إفرحي يا أورشليم.

 

إفرحي يا أورشليم

صف 3: 14-18

حين نقرأ بشارة مريم العذراء، مع تحيّة الملاك »السلام عليك يا مريم«، لا نصل إلى عمق ما قاله الملاك إلاّ إذا رجعنا إلى هذا النصّ من صفنيا. فهو يحدّثنا عن الفرح بأكثر من لفظ: ترنّمي، إهتفي، إفرحي، إبتهجي. نالت أورشليم الغفران عن خطاياها، وها هو الربّ يعيد بناءها. عادت إلى الله، فعاد إليها، وهو ما زال يغمرها بحبّه وعطفه. راح زمن الخوف على كلّ المستويات، ولا سيّما من العدوّ الأشوريّ الذي يتبعه البابليّ. وجاء زمن حضور الله الذي كاد يضيع في خضمّ الأحداث التي تعيشها أورشليم. لهذا كان الفرح »الداخليّ« الذي لا يستطيع أحد أن ينتزعه من قلب المؤمن، إلاّ إذا هو شاء. فهذا الفرح هو عطيّة مجّانيّة من الربّ. عرفته أورشليم. وعرفته مريم العذراء ولا سيّما حين نترجم نصّ القدّيس لوقا في خطّ صفنيا: إفرحي يا من أنعم الله عليها.

ونقرأ نصّ صفنيا (3: 14-18)

14 ترنّمي يا ابنة صهيون،

واهتفوا يا بني إسرائيل،

إفرحي يا أورشليم،

وابتهجي بكلّ قلبك.

15 الربّ ألغى عقابك،

وأفنى جميع معاديك.

ملك إسرائيل، يهوه، في وسطك،

فلا ترين (أو: تخافين) شرٌّا من بعد.

16 في ذلك اليوم يُقال لأورشليم:

لا تخافي يا صهيون،

ولا تسترخِ يداك.

17 الربّ إلهك، في وسطك

وهو المخلِّص الجبّار.

يُسرّ بك ويفرح،

وبمحبّته يحرسك (ح ر ش، أو يجدّدك).

يرنّم لك ابتهاجًا،

كما في يوم عيد.

18 ينزع عنك الشقاء،

فلا يكون عليك عار.

1- سياق النصّ

أ- المحيط التاريخيّ

مارس النبيّ صفنيا خدمته في أورشليم، »في أيّام يوشيّا بن أمون، ملك يهوذا« (1: 1)، أي بين سنة 640 وسنة 609، وبشكل أدقّ بين سنة 640 وسنة 630، وذلك قبل أن يقوم الملك التقيّ بإصلاحاته الدينيّة من سنة 628 إلى سنة 622. وهكذا يكون صفنيا سبق إرميا ببضع سنين.

بعد اجتياح سنحاريب للمنطقة سنة 701 ق.م.، انحصرت أرض مملكة يهوذا في مجال ضيّق يحيط بأورشليم العاصمة. استعاد الملك منسّى (687-642) بعض الأراضي. ولكنّه ذلّل نفسه وذلَّل أمام أشوريّة، وغرق في عبادة الأصنام التي صوّرها صفنيا وندّد بها. قال في 1: 4-6:

4 أمدُّ يدي على يهوذا،

وعلى جميع سكّان أورشليم.

وأقطع من ذلك الموضع،

بقيّة عبدة البعل،

وأسماء الخدّام والكهنة،

5 والذين يسجدون على السطوح

لكواكب السماء.

6 والذين يسجدون للربّ،

وفي الوقت عينه، يحلفون بالإله ملكوم.

وقدّمت أقوال صفنيا يوم الربّ على أنّه يوم عقاب. ولكنّها جعلتنا نستشفّ خلاص بقيّة إسرائيل (3: 13) في مستقبل بعيد، على ما قال عا 3: 12:

وهذا ما قال الربّ:

كما يُنقذ الراعي من فم الأسد،

ساقين أو طرفًا من أذن الفريسة،

هكذا يُنقَذ القليل من بني إسرائيل،

المتربّعين في السامرة

على زوايا الأسرَّة الفاخرة.

وقال عاموس أيضًا في 5: 15:

أبغضوا الشرّ وأحبّوا الخير،

وأقيموا العدل في المحاكم،

فلعلّ الربّ الإله القدير

يتحنّن على من تبقّى من بيت يوسف.

وهذا المقطع الذي نقرأ (3: 14-18) هو نشيد بهجة يختتم قولاً حول سعادة بقيّة إسرائيل وخلاصها (آ 9-13). والمواضيع التي يتوسّع فيها النبيّ، من فرح يفيض في أورشليم، من غياب الخوف بسبب حضور الربّ، الملك المنتصر، الذي رفع حكمه. كلّ هذا يدخل في منظار الفرح المسيحانيّ الذي أعلنه الأنبياء وشدّدوا عليه، فحمل تاريخُ العهد الجديد صداه.

ب- البنية الأدبيّة

أوّلاً: اختلافتان في النصّ

في آ 17 د: ويحرسك. هكذا قلنا عائدين إلى اللغة العربيّة (ح ر ش: حرس). وهناك من قرأ العبريّ: خرس، سكت. فأعطى ترجمة تقول: إنّ الله لا يطلق بعدُ تهديدًا. وتحدّثت السبعينيّة والسريانيّة البسيطة عن التجديد، فقرأت النصّ الماسوريّ: ح د ث، بدل ح ر ش. أي قُلبت الراء دالاً. »وبمحبّة يجدّدك«. قال النصّ السريانيّ: الربّ إلهك في وسطك، في داخلك (ب ج و ك ي)، الجبّار والمخلِّص. يلذّذك بالفرح، ويجدّدك (ن ح ب ت ك ي) بحبّه. ويُرقصك بالمجد كما في يوم عيد«.

والإختلافة في آ 18أ لا تبدو بسيطة. فاليونانيّ والسريانيّ ألغيا حروفًا وأحلاّ محلّها أخرى. ماذا نقرأ في العبريّ؟ ن و ج ي. م م و ع د: حزانى بعيدٍ (أو بسبب العيد). قالت السريانيّة واليونانيّة: كما في يوم (أيّام) عيد (أ ي ك. د ب ي و م ي. د ع د ع ا د ا). في المبدأ نستطيع أن نكتفي بالنصّ الماسوريّ: »الله يرقص بهتاف الفرح لتعزية المحزونين الذين يتحسّرون على غياب الأعياد العباديّة في المنفى«. أو بشكل أفضل: »لكم أيّها الحزانى ما وراء الزمان المحدّد، أو الموعد« كما في 2 صم 20: 5 (فأبطأ عماسا عن الموعد الذي عيّنه الملك). لا شكّ في أنّ ضمير المخاطب المفرد الذي نجده في آ 17هـ (ع ل ي ك) يعود إلى الجميع في آ 18أ (الحزانى) ولكن لا صعوبة في ذلك، لأنّنا أمام صهيون كفاعل يحمل المفرد والجمع (3: 14أ: اهتفوا يا إسرائيل). غير أن السبعينيّة (اليونانيّة) والبسيطة (السريانيّة) وسياق النصّ، كلّ هذا يدعونا لأن نأخذ بترجمة قريبة من هو 12: 10:

أسكنك تحت الخيام،

كما في أيّام اللقاء (أو: المواعيد)

وهكذا يشير صفنيا إشارة صريحة إلى أيّام جماعة العهد في حوريب، كما نقرأ في تث 9: 10:

ثمّ أعطاني الربّ لوحَي الحجر المكتوبين بإصبعه،

وعليهم مثلُ جميع الكلام الذي كلّمكم الربّ به،

في الجبل، من وسط النار، في يوم اجتماعكم هناك.

وقال سفر التثنية في 18: 16:

طلبتُم من الربّ إلهكم، في حوريب،

يوم اجتماعكم هناك،

أن لا يعود يُسمعكم صوته،

ويريكم تلك النار العظيمة ثانية لئلاّ تموتوا.

كلّ هذا يعود بنا إلى »أعراس« زمن البرّيّة، في خطّ نبوءة هوشع. هي أفراح الخطّيبة مع خطّيبها، وإنشاد الحبّ الأوّل الذي يريد الله أن يُعيد إليه عروسه الخائنة (هو 2: 16):

أقودها إلى البرّيّة،

وأكلِّم قلبها.

إنّ تفسير آ 18أ يتوافق مع آ 17د في خطّ تجديد بالحبّ، يفترض أن كلّ حبّ قد ألغي بحسب آ 15أ.

ثانيًا: بنية النصّ

إنّ البنية الأدبيّة لهذا النصّ تبدو بشكل تصالب وتعاكس، بحيث إنّ ما نقرأ في آ 14-15 يعود بشكل معاكس في آ 16-18. وتبدو اللوحة كما يلي:

أ- دعوة إلى الفرح (آ 14) د- لا داعي للخوف (آ 16)

ب- موقف الله (آ 15ب) ج- الله في صهيون (آ 17أ ب)

ج- يهوه في صهيون (آ 15ج) ب- موقف الله (آ 17د)

د- لا داعي للخوف (آ 15د) أ- فرح صهيون (17ج هـ- 18أ)

في ترتيب هذه المواضيع الأربعة التي تتكرّر، نستطيع أيضًا أن نكتشف توازنًا مترادفًا:

على صهيون أن تبتهج، لأنّ الربّ بدّل موقفه.

لا عليها أن تخاف لأنّ الربّ معها.

لا عليها أن تخاف لأنّ الربّ معها كالمخلّص.

الربّ يُبهجُها ويجدّد حبّه له كما في الماضي.

من الواضح أنّ البهجة واللاخوف اللذين عُبِّر عنهما أوّلاً بشكل سلبيّ (ألغى عقابك. أبعد عدوّك)، توسّعا في كلام عن الخلاص في شكل روحيّ (حبّ متجدّد كما في اللقاء، الموعد الأوّل). ونحن نجد المواضيع الأربعة بشكل رسمة سريعة في نبوءات أخرى ذات بُعد مسيحانيّ واضح.

أوّلا، في النشيد الذي ينهي كتاب عمانوئيل (أش 6-12)

* بدّل الربّ موقفه كما نقرأ في أش 12: 1:

أحمدك يا ربّ، لأنّك غضبتَ عليّ،

وغضبُك ارتدّ عنّي فعزّيتني.

* لا داعي للخوف. نقرأ في أش 12: 2:

والآن أنت يا الله مخلّصي،

أطمئنُّ إليك ولا أفزع.

الربُّ قوّتي وتسبيحي،

وبه كان خلاصي.

* دعوة إلى الفرح لأنّ الربّ حاضر في صهيون، كما في أش 12: 6:

إهتفي ورنّمي، يا ساكنة صهيون،

عظيم في وسطك قدوّس إسرائيل!

ثانيًا، في نبوءة يوئيل (ف 1-2) تتداخل هذه المواضيع الأربعة بمناسبة التحرّر من ضربة الجراد. نقرأ يوء 2: 21-27:

21 لا تخافي أيّها التربة،

ابتهجي وافرحي،

لأنّ الربّ عمل عظائم.

22 لا تخافي يا بهائم الحقل،

مراعي البريّة نبتت،

والشجر أطلع ثمره،

والتين والكرم أعطيا قُوّتَهما.

23 وأنتم يا بني صهيون،

ابتهجوا وافرحوا بالربّ إلهكم.

أعطاكم المطر المبكر صادقًا،

وأنزل لكم الغيث،

المبكر والمتأخّر كما من قبل.

24 فتمتلئ البيادر حنطة،

وتفيض المعاصر خمرًا وزيتًا.

27 تعلمون أنّي في وسط إسرائيل،

وأنّي أنا الربّ إلهكم ولا أحد غيري،

فشعبي لا يخزى أبدًا.

ثالثًا، في سياق مسيحانيّ واضح، صوّر النبيّ زكريّا البهجة عينها التي أثارها حضور الله. فقال (9: 9):

إبتهجي يا بنت صهيون،

واهتفي يا بنت أورشليم.

ها ملكك يأتي إليك،

عادلاً، مخلّصًا، وديعًا.

2- التفسير والتحليل

إنّ المقطع الذي ندرس، يجمع في نظرة شاملة المواضيع الرئيسيّة التي اكتشفناها في أش 22: 1-6 وفي يوء 2: 21-27. ويأتي الموضوع وحده، أو مع مواضيع أخرى في الأدب النبويّ الذي يتحدّث عن التحرّر والخلاص.

أ- موضوع الفرح

بدأت صلاة صفنيا هذه (آ 14) بأربعة نداءات إلى الفرح بكلّ أشكاله: يتوالى فعل الأمر متطلّعًا إلى صهيون، إلى أورشليم، إلى شعب إسرائيل. وفي آ 17ج هـ يعد النبيّ بأنّ الربّ نفسه يشارك في هذا الفرح. وذلك في أربعة ألفاظ: في فعلين، وفي اسمين يتفرّعان من فعلين قرأناهما في آ 14: ث م ح ه (الفرح) رج: ث م ح ي ي. آ 17ج. ثمّ في آ 17ه »ر ن ه« (ترنيم). وتبدأ آ 14 يفعل »ر ن ي« (ترنّمي). أمّا الفعلان فهما: ي ش ي ش: يُسرّ. ثمّ: ي ج ي ل: يبتهج.

موضوع الفرح يميّز الأدب النبويّ، حين الكلام عن العهد المسيحانيّ، حيث التحرّر من السبي يُشكلّ عادةً، المرحلة الأولى. ونقرأ بعض أشعيا:

الذين فداهم الربّ،

يرجعون إلى صهيون بالترنيم (ر ن ه)

وعلى رأسهم فرح أبديّ (35: 10).

مفتدو الربّ الراجعون،

الآتون إلى صهيون مرنّمين،

وعلى رؤوسهم فرح أبديّ،

يتبعهم الفرح والسرور،

وتهرب الحسرة والنواح (51: 11).

إهتفي، رنّمي معًا،

يا خراف أورشليم.

لأنّ الربّ عزّى شعبه،

وافتدى أورشليم (52: 9).

رنّمي أيّتها العاقر التي ما ولدت،

ابتهجي ترنيمًا وسبّحي التي ما تمخّضت

لأنّ بني المهجورة

أكثر عددًا من بني الزوجة

قال الربّ (54: 1)

ونقرأ ما قال إرميا حول العودة من السبي (31: 7-12):

7 هكذا قال الربّ ليعقوب:

رنّموا فرحًا،

ابتهجوا لسيّد الأمم.

أسمعوا هلّلوا وقولوا:

الربّ خلّص شعبه،

(أنقذ) بقيّة إسرائيل.

8 أعيدهم من أرض الشمال،

وأجمعهم من أطراف الأرض،

والأعمى والأعرج فيهم،

والحبلى والوالدة جميعًا،

حشدٌ عظيم يعودون إلى هنا.

12 يجيئون ويرنّمون في أعالى صهيون،

كالنهر يأتون إلى خيرات الربّ.

على الحنطة والخمر والزيت،

وصغار الغنم والبقر،

وتكون نفسهم كجنَّة ريّانة.

ويقول إرميا أيضًا، في 33: 9-11:

9 وتكون لي هذه المدينة

أسمَ بهجة وتهليل وافتخار،

لكلّ أمم الأرض،

الذين يسمعون بجميع الخير

الذي أعمله لها.

ويخافون ويرتعدون

حين يرون جميع ما أغدقه عليها

من خير وسلام.

10 وقال الربّ:

سيُسمَع من بعدُ في هذا الموضع،

الذي قلتُ إنّه يصير خرابًا،

لا إنسان فيه ولا بهجة:

11 صوتَ الطرب وصوت الفرح،

صوتَ العريس وصوت العروس،

صوت القائلين: إحمدوا الربّ.

هذا الموضوع سيمتدّ تدريجيٌّا ليتقبّل المسيح ويعلن الأيّام الأخيرة. هنا نقرأ أش 65: 17-19:

17 ها أنا أخلق سماوات جديدة،

وأرضًا جديدة،

فلا تذكَر السالفة،

ولا تخطُر على بال.

18 فافرحوا وابتهجوا إلى الأبد،

لأنّي أنا أخلق.

فها أنا أخلق أورشليم

بهجة، وشعبها فرحًا.

19 سأبتهج من أجل أورشليم،

ومن أجل شعبي أفرح

فلا يُسمَع فيها بعدُ

قول بكاء وقول صياح.

ويحتفل هذا الفرح، كما عند صفنيا، بحضور الربّ. أو يتأسّس على تبدّل في موقف الربّ، بحيث يزول كلّ خوف ورعدة. وبيّن صفنيا في القسم الثاني من صلاته، أنّ يهوه يشارك صهيون في فرحها. تلك هي الفكرة التي وجدناها في أش 65: 18-19. تتماهى أورشليم مع البهجة والشعب مع الفرح.

ب- تبدّل موقف الله

هو موضوع آخر نجده لدى الأنبياء ليصوّروا التحرّر الآتي: رفع الربّ الحكم، وأبعد الأعداء عن شعبه (15أ ب). لهذا، تستطيع صهيون أن تتخلّص من كلّ خوف. ونحن نجد هذه الرسمة في أش 54: 14-17:

14 تتثبّتين في العدل،

فيَبعد عنك الظلمُ فلا تخافين،

والرعب لا يقرب إليك.

15 ها هم يتآمرون لا برضاي،

فمن تآمر عليك يَسقط أمامك.

16 ها أنا خلقتُ الحدّاد،

لينفخ الحجرَ في النار،

ويصنع سلاحًا لغرضه

وأنا خلقت لكي يهلك.

17 كلّ سلاح يُشهَر عليك لا يصلح،

ولا يؤثمك كلّ سلاح يقوم عليك في القضاء.

وفي الخطّ عينه، نقرأ ما قال زك 8: 13-15:

13 كما كنتم لعنة في الأمم،

يا بيت يهوذا ويا بيت إسرائيل،

كذلك تكونون بركة

حين أخلّصكم.

فلا تخافوا، بل شدّدوا أيديكم.

14 كما نويتُ غيرَ نادم،

أن أسيء إليكم حين أغاظني آباؤكم،

وما ندمتُ،

15 فكذلك عدتُ ونويت في هذه الأيّام،

أن أحسن إلى أورشليم وبيت يهوذا،

فلا تخافوا.

ويخبرنا هوشع (11: 9) أنّ ما يدّل على هذا التبدّل في الموقف، هو حضور الربّ في وسط شعبه. وتوسّع صفنيا في القسم الثاني، فتحدّث عن تجديد الحبّ الأوّل بينه وبين شعبه (17د 18 أ). مثل هذه الفكرة ترد مرارًا عند أشعيا وهوشع. كانت صهيون الزوجة الخائنة لإلهها، فاستحقّت أن تكون »المتروكة«، »المهجورة«، »اللامحبوبة«، »اللاشعبي«. ومنذ الآن يدعوها الله »رضاي فيها«، »الزوجة«، »المحبوبة«، »شعبي«. نقرأ أش 62: 4-5:

4 لا يُقال لكِ من بعدُ مهجورة،

ولأرضك لا يُقال خربَة.

بل تُدعَين: رضاي فيها.

ولأرضك: زوجة.

فالربّ سُرَّ بك،

وتزوّج أرضك.

5 كما يتزوّج الشابّ بتولاً،

يتزوّجك بانوك (أو: بنوك)

وكسرور العريس بالعروس،

يُسرُّ بك إلهُك.

ويُذكر حضور الربّ لدى الأنبياء حين يتحدّثون عن التحرّر. استُعيد هذا الموضوع في القسم الثاني من الصلاة (17أ ب) فأضاف أمرًا دقيقًا: يكون الله حاضرًا في وسط شعبه مثل المخلّص القدير. وهذا الحضور الإلهيّ الذي يمنح الخلاص، يحرّك الفرح لدى الشعب، ويُبعد عنه كلَّ خوف. هذا ما يقوله أش 35: 1-3:

1 ستفرح البرّيّة والبادية،

ويبتهج القفرُ ويُزهرُ كالنرجس.

يُزهر إزهارًا،

ويبتهج ويرنِّم طربًا.

3 شدّوا الأيدي المسترخية،

وثبِّتوا الركب المرتجفة.

4 قولوا لمن فزعت قلوبهم:

تشدّدوا، لا تخافوا.

أجل، هذا التخلّص من الخوف يكون الموضوع الأخير. ويرتبط إمّا بتبديل الله لموقفه، وإمّا بحضوره في وسط صهيون.

الخاتمة

نكتشف في هذا المقطع المعنى اللاهوتيّ وتماسكه. فالنبيّ الذي أعلن تحرير الشعب من الأسر، وبالتالي الخلاص المسيحانيّ، دعا الشعب إلى الفرح وإلى رذل كلّ مخافة، لأنّ الله مخلّصه هو معه، ويستعدّ أن يغفر له، ويبيّن له حبَّه كما في السابق، في عهد يكون أفضل من عهد سيناء. قال الملاك لمريم: »إفرحي، لا تخافي، الربّ معك، تحملين ابنًا وتدعينه يسوع« (لو 1: 28-31). كلّ ما قلناه عن صفنيا يجد ملء معناه على ضوء إنجيل البشارة. فما وعد به صفنيا تمّ مع مجيء الربّ. ومنذ »صار الكلمة بشرًا وسكن بيننا« (يو 1: 14)، تحقّق حضورُ الله وسط شعبه بشكل لم يسمع به أحد. وهذا الحضور هو ينبوع فرح وثقة يحمل خلاص الله إلى جميع البشر.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM