّة عمله في المقطع الموازي في ف 24: »في هذا اليوم رأت عيناك كيف أسلمك الله بين يديّ، في المغارة، ولكنّي رفضتُ أن أقتلك. فعفوت عنك وقلت: ''لن أرفع يدي على سيّدي لأنّه مسيح الربّ''. فاعلم أنّي لا أضمر لك شرٌّا ولا خيانة« (24: 11-12).

إنّ الفعل العبريّ »أشفق« (ت ح س)، يدلّ على عمل يدلّ على الرحمة والاتّفاق. عفا داود عن شاول لأنّه أشفق عليه. وما سمح له قلبُه بأن يقتله. ومع ذلك، عنده ألفُ سبب وسبب لكي ينتقم: هو بريء ومع ذلك يلاحقه سيّدٌ خدمَه بأمانة. طُرد من أرض الربّ، فما عاد يشارك »في ميراث الربّ« وهو مهدَّد بأن يموت مثل ملعون خارج دائرة تأثير الربّ (26: 19-20). ومع ذلك، ما شعر بالبغض تجاه شاول، ولبث يدعوه »سيّدي« (آ17-19) بل »أبي« (آ12). وشاول نفسه دُهش من هذا الحنان. فقال: »حين يجد إنسان عدوَّه، فهل يعفو عنه ويتركه يمضي بأمان (24: 20)؟«

د- داود وأمانته

حين عفا داود عن عدوّه، بيّن »برّه« (أو: عدله) و»أمانته«. قد لا ندرك اليوم الغنى كلّه الذي نجد في هذين اللفظين، اللذين يجتمعان مرارًا. ففي العهد القديم، لا يُحكم على التصرّف وعلى العمل، حسب قاعدة مجرّدة، بعيدة عن الواقع، بل بحسب علاقة تخلق الجماعة، في كلّ آن، فيتجاوب الواحد مع ما يُنتظر منه. فالبارّ هو من يكيّف سلوكه مع الرباطات الجماعيّة التي توحّد أعضاء الجماعة فيما بينهم ومع الله »في روح العهد«. وبدا داود بارٌّا بالنسبة إلى شاول، لأنّه راعى الرباط الذي يربطه بمسيح الربّ، بسيّده. ساعة شاول يتجاهل ما يربطه بمن خدمه بأمانة. وهذا البرّ، في المعنى البيبليّ، قد يفرض أن لا نسيء إلى القريب. بل أبعد من ذلك، أن نعامله بالحنان والرحمة. لهذا، لا نقول إنّ داود كان عادلاً، بل سخيٌّا ونبيلاً. ومع ذلك، قال له شاول: »أنت أبرّ، أعدل، أحسن منّي، لأنّك جازيتني خيرًا وأنا جازيتُك شرٌّا. والخير الذي صنعتَ إليّ اليوم عظيم« (24: 18-19).

أمّا مدلول »الأمانة« فيضيف سمة الثبات، والمتانة التي لا شيء يزعزعها. فبرّ داود تجاه عدوّه، وهو موقف مليء بالاحترام والسخاء، لم يتبدّل يومًا. فيه قال أبيمالك لشاول: »أيّ رجل من جميع رجالك أمين مثل داود«؟ (22: 14). وحين عفا داود عن شاول الذي وقع بين يديه، دلّ بوضوح على برّه وأمانته تجاه ذاك الذي اعتبره دائمًا سيّده. هكذا كان في خطّ وصايا الله، وحافظ على هذا الخطّ بالرغم من الخطر الذي يحيق به.

ه- واحد من مساكين الربّ

تجاه حكمة البشر التي بيّنها أبيشاي، برهن داود عن حكمة من نظام آخر. ما سيطر عليه الطموح ولا الحقد. أمّا شاول فكان فريسة جنون مدمّر، ومع ذلك، كان دومًا في عيني داود مسيحَ الربّ الذي يحترمه كلّ إنسان في إسرائيل. لا نستطيع القول إنّ داود غفر، لأنّ الغفران الحقيقيّ يتضمّن نسيانًا تامٌّا لإساءة حصلت لنا. غير أنّ همّه الوحيد هو »أن يحفظ طرق الربّ« (مز 18: 22) كما عرفت في تلك المرحلة من مراحل الوحي. هو بريء ومضطهد، فصار من هؤلاء »المساكين« الذي جعلوا في الربّ كامل ثقتهم. وعرف أنّ المدافع عن البارّ، الذي انتقم له من نابال، سوف يجازيه على حنانه، »ويخلّصه من كلّ ضيق« (26: 24). وقد صوّر المرنّم تصويرًا رائعًا الموقف الدينيّ لدى داود، حين جعل هذه الكلمات على شفتيه، وذلك »بعد أن أنقذه الله من كلّ معاديه، ومن يد شاول«. قال في مز 18:

21 كافأني الربّ لبرّي،

لبراءة يديَّ جازاني خيرًا.

22 لزمتُ طرقَ الربّ،

وما عصيتُ إلهي

23 أحكامُه كلّها أمامي

وحقوقُه لا تبتعدُ عنّي.

24 كنتُ نزيهًا معه،

وحفظتُ نفسي من الإثم.

25 فجازاني خيرًا لبرّي.

ولبراءة يديّ أمامه.

26 رحيم أنتَ مع الرحماء،

وكامل أنت مع الكاملين.

27 مع الصالحين تكون صالحًا،

ومع المحتالين تُظهر حيلتك.

28 تخلّص القوم المساكين،

وتخفض عيون المترفّعين.

و- وجه المسيح

في خبر تاريخ صعود داود، نرى أنّ الربّ رذل شاول، وهيّأ لنفسه الممسوح بحسب قلبه، الملك البارّ والأمين، الذي سيكون أهلاً بأن يسوس شعبه باسمه. وكما منع داود من أن يأخذ حقّه بيده في حادثة نابال، أتاح له كذلك »بالروح« الذي أعطاه (16: 13) أن يتجاوز رغبة الانتقام تجاه شاول.

ولبث داود في التقليد البيبليّ، »ذاك الذي سار أمام الربّ في الأمانة والبرّ واستقامة القلب« (1مل 3: 6). ونمط المسيح الآتي، نمط يسوع المسيح، إذ أراد أن يعتلي العرش، لم يأخذ بالوسائل البشريّة التي كانت في متناوله. وما استفاد من نفوذه ليدعو إلى الثورة على شاول. بل عفا عنه وتصرّف حتّى النهاية كالخادم الأمين. خضع للربّ ولطرقه، فنُفي من أرض إسرائيل. طارده سيّده، وما فهمه رفاقه ولا سيّما أبيشاي. تجاه ذلك، ألأنّه تحمّل كلّ هذه المحن في البراءة والاستقامة، كرّسه ملكًا على شعبه؟ وعبر ذلك الذي عفا عن عدوّه وبلغ إلى المُلك بسبب أمانته لطرق الربّ، قدّم الله رسمة سريعة عن المسيح الذي غفر لأعدائه على الصليب (لو 23: 34)، ومُجِّد بسبب طاعته (فل 2: 8-9).

الخاتمة

ما يكون موقفنا من الأعداء، من الذي يعادينا ويبغضنا؟

في الشعب العبرانيّ، كما في سائر الشعوب، كان روح الانتقام بارزًا جدٌّا. فلامك مثلاً، انتقم سبعًا وسبعين مرّة، »فقتل إنسانًا لجرحه، وصبيٌّا لخدشه« (تك 4: 23-24). ولكنّ تربية الضمير في شعب الله، بدأت وسارت شيئًا فشيئًا في طرق مختلفة.

فالشرائع الموسويّة وضعت حدٌّا للانتقام، مع شريعة المثل التي تفرض المساواة بين العقاب والذنب: أخذ سنّك، تأخذ له فقط سنّه، لا فمه كلّه. أخذ عينك، تأخذ له فقط عينه، لا رأسه (خر 21: 23-25). وطلب من المؤمن أن يترك للمجمع الحقّ بالثأر، بعد أن مارسه الفرد. أي قريب المقتول، الوليّ. هذا التشريع الذي يحمي من لم يقتل عمدًا، فيؤسّس المدن الملجأ، يعاقب بقساوة من يقتل بغضًا وحقدًا (عد 35: 20-25؛ تث 19: 11-12). وهكذا ينكبح البغض والحقد لدى الإنسان الذي نال الإساءة.

في موازاة ذلك، كان التمرّس الإيجابيّ على المحبّة. في خطوة أولى، يتنازل الإنسان عن الانتقام، ويسلّم قضيّته إلى الربّ. ذاك كان وضع داود في 1صم 26. هم الأبرار الذين يعرفون أنّ قضيّتهم قضيّةُ الربّ، فينتظرون النجاة منه وحده، ومعاقبةَ الأشرار. ونصح مثلٌ قديم: »لا تقل: أَستسلم للشرّ. بل ترجَّ الربّ فيخلّصك« (أم 20: 22). وفي أم 24: 29 نقرأ: »لا تقل: بمثل ما عاملني أعامله، وأجازي الإنسان بعمله«. وتوسّل الأبرار المضطَهدين إلى الربّ لينتقم من الأشرار. هذا ما فعله إرميا في اعترافاته: »أنتَ عرفتني ورأيتني، وامتحنتَ قلبي عندك. فافرزهم كغنم للذبح، وخصّصهم ليوم القتل« (إر 12: 3). وفي 15: 15، قال إرميا: »فيا ربّ، أنت تعرفني. فاذكرني وتفقّدني وانتقم لي ممّن يضطهدوني. لا تأخُذْهم بطول حلمك، واعلَمْ أنّي لأجلك احتملتُ التعيير«. وفي 17: 18 أضاف: »يخزى الذين يضطهدونني، أمّا أنا فلا أخزى. يرتعبون هم وأنا لا أرتعب. إجلبْ عليهم يومَ الشرّ، اسمعهم سمعًا مضاعفًا. وقال مز 5:

11 أحكم عليهم يا الله،

فيسقطون لمعاصيهم.

أخضعهم لكثرة ذنوبهم،

لأنّهم تمرّدوا عليك.

12 فيفرح جميعُ المحتمين بك،

وإلى الأبد يرنمّون لك.

هذه النداءات إلى الانتقام، هي ما يقابل حبُّ الله المغرم، وإرادته التي يجب على الأشرار أن لا يستخفّوا بها لئلاّ ينالهم العقاب.

وبرزت نصوص أخرى وجّهت شعب إسرائيل على طرقات الحبّ الحقيقيّ للأعداء. هنا نقرأ مثلاً ما نسخه رجال حزقيّا الملك (أم 25: 21-22):

21 إذا جاع عدوّك فاطعمه،

وإذا عطش فاسقِه

22 فتجعل جمر نار على رأسه،

والربّ يُحسن جزاءك.

وراح سفر اللاويّين (19: 17-18) أبعد من ذلك، قال:

17 لا تبغض أحدًا في قلبك،

بل عاتبه عتابًا

لئلاّ ترتكب خطيئة بغضك له.

18 لا تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك،

بل أحبَّ قريبك مثلما تحبّ نفسك

أنا الربّ.

وطلب ابن سيراخ من المؤمن أن يغفر لينال لنفسه غفران الله. نقرأ 27: 30:

الحقدُ والغضب كلاهما حماقة،

والخاطئ متمسّك بهما.

ويواصل ابن سيراخ كلامه، متوسّعًا في موضوعي الغفران والانتقام (ف 28):

1 المنتقمُ ينتقم منه الربّ،

ويحفظ حسابًا لخطاياه.

2 إغفر لمن يسيء إليك،

فيغفر الله ذنوبك حين تدعوه.

3 أيحقد إنسانٌ على آخر،

ثمّ يلتمس من الربّ رحمته؟

4 وإن كان لا يرحم إنسانًا آخر،

فكيف يستغفر عن خطاياه؟

5 وإن تربّى على الحقد،

وهو بشرٌ زائل،

فمن أين يجيئُه الغفران.

6 أذكر آخرتك،

واذكر الفساد والموت،

واترك البغض،

واعمل بالوصايا.

7 أذكر الوصايا،

ولا تحقد على قريبك،

واذكر عهدَ العليّ.

وتغافل عن الإساءة.

غير أنّ هذه النداءات إلى أن نغفر للأعداء ونحبّهم، تبقى نادرة في العهد القديم، ولا تذهب أبعد من البيت والعشيرة والقبيلة والشعب. ونحن ننتظر المسيح الذي كشف لنا ملء غفران الآب، فعلّمنا متطلّبات الحبّ، وهو الذي »مات لأجلنا حين كنّا بعدُ خطأة« (روم 5: 8-10) ومعادين لله. فماذا يبقى علينا أن نفعل لنقتدي بربّنا ومعلّمنا يسوع المسيح؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM