الخاتمة.

 

الخاتمة

أصواتًا عديدة سمعناها في هذين الكتابين: »وكانت إليّ كلمة الرب«. فإذا أردنا أن نفهم اللامحدود، يجب أن نقسمه قسمات لا محدودة. وإذا أردنا أن نتعرّف إلى الله، فلا بدّ من وجود الأشخاص العديدين الذين يكلّموننا عنه. في هذا الإطار، كانت بداية الرسالة إلى العبرانيّين.

كلَّم الله آباءنا. هم كثر. بدءًا بإبراهيم وإسحق ويعقوب، وصولاً إلى أبناء يعقوب الاثني عشر. وعودة إلى البدايات مع نوح وأولاده الثلاثة سام وحام ويافث. وجميع المذكورين في الكتاب. ونصل إلى موسى ويشوع، »وجدعون وباراق وشمشون ويفتاح وداود وصموئيل«. وتتواصل اللائحة، حتّى مجيء المسيح.

كلّمهم »بلسان الأنبياء مرّات كثيرة«. لا مرّة واحدة. وطالت حياة الأنبياء وامتدّت رسالتهم. وكانوا أكثر من نبيّ. هناك الذين بقيت لنا أخبارُهم بشكل رئيسيّ، وأولئك الذين وصل إلينا منهم نصّ مكتوب، سواء كان طويلاً أو قصيرًا. كتبوه هم. أو بالأحرى كتبه تلاميذهم، بعد أن أعادوا قراءته وأضافوا إليه ما أضافوا.

وكلّم الله آباءنا »بمختلف الوسائل«. بالفم واللسان، بالفعلة النبويّة حيث ينضمّ العمل إلى القول، كما فعل إرميا مثلاً حين كسر الجرّة أمام عيونهم، وأعطاهم درسًا عمّا فعل. هناك الرؤية التي يستخلصها النبيّ، كما فعل أشعيا حين كان في الهيكل. فتعلّم حاجته إلى التنقية ليحمل كلمة الله، وإلى القوّة لكي لا يتراجعَ أمام الصعوبات. وحزقيال رأى تلك المركبة التي تحمل الله وكلامَه فتشجّع بهذا الحضور الإلهيّ وعرف واجبه بأن يعمل البلاغ إلى شعب قاسي الرقاب. بعد أن قيل له: »سواء سمعوا أو لم يسمعوا، ليعرفوا أنّ بينهم نبيٌّا«، وإنّ صوت الله لم يصمت. ولا يمكن أن يصمت. هو لا يصمت في القلوب، بل يعلن على الملأ ما قيل في الخفاء ليصل إلى أقاصي الأرض.

من أجل هذا، قدّمنا النصوص العديدة التي اخترناها في ما تركه لنا الأنبياء من تعليم. ولكنّنا نعلم أنّ هذه الكلمات لا تصل إلى هدفها الأخير إلاّ إذا صبّت في من هو الكلمة، كما يصبّ النهر في البحر. فتابعت الرسالة إلى العبرانيّين: »في هذه الأيّام الأخيرة، كلّمنا الله بابنه«، أعطانا كلمته وما عاد له شيء يعطينا بعد. أعطانا الآبُ في الابن كلّ شيء.

ونحن حين قرأنا هذه »النبوءات« التي هي وحي الله في وضع معيّن من الأوضاع، لم نبقَ في العهد القديم، بل وصلنا إلى العهد الجديد، وإلى حياة الكنيسة مع ما يمكن أن يغنينا به الآباء الروحيّون. والذي رافق الكتابة، هو الذي يرافقنا في القراءة والصلاة. إنّه الروح القدس الذي يتابع تعليم المسيح في الكنيسة وفي كلّ واحد منّا.

فماذا يبقى لنا أن نفعل؟ نقرأ هذه النصوص المختارة. نتأمّل بها. فتكون لنا نقطة إنطلاق لكي نتعرّف إلى هؤلاء الأنبياء. وندخل في خبرتهم وخبرة تلاميذهم. فكلّ مقدّمة إلى سفر من الأسفار المقدّسة، تهدف في النهاية إلى إدخالنا في السفر كلّه. واللقمة التي قدّمناها حين شرحنا نصٌّا قصيرًا، هي بداية ليكون لنا مكان على مائدة الكلمة، فيكون مكاننا في الوليمة مع آبائنا ومعلّمينا الذين عميَتْ عيونهم في قراءة الكتاب المقدّس. ولكنّ هذه العيون انفتحت على نور آخر، نتمنّى جميعًا أن يكون لنا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM