مديح المحبّة.

 

مديح المحبّة

إذا أردنا أن نرغب في أعظم المواهب، نتطلَّع إلى المحبَّة التي تسمو عليها كلِّها. في 1 كور 9، كانت المحبَّة شرطًا لممارسة الحرّيَّة المسيحيّة. وهي هنا العلامة الصادقة والمستمرَّة للحياة المسيحيّة. إنَّها المعيار الأساسيّ للمسيحيّ. فالمواهب ليست شيئًا بدونها. إنَّها تشمل كلَّ الفضائل وتُجمل الحياةَ المسيحيّة. إنّها تتجاوز الإيمان والرجاء، وهي تدوم معهما.

يطرح بولس السؤال: ما هي أعظم المواهب؟ المحبّة ولاشكّ. فإن لم تكن المحبَّة حاضرة، فسائر الموهب لا تنفع جسد المسيح. لهذا يستطرد بولس في كلامه فيحدِّثنا عن سموِّ المحبّة، عن الأعمال التي يقوم بها من يحبُّ القريب، عن استمراريَّتها وبقائها. نحن نستغني عن الإيمان (سنرى الله)، عن الرجاء (ما نرجو حصلنا عليه)، ولكنّنا لا نستغني عن المحبَّة، لأنَّ الله محبَّة كما قال القدّيس يوحنّا في رسالته الأولى (8: 4، 16). لا يشير بولس بصورة مباشرة إلى محبَّة الله، ولكن تلك المحبَّة حاضرة بصورة ضمنيّة خصوصًا في آ13 بارتباطها بالإيمان والرجاء. ولكن يبقى الموضوع الأساسيّ: المحبَّة الأخويّة.

1- تحليل النشيد

نقسم هذا النشيد إلى ثلاثة أدوار (أو مقاطع) مع خاتمة.

* الدور الأوَّل (آ1-3): لا محبَّة عندي فأنا لا أنفع شيئًا. أعظم الأعمال والمآثر الغريبة، معرفة الألسن وأسرار الأرض والسماء، التضحية بالذات والموت حرقًا، والتمسُّك بالتعاليم حتّى التعصُّب: كلُّ هذا لا قيمة له بدون المحبَّة، والرباط مع الروح هو الكافل الوحيد لحبٍّ حقيقيّ صريح.

* الدور الثاني (آ4-7): نقرأ هنا 15 إعلانًا عن المحبَّة. المحبَّة تصبر وترفق، المحبَّة لا تعرف الحسد، المحبَّة لا تسيء التصرُّف.... لو وضعنا لفظة »مسيح« مكان»محبَّة« لحصلنا على صورة معبِّرة عن المسيح. فالمحبَّة هي حبُّ المسيح فينا.

ماذا يطلب الكورنثيّون؟ التفاخر، الكبرياء، المنفعة. لهذا جاء هذا النشيد بشكل هجوم عليهم، ومن خلالهم على كلِّ جماعاتنا ورعايانا. هناك 8 إعلانات إيجابيّة. ماذا تفعل المحبَّة؟ تصفح، تصدِّق، ترجو، تصبر... و7 إعلانات سلبيّة. ماذا لا تفعل المحبّة؟ لا تحسد، لا تسيء، لا تفرح بالظلم...

لا تهتمُّ المحبَّة بالنتيجة التي نحصل عليها من أجلنا ومن أجل منفعتنا. المحبَّة هي حضور الله نفسه في علاقاتنا مع الآخرين. على هذا الأساس سوف ندان.

* الدور الثالث (آ8-21): حينئذِ أعرف كما عُرفت، كما عرفني الله. فالمحبَّة وحدها تفتح قلبنا على مستقبل حقيقيّ. فالموت لا يدركها وهي تنتمي إلى الحاضر كما إلى المستقبل وتدعو إلى الكمال.

المحبَّة هي ثمرة الحياة المسيحيّة. إنَّها موهبة وقوّة وديناميّة. إنَّها الروح القدس في ملئه. إنَّها الطريق السميا التي تلهم المؤمن في حياته اليوميّة.

الخاتمة (آ31): المحبّة تسمو على الإيمان والرجاء. عبارات جديدة عن المحبَّة. وإن تطبيقاتها تتنوَّع بتنوُّع الظروف. ولكنَّ قوَّتها الكرستولوجيّة (بالنسبة إلى يسوع المسيح) والإكليزيولوجيّة (بالنسبة إلى الكنيسة) والتيولوجيّة (بالنسبة إلى الله) هي مستمرَّة. فلقاء بولس بالمسيح يوم كان يضطهد الكنيسة، قد كشف له قوَّة محبّة المسيح.

وهذا الحدث الحاسم في حياته، أتاح له أن يتقبَّل بفرح وقوّة ما تلقَّته الجماعات الأولى من المسيح والرسل. لقد أغنى بولس التقليد فأقام رباطًا قويٌّا بين الروح القدس والمحبَّة. إنَّ نشيد المحبَّة يكشف عن المسيح الابن، عن الله الآب، عن الروح القدس.

2- مفهوم المحبّة

المحبَّة (أغابي) تختلف عن الحبِّ الشهوانيّ والأنانيّ. هي حبٌّ اختياريّ يريد خير الآخرين. ينبوعها في الله الذي أحبَّنا أوَّلاً (1يو 4: 19) وأسلم ابنه ليصالح الخطأة معه (روم 8: 5) ويجعل منهم مختارين (أف 1: 14) وأبناء (1يو 1: 3).

نُسب هذا الحبُّ أوَّلاً إلى الله الآب، والحبّ هو طبيعته بعينها، فوجدناه على المستوى عينه عند الابن (روم 8: 25) الذي يحبُّ الآب ويتقبَّل محبَّته، كما يحبُّ البشر (يو 13: 1) الذين من أجلهم أسلم ذاته (غل 2: 20). الأغابي هي أيضًا حبُّ الروح القدس الذي يفيضها في قلوب المؤمنين فيعطيهم أن يتمُّوا الفريضة الأساسيّة في الشريعة، وهي محبَّة الله والقريب (مت 22: 37-40).

فمحبَّة الإخوة، ولو كانوا أعداء، هي النتيجة الضروريّة لمحبَّة الله، والبرهان الحقيقيّ أنَّنا نحبُّه (1يو 2: 17؛ 4: 20). هذه هي الوصيّة الجديدة التي أعطانا يسوع إيّاها (يو 13: 34-35)، والتي ما زال تلاميذه يعلِّمونها على خطاه. قال بولس الرسول: »لا يكن عليكم لأحد دين إلاّ محبَّة بعضكم لبعض. فمن أحبَّ غيره أتمَّ العمل بالشريعة« (روم 13: 8).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM