الخاتمة
تلك كانت مسيرتنا في رفقة القديس بولس، ونحن نستعدّ لأن نعيّد مولده بعد ألفي سنة من الزمن. مسيرة بدأت ولا بدّ أن تتواصل، لأن مثل هذا الرسول لا يستنفده كتابٌ واحد مهما كان ضخماً. فلو عرفنا عدد الكتب والمقالات حول القديس بولس وما تركه من آثار، لانْذَهَلْنا. لا في اللغة العربيّة، وهذا ما يؤسف له، بل في اللغات الغربيّة، وصولاً إلى اللغة الكوريّة واليابانيّة. فأردنا نحن أن ندخل في هذه المسيرة واضعين حجراً ولو صغيراً في هذا البناء الذي اسمه دراسة الكتاب المقدس مع شخص بولس الرسول.
خمسة أقسام كانت في كتابنا. بدأنا فتعرّفنا إلى ذلك الرسول الذي كان ابن طرسوس بحضارته اليونانيّة، وابن أورشليم بحضارته اليهوديّة. ولكن رسالته سوف تنطلق من انطاكية يوم »صاموا وصلّوا ووضعوا أيديهم على (بولس وبرنابا) وصرفوهما« (أع 13: 3).
وفي القسم الثاني، قرأنا الرسائل: تلك التي كتبها بولس بيده أو أملاها بفمه، فدعوناها الوثوقة، لأننا واثقين من صحة نسبتها إلى الرسول. ثم تلك التي خرجت من المدرسة البولسية، فكانت صوتَ بولس وكلمته بعد أن صار ذبيحة اريق دمها ورحل، بعد أن جاهد الجهاد الحسن وأتمّ شوطه، بعد أن نال الإكليل (2 تم 4: 6-7).
وقدّم القسم الثالث الأبحاث القصيرة والدراسات حول مواضيع وصلت بنا إلى القرن الحادي والعشرين: ماذا يقول الباحثون اليوم في مَن دُعي رسول الأمم؟ وما هي النظرة التي يمكن أن تنير الطريق لأولئك الذين يستعدّون للسفر في الألف الثالث، بعد أن خافوا من الألف الثاني وما يخبّئ لهم من »كوارث ومخاوف«. هم نسوا ونحن نسينا أن الربّ الذي جاء، حين تمّ الزمان (غل 4: 4)، مولوداً من امرأة، سوف يأتي في »مجد عظيم ليدين الأحياء والأموات«. ولكن بين مجيء ومجيء، هو حاضر معنا إلى نهاية العالم.
وقبل الوصول إلى الآباء، كانت نصوص وقراءات. ففي النهاية، وبعد كل ما يمكن أن يقال عن بولس وعن الأماكن التي مرّ فيها، ينبغي هنا الوصول إلى نصوص الرسائل البولسيّة لنستقي منها الحياة. فإن كانت لنا أربعة أناجيل، أربعة »كتب« تقدّم لنا البشارة والخبر الطيب، فنحن لا ننسى »انجيل« بولس الذي حمل إلينا أيضاً »البشارة« بأن الله تبنّانا منذ القديم، ومنحنا غفران الخطايا بابنه الحبيب، وختمنا بروحه القدوس، لكي يمدح المؤمنون مجده (أف 1: 6، 12، 14). من أجل هذا لم تخطئ كنيسة انطاكية، بل كنائس انطاكية الحاضرة، حين جعلت قراءة الرسائل البولسيّة في كل ليتورجيّاتها. قدّمنا هنا بعض النصوص، فكانت الباكورة. وكم نتمنّى على القارئ أن يعود إلى كتب أخرى تشرح هذه »الرسائل«، رسالة رسالة، فتساعده على اكتشاف الغنى العميق لدى ذاك الذي كتب إلى المدن القديمة فسمعتها المدن الحديثة. وهكذا وصل صدى كلام الرب إلى أقاصي الأرض.