سفر المراثي
 

 

سفر المراثي
من كتب المراثي الخمس؟ الترجات اليونانية لهذا السفر الصغير تردّه إلى ارميا الني. اما النص الاصلي في العبرية، فلا ينسبه الى أحد ويُبقي المؤلف مجهولا، وإن تبيّن أنه معاصر لارميا ومغاير له في اسلوبه النبوي والادبي. إنما لا شك في ان المراثي- اقله الأربع الاولى- هي تأليف شاهد عيان لخراب اورشليم على يد جنود نبوكد نصر البابلي سنة 587 ق م.
ولِمَ نُسبت إلى ارميا وهو ليس مؤلفها، لا بل هي تناقضُ اسلوبَه وبعض تصوراته ورؤاه؟ ربما لان ارميا كان خير شاهد عيان لدمار اورشليم وهو الشاهد المرهف الشعور والمنسحق بكاء عليها كما سيبكيها يسوع بعده.
والأرجح ان يكون مؤلفو المراثي من أهل مملكة يهوذا، ومن أهل أورشليم بالذات، الذين أتيح لهم أن يبقوا فيها بعد الدمار والنفي وهي المدينة الأحبّ إليهم.
نُظِّمت القصائد الأربع الأولى على إيقاع مرثاة في مأتم وحسب الترتيب الابجدي، اي ان ابيات كل مرثاة تتعاقب وفق حروف الابجدية العبرية. اما المرثاة الخامسة فمتحرّرة من هذا الترتيب وتتميّز بطابع الصلاة المأساوية. ولذا سمتها الترجمة اللاتينية الشائعة: صلاة ارميا. لا يزال الشعب اليهودي إلى اليوم يقرأ في مجامعه هذه المراثي في تموز- آب من كل سنة، معيدا إلى الذاكرة دمار اورشليم الاول سنة 587 وخرابها النهائي سنة سبعين بعد المسيح. واليك فحوى كل مرثاة:
المرثاة الاولى:
اورشليم مقفرة كأرملة، دموعها على خديها ولا معزي لها. انها في حداد. زال كل بهائها. وهيكلها تدنّس وتهدَّم. لا ألم يعلو على ألمها لأن الرب آلمها. ومن أجل معاصيها أسلمها السيد إلى أيد قاهرة. وها هي تصرخ باكية نائحة تتوسل الرحمة والتوبة.
المرثاة الثانية:
حطَّم الرب في سورة غضبه كلَّ قوة لأورشليم وأضرم فيها ناراً ملتهبة التهمت ما حولها. غُشي على اطفالها ورُضَّعها جوعا في ساحات المدينة وذُلَّ شبابها وشاباتها، شُرِّد ملكها ورؤساؤها بين الامم، وجلس شيوخها على الارض صامتين. ولذا صفّق جيع عابري الطريق عليها بالكفين. صفروا وهزّوا رؤوسهم على بنت أورشليم. اهذه هي المدينة التي يدعونها بارعة الجمال، بهجة الارض كلها؟ لم يبق لها إلاّ أن تقوم وتصرخ إلى السيد وتذرف الدموع كالنهر وترفع اليه كفيها لأجل حياة اطفالها، وتتوسل الرحمة والتوبة.
المرثاة الثالثة:
إنها أجل من مزمور حيث نزاع أمة بكاملها يتجسد في محنة شخص فرد، صار اضحوكة لجميع الشعوب وأغنية لهم طول النهار، جرّعه الله مرارات وارواه العلقم، حتى زالت ثقته وذبل رجاؤه. ولكنه يستعيد الأمل لأن محبة الرب لا نهاية لها، وحنانه لا يزول، بل يتجدد كل صباح.
ولذا يدعو باسم الرب من أعاق الجب ليفتديه وليجعل على قلوب اعدائه غشاوة ويطاردهم بغضبه.
المرثاة الرابعة:
تعود الى هواجس الدمار، دمار اورشليم، وما تركه من كوارث وفواجع. تبدل مجدُ بني صهيون إلى آنية فخّار، والذين كانوا يأكلون الطيبات هلكوا في الشوارع، والذين تنعموا بالقرمز احتضنوا المزابل. كان شبانها أنصع من الثلج وأنقى من اللبن وأجسامهم اشد احمرارا من المرجان، فلصقت جلودهم بعظامهم ويبست كالخشب. أيدي النساء الحنونات طبخت أولادهن فكانوا لهن طعاماً. كل ذلك بسبب خطايا انبيائها وآثام كهنتها الذين سفكوا في وسطها دم الابرياء. بسببهم دمرت اورشليم ورحل ابناؤها الى المنفى. فهللت أدوم انتقاماً، غافلة عمَّا سينتابها من محن أقسى من محن أورشليم.
المرثاة الخامسة:
تسميها الترجة اللاتينية للبيبليا: صلاة ارميا. وهي بالفعل صلاة ومزمور معاً. يشخص فيها صاحب المراثي النكسة المأساوية، بواقعية معبّرة، فيرثي فقدان الحرية: بالنير على اعناقهم طُردوا، تعبوا ولم يُعطوا راحة. عبيد، ويقصد بهم الكلدانيين- تسلطوا على شعبه وما من احد يخلّصه من ايديهم. إغتصبوا النساء في صهيون والعذارى، ولم يكرّموا وجوه الشيوخ. إنقطع الشبان والصبايا عن أغانيهم وانقلب رقصهم مناحة. فصار جبل صهيون موحشاً تتردد إليه بنات آوى. كل ذلك "لأننا خطئنا". ولذا يبتهل الى الله بانسحاق قلب مرير: أنت يا رب ثابت إلى الابد. لماذا تنسانا على الدوام وتخذلنا طول الأيام؟ أرجعنا يا رب اليك فنرجع، جدِّد أيامنا كما كانت في القِدَم.
خلاصة:
ان دمار اورشليم هو، بالنسبة إلى شعب يهوذا، أكثر من خسارة عاصمة منيعة رائعة. إنها مدينة الله، فيها هيكله وفيها يحضر على شعبه ومعه. فلمّا اصبحت اورشليم رمادا والهيكل خرابا وهلك الشعب على طريق المنفى، تيقن المؤمن ان الرب تركه وسلّمه إلى اعدائه. فكانت الصدمة قاسية انما اتاحت له أن يختبر مرارة الابتعاد عن الله وعواقبها المؤلمة. وهذا ما عبر عنه في المراثي باكياً وتائباً ومصلياً، ينخر الوجع عظامه لان غياب الله مأساة ولا اوجع.
الاب لويس خليفة

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM