الشاهد والسابق.

 

الشاهد والسابق

ندخل هنا في شهادة التلاميذ الأوَّلين. كان المعمِّد مثال الشاهد ليسوع. وحالاً، انطلق الخبر إلى طبيعة الشهادة التي يؤدّيها التلميذ ليسوع، ولو كان ذلك في عالم معادٍ (15: 26-27).

1- المرسلون (1: 19، 24)

»أرسل إليه اليهود«. ثمّ: »مرسلون كانوا من الفرّيسيّين«.

أرادوا أن يبحثوا عن هذا النبيّ: هل يدخل في التقليد البيبليّ؟ أرسلوا إليه. هكذا فعل حزقيّا الملك: »أرسل كبارَ الكهنة إلى أشعيا النبيّ« (2مل 19: 2). ويوشيّا الملك أرسل إلى النبيَّة خلدة، حين اكتشفوا كتاب الشريعة، فأجابت: »أخبروا ملك يهوذا الذي أرسلكم إليَّ...« (2مل 22: 15). ونقرأ أيضًا في أش 37: 2 أنَّ ألياقيم، رئيس الديوان الملكيّ، أرسل إلى أشعيا النبيّ. ذاك كان أمرًا معروفًا. أمّا المرسلون هنا فبحثُهم فيه ارتياب من المعمِّد، لا رغبة في أن يسمعوا البلاغ الذي يحمل. واللافت هو هويَّة المرسِلين، وهويَّة الذين أرسلوهم: الكهنة واللاويّون أرسلوا الفرّيسيّين. كلُّهم كانوا معارضين ليوحنّا ثمَّ ليسوع المسيح.

تحدَّث يوسيفس (السيرة 1؛ العاديّات 4: 218) وفيلون (الشرائع 1: 131-155) ومخطوطات البحر الميت (الكاهن المنافق، تفسير حبقوق 8: 8-12؛ 9: 4-7؛ 12: 5، الكاهن الشره، تفسير ناحوم 1: 11) عن سيطرة الكهنة في كلِّ أجزاء اليهوديَّة، قبل دمار الهيكل. ويوسيفس الذي قدَّر بشكل عامّ، ورعَهم (العاديّات 14: 65-68)، شهد أنَّهم لبثوا القوّاد الرئيسيّين المحلّيّين في تلك الحقبة(1). وحتّى الفرّيسيّة المتأخِّرة التي انضمَّت إلى الأسيانيّين وإلى الأناجيل في انتقاد رئيس الكهنة على أنَّه فاسد(2) (تفسير حبقوق 9: 4-5؛ وص لاوي 14: 1)، راعوا وظيفة رئيس الكهنة. ساعة بعضُ الكهنة أخذوا بالممارسات الفرّيسيَّة، لم يفعل الرابّينيّون. ورأى الباحثون أنَّ معظم الكهنة كانوا من الصادوقيّين (يوسيفس، العاديّات 13: 298؛ 18: 17).

وهناك وجهات أخرى في الخبر. فالمعلِّمون (رابّي) الذين كانوا الخلفاء الرئيسيّين للفرّيسيّين، بعثوا بمرسَلين إلى الحكّام (رابّي إلى رابّي، تلمود أورشليم، تعن 3: 11. من منطقة إلى منطقة، فسقتا رب كهانا 15: 5). غير أنَّ الممارسة العاديَّة ترتبط بالكهنة الذين هم السلطة الرسميَّة (2مك 1: 18؛ أع 9: 1-2؛ يوسيفس، العاديّات 13: 62-69). أمّا يوحنّا الذي يضخِّم سلطة الفرّيسيّين، فيتفوَّق على متّى (وأكثر وأكثر على مرقس ولوقا)، لأنَّه يكتب بعد مجمع يمنية (يبنة) وعداء اليهود للمسيحيّين. فهو لا يذكر الكهنة واللاويّين في موضع آخر (هانشن، يوحنّا 1: 143). واعتبر البعض أنَّ الإنجيل الرابع اعتاد أن يحوِّل رؤساء الكهنة في المراجع، إلى فرّيسيّين (ما فعله الكهنةُ في زمن يسوع، فعله الفرّيسيّون في زمن تدوين يوحنّا). وهنا، حوَّل الجميع إلى كهنة(3).

هذا لا يعني أنَّنا ننكر الإمكانيَّة التاريخيَّة لمختلف العناصر في هذا المشهد. فقد يكون المعمدان ثار على جذوره الكهنوتيَّة (لو 1: 5)(4). وبالأحرى أن تكون ردَّة الفعل عنده قاسية على الكهنوت الأرستقراطيّ في أورشليم، الذي مثّل تعاملاً فاضحًا مع الرومان، ممّا جعل النبيّ الإسكاتولوجيّ يُطلق صوته كالرعد (اهتمَّ الكهنوت بمصالحه الخاصّة، لا بالسلام من أجل الشعب، ساندرز، يسوع والعالم اليهوديّ، ص 315). خسر الكهنة واللاويّيون تدريجيٌّا الكثير من سلطتهم بعد دمار الهيكل، بحيث إنَّ تأثيرهم لمساندة المؤمنين ضعُف أمام الفرّيسيّين(5). ويوحنّا لم يضخَّم وحده دور الفرّيسيّين. فمتّى الذي كتب من أجل الجماعات المسيحيَّة في فلسطين ولبنان وسورية، حارب التأثير الفرّيسيّ، بعد سنة 70. فصارت »الجموع« في لو 3:7(6)، »الفرّيسيّين والصادوقيّين« (مت 3: 7). هذا مع العلم أنَّ الإنجيل الرابع لا يذكر الجموع التي تبعت يوحنّا (3: 26).

الصراع الإيديولوجيّ بين نبيّ البرّيَّة من جهة، وموظَّفي هيكل أورشليم أو المعلِّمين من جهة أخرى، أمر معقول جدٌّا. لهذا، راحوا يتحرَّون بأسئلتهم. وإذ كانت الجموع تتألَّب آتية إلى يوحنّا (مر 1: 5؛ مت 3: 5-6؛ لو 3: 3-7؛ يوسيفس، العاديّات 18: 118)، وجب على الصادوقيّين أن يتحرَّوا قبل ن يفعل الرومان. وقد أعطى يوسيفس (العاديّات 20: 98؛ 168-171؛ الحرب 2: 263) أمثلة عديدة عن مسحاء، عن »أنبياء كذبة«، دفعوا الرومان إلى أن يتدخَّلوا. وجب على الآتين إلى يوحنّا أن يحملوا جوابًا إلى الذين أرسلوهم (1: 22)، ممّا يعني صفة رسميَّة (2صم 24: 13. شناكنبورغ، يوحنّا 1: 291) وسار بعض الشرّاح في خطِّ النصوص الرابّينيَّة، فاعتبروا أنَّ المجلس الأعلى قام بالتحرّيات لكي يرى إن كان يوحنّا يخدع الشعب. قد يصحّ هذا الكلام إذا كانت هذه النصوص قديمة . كلُّ هذا يعني أنَّ كرازة يوحنّا فُسِّرت تفسيرًا سياسيٌّا (Kraeling, p. 85-91، العاديّات ليوسيفس 18: 118-169)(7).

ولكن يبقى أنَّ التقليد الواسع يجعل سؤال الكهنة في قلب »الشعب« (لو 3: 15). ومع أنَّ الإنجيل الرابع يقدِّم تفاصيل أخرى في الخبر، يسهل علينا أن نفهم لماذا ضيَّق يوحنّا السؤال فحصره في الفرّيسيّين، وما وصل إلى الشعب كما فعل متّى (31: 7) ولوقا (3: 7). فالفرّيسيّون يبدون هنا بشكل جوقة تمثِّل الجماعة كلَّها، وهذا ما نعاينه في النصوص القديمة (فرجيل، الإنياذة 11: 122-131)(8).

2- نفيُ يوحنّا (1: 20-23)

سأل سائلو يوحنّا عن إيليّا وعن النبيّ (وجه موسى الجديد)، اللذين ينتظرهما الشعب في تلك الحقبة، كصورتين نبويَّتين عن نهاية الزمن. فالتقاليد الأولى التقت مع يوحنّا واعتبرت أنَّ يوحنّا هو المسيح (لو 3: 15). فأجاب: يأتي بعدي من هو أقوى منّي، وهو يهب الروح القدس (مت 3: 11؛ لو 3: 16). غير أنَّ يوحنّا صاغ حوارًا تجاوزَ فيه ما قالت التقاليد. ولغةُ النفي قد تعكس تعارضًا مع اعتراف أورده التقليد عن يسوع أمام النخبة الأورشليميَّة (مر 14: 61-62؛ رج 8: 28). حين نفى يوحنّا مسيحانيَّته مع لفظ »أنا« egw (1: 20؛ ق 3: 28)، بدا وكأنَّه يعترف بآخر على أنَّه المسيح (1: 23، 27)(9). لا شكَّ في أنَّ اعتراف يوحنّا (ما أنا المسيح، في صيغة النفي، يتعارض مع كلام يسوع (أنا هو) في هذا الإنجيل (4: 26؛ 11: 25). اتِّضاع من قبل يوحنّا، ارتفاع ليسوع (1: 15؛ 3: 28-30). اعترف يوحنّا مرَّتين، و»ما أنكر« طريقة ساميّة في الكلام (مثلاً: أجاب وقال، 1: 26، 48؛ رج 1أخن 13: 4؛ 4 عز 4: 13، 19، 20؛ 2با 14: 1؛ 15: 1). وأكثر من ذلك. هي تجاوب مع سموّ دعوة من هو أكثر من نبيّ. سيعرف القارئ فيما بعد أنَّ الرؤساء الذين بعثوا المرسلين إلى يوحنّا، لن يعترفوا بالمسيح ولن يتركوا الآخرين يعترفون (9: 22؛ 12: 42). أمّا يوحنّا، فاعترف، به جهرًا. رج مت 10: 32؛ لو 12: 8. هو تقليد عرفته الجماعة اليوحنّاويَّة (رؤ 2: 13؛ 3: 5).

أ- ما أنا إيليّا (1: 21أ)

رفض الإنجيل الرابع أن يعطي يوحنّا دورَ إيليّا الذي كان له امتداد كبير في التقليد القبل المرقسيّ (مر 1: 6؛ مت 3: 4؛ ق 1مل 17: 6؛ 2مل 1: 8 سب؛ مر 9: 13؛ مت 17: 12-13؛ لو 1: 17). وبالتالي لا يمكن أن يجعل يسوع أيليّا آخر. لهذا قال البعض: جهل الإنجيل الرابع، أو بالأحرى تجاهل التقليد عن إيليّا وهو صاحب اللاهوت الرفيع.

من اللافت أنَّ تقليد العجائب في الأناجيل الإزائيَّة، حيث عاد إلى إيليّا، مع معجزات قام بها يسوع في لو 9: 61-62 (1مل 19: 20) ولو 10: 4 (2مل 4: 29)، نقل بعضَ صورة إيليّا إلى يسوع، ولكن هذا أمرٌ لم يوافق عليه يسوع (لو 9: 8، 19-20، 33-35). من الواضح أنَّ الإزائيّين لم يعتبروا أنَّ يوحنّا كان إيليّا في شكل حرفيّ، وكأنَّه تقمَّص فيه (مر 9: 4؛ مت 17: 3؛ لو 1: 17؛ 9: 30) رأى تايلور(10) أنَّ حضور موسى وإيليّا على جبل التجلّي يمثِّل الشريعة والأنبياء، بل هما مرسلا النهاية(11). إذا كان يوحنّا التاريخيّ رأى نفسه أنَّه السابق، قد يكون رأى نفسه على أنَّه إيليّا في معنى استعاريّ (1: 23؛ ملا 4: 5). وإن رأى نفسه كالسابق، فقد يكون رأى ذاك الآتي بعده على أنَّه »قبله« (1: 30).

من الطبيعيّ أن يكون التقليد اليهوديّ قد توسَّع في الوعد بعودة إيليّا في ملا 30: 22-24 (مت 3: 23-24) كما عند ابن سيراخ (48: 10). بعد ذلك، توقَّف المعلِّمون عند السمة الإسكاتولوجيَّة لذلك الانتظار، مع أنَّهم توسَّعوا فيه في طريقة جدّ مختلفة عن تيّارات فكريَّة أخرى (تنوَّعت النظرة إلى إيليّا، فتنوَّع تفسيرُ النصوص). أن يكون إيليّا لبث حيٌّا، هذا ما استخلصوه من النصوص البيبليّة (2مل 2: 9؛ ملا 3: 22ي؛ رج 1مك 2: 58). وواصل المعلِّمون هذا التفكير، فرأوا في مجيء إيليّا النهاية، لا ما يسبق النهاية فقط، ولاسيّما في زمن الإمبراطور أدريان، حيث بدا الأنبياء كأنَّهم الكتبة قبل الكتبة ومعلِّمو الشريعة قبل معلِّمي الشريعة الذين عرفهم الإنجيل (ترجوم يوناتان حول 1صم 19: 23؛ 2مل 6: 1؛ 9: 1، 4). فصار إيليّا، شأنه شأن سائر الأنبياء، معلِّمًا سلوكيٌّا (هالكه) أُرسِل مرارًا إلى المناقشات بين المعلِّمين. وهناك بدا إيليّا ذاك الغيور على الشريعة en tw zhlwsi zhlon nomou بل صُوِّر بعض المرّات يلعب دورًا شبيهًا بدور الملائكة (بابل، بركوت 4ب: ينفِّذ الحكم على منتهكي الأقداس. 6ب، يحمل الأخبار إلى الرابّي. بابل، شبت 33: 8 سمعان بريوحاي. تث ربا 5: 15، منير. لمعرفة إرادة الله، بابل بركوت مشيحا 59ب) كما أرسل لمساعدة المعلِّمين في اجتراح المعجزات (بابل، عبود زرعيم 17ب، تعنيم 21أ. رج Vermès، يسوع اليهوديّ ص 72، 76-77).

ب- ولا أنا النبيّ (1: 21ب)

في بعض النصوص امتزجت صورة إيليّا مع النبيّ الإسكاتولوجيّ الموسويّ (تث 18: 18، في قراءة شعبيَّة). أُعلن مدراش ثنائيّ سيضع حدٌّا موقَّتًا لوصيَّة موسى، كما قال إيليّا (سفري تث 175/1: 3)، ومع ذلك لا يرتبط انتظار هذا النبيّ فقط بإيليّا. فهي نظرةٌ بين نظرات عديدة. فقد نقرأ عن هذا الانتظار في 1مك 4: 46 (ووضعوا الحجارة في موضع لائق... إلى أن يظهر نبيّ)؛ 14: 41 (سرَّهم أن يكون سمعان رئيسًا لهم... إلى أن يقوم نبيّ أمين)، بالرغم من أنَّ هذين النصّين يتحدَّثان عن عودة النبوءة بشكل عامّ، لا النبيّ الموسويّ بشكل خاصّ(12). وهناك نصوص أكثر وضوحًا، مع أنَّها لا تضمّ كلّ التيّارات اليهوديّة، انتظرت النبيّ الموسويّ، المميَّز عن إيليّا، وإن كانت تتضمَّن نصوصًا تعود في شكل خاصّ إلى إيليّا الجديد (كولمان، الكرستولوجيّا، ص 14ي). وربط نصٌّ قمرانيّ النبيَّ الإسكاتولوجيّ بمسيح هارون وإسرائيل، ممثِّلاً في الوقت عينه الوجوه الثلاثة (نج 9: 12 مع لفظ »مسيح« في صيغة الجمع. رج هانشن، يوحنّا 1: 272 حول يو 6: 14؛ وص بنيامين 9: 2؛ وص لاوي 8: 15). فمعلِّم البرّ التاريخيّ يعكس في الظاهر بعض وظائف »النبيّ مثل موسى«. ولكن بعد أن يعبر التتمَّة الكاملة، يبدو أنَّه ينتظر الجيل الإسكاتولوجيّ. أمّا انتظار السامريّين مع تشديد على البنتاتوكس (لا يقبلون إلاّ بالأسفار الخمسة)، فقد أبرزوا هذا النبيّ فتفوَّقوا على النصوص اليهوديَّة، فشابهوا بعض الشيء الانتظار القمرانيّ(13).

في النصّ الذين نقرأ، اهتمَّ محاورو يوحنّا بأن يسألوه إن كان إيليّا أو النبيّ. ثمّ: أما هو المسيح؟ »النبيّ« يعود إلى تث 18: 15، 18. ورأى التقليد المسيحيّ الأوَّل أنَّ هذا النصَّ تمَّ في يسوع(14) (أع 3: 22؛ 7:37(15)؛ رج مت 17: 5؛ مر 9: 7؛ لو 9: 35). »إسمعوا له«. في خبر التجلّي، قد تشير إلى سياق تث 18: 15(16). وكذلك الجبل والغمام. والتلميح إلى الخيم. وجاء التجلّي (خر 34: 29) في »اليوم السادس« (خر 24: 16). ثمَّ حضور موسى وإيليّا على الجبل (خر 34: 2؛ 1مل 19: 8). كلُّ هذا يلمِّح إلى موسى(17). أمّا نصُّ يوحنّا، فيميِّز أدوارًا مختلفة، فيدلُّ على خلفيَّة لاهوتيَّة. من الممكن أن يكون بعضُ اليهود، سواء من جماعة يوحنّا أو معارضيها، شدَّدوا على النبيّ الإسكاتولوجيّ (1: 25؛ 6: 14؛ 7: 40؛ 9: 17) ساعة الكلام عن النبيّ الكرستولوجيّ غير كافٍ (4: 19، 25-29؛ 6: 14-15؛ 7: 40-41) فيسوع يبدو نبيٌّا (ميكس، النبيّ الملك، ص 25)، وبالتالي يتطلّع إلى الخدمة النبويَّة في الجماعة اليوحنّاويَّة (16: 7-15). رج كينار، البنفماتولوجيّا، ص 284-329 مع كلام عن البارقليط والنبوءة في يو 14: 16.

ج- صوت صارخ (1: 23)

نفى المعمِّد أيَّ وظيفة نبويَّة. هو السابق فقط (نفى أن يكون إيليّا). وهكذا ما طبَّق الإنجيل الرابع على يوحنّا أحدًا من هذه النصوص التقليديَّة مثل ملا 3: 1 مع أش 40: 3 (مر 1: 2-3). أو إيراد متّى من ملاخي في سياق مختلف (مت 11: 10). وهذا المقطع في ملاخي يذكِّرنا بما في ملا 3: 22-24. ويتطلَّب شرحًا مفصَّلاً عن المعنى اليوحنّاويّ حول إيليّا العائد إلى الحياة. ولكنَّ وعد أشعيا بخروج جديد (الحقبة اليهوديَّة الرومانيَّة فهمت لغة أشعيا حول البشرى في خطّ الخلاص الإسكاتولوجيّ وبناء إسرائيل، مز سل 1: 1، وانتظار خروج جديد يتواصل. المغارة الرابعة 389، الفتيتة الثانية). على أنَّه مُرسَل يُعدُّ الطريق (يعطي أوامر من أجل البناء) أمام الملك الآتي على رأس شعبه (فكرة تهيئة الطريق للملك عُرفت في نهاية القرن الأوَّل المسيحيّ. مثلاً في عهد ترايان، مدوِّنات لاتينيَّة مختارة 5863). فالأناجيل الأربعة طبَّقت نصَّ أشعيا على يوحنّا، ولكنَّ الإنجيل الرابع تفرَّد فجعل الكلام في فم المعمِّد. فاعتبر بعضُ الباحثين أنَّ الإنجيل الرابع يعكس هنا تقليدًا مستقلاً حول يوحنّا لأنَّه يختلف عن الإزائيّين التابعين للسبعينيَّة(18).

رأى بعض الشرّاح أنَّ التقليد الإنجيليّ انطلق في الأصل من إيراد استعمله المعمِّد، فارتبط بمعنى رسالته (Robinson, Studies, p. 13). أن يكون المعمدان طبَّق هذا النصَّ على نفسه، أمرٌ معقول في النظرة الإزائيَّة بالنسبة إلى من يُعدُّ له الطريق (مت 3: 3؛ مر 1: 3؛ لو 3: 4-6). ولا يبدو معقولاً أن لا يتأمَّل في مهمَّته على ضوء الكتاب المقدَّس. إن لم يَبرز اليقينُ بأنَّ يوحنّا استعمل إيراد 1: 23، فالنصُّ كان معروفًا في محيطه. وتطبيق جماعة البرّيَّة على رسالته (قمران، نج 8: 13-14؛ المغارة الرابعة 176: 1-2، 4-9)، يدفعنا إلى القول بأنَّ يوحنّا اعتبر أنَّ هذا الكلام يخصُّه.

البرّيَّة موضع مركزيّ في تاريخ إسرائيل (هو 2: 14؛ 1أخن 29: 28؛ نش ربا 3: 6، المقطع الأوَّل). وطبَّق يهود آخرون أش 40 على موضوع الخلاص(19). وانتظر اليهود الكثيرون خروجًا جديدًا إلى البرّيَّة(20) (نظرة رمزيَّة في قمران، الحرب 1: 2-3) منفتحًا على حركات تجديديَّة(21). وعلى الأنبياء (أع 21: 38؛ يوسيفس العاديّات،20: 189؛ الحرب، 2: 259، 261-262، بعض هؤلاء الأنبياء الكذبة نصَّبوا نفوسهم مسحاء)، والمسحاء (مت 24: 26؛ عد ربا 11: 2؛ نش ربا 2: 9؛ ترجوم نيوفيتيّ حول خر 12: 43. هناك عدد من أنبياء البرّيَّة الإسكاتولوجيّين، فُسِّر عملهم تفسيرًا مسيحانيٌّا، يوسيفس، العاديّات، 20: 97: 99) الذين ظهروا في البرّيَّة. وقد يكون المعمدان قرأ هذا النصَّ وطلب من الآتين إليه أن ينفوا نفوسهم خارج المراكز السكنيَّة(22) (قد يكون مرقس أبرز برّيَّة المعمدان ليقدِّم صورة مسبقة عن يسوع(23)، ويبيِّن تتمَّة أش 40: 3 (ماركسن، مرقس، ص 37؛ بولتمان، التقليد، ص 246؛ أندرسون، مرقس، ص 69). هذا العنصر يبدو تاريخيٌّا في خدمة يوحنّا. جاء بالجموع إلى هذا المكان لئلاّ يلقى ملاحقة من الرؤساء (يوسيفس، العاديّات، 18: 117). بعد ذلك »برّيَّة الأردنّ« فرضت تقليدًا معروفًا مع الطوبوغرافيا الفلسطينيَّة (تايسن، الأناجيل، ص 39). بالنسبة إلى الإنجيليّ كان لخلفيَّة خروج جديد مدلولُه، لأنَّ هذا الإنجيل يجعلنا أكثر من مرَّة في إطار البرّيَّة (3: 14؛ 6: 31، 49)، وهذا ما يفهمه قرّاؤه (رؤ 12: 6). و»الأردنّ« (1: 28) يذكِّر شعب الله بعبور الأردنّ مع يشوع إلى أرض الموعد (يش 3: 6-7).

غير أنَّه، في السياق اليوحنّاويّ، ما له مدلوله الكبير هو أنَّ المعمدان نفسه يُبرز دورَه الساند للمسيح أكثر ممّا يُطلب من الراوي أن يفعل. مثل هذه الأقوال تبدو تحدِّيًا ملحٌّا إلى الذين أعطوا للمعمدان وجهًا يزاحم وجه يسوع. وقد نسج الإنجيل هذا القولَ في موضوع البرّيَّة حول موضع الفداء (3: 14؛ 6: 31). بعض اليهود شخَّصوا »صوت« الربّ، ونصوص أخذت به كخطبة الله مضافة (أون، النبوءة، ص 137. أورد يوسيفس، الحرب، 6: 301 حيث يقرأ: قولاً). وهكذا صار الصوت لفظًا يتكرَّر في يو (3: 8، 29؛ 10: 3؛ 18: 73). ومع ذلك، يكون هذا المقطع معبِّرًا عن التقليد (مر 1: 3؛ مت 3: 3؛ لو 3: 4). ويبقى الجدال قائمًا حول استعمال الإنجيل لـ »الطريق« استعمالاً لاهوتيَّا، كما في 14: 6. والأناجيل الآخرون عادوا إلى أشعيا للكلام عن الطريق، دون عودة إلى ما نجد من تعليم خلقيّ في العالم الهلّينيّ. أمّا شهادة يوحنّا فهي تقدِّم صورة مسبقة لشهادة الروح الذي يقود المؤمنين »في طريق الحقّ« (16: 12-13).

3- هدف يوحنّا المعمدان (1: 25-26)

اللافت لدى المعمدان أنَّه حين أدخل كلامًا عن العماد في رمز ماء استُعمل عبر الخبر الإنجيليّ، »أدخل« يسوع. وهو أوَّل ملفّ تجاه يسوع (3: 22، 26؛ 4: 1، 2؛ 10: 40). وفي شكل عامّ أورد كلامًا عن الماء (2: 7، 9؛ 3: 5، 23؛ 4: 7، 10، 11، 13، 14، 46؛ 5: 2؛ 7: 38؛ 13: 5؛ 19: 34)(24). فالآتون إلى يوحنّا سألوه لماذا يعمِّد إن لم يكن المسيح ولا إيليّا ولا النبيّ (1: 25)، ممّا يفترض معرفة واسعة بالعماد المسيحانيّ. فقد يكونون سمعوا ببلاغ يوحنّا عن الآتي لكي يعمِّد بالروح. ومع أنَّ سامعي يوحنّا لم يُصغوا إلى وعده في مسيرة السرْد الإنجيليّ، فإنَّ 1: 33 قد تشير إلى أن يسوع نال هذا الوحي، وأن يكون سامعوه عرفوا به (أع 1: 5؛ 11: 16؛ 19: 2؛ 18: 13).

أ- وظيفة العماد في الإنجيل الرابع

بعد شهادة يوسيفس، لا يستطيع الباحثون بعدُ أن يشكُّوا بالعماد بالماء على يد يوحنّا(25) ومدلول هذا التذكُّر في الإنجيل الرابع يبقى مفتوحًا على عدد من الأسئلة. في عالم الزراعة يترافق الماء مع الخبز (سي 29: 21) كرمز إلى الحياة(26)، أو صورة عن خطاب نبويّ(27). وقرأ فيلون في أربعة أنهر الفردوس على أنَّها أربع فضائل تجري من الكلمة الإلهيَّة tou qeiou logou (النسل، 127-129؛ الأحلام 2: 242-243). ومع ابن سيراخ (15: 3؛ 24: 25 حيث الفهم يُقابَل بالأنهار؛ 24: 13 حيث الحكمة تقول ekcew تعليميّ مثل الحكمة؛ ق حك 7: 25)، صوَّر فيلون الحكمة الإلهيَّة على أنَّها ماء (الأحلام 2: 242-243؛ الهجومات 117 مع »ينبوع الحكمة الإلهيَّة«؛ الهرب، 166؛ قمران، نج 10: 12)، فتحدَّث عن الله الذي هو ينبوع المعرفة ومعين القداسة، وأحيقار (في السريانيَّة والعربيَّة 1: 15) يقابَل تعليم الأب مع الخبز والماء. وبعد ذلك، يقابل كلامُ الحكمة (خر ربا 31: 3) والتوراة والتعليم بالماء (تك ربا 41: 9؛ 54: 1؛ 69؛ 5؛ خر ربا 47: 5. مع الخبز. أوريجان، تفسير 13: 26-29) أو بالحبّ (ترجوم نيوفيتيّ في عد 21: 18-20). أمّا الهرطقة، فهي مياه رديئة (مشناة، أبوت 1: 11. نسبت إلى أبتاليون، في القرن الأوَّل المسيحيّ). والنصوص الرابّينيَّة قابلت الروح بالماء(28) كما فعل يو 7: 37-39.

بعضهم أخذ الماء لكي يمثِّل المعموديَّة في يو(29)، وقرأوه كإشارة إلى العنصر الأسراريّ في اللاهوت اليوحنّاويّ وآخرون قرأوا الإنجيل في ضوء معارض للأسرار(30). اعتبر، Kysar Evangelist, p. 256 أنَّ التفسير الأسراريّ يفترض إبرازًا أوسع للأسرار تمَّ في نهاية القرن الأوَّل المسيحيّ. أمّا الشرّاح الذين يرون أنَّ يو يعارض الأسرار، ومنهم بولتمان مثلاً، فتوقَّفوا عند المزاحمة مع الشيع العماديَّة(31).

ب- توازيات مع عمادات أخرى

بالإضافة إلى موضوع الماء وارتباطه بسرِّ العماد، ففي الإنجيل الرابع، طريقةُ اليهود في فهم معموديَّة يوحنّا، ثمَّ تفسير يوحنّا لهذه المعموديَّة. ما من تقليد يهوديّ يعلن أنَّ المسيح أو إيليَّا أو النبيّ سوف يُعمِّدون (1: 25). بل الإنجيل الرابع وحده (1: 33). غير أنَّ عماد يوحنّا اختلف اختلافًا عن تطهيرات معاصرة، في معناه الإسكاتولوجيّ.

بعضهم قابل هذا العماد مع تطهير يهوديّ عاديّ. فهذا حاضر في التوراة كما في العالم المصريّ القديم (كتاب الموتى، 36) وبلاد الرافدين والطقوس الحثّيَّة(32). وتواصلت هذه العادة لدى الديانات السرّانيَّة. وممارسة العماد يذكرها يوسيفس (العاديّات 6: 235. وبالنسبة إلى الأسيانيّين، العاديات 18: 19) والنقود والحفريات الأركيولوجيَّة. منذ عهد الحشمونيّين والهيرودوسيّين، كما هو ظاهر في مصعدة وفي أورشليم (ربّما في جبل الزيتون). وقد عُرفت بشكل خاصّ في المدينة العليا وعلى جبل الهيكل. وتفوَّق أهلُ أورشليم في ذلك على سكّان المناطق، الذين يتطهَّرون فقط حين المجيء إلى أورشليم، ولاسيّما في وقت الأعياد.

ولكن مع أنَّ التطهير اليهوديّ والخلفيَّة الحضاريَّة الواسعة يمكن أن تكون سياقًا من أجل عماد يوحنّا، فهو لا يمكن أن يحدِّده ويفسِّره. فعماد يوحنّا في الأناجيل الإزائيَّة كان تدرُّجيَّا (تنشئة) وإسكاتولوجيَّا (بالنظر إلى النهاية). كان عمادًا في ضوء مجيء ملكوت الله. وتحدَّث آخرون عن عماد التنشئة في قمران كخلفيَّة لعماد يوحنّا وأولى ممارسات العماد المسيحيّ. ولكن مع أنَّ الأسيانيّين مارسوا العماد كجزء من التنشئة (يوسيفس، الحرب 2: 150)، فعماد التنشئة في قمران كان يُرى تغطيسًا تتبعه تغطيسات. فكلَّ يوم كان الأسيانيّون يغتسلون من أجل التطهير (المغارة الرابعة 512: 414 فتيتة 12).

ج- العماد علامة التوبة

مع أنَّ العماد القمرانيّ حمل بعض السمات الإسكاتولوجيَّة، في إطار جماعة تُقيم في البرّيَّة، فهو لا يفسِّر تفسيرًا تامٌّا العماد الفريد (لا يتكرَّر) وفعل التوبة من أجل حياة جديدة. لهذا، يجب أن نلتفت إلى توازٍ يهوديّ وثيق مع العماد المسيحيّ الأوَّل بالنسبة إلى المعمَّدين الجدد، ولكنَّ عماد يوحنّا يختلف عن عماد المهتدين اليهود الجدد: هو احتفاليّ، في اتِّجاه إسكاتولوجيّ. ويدعو اليهود معًا والوثنيين للعودة إلى إله إسرائيل. غير أنَّه لا يخرج من لا شيء، بحيث إنَّ عماد المهتدين يشكِّل أرضيَّة أولى.

يقدِّم طقسُ التوبة خطَّ انفصال، واضحًا ورمزيٌّا بين مهتدٍ جديد، في الماضي، من الأمم، واليهوديّ في الزمن الحاضر. فمع أنَّه عُرف أنَّ جماعات كثيرة (يوسيفس، أبيون، 1: 169-171؛ أرتابانيوس في أوسابيوس القيصريّ، التهيئة الإنجيليَّة 9/27: 10. ولكنَّه قال إنَّ المصريّين والأحباش أخذوا هذا الطقس من موسى! لا العكس) مارست الختان، فالعالم اليهوديّ ما زال يمارسه إلى اليوم كعلامة الدخول إلى العهد (تك 17: 10-14؛ خر 4: 22-23؛ سي 44: 20؛ يه 14: 10؛ 2مك 6: 10؛ 4مك 4: 25؛ يوسيفس، العاديّات 12: 256؛ 20: 44؛ وص لاوي 6: 3، 6-7)، وهذا بالرغم من اعتبار الرومان مثل هذا العمل شبيهًا بالخصاء. كان العماد والختان مطلوبَين من المهتدين الجدد إلى اليهوديَّة.

كان جدال في الجماعة البابلونيَّة بين رابّي يشوع ورابّي أليعازر: هل يكفي العماد وحده؟ هل يكفي الختان وحده؟ ويبدو أنَّ الاثنين يكونان معًا. وطُرح سؤال: هل العماد المسيحيّ سبق العماد اليهوديّ؟ رأيان مختلفان. رأي أوَّل يرى قلَّة المهتدين الجدد الذين تعمَّدوا فيعتبر أنَّ اليهود، في إطار انتشار واسع للرسالة على مثال الكنيسة الأولى، أخذوا بالعماد المسيحيّ كإعداد للختان. والرأي الثاني يورد المراجع: تحدَّث إبيكتات في نهاية القرن الأوَّل المسيحيّ عن اهتداء إلى اليهوديَّة، في الشتات، مع اغتسال bebaiommenou (baptw) رج يوسيفس، الحرب 2: 150. في الأقوال السيبليَّة (4: 162-165) أكَّد التنائيم قدم هذه الممارسة.

د- يوحنّا المعمدان والعماد الاهتدائيّ

دعا يوحنّا بني إسرائيل للعودة إلى الله، في طريقة اعتاد اليهود أن يقوموا بها لدى الوثنيّين المهتدين. مثل قمران، بل في رمزيَّة جذريَّة وعلنيَّة، تطلَّع يوحنّا إلى بقيَّة إسرائيل المعدَّة للربّ (مت 3: 9 = لو 3: 8)، وسعى إلى اجتذاب الشعب إلى التوبة. وخضوعه الكبير ليسوع، في الإنجيل الرابع، لا يخفِّف هذه الوظيفة، بل تصبح دعوتُه إلى التوبة مركَّزة على النهاية (1: 31).

إنَّ النظرة إلى مهمَّة يوحنّا تجاه بقيَّة إسرائيل، تبدو تفسيرًا معقولاً لوظيفة عماد يوحنّا. فالرباط بين عماد التوبة وبلاغ يوحنّا الكرستولوجيّ في الأناجيل الإزائيَّة، يبيِّن أنَّ تفسير 1: 31 يتوافق مع تقليد أوَّل. وبالنسبة إلى الجماعة اليوحنّاويَّة، التي طُردت (بيد أشخاص وجدوا نظرتهم الكرستولوجيَّة عرضة للرفض أكثر من النظرة إلى يوحنّا كنبيّ)، واقعُ مهمَّة يوحنّا العماديَّة جاء يعلن مجيء ملك إسرائيل (1: 31؛ 12: 13). والمؤمنون الحقيقيّون سيتعرَّفون إلى الملك (1: 47-49). ولكنَّ الآتين إلى يوحنّا، شأنهم شأن العالم (1: 10 ouk egnw) لا يقدرون أن يعرفوا ملكهم (1: 26 ouk oidate). الروح هو الذي يجعل الآخرين يعرفونه (1: 33 ouk hdein).

4- اعتراف يوحنّا بمن هو أعظم منه (1: 27).

يسوع يخلف يوحنّا (أو حسب قراءة 1: 30، هو تلميذ يوحنّا). ولكنَّه أعظم من يوحنّا بما يفوق الوصف. بعد أن نفى يوحنّا أن يكون المسيح أو إيليّا أو النبيّ (1: 19-21)، أكَّد أنَّ رسالته تقوم فقط في أن يُعدَّ الطريق لمن هو أعظم منه (1: 22-23). ويؤكِّد كم هو كبير ذاك الآتي بعده. هذا الامِّحاء ظاهر في الإنجيل الرابع، ولكنَّه ليس من اختراعه. فهو كالإزائيّين ينطلق من التاريخ لكي يُعلن اللاهوت. فالامِّحاء اليوحنّاويّ يمثِّل تقليدًا سابقًا ليوحنّا يشهد عليه الإزائيّون الثلاثة. إذا كانت إسكاتولوجيَّة المعمدان تجمع خيارات إسكاتولوجيَّة نموذجيَّة في أيّامه، فهو يؤمن، بلا شكّ، بوجه (أو: بوجوه) إسكاتولوجيّ أكبر منه. وإن تجاوبت الجموع معه كما تتجاوب مع وجه نبويّ آخر في أيّامه، فمن الطبيعيّ أن يوضح رفعة ذاك الآتي بعده، هنا كما في سائر الأناجيل.

ما عرف محاورو يوحنّا المسيح، ممّا جعلهم مع عالم لا يؤمن. أمّا يوحنّا فتنازل وخضع واصلاً إلى حلِّ سيور النعلين، كما يفعل العبيد. فكما النبيّ يُدعى »عبد الربّ« (2مل 9: 7، 36؛ 10: 10؛ 14: 25؛ عز 9: 11؛ أش 20: 3؛ إر 7: 25؛ 25: 4) وكذلك الملك داود (2صم 3: 18؛ 7: 5، 8، 19، 21، 25، 29) وموسى المشترع (خر 14: 31؛ عد 12: 7-8؛ تث 34: 5؛ يش 1: 1-2، 7، 13، 15)، هكذا يُصوَّر يوحنّا، وهذا شرف كبير له، لأنَّ مثلَ هذه العبارة، تعني القرب من الله. فكأنَّ الإنجيليّ يستبق ما سوف يقوله في 3: 29 (صديق العريس). نحن هنا في الكرستولوجيّا العليا مع كلام عن ألوهيَّة يسوع.

5- حاشية تاريخيَّة (1: 28)

عرض الإنجيل الرابع موضعًا لخدمة المعمدان، ذات مدلول لاهوتيّ (ليس في اليهوديَّة) غير أنَّ الهدف اللاهوتيّ لا يستنفد وظيفته (فالموقع الجليليّ يخدم الراوي اللاهوتيّ).

كانت خدمة المعمدان في بيرية، في عبر الأردنّ. ولكنَّ الكلام عن بيت عنيا يكون في إطار احتواء يتوازى مع استقبال يسوع في بيت عنيا (1: 1) المعروفة في التقليد (مر 11: 1، 11-12؛ 14: 3) والقريبة من أورشليم (يو 11: 18؛ 12: 1). هناك موضع حاش يسوع وآلامه وموته. وهكذا يرتبط عماد الربِّ في الأردنِّ بعماد آخر، فيه يَشربُ الربُّ كأسَ الآلام والموت (مر 10: 39).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM