الفصل الحادي والثلاثون: الرسـالـة إلى غلاطيـة فـي إطــار التفسـير السريـانيّ.

 

الفصل الحادي والثلاثون

الرسـالـة إلى غلاطيـة فـي إطــار التفسـير السريـانيّ

 

حين نتعرَّف إلى التقليد السريانيّ على مستوى التفسير الحرفيّ الذي عرفته كنيسة أنطاكية، فاغتنت به كنيسة الرها وسائر الكنائس التي ارتبطت بالتقليد السريانيّ. في هذا الخطّ، نتذكَّر التأثير الكبير الذي تركه تيودور أسقف المصيصة، الذي تناقله المفسِّرون حتّى القرن العاشر وما بعد، ولاسيَّما مع إيشوعداد المروزيّ. والخطُ الثاني هو التوسُّع في النصِّ حتّى الإسهاب، والتلاعب على الصور والألفاظ بشكل نشيد يُنشد (مدراش) أو عظة تُقال (ميمر). أمّا الخطُّ الثالث الذي هو قريب من الأوَّل، فيتضمَّن أسئلة حول مقطع صعب أو نصّ أُشكل فهمه، ثمَّ الأجوبة المناسبة، ودائمًا في إطار الحرف الذي لا نحيد عنه إلاّ قليلاً. ولكن يبقى أفرام السريانيّ الذي عرف الخطَّين، الأوَّل والثاني، فريدًا في توجُّهه حين أراد الخروج من حرفيَّة الكتاب ليكتشف شخص المسيح في وجوه يرسمها العهد القديم، ونُظُم تنظِّم الجماعة فتصل بنا إلى كنيسة المسيح.

بعد أن نورد أسماء المفسِّرين بشكل عامّ، ونذكر مقاطع تشرح النصوص الكتابيَّة، نورد تفسير أفرام السريانيّ، ولاسيَّما في الرسالة إلى غلاطية.

1- بعض المفسِّرين السريان

لن نذكر ديودور الطرسوسيّ وتيودور المصّيصيّ، اللذين وصلت آثارهما إلى اللغة السريانيَّة، ولاسيَّما تفسير يوحنّا لتيودور الذي ضاع في اليونانيَّة، ولكنَّه انتقل إلى اللغة السريانيَّة. كما كانت بقايا من تفسير التكوين والخروج أفلتت من يد الحريق بعد المجمع الذي حَكم على الرؤوس الثلاثة الذين كان تيودور منهم.

نذكر أوَّلاً يعقوب السروجيّ (451-521) الذي بلغت قصائده 763 قصيدة، وأوَّلها المركبة التي يصوِّرها حزقيال في بداية نبوءته. في الواقع لم يبقَ لنا سوى 250 قصيدة، بعضها يصل إلى 3000 بيت، مثل الكلام على الأيّام الستَّة. لم يكن شرح يعقوب حرفيٌّا، كمعلِّم مع طلاّبه، بل توسُّع يغلب عليه الشعر، لا العمل النصوصيّ. اعتاد أن يورد الترجمة السريانيَّة البسيطة، كما عاد بعض المرّات إلى السبعينيَّة اليونانيَّة مع الذين لا يعرفون السريانيَّة. واستعمل يعقوب أيضًا الدياتسّارون أو الإنجيل الرباعيّ، الذي ألَّفه تاتيان السوريّ منطلقًا من الأناجيل الأربعة. سار يعقوب في خطِّ أفرام، فاتَّكل على الحدس، لا على البرهان العقليّ، واكتشف المعنى النمطيّ الذي يجعل المؤمن ينطلق من العهد القديم لكي يصل إلى المسيح. وكما فعل أفرام، فعل يعقوب الذي رأى في أفرام مثَله الأعلى: ميَّز بين المعنى الروحيّ (روحانَيا) والمعنى الحرفيّ والمادّيّ (فَغْرانيا)، أو على المستوى الجسد (بِسْرانايا)، أو على مستوى اللحم والدمّ.

ونذكر ثانيًا فيلوكسين المنبجي (440؟-523) الذي أشرف على نقل العهد الجديد من اليونانيَّة إلى السريانيَّة، في ما يُسمّى النقل الفيلوكسينيّ، سنة 507 أو 508. وكتب شروحًا للأناجيل اكتفى فيها بالمواضيع العامَّة التي تدفعه لإثبات عقيدة أو للجدالات ضدَّ خصومه. كما نذكر ساويروس الأنطاكيّ (459؟-538) الذي حملت خطبه، في ما حملت، تفسيرَ النصوص الكتابيَّة، التي تُقرأ في الآحاد.

وفي خطٍّ آخر، نذكر نرساي (399-502) الذي كان المعلِّم الكبير في نصيبين (صوبة الحاليَّة)، فترك لنا تفاسير على التكوين والخروج واللاويّين والعدد ويشوع والقضاة وسفر الجامعة والأنبياء الكبار (أشعيا، إرميا، حزقيال، دانيال)، والصغار (أي الاثنا عشر، مثل هوشع، عاموس). كما ترك 360 مقالاً (ميمرًا) شعريٌّا لكلِّ يوم من أيّام السنة. تتطرَّق هذه الميامر إلى الخلق في الأيّام الستَّة، ونوح وإبراهيم ويوسف...، كما تتوسَّع في نصوص العهد الجديد. ولكنَّنا لا نعرف إن كان عالج نرساي رسائل القدّيس بولس. وقدَّم يعقوب الرهاويّ (64-708) شروحًا موسَّعة حول العهد القديم وردت في السلسلات البيبليَّة أو التفسيريَّة. ويبقى الوجه الأوسع إيشوعداد المروزيّ الذي عاش في القرن التاسع، فكان أفضل ممثِّل للتأويل النسطوريّ. ارتبط ارتباطًا قويٌّا بالحرف، وبحث دومًا عن المعنى التاريخيّ، فتبع بأمانة تيودورس المصّيصيّ. هاجم التفسيرَ الاستعاريّ (أو الأليغوريّ) عند أوريجان، واعتبره »يقود إلى الكفر والتجديف والكذب«. نعرف من تفاسيره ما يتعلَّق بالعهد القديم والأناجيل بشكل خاصّ. ويجدر القول إنَّ هذا الكاتب النسطوريّ قد تبعه عدد من »اليعاقبة« مثل موسى بركيفا (القرن العاشر) الذي شرح العهدين القديم والجديد (ولاسيَّما حول الأيّام الستَّة)، وديونيسيوس الصليبيّ (القرن الثاني عشر) الذي شرح معظم أسفار العهد القديم وجميع أسفار العهد الجديد حتّى الرؤيا. واعتمد في شرحه على المعلِّمين الذين سبقوه في العالم السريانيّ كما في العالم اليونانيّ مثل أفرام، الذهبيّ الفم، أثناز، باسيل...

2- معلِّمون ثلاثة

نورد هنا نصوصًا من معلِّمين ثلاثة: أفرام، نرساي، يعقوب السروجيّ.

- عاش أفرام خلال القرن الرابع، وكان معلِّمًا كبيرًا ترك وراءه المؤلَّفات، وتتلمذ على يده التلاميذ في حياته وفي مماته. ونودُّ أن نورد هنا مقطعًا من تفسيره لسفر التكوين، فنكتشف طريقة التفسير السريانيّ المرتبط بالتفسير الأنطاكيّ.

»وبعد أن تكلَّم عن خروج آدم من الجنَّة، وعن الكروب وسنان الحربة التي جُعلت بشكل سياج للفردوس، عاد ليكتب عن ولادة قايين وهابيل وعن قربانيهما فقال هكذا: »وعرف آدم حوّاء، فولدت قايين«. وقالت: »اقتنيت رجلاً«، لا بالنسبة إلى آدم الذي عرفها، بل بالنسبة إلى الربِّ الذي صوَّره في حشاها. وأضافت بالنسبة إلى ولادة هابيل. وكان هابيل راعي غنم وقايين فالحًا في الأرض. وكان بعد أيّام على نموِّهما، في الرعاية والفلاحة، أن أتى قايين بثمار الأرض قربانًا للربّ، وأتى هابيل بأبكار غنمه وبسمانها. تصرَّف هابيل بتمييز وقايين بلا تمييز. اختار هابيل (قربانه) من الأبكار والسمان وأتى به. أمّا قايين فجاء بسبلات قمح، فكان قربانه أصغر من قربان أخيه. ولو لم يأتِ به باستخفاف، لكان قُبل مثل قربان أخيه. بفرح قرَّب، واحدٌ من حملان غنمه الأبكار، وآخر من ثمار أرضه. استخفَّ قايين في البداية بقربان قرَّبه، لم يرضَ الله أن يقبله منه، لكي يعلِّمه كيف يكون ذاك الذي يقرِّب. فقد كان لقايين الثيران والعجول، وما نقصه حيوان أو خير يقدِّمه. لكنَّه لم يقرِّب هذه في يوم البواكير الذي فيه تقرَّب غلالُ الأرض.

- ونأخذ من نرساي مثل العذارى العشر (مت 25: 1-13).

حمدًا للختن الذي عظَّم أحبّاءه وأدخلهم إلى جنّات الملكوت.

ما أحسن التأمُّل في كلمات الروح الموضوعة في الكتب،

وما أجمل تعليم إنجيل ملكوت العلاء،

فحبُّه يوزِّع الخيرات الصالحة لمن يحبُّه.

كنزٌ عظيم أخفيَ في حروف كلماته،

فمن يقرأها قراءة بحبّ وود يغتني إلى الأبد...

يشبه ملكوت العلاء عشر عذارى

ينتظرن بالقناديل لقاء الختن.

خمس منهنَّ كنَّ حكيمات في مخافة الحقّ،

وخمس جاهلات في ما يليق بالكمال.

أخذت الحكيمات زيتًا مع القناديل،

وما اهتمَّت الجاهلات بأن تأخذن زيتًا...

والآن، بعد أن انتهى الفم الحيُّ من الكلام،

لنقترب ونطلب المعنى الخفيّ في أقواله.

ويطرح نرساي الأسئلة لكي يفهم النصَّ ويطبِّقه على سامعيه.

- ونورد شيئًا من يعقوب السروجيّ حول الميلاد.

نشيد الملائكة المثلَّث بحسب علمهم الإلهيّ.

يجب عليَّ اليوم أن أقول بكلمات مملوءة تمييزًا مع الأجواق العلويَّة: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر (لو 2: 14). اليوم سمعَ هذا النشيدَ العظيم والمثلَّث الأصوات، الطغماتُ الروحانيَّة التي قسَّمته بمعرفة إلهيَّة. فأعطت السماء المجد، والأرض السلام، والبشر الرجاء...

المجد لله في الأعالي. فالمكان الذي أُدرك أوَّلاً كان أوَّل من قِبَل التسبحة. فالملائكة الذين هم أوَّل المشاركين في السرّ، يكونون أوَّل المادحين. وبما أنَّ السلام في الأعالي، فليسبِّح هؤلاء دون أن يغضبوا.

ليس على الأرض من سلام. فليكن أوَّلاً سلام على الأرض، وبعد هذا يكون المجد. إن لم تُستأصل لعنةُ الأشواك (تك 3: 18) من الأرض بالصليب، لن تُزرَع فيها تسبحة العلويّين. ليأتِ السلام الآن، وليَقُم في قلوب الغضوبين. حينئذٍ تخرج نبتة التسبحة منا لتسبِّح الأرضُ الله على مثال السماء...

لم يكن للبشر رجاء. سقطوا من درجة الأبناء (روم 8: 15-17؛ غل 4: 5). طُردوا بعيدًا من بيتوتة بيت الله. أخجلهم تجاوزُ الوصيَّة، فصاروا غرباء عن بيت الآب. رُذلوا من علاء جنَّة عدن، فقبلتهم الجحيم وهوَّةُ الموتى... ولكن حين أراد الآب أن يكشف عن رحمته الأزليَّة والسماوية له، أرسل ابنه إلى العالم، فكان من امرأة (غل 4: 4). فكما أنَّه بمجيء الخطيئة فُتح الباب للنعمة، كذلك أحسَّ الملائكةُ أنَّ عليهم أن يقولوا: منذ الآن سيكون الرجاء الصالح للبشر. فبالابن مُحيَ تجاوزُ الوصيَّة، وبه أُلغي الحكم، وبه أعفينا من الدَين، به تمزَّق الصكُّ (كو 2: 14)، وبه فُتح الفردوس...

3- أفرام وتفسير الرسالة إلى غلاطية

ترك أفرام السريانيّ عددًا من التفاسير الكتابيَّة. أمّا تفسيره لرسائل بولس الرسول، فلا نجده سوى في ترجمة أرمنيَّة نقلها الآباء المخيتاريّون إلى اللاتينيَّة، وطبعوها في البندقيَّة سنة 1893. ونحن ننقله من هذه النسخة لنقدِّم تفسير رسالة القدِّيس بولس إلى أهل غلاطية.

***

المقدمة إلى الرسالة

ما كان لسامعي بولس الغلاطيّين أن يحفظوا فرائض الشريعة التي ألغاها صليب المسيح، بل أن يؤمنوا بالثالوث، وأن يكرزوا بالإنجيل الجديد. جاؤوا من عند العبرانيّين، فما عليهم أن يبعدوهم (= الغلاطيّين) عن الإنجيل الذي كرز به بولس، ولا أن يُعيدوا المحرَّرين من نير الشريعة، بالنعمة، فيضيفوا إلى هذه الفرائض فرائض العهد القديم. افتخروا باسم سمعان (بطرس) الذي امتاز في خدمة الختان، فبدأ بولس يكتب إليهم قائلاً:

الفصل الأول

بولس رسول، لا من الناس. يعني لا من سمعان، ولا بواسطة سمعان. بل بيسوع المسيح الذي كشف لي عن نفسه، على طريق دمشق. والله الآب الذي أقامه من الأموات. وهكذا يفضح بقيامته جميع الهراطقة الذين ينكرون قيامته.

إلى كنائس غلاطية. سواء الذين ضعفوا بسبب العبرانيّين أو أولئك الذين لم يضعفوا.

نعمة لكم وسلام من الله أبينا الذي دعاكم إلى التبنّي. ومن ربِّنا يسوع المسيح، لا بواسطة ربِّنا يسوع المسيح.

الذي بذل نفسه لأجل خطايانا، لينقذنا من الدهر الحاضر الشرّير. أي من الشرور التي تتواصل في هذا الدهر (أو العالم)، حسب إرادة الله أبينا، لكي تتجلّى في القيامة نعمة الآب والابن، التي حصلت في العالم.

أتعجَّب أنَّكم هكذا سريعًا تنتقلون، لا منّي، بل من الذي دعاكم بواسطتي، بنعمته، لكي تبتعدوا إلى إنجيل آخر.

مع أنّي أظنُّ أن يكون هذا الكلام من كرازة بطرس، إلاّ أنَّ ليس (إنجيلٌ) آخر. بعد أن تمَّ زمنُ الشريعة الذي فيه حصلت الكرازة. ليس هو آخر. فلا مسيح آخر ولا حقيقة أخرى. فالبشر، في مسرَّتهم، يريدون أن يحوِّلوكم عن إنجيل المسيح.

فإن رأيتم فضائل عندهم، أو هم دعوا أنفسهم تلاميذ سمعان فسحروكم بكلامهم، وإن أنا بنفسي جئتُ وسرتُ بينكم مع إنجيل آخر، أو ملاك، الذي لا ينزل بلا شكّ، ومع ذلك نزل بسبب هذا لكي يضيف أو ينقص ما أعطيتكم إيّاه، فليكن محرومًا.

لا يمالقكم بالختان الكارزون بالختان. فإن كنت أرضى بالكهنة الذين لم يعلِّموني، فأنا لست بعد عبد المسيح كما أرى نفسي الآن.

فهذا الإنجيل الذي أنا أبشرِّكم به، لم أقبله من البشر مثل معلِّميكم الجدد الذين يسيئون إليكم ويشدِّدون. فهذا الوحي الذي أُعطي لي، مال بي كلِّيٌّا، بعد تحوُّلي عن اليهوديَّة.

سمعتم أنّي اضطهدتُ كنيسة الله فوق كلِّ حدّ، فخرَّبتُ ودمَّرتُ، وكم تقدَّمت في (الديانة) اليهوديَّة على جميع أترابي في أمور الشريعة. فلمّا أراد الله الذي اختارني من بطن أمّي، جعلني لا أضطهد بعد، بل أتحمَّل الاضطهاد في كنيسة المسيح، وأن أبشِّر بالمسيح، لا في الشعب (اليهوديّ) بل في الأمم (الوثنيَّة).

لم أصعد إلى أورشليم، إلى الرسل، ولا مضيتُ إلى من لم يرسلني، بل انطلقت إلى عرابية ودمشق الأمم.

ثمَّ، بعد ثلاث سنوات، جئتُ إلى أورشليم، لا لأتعلَّم الإنجيل من بطرس، بل لأرى بطرس ومكثتُ عنده خمسة عشر يومًا.

ما نلتُ منه شيئًا جديدًا، ولكن جئتُ بهذه الكرامة إلى أقاليم سورية وكيليكية.

كنتُ غير معروف لدى الكنائس التي ارتبطت بالختان، في المسيح. أمّا أنا فما عدتُ أسيرُ في هذه الطريق بعد الوحي.

غير أنَّهم كانوا يسمعون أنَّ الذي كان يضطهدنا قبلاً جاء الآن يبشِّرنا بالإيمان الذي كان يحتقره من قبل ويحاربه.

ومجّدوا الله فيَّ بسبب التجديد العظيم الذي أحدثه فيَّ.

الفصل الثاني

بعد هذا، بعد أربع عشرة سنة، صعدتُ أيضًا إلى أورشليم.

لا بأمر بل بوحي، فأريتهم، أمام تيطس، الإنجيل الذي أبشِّر به بين الأمم. تكلَّمت بدقَّة عن الوحي الذي أرسلني، لئلاّ أكون سعيتُ باطلاً عبر هذه البشارة.

أمّا تيطس الذي لم يكن من الأمم، فلم يكن حقٌّا منّا لكي ينال الختان في أورشليم، كما ألحَّ الإخوة الكذبة الذين أرادوا أن يُذلُّونا بالحرِّيَّة التي لنا في المسيح، في عبوديَّة الشريعة.

فلم نذلّ ولا لفترة واحدة أنفسَنا في الخضوع للشريعة، كما قلتُ. وهكذا تكونون مقتدين بنا ولا تنحنون، بحيث نُثبت عندكم حقيقة الإنجيل التي بشَّرناكم بها.

فالذين اعتبروا أنَّهم يفتخرون في شيء، فليلاحظوا القديم مع الجديد كيف ما كانوا وفي أيِّ معنى. فأنا لا أهتمُّ بهم. فالله لا يعرف أن يحابي وجوه البشر الذين يظنُّون أنَّهم يرضونه حين يمارسون الشريعة وختان إبراهيم.

فهؤلاء عارضوني حين رأوا أنّي أمين للإنجيل بين الأمم، بدون الختان، كما كان بطرس أمينًا في إقناعهم بإنجيل الختان.

فالذي قوّى بطرس في رسالة الختان لكي يعلِّم المختونين بهذه الأمور، أرسلني لأعلِّم الأمم بدونها.

فلمّا علم بطرس ويعقوب ويوحنّا، الرؤساء بين الرسل، الذين كانوا في الحقيقة عُمدَ الكنائس، لم يُخفِّفوا شيئًا، ولم يضيفوا شيئًا إلى ما كشفته لهم بالنسبة إلى كرازتي في الأمم، بل وافقوا، فأعطوا يدهم لي ولبرنابا، بحيث نكرز في الأمم، كما أمرنا، وهم في الختان، كما أمروا.

ولم يطلبوا منّا سوى شيء واحد: أن نهتمَّ بالفقراء الذين وسط الأمم، وهذا ما فعلناه حقٌّا. وأن نهتمَّ اهتمامًا بالفقراء الذين في أورشليم، ففعلتُ وأتتمت كما طُلب منّي. فلأنهم أعداء الصليب، لم يراعوا أولئك الأمم، أحبّاء المسيح، لكي يُضيفوا على نقصهم...

***

نتوقَّف هنا، بعد أن أعطينا فكرة عن الطريقة التي بها عاد أفرام السريانيّ إلى النصِّ الكتابيّ جملة جملة، وحاول أن يقدِّم تعليقًا لا يبتعد كثيرًا عن الحرف، بل يكتفي بأن يُدخل القارئ في مناخ هذه الرسالة التي تميِّز المسيحيَّة كلَّ التمييز عن التيّارات اليهوديَّة. فالخطر ما زال يتهدَّد كنيسة السريان بسبب التأثير الكبير الذي يؤثِّره اليهود، بحيث كانوا السبب في اضطهاد قاساه المسيحيّون في أرض فارس، فاندثروا. لهذا، كان أفرام قاسيًا عليهم، ولاسيَّما في مدارشه، لكي يحذِّر المسيحيّين ممّا يمكن أن ينالوه من ضرر منهم.

خاتمة

تحدَّثنا عن التفسير السريانيّ بشكل عامّ، وذكرنا بعض الأمور السريعة. أمّا لماذا لم نتحدَّث عن آباء شرحوا الرسالة إلى غلاطية؟ فلأنَّ رسائل القدّيس بولس لم تفسّر كثيرًا في العالم السريانيّ، الذي شدَّد بالأولى على أسفار العهد القديم، ثمَّ على الإنجيل. ثمَّ إنَّ هذا التراث التفسيريّ ما زال حتّى الآن في غياهب المخطوطات ولم يظهر إلى الوجود، كما كان الأمر بالنسبة إلى التراث اليونانيّ أو التراث اللاتينيّ. فهل يكون السبب، في ما يتعلَّق بالمدارش والميامر، نقصًا في الصور والأخبار، ولا يساعدُ الشعراء مثل يعقوب السروجيّ أو نرساي وغيرهما، على الترسُّل في الكلام؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM