الفصل الرابع: المعمدان وسلطات أورشليم.

 

الفصل الرابع

المعمدان وسلطات أورشليم

هذه القطعة التي ندرس هي جزء من اللوحة الأولى (1: 19-34) وعنوانها مهمّة الشاهد، يوحنا المعمدان. عنوانها: أمام سلطات أورشليم. أما القطعة الثانية (1: 29-34) فيكون عنوانها: يسوع حمل الله.

عن يوحنا تحدّث المطلع اللاهوتيّ مرة أولى (1:6-8): جاء يشهد للنور، فدلّ على يسوع المسيح نور العالم. ومرّة ثانية (1: 15): دلّ على من هو أعظم منه. وها نحن نقرأ الآن، كلامًا أوسع عن شهادة يوحنا، سوف يتواصل في يو 3: 22 ي.

بعد النص الإنجيليّ،

نحلّل الآيات: وصيّة يوحنا المعمدان

ونبحث في المعاني: الشاهد والسابق

والمعني اللاهوتيّ والرعائيّ يكون: شهادة يوحنا

وأخيرًا، القديس أوغسطين في المقال الرابع من إنجيل القديس يوحنا.

النص الإنجيليّ

1: 28-19

19. وهذه هي شهادة يوحنّا، حين أرسل إليه اليهود من أورشليم، كهنة ولاويّين كي يسألوه: »أنت من تكون؟«

20. فاعترف وما أنكر. واعترف: أن أنا لا أكون المسيح.

21. وسألوه: »إذًا ماذا؟ أأنت إيليّا؟« وهو يقول: »ما أنا«. »أأنت هو النبيّ؟« فأجاب: »كلاّ«.

22. فقالوا له: »من أنتَ كي نعطي جوابًا للذين أرسلونا؟ ماذا تقول بشأن نفسك؟«.

23. قال: »أنا صوتُ صارخٍ في البرِّيَّة: قوِّموا طريق الربّ، كما قال أشعيا النبيّ«.

24. ومرسَلون كانوا من الفرّيسيّين.

25. وسألوه وقالوا له: »فلماذا تعمِّد إن أنتَ لا تكون المسيح، ولا إيليّا، ولا النبيّ؟«

26. أجابهم يوحنّا قائلاً: »أنا أعمِّد باماء، وفي وسطكم حضر الذي لا تعرفون.

27. بعدي (هو) الآتي، الذي لا أكون أنا مستحقٌّا أن أحلَّ رباط حذائه«.

28. هذه حدثت في بيت عنيا، في عبر الأردنّ، حيث كان يوحنّا معمِّدًا.

وصيّة يوحنا المعمدان

الوصية هي آخر كلمات الانسان قبل أن ينتهي نشاطه ويستعدّ للموت. ووصية المعمدان هي شهادته. وقد تمّت في ثلاثة أيام، فرمزت قبل الأوان إلى ثلاثة أيام يسوع في عرس قانا الجليل. في اليوم الأول، سيطر النفيُ على شهادته: لا أنا المسيح، ولا إيليا ولا النبي. في اليوم الثاني، سيطر الاعلان بالنسبة إلى يسوع: هو حمل الله. وفي اليوم الثالث، أرسل تلاميذه لكي يتبعوا يسوع. هذا ما يجعلنا نلتقي مع المطلع اللاهوتي في 1: 6-8: أولاً: يوحنا ليس النور. ثانياً: جاء لِشهد للنور (يسوع المسيح). ثالثاً: ليؤمن الجميع على يده.

آ19 »و« kai. معها يبدأ هذا المقطع، كما يحدث في عدد من الأسفار المقدَّسة في السبعينيَّة (2صم، 1مل، 2مل). قبل أن يتثبَّت المطلع اللاهوتيّ (1: 1-18)، كانت هنا بداية الإنجيل، إلاّ إذا سبقت آ6-7، هذا المقطع الأوَّل (آ19ي). هذه هي شهادة، في آ6-7، عرفنا أنَّ يوحنّا المعمِّد أُرسِل للنور. والآن، ها هي شهادته marturia. انتظرنا شهادةً ليسوع، ولكنَّها جاءت في اليوم التالي (آ29-34)، بحيث إنَّ ما نقرأ هنا »خربط« المتتالية في أصلها. اليهود. السلطات الدينيَّة المُعادية ليسوع، ولاسيَّما في أورشليم. أرسل. يضيف عددٌ من الشهود »إليه«. ولكن غاب حرف الجرّ من مخطوط بودمر، فبدا أنَّ الناسخ أضافه من أجل الإيضاح. كهنة ولاويّين. أرادوا أن يسألوه عن المعموديَّة، فأرسلوا إليه الأخصّائيّين في طقوس التطهير. هذه المجابهة بين المعمدان والكهنة، لافتةٌ في إطار التقليد اللوقاويّ بأنَّ المعمِّد كان ابن كاهن (لو 1: 5). عادة، »اللاويّون« هم في درجة أدنى من الكهنة. ربَّما كانوا من شرطة الهيكل. لا يرد اللفظ lenitaV إلاّ في لو 10: 32؛ أع 4: 36 (في ما يخصُّ العهد الجديد). أورشليم. هي الكتابة اليونانيَّة في يو ierosoluma. أمّا في سفر الرؤيا فنقرأ ierousalem. هذا يعني أنَّ الذي خطَّ الإنجيل الرابع، غير الذي خطَّ سفر الرؤيا.

آ20 فاعترف وما أنكر. واعترف. تكرار حتّى في نظر يو. ولا نجد مثالاً عن هذا الجمع بين الإيجابيّ (اعترف) والسلبيّ (ما أنكر) والإيجابيّ. أنا لا أكون المسيح. بعضهم اعتبر »أنا« تفخيميَّة emphatique. لست أنا، بل آخر يكون. ولكن لا نستطيع القول إنَّ المعمدان ماهى الآتي بعده مع الماسيّا في المعنى الحصريِّ للكلمة، أي الملك الداوديّ الممسوح بالزيت. في يو 3: 28 (ما أنا المسيح، بل رسول قدّامه)، نجد الإشارة الوحيدة الخاصَّة إلى المعمِّد الذي يُعدُّ الطريق للمسيح. رج لو 3: 15-16: »ويجيء الآن من هو أقوى منّي...«.

آ21. إذًا. oun. أداة تتكرَّر 195 مرَّة في الإنجيل الرابع، ولا مرَّة في الرسائل اليوحناويّة. هي إشارة أخرى إلى أنَّ الذي خطَّ الإنجيل غير الذي خطَّ الرسائل اليوحنّاويَّة. ماذا؟ أأنت إيليّا؟ هناك تقسيم آخر. ولكنّنا نتبع برديَّة بودمر.

آ23. جاء إيراد أش 40: 3 بشكل تقريبيّ من السبعينيَّة، في الأناجيل الأربعة حيث »في البرّيَّة« تحوَّل »الصوتُ«، بدلاً من النصِّ الماسوريّ (العبريّ)، حيث »في البرّيَّة« هي جزء ممّا قيل:

صوتٌ صارخٌ:

»أعدُّوا طريق الربِّ في البرِّيَّة،

اجعلوا في الصحراء طريقًا مستقيمًا لإلهنا«.

بما أنَّ المعمِّد كان في منطقة البرّيَّة حين ارتفع صوته النبويّ، جاء نصُّ السبعينيَّة موافقًا لمرمى العهد الجديد. ورمزيَّة تهيئة الطريق للربّ، استلهمت الاستعدادات للتطواف بتماثيل الآلهة، أو لاستقبال عظيم من العظماء. قدَّم غاروفالو(1) صورة عن الاستعدادات لزيارة الحرس الملكيّ في برديّات بطالسيَّة. جاءت التعليمات واضحة: »إصنعوا طريقًا«. فقد اقترب. صوت. قال أوغسطين في عظاته (293: 3، الآباء اللاتين 38: 1328). إنَّ المعمِّد كان صوتًا لوقت محدَّد (5: 35: سراجًا... فترة بنوره). أمّا المسيح فهو الكلمة الأزليّ، منذ الابتداء.

آ24 مرسلون هم من الفرّيسيّين. هناك ترجمتان. الأولى: والمرسلون كانوا من الفرّيسيّين. جُعل أل التعريف أمام اسم الفاعل o apestalmenoi. لا نجد هذا النصَّ كثيرًا. لهذا تبدو الفرضيَّة ضعيفة. من هم الذين أرسلوا الفرّيسيّين؟ الكهنة واللاويّون. مع أنَّ Bernard رأى في هذه القراءة محاولة لإدخال مجموعة جديدة، فالصعوبة الأساسيَّة تقوم في أنَّ الكهنة واللاويّين ينتمون عادة إلى الصادوقيّين. قال لاغرانج (ص 37) إنَّ بعضًا من الكهنة كانوا مع الفرّيسيّين. ولكنَّها فرضيَّة لا تُرضي. وآخرون وجدوا هنا برهانًا بأنَّ الإنجيليّ لم يعرف شيئًا عن فلسطين. فما قال شيئًا بالتفصيل عن المجموعات المختلفة في فلسطين، بل ما ذكر العشّارين والهيرودوسيّين. والسبب: حين دُوِّن الإنجيل، لم يعد لهذه الجماعات من مدلول، بعد أن زال الصادوقيّون مثلاً، ومعهم الكهنوت والهيكل. فالعالم اليهوديّ الذي لبث حيٌّا بعد دمار الهيكل، كان فرّيسيٌّا بأكثريَّته. وفي زمن تدوين الإنجيل الرابع، تماهى »الفرّيسيّون« مع »اليهود«، فدلّوا على السلطات اليهوديَّة. اعتبر بعضهم أنَّ الناسخ الأخير قد يكون أضاف »الفرّيسيّين«. نتذكَّر هنا أنَّ مت 3: 7 تحدَّث عن الصادوقيّين والفرّيسيّين الذين جاؤوا إلى يوحنا المعمدان.

الترجمة الثانية. بدون أل التعريف أمام اسم الفاعل: مرسَلون (لا: المرسلون)(2) هذه القراءة تشهد لها برديَّة بودمر.

آ25. وسألوه. رج آ21. تكرار. علامة إيضاح من الناسخ.

آ27. الآتي. اسم الفاعل o ercomenoV. وهناك الحاضر ercetai. في الحالين، هو انتظار يوحنّا في الأناجيل كما في سفر الأعمال. أتُرى انتظر المعمدان إيليّا في خطِّ ملا 3: 1؟ هو مقطع ورد في مت 11: 14. ربَّما يكون الآتي أيضًا: إيليّا. مستحقٌّا. axioV. نَدهش حين نقرأ في برديَّة بودمر ikanoV: كافٍ، قادر. هو تنسيق مع الأناجيل الإزائيَّة. رباط حذائه، هو عمل العبد. هناك قول رابّينيّ: يقوم التلميذ بأيِّ خدمـة لمعلِّمه يقوم بها العبد، ما عدا فكّ حذائه(3).

آ28. بيت عنيا. ليست تلك القريبة من أورشليم (11: 18)، بل موضع في شرقيّ الأردنّ لم يبقَ له أثر. حاول باركر(4) أن يقدِّم حلاٌّ لمسألة غياب بيت عنيا الثانية، فكانت النتيجة أنَّه ألغى المكانَين. هذا حصل في بيت عنيا، عبر نقطة كان يوحنّا يُعمِّد فيها. وهكذا يجعل الحدث بالقرب من أورشليم، بحيث فسَّر وجود الفرّيسيّين في المكان. وقدَّم أوريجان حلاٌّ آخر (الشرح 6: 40): مع أنَّ المخطوطات كلَّها تقرأ بيت عنيا، فهو ما وجد هذه المدينة في شرقيِّ الأردنّ (حوالي سنة 200). لهذا فضَّل قراءة ثانية: بيت عبارة (يشهد التلمود على وجودها). وهذا ما نجده في السريانيَّة العتيقة. تبع بوامار أوريجان هنا. إذا كان الأمر صحيحًا، فهذا يجعلنا أمام توازٍ بين يشوع بن نون ويسوع. كما قاد يشوع الشعب عبر الأردنّ إلى أرض الموعد، كذلك عبر يسوع إلى أرض الموعد على رأس الشعب الجديد. إنَّ تقليد الحجّاج يماهي بين موضع عبور يشوع وموضع عماد يسوع. هي رمزيَّة حلوة. ولكن هل هي تاريخيَّة؟

أمّا بيت عنيا فترتبط أيضًا بفعل: أجاب، شهد. في السريانية: أجاب هناك شهد المعمِّد ليسوع(5)؛ إذا كان الرمز هو المسيطر، أنُنكر الواقع الجغرافيّ الذي نبت بعد التفسير الروحيّ؟ مثل هذا الأمر نجده أيضًا في بيت حسدا (5: 2). يبدو أنَّ الإنجيل الرابع عرف أمورًا لم يعرفها سائر الإنجيليّين. فإن كنّا نجهل موقعها، فهذا لا يعني أنَّها بنتُ المخيِّلة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM