الفصل الخامس عشر: من بولس إلى شركائه في نعمة الله.

 

الفصل الخامس عشر

من بولس إلى شركائه في نعمة الله

إنّ ما يلفت انتباهنا حين نقرأ فل هو طابعها الشخصيّ الشديد. فلقد أعطي لنا في هذه الرسالة أكثر من غيرها، أن نحسَّ بدقّات قلب بولس. لا شكَّ في أنّ كنيسة فيلبّي لم تكن خاليةً من كلِّ عيب، ولكنّ الرسول ما كان ليشكَّ في أمانتها الأساسيّة للإنجيل وصدقِها تجاه شخصه. هذه الصراحة جعلت بولس يحبّ الفيلبّيّين ويسكب لهم من قلبه عواطفَ عميقة.

1- مدينة فيلبّي

كانت فيلبّي، في أيّام بولس، تقع على هضبة تقابل مكدونية الشرقيّة. أحاط بها الجبال فما وجدت لها منفذًا إلاّ من جهة الغرب حيث يمرّ نهر أجنيتيس الذي يشقُّ مجراه بين جبلين. واتّصلت فيلبّي ببحر إيجه بواسطة طريق تعبر جبل سمبولون وتصل إلى نيابوليس المدينة الجديدة (أع 16: 12)، بعد ثلاث ساعات أو أربع من السير على الأقدام.

يشتقُّ اسم فيلبّي من فيليب الثاني ملك مكدونية ووالد الإسكندر الكبير الذي حوَّل أماكن مغمورة إلى مدينة محصَّنة، سنة 358-357. كانت المنطقة غنيّة بمعادن الذهب، وهذا ما زادَ أموال الملك وجلب إليها السكّان. وفي سنة 169، انتصر إميل الرومانيّ على برسيس ملك مكدونية وحوَّل بلاده إلى مقاطعة رومانيّة وقسَّمها مناطق. وشكَّلت فيلبّي جزءًا من المنطقة الأولى بعاضمتها أمفيبوليس (أع 17: 1). وبعد سنة 148 صارت مكدونية إقليمًارومانيٌّا، وكانت فيلبّي مدينة ومحطَّة على الطريق الاغناتيّة المهمّة التي تربط الشرق والغرب عبر ألبانيا الحاليّة. وخلال القلاقل الداخليّة التي حصلت في القرن الأوّل ق.م.، انتصر أنطونيوس وأوكتافيوس. في سهل فيلبّي، سنة 42، على المدافعَين عن الجمهوريّة اللذين قتلا يوليوسَ قيصر، وهما بروتُس وكاسيوس. وما إن انتهت المعركة حتّى بدأ أنطونيوس يجعل من فيلبّي عظمى المدائن (رج أع 16: 12)، وتابع العمل أوكتافيوس الذي صار أغوسطس بعد انتصاره على أنطونيوس في أكسيوم، سنة 31 ق.م. فأسكن المدينةَ جماعة من قدماء الحرب الذين رافقوه في انتصاراته وجعل فيلبّي مدينةً رومانيّةً يسود فيها الحقُّ الإيطاليّ، فكانت تُعامَل كما تُعامَل مدن إيطاليا.

وعى السكّان وضعهم: إنَّهم رومانيّون (أع 16: 21)، ولكنّهم من جنسيّات مختلفة: فهناك أهل البلاد الأصليّون، والجنود القدامى الذين جاء بهم أوكتافيوس، والمهاجرون الإيطاليّون الذين تحزَّبوا لأنطونيوس فخسروا أملاكهم لصالح محازبي خصمه. تنوَّع السكّانُ وتنوَّعت العبادات: فهناك عبادة الإمبراطور بوظيفتها الموحَّدة، وهناك عبادة التراقيّين، السكّان الأصليّين، وعبادات أهل اليونان والأناضول وسورية ومصر. وشكَّل هذا كلُّه مزيجًا تلفيقيٌّا بدا العالم اليهوديّ تجاهه حقيرًا مع عبادته التوحيديّة.

هكذا بدت فيلبّي حين أمَّها بولُس وجعل منها أوّل مدينة أوروبيّة تتقبَّل بشارة الإنجيل. أمّا اليوم ففيلبّي تلَّةٌ من الدمار بعد أن عاث الأتراك فيها.

2- جماعة فيلبّي

إنّ المرحلة التي يشكِّلها تأسيس جماعة فيلبّي للمسيحيّة هامّة جدٌّا. فهي الحقلُ الذي زُرعت فيه أولى بذور الإنجيل. ولقد أبرز كاتبُ سفر الأعمال تبشير فيلبّي، فروى كيف أنَّ بولس حظيَ برؤية ليليّة حين كان في ترواس من آسية الصغرى. بدا بولس كالآباء الأوّلين المتنقِّلين من مكان إلى آخر، فوجَّهه الله بطريقة عُلويّة: »رجل مكدونيّ قائمٌ لديه يتوسَّل إليه فيقول: أُعبُر إلى مكدونية وأغثْنا« (أع 16: 9).

فعبر بولس شمالي بحر إيجه برفقة سيلا وتيموثاوس، وبعد أن توقَّف في ساموثراكية وصل إلى نيابوليس. حينئذٍ سلك الطريق الأغناتيّة ووصل إلى فيلبّي. وما مضت أيّامٌ حتّى ذهب بولسُ ورفيقاه إلى خارج المدينة وانضمّا إلى الجماعة اليهوديّة الصغيرة التي كانت تصلّي على شاطئ النهر، يوم السبت. اجتمعت النساءُ هناك فتوجَّه إليهنّ بولسُ بالكلام. وكان بينهنَّ امرأةٌ أصلها من ثياتيرة في ليدية، ولهذا سُمِّيت ليدية، وكانت تبيع الأرجوان. كانت وثنيّة تتعبَّد لله، أي إنّها كانت تتعاطف مع الديانة اليهوديّة وتمارس بعض فرائضها. فقبلت الإنجيل الذي بشَّر به بولسُ ونالت سرَّ المعموديّة مع أفراد أسرتها، واستضافت في بيتها المرسَلين الثلاثة (أع 16: 11-15).

كنّا نتمنّى أن يتابع سفر الأعمال خبره كما بدأه، فيرود لنا كيف قام المبشِّرون بعملهم. ولكنّه روى لنا فقط بعض الأحداث. تبعتهم عرّافة فأخرج منها الروح الشرّير، فكلّفه عملُه السجن هو وسيلا. ويحدِّثنا النصُّ عن نجاتهما وعماد السجّان وأفراد أسرته. بعد هذا، أطلق الحكّامُ سراح الرسولَين وأمروهما أن يغادرا المدينة. مهما يكن من هذه الأخبار التي نمَّقها الكاتب، لا شكّ في أنَّ إقامة بولس الأولى في فيلبّي رافقها الألم والاضطهاد. وهذا ما يشير إليه الرسول مرّتين (1: 30؛ 1تس 2: 2)، كافلاً صحّة أقوال أعمال الرسل. أجل، لم تَسِر الأمور بالنسبة إلى المرسلين كما يجب، فأُجبروا على مغادرة المدينة متَّجهين إلى تسالونيكي (أع 17: 1).

متى تأسَّست كنيسة فيلبّي؟ إذا عدنا إلى تاريخ سيرة القدّيس بولس يمكننا أن نحدِّد هذا التأسيس في العام 50. وهكذا تكون البشارة الإنجيليّة وصلت إلى أوروبّا عشرين سنة بعد موت يسوع وقيامته.

وسيمرّ بولس بعد ذلك مرّتين في فيلبّي. المرّة الأولى نستنتجها من الخطّ الذي اتّبعه في رحلته الرسوليّة الثالثة. أتراهُ عبَر مكدونية ولم يسلِّم على الكنائس المحلّيّة؟ يبدو الأمرُ صعبًا (1كو 16: 5؛ 2كو 2: 13؛ 7: 15). أمّا المضايقات التي قاساها هناك (2كو 5: 7)، فلا يمكنها أن تأتي من كنائس امتدح بولسُ شجاعتها وسخاءَها (2كو 8: 2). أمّا المرّة الثانية فيوردها سفر الأعمال (20: 6): لم يُبحِر بولسُ من جنوبي اليونان كما كان قد تقرَّر (رج أع 18: 18)، فأُجبر على أن يدور في مكدونية بسبب مؤامرة دبَّرها عليه اليهود. قال لوقا: أبحرنا من فيلبّي... وسيصل إلى أورشليم.

3- من أين كتب بولس رسالته إلى الفيلبّيّين

عرَفنا من سفر الأعمال أنّ بولسَ سُجن مرَّتين: الأولى في قيصريّة فلسطين (أع 23: 33-26: 32). والثانية في رومة (أع 28: 16-31). غير أنَّ الرسائل التي كتبها في السجن، لا تُشير إلى المكان الذي سُجن فيه.

تذكر لنا 2تم أنَّ ساعة رحيل الرسول اقتربت (4: 6). فمهما يكن من أصل هذه الرسالة والرسالتَين الراعويّتين الأخريَين، فإنّ 2تم دُوِّنت في رومة حيث يقول التقليد إنَّ بولس استُشهد. أمّا الرسائل إلى الأفسسيّين والكولسيّين وفيلمون، فقد كُتبت في وقت واحد، أقام فيه بولس في السجن، والدليل على ذلك العلاقات بين فلم وكو من جهة، وبين أف وكو من جهة ثانية. ولكن عن أيِّ أسرٍ نتكلَّم؟ يظنُّ معظم الشرّاح أنّه أسرُ رومة. والسبب في اعتقادهم ذلك أن يُبعدوا كو وأف في الزمن عن الرسائل الكبرى ليُتيحوا لبولس أن يتطوَّر فكرًا وأسلوبًا.

وتبقى فل التي دُوِّنت في خطّ الرسائل الكبرى. كان الشرّاح يقولون حتّى القرن التاسع عشر إنّ فيلبّي كُتبت خلال الأسر في رومة. ولكن تبدَّلت الحال الآن فتساءل الشرّاح: هل كتبَ بولسُ إلى فيلبّي رسالةً واحدة؟ وبحثوا عن مكان آخر سُجن فيه بولس وكتب رسالةً إلى الفيلبّيّين. هنا تبرز أفسس كمكانٍ ثالثٍ سُجن فيه بولس ومنه كَتب فل.

نعرف أنّ بولس أقام ثلاث سنوات في أفسس، وهي مدينة في آسية الصغرى، خلال رحلته الرسوليّة الثالثة (أع 19: 1-20: 1). يحدِّثنا أع عمّا حصل لبولس في هذه الأماكن. ولكنَّه لا يشير إلى أنَّه سُجن. أمّا 1كو التي دُوِّنت في نهاية إقامة بولس في أفسس (فصح 57) فهي تذكر الأخطار التي تعرَّض لها بولس من أجل الإنجيل والتي تشكِّل في نظره برهانًا أنّه يؤمن بقيامة الموتى. قال: »ولماذا نتعرَّض نحنُ للخطر كلَّ حين؟ فإذا كنتُ صارعتُ الوحوش لغرض بشريّ، فما الفائدة لي؟ وإذا كان الأموات لا يقومون، فلنقل مع القائلين: تعالَوا نأكُلُ ونشربُ، فغدًا نموت« (1كو 15: 30، 32).

لقد فهم بعضُهم هذه المصارعة مع الوحوش بطريقة حرفيّة واعتبروا أنّ لوقا، كاتبَ الأعمال، جهل أنّ بولسَ بارز الوحوش في الحلبة. ولكن ليس من المعقول أن نفهم 1كو 15: 33 على هذا الشكل لأنَّ مصارعة الوحوش كانت مهنةً صعبة لا قِبَل لبولس بها. وإن فهمنا العبارةَ أنَّ بولسَ قُدِّم للوحوش مثل إغناطيوس الأنطاكيّ، لكانت الوحوش افترسته. ثمّ إنّه لا يُمكن أن يُلقى أمام الوحوش لأنَّه مواطنٌ رومانيّ. ولهذا فهم بعضُهم هذه العبارة على أنّها تدلُّ على معاملةٍ سيِّئة تعرَّض لها بولس. ولكنَّ هذه المعاملة لا تدلُّ بالضرورة على السجن.

إذًا، هل كتب بولسُ إلى الفيلبّيّين من رومة؟ ففي 1: 13 يعلن: »إنَّ وجودي في السجن من أجل المسيح ذاع خبره في دار الحاكم وسائر الأماكن كلِّها«. »دار الحاكم« تدلُّ على خيمة القائد في الجيوش الرومانيّة. أمّا في الإنجيل فتدلُّ على قصر الوالي بيلاطس (مر 15: 16؛ مت 27: 27؛ يو 18: 28، 33). ونذكر أنَّ هناك واليًا آخر اسمُه فيلكس سجَن بولسَ في قيصريّة في دار هيرودُس (أع 23: 25)، أي في القصر الذي بناه هيرودس الكبير كَدارِ ضيافة لممثِّل رومة. ولكنّ الكلمة تعني مكانًا يُقيم فيه الجنود وتعني الجنودَ ذاتَهم، أي الحرس الإمبراطوريّ الذي توزَّع في رومة وسائر مدن الإمبراطورٍيّة ومنها أفسس. إذًا لا تدلُّ »دار الحاكم« على أنّنا في رومة. ولا نستطيع أن نستنتج أيَّ شيء من العبارة »يسلِّم عليكم حاشيةُ قيصر« (4: 22). فهذه العبارة تدلُّ على الحشم الذين يهتمّون بممتلكات الإمبراطور في رومة، أو في سائر مدن الإمبراطوريّة. وهكذا لا نجد البرهان الوافي على أنَّ فل كُتبت في رومة.

ثمّ إنَّ رومة تبعد عن فيلبّي مسافة 1300 كلم، وهذا ما يستغرق أربعة أو خمسةَ أسابيع من السفر. أمّا الرسالة فتفترض أنَّ الرواحَ والمجيءَ بين المدينتين ممكنان في مدّة قصيرة. علم مسيحيّو فيلبّي، أنّ بولس أُلقي في السجن فأرسلوا إليه أبفروديتس. وحين وصل إلى بولس سقط طريح الفراش، فعرفت جماعة فيلبّي بمرضه. كلُّ هذا تذكره 2: 25-26 وهو يفترض أربعةً أو خمسةَ أشهرٍ من التبادل. ولكنّ الوقت يقصر إذا عرفنا أنَّ السفر من أفسس إلى فيلبّي، عبر بحر إيجه، يستغرق عشرةَ أيّام.

وهناك مشاريع بولس: فهو يرجو، بعد خروجه من السجن، أن يقوم بزيارة إلى الفيلبّيّين (2: 24). ولكن إذا رجعنا إلى روم 15: 23-24، عرفنا أنَّ بولس نوى الذهاب إلى إسبانية بعد مروره في رومة. فلو كُتبت فل في رومة، لكان بولس عدل عن مشروعه وذهب إلى الشرق لا إلى الغرب، إلى فيلبّي لا إلى إسبانية. الأمرُ ممكنٌ لاسيّما وأنَّ بولسَ عزم على الذهاب إلى رومة كمرسَل حرٍّ لا كسجين. تبدَّلت الظروف فتبدَّلت مخطَّطاتُ بولس. إذًا، لم تُكتب الرسالةُ من أفسس، ولم تُكتب من قيصريّة لأنَّ المواصلات بين رومة وفيلبّي أسهل من المواصلات بين قيصريّة وفيلبّي. من أجل هذا كلِّه يبدو أنَّ فل كُتبت من سجن رومة في فترةٍ من الزمن تمتدُّ بين سنة 61 وسنة 67 التي فيها مات الرسول شهيدًا. هذا رأيٌ وهناك رأيٌ آخر يعتبر أنّ فل كُتبت من أفسس في سنة 56-57.

4- رسالةٌ واحدة أم رسائل متعدِّدة

حين يكتب بولسُ إلى الفيلبّيّين فهو يكتب بصورة شخصيّة، فيشير في رسالته إلى »قيوده« (1: 13، 14، 17) ويتطلَّع إلى استشهاده كأمرٍ ممكن (1: 20-21؛ 2: 17). ولكنّنا لا نقرأُ هذه التلميحات إلاّ في الفصلين الأوَّلين وفي 4: 14 حيث يهنّئ الرسولُ الفيلبّيين لأنّهم شاركوه في »محنته«. من أجل هذا، اعتبر الشرّاحُ أنّ فل هي من نتاج بولس. ولكنَّهم انطلقوا من إشاراتٍ عديدة تدلُّ على أنَّا لسنا أمام رسالة واحدة بل أمام ثلاث رسائل أُرسلَت إلى فيلبّي ثمّ جُمعت في نصٍّ واحد.

ففي 3: 1 يبدأ بولس تحريضًا يدعوهم فيه إلى أن يفرحوا في الربّ. ولكنّ هذا التحريض ينقطع ويصبّ في خطبة قاسية ذات لهجةٍ شديدة: »إحترسوا من الكلاب، إحترسوا من عمّال السوء«. لا شيءّ في الفصلين الأوَّلَين يهيِّئنا لمثل هذا التحذير. وأخيرًا سينتظر بولس نهايةَ الرسالة ليشكر للفيلبّيّين ما فعلوه لأجله (4: 10-20)، وهذا ما يُدهشنا.

من أجل هذه الأسباب وغيرِها، يفضِّل بعضُ الشرّاح أن يتحدَّثوا لا عن رسالة واحدة بل عن ثلاث رسائل كُتبت الواحدةُ بعد الأخرى: الرسالة الأولى (4: 10-20) وقد ضمَّنها شكره للفيلبّيّين عمّا أرسلوا إليه من مساعدة. الرسالة الثانية (1: 1-3: 1أ؛ 4: 2-7، 21-23) التي تتضمَّن مقدِّمة (1: 3-11) وصورةً عن وضع بولس كسجين (1: 12-26) ونصائحَ عن الحياة الجماعيّة (1: 27-2: 18) ومشاريع في المستقبل (2: 19-30) وبعض تحريضات. الرسالة الثالثة (3: 1ب-4: 1، 8-9) التي تتضمَّن هجومًا على خصوم بولس ودفاعًا عن موقفه. إنّها لا تشير إلى سجن بولس وقد تكون كُتبت قبل الرسالة الثانية أو بعد أن أُخلي سراحُ بولس.

فإن قبلنا بهذه النظريّة أو بنظرية قريبة منها، لا بدّ أنّ نسلِّم بأنَّ الجامعَ دمَج الرسائل الثلاث في رسالة واحدة. فوضع في النهاية السلامات والتمنّيات (4: 21-23) التي كانت في ختام الرسالة الثانية. ويجب أن نفترض أنّه اقتطع خاتمةَ ومقدِّمةَ رسالتين من الرسائل الثلاث لتبدو الرسائل وكأنّها رسالة واحدة.

ولكنّ هذه النظريّة تبدو مجرَّدَ افتراضٍ قدَّمه بعضُ العلماء. ولهذا نحن نتساءل: لماذا دمج أحدهم الرسائل الثلاث؟ فإن أجابَ مجيبٌ أنّها كانت قصيرة وبالتالي معرَّضة للضياع، نجيب أنّ الآداب القديمة احتفظت برسائلَ قصيرة جدٌّا. وفي ما يخصُّ العهد الجديد، فهناك الرسالة إلى فيلمون والرسالتان الثانية والثالثة ليوحنّا. ثمّ من يتجرَّأ على اقتطاع أجزاء من رسائلَ اعتبرها المؤمنون كتابًا مقدَّسًا (رج 2بط 3: 16)؟

نحن لا نجهل الوقت المطلوب ليُملي بولسُ رسالتَه. ثمّ إنّه كان في السجن فيُجبَر على التوقُّف عن الإملاء. وهكذا يكون قد مرَّ بين قسمٍ وآخر بعضُ الوقت حصلت فيه أحداثٌ جديدة ففرضت على الرسول تغييرًا في الأسلوب واللهجة.

هذه الملاحظات التي تطبَّق أيضًا على 2كو، ترافقها براهينُ إيجابيّة. فالبرهان الأوّل يشدِّد على أنّ الرسالة تبدو واحدة بمقدِّمتها (1: 1-11) وخاتمتها. ولهذا لا بدّ من الأخذ بالنصِّ الحاليّ وهذا منتهى الفطنة. والبرهان الثاني يشير إلى وجود تكرارات تتيح لنا أن نوحِّد بين أقسام اعتبرها بعضُ الشرّاح متنافرة. والمثالُ على ذلك المقابلة بين 3: 20-21 و2: 6-11 حيث نجد الكلماتِ عينَها. »وطنُنا في السماء ومنها ننتظرُ الربَّ يسوعَ المسيح« (3: 20). ثم تقابل: »هو في صورة الله« (2: 6)، »يسوعُ المسيح هو الربّ« (2: 11). »يبدِّلُ جسدَنا الوضيعَ ويجعله على صورة جسده المجيد« (3: 21) يقابل: »ظهرَ بمظهر الإنسان وتواضع« (2: 7، 8)، »صورة الله، صورة الإنسان تمجيدًا لله الآب« (2: 6، 7، 11). وإذا قلنا إنّ مقطع الشكر تأخَّر إلى النهاية (4: 10-20)، فهذا لا يدفعنا إلى أن نقتطعه من فل، ونحن نعزو هذا التأخير إلى أنّ بولس أراد أن يكون كتومًا في شكره (4: 17-18). ثمّ إنّ موضوع الشكر الذي نقرأه في النهاية هو صدًى لما كتبه بولس في البداية: »أشعر هذا الشعور نحوَكم جميعًا« (1: 7) تقابل: »فرحتُ في الربّ كثيرًا عندما رأيتُ أنَّكم عُدتم أخيرًا إلى إظهار شعوركم نحوي« (4: 10)؛ »وكلّكم شركائي في نعمة الله، سواء في السجن أو في الدفاع عن الإنجيل وتأييده« (1: 7) تقابل: »كان حسنًا أن تشاركوني في محنتي« (4: 14)؛ »أحمد إلهي لمشاركتكم في خدمة الإنجيل من أوّل يوم إلى الآن« (1: 5) تقابل: »منذ بداية الإنجيل، عندما تركتُ مكدونية، ما من كنيسة شاركتني في حساب الأخذ والعطاء إلاّ أنتم وحدكم« (4: 15).

هذه الملاحظات وهذه المقابلات تدفعنا إلى القول إنّ فل رسالةٌ واحدة، وإنَّ ما يقوله الشرّاح عن وجود رسائل ثلاث يبقى مجرَّد افتراض لا يساعدُنا على فهم كتابات القدّيس بولس.

5- مضمون الرسالة إلى الفيلبّيّين

إنّ نصَّ فل ثابتٌ ويكاد يكون كاملاً في بُرديّة تعود إلى بداية القرن الثالث. أمّا المخطوطاتُ الثلاث ذاتُ الحروف الكبيرة التي تعود إلى القرنين الرابع والخامس فهي تتضمَّن النصَّ كلَّه.

كتب بولس إلى كنيسة يعرفها وتعرفه، فبدا صديقًا يكتب إلى أصدقائه في المسيح. ولهذا لن نبحث عن تصميمٍ منسَّق، بل عن مواضيع ترافق فكرَه المهتمَّ بأمر كنيسةٍ أحبَّها وأحبَّته.

أ- العنوان (1: 1-2). كتب بولس وتيموثاوس إلى القدّيسين الذين في فيلبّي، وإلى الأساقفة والشمامسة. نحن أمام جماعة منظَّمة، فيها المؤمنون وفيها المسؤولون.

ب- صلاة الشكر (1: 3-11). هي أطول صلاة شكر نقرأها في رسائل القدّيس بولس. يصلّي الرسول من أجل قرّائه (آ4) ويهنِّئهم لمشاركتهم في الإنجيل (آ5). وعبارة »دومًا« وفي »كلِّ وقت« تدعونا إلى نظرة إسكاتولوجيّة (1: 6، 9-11). وهكذا بعد شكرٍ أوَّل (1: 3-6) يُبدي بولس حبَّه (1: 7-8) ويُنهي بصلاةٍ من أجل أحبّائه (1: 9-11).

ج- ويعطي بولس أخبارًا عن وضعه (1: 12-26). رغم وجوده في السجن، فالإنجيل يتقدَّم (1: 12-20). وها هو أمام اختيار: أن يموت ليكون مع المسيح، أو أن يبقى على قيد الحياة فيتابع عمله الرسوليّ (1: 21-24). فاختار بولس الحياة وأعلن يقينَه أنَّه سيرى الفيلبّيّين من جديد (1: 25-26).

د- ويتذكَّر بولس وضع أهل فيلبّي (1: 27-2: 18). إذا أرادت الجماعة أن تبقى واحدة، فعليها أن تجاهد من أجل الإيمان بالإنجيل (1: 27-2: 4). إنَّ حياتَها كلَّها مؤسّسةٌ على اتّضاع يسوع وارتفاعِه (نشيد إلى المسيح). بعد هذا تسير أمور المسيحيّين في فيلبّي نحو الأحسن، ولو أريقَ دمُ الرسول قربانًا لذبيحة إيمانهم وخدمته (2: 12-18).

هـ- مشاريع (2: 19-30). اهتمَّ تيموثاوس بدعوى بولس، فسيبعثه الرسولُ إلى فيلبّي حالما تسنح له الظروف (2: 19-24). ولكنَّه بانتظار ذلك أعاد إليهم أبفروديتس الذي حَمل إلى الرسول المساعدة الماليّة. مرض أبفروديتس وأشرف على الموت إلاّ أنّه شُفيَ فكان شفاؤه منبع فرح (2: 25-30).

و- دفاع وتحذير (3: 1-4: 9). هنا تتبدَّل اللهجة فيصبح الكلام هجومًا على المعارضين المرتبطين بالعالم اليهوديّ. فإن كان أحدٌ يهوديٌّا حقٌّا فهو بولس نفسُه المختون في اليوم الثامن، الذي هو من بني إسرائيل ومن عشيرة بنيامين (3: 3-6). ولكنَّه عرف المسيح (3: 7-11)، فدفعه المسيح في مسيرة لم تنتهِ بعد (3: 12-17). وقبل أن يُعلن الرسول رجاءَه وثقته (3: 20-21)، يرسل تحذيرًا آخر: »هناك جماعة كثيرة تسلك في حياتها سلوك أعداء صليب المسيح. هؤلاء عاقبتُهم الهلاك، وإلهُهم بطنهم، ومجدُهم عارُهم، وهمُّهم أمور الدنيا« (3: 18-19). وهنا تأتي الخاتمة فتدعوهم إلى أن يثبتوا في الربّ.

ز- شكر الله على عطاياه والسلامات الأخيرة (4: 10-23). يترك الرسول العنان لفرحه فيشكر الربّ ويشكر جماعة فيلبّي ويُنهي رسالته بالسلامات: »سلّموا على جميع الإخوة القدّيسين في المسيح يسوع. يسلِّم عليكم جميعُ الإخوة القدّيسين هنا«.

6- التعليم اللاهوتيّ

لقد لاحظنا أنّ فل ليست رسالة تعليميّة مثل روم و1كو. إنّها فيضُ حبٍّ مسيحيٍّ وشكرٍ، خرج من قلب الرسول وتوجَّه إلى أحبّائه في فيلبّي. وبما أنّها من القلب، فهي تتضمَّن هنا وهناك نظراتٍ عميقةً تصل بنا إلى السرّ المسيحيّ.

إذا كانت فل كُتبت في أفسس فسنجد فيها صدًى لمشاكل كنيسة كورنتوس التي اهتمَّ بها بولس في ذلك الوقت. وأخطرُ هذه المشاكل كان الوضعُ الناجمُ عن وجود تحزّبات في الجماعة (1كو 1: 11ي).

نجد انعكاسًا لهذه الحالة عندما نسمع بولس يدعو أهل فيلبّي إلى الوحدة، وإن كانت الانقسامات أقلَّ خطرًا عندهم ممّا عند الكورنثيّين. يردِّد بولس كلمة »جميع« (1: 4، 7، 8، 25؛ 2: 17، 26؛ 4: 21) ليُشير إلى موضوع الوحدة ويقدِّم تحريضَين واضحَين: الأوّل (1: 27-28) يتعلَّق بوحدة في مجابهة العدوّ الخارجيّ: »ثابتون بروحٍ واحدٍ وتجاهدون بقلبٍ واحدٍ في سبيل الإيمان بالإنجيل. لا تخافوا خصومكم في شيء«. والتحريض الثاني، الذي هو أكثر توسيعًا،يطلب وحدة الأفكار والقلوب داخل الجماعة (2: 1-5): »فتمِّموا فرحي بأن تكونوا على رأي واحدٍ وقلبٍ واحد وفكر واحد منزَّهين عن التحزُّب والتباهي، متواضعين في تفضيل الآخرين على أنفسكم، ناظرين لا إلى منفعتكم، بل إلى منفعة غيركم«.

ويتحدَّث بولس عن المرحلة الواقعة بين الموت ومجيء المسيح، قال في 1: 23: »أرغبُ أن أتركَ هذه الحياة لأكون مع المسيح«. وفي 2كو 5: 8: »نفضِّل أن نتغرَّب عن هذا الجسد لنقيم مع الربّ«. هذا يعني أنّا لا ننتظر مجيءَ الربّ (1تس 4: 13) لنختبر سعادة الاتّحاد بالمسيح.

وهناك تعليمٌ مميَّزٌ عن القيمة الرسوليّة للحياة المسيحيّة: »واعملوا كلَّ شيء بلا تذمُّرٍ ولا خصامٍ حتّى تكونوا أنقياء، لا لوم عليكم وأبناءَ الله بلا عيب في جيل ضالٍّ فاسد، تُضيئون فيه كالكواكب في الكون، متمسِّكين بكلمة الحياة« (2: 14-16). عرض الرسول حياةَ المؤمن اليوميّة بشكل كرازة، فأوضح أفكارًا كانت مخفيّة في مقاطع أخرى: »لا تكونوا حجرَ عثرةٍ لليهودِ أو غيرِ اليهود ولا لكنيسة الله« (1كو 10: 32)؛ »تكون سيرتُكم حسنةً عند الذين في الخارج« (1تس 4: 12)؛ »إجتهدوا أن تعملوا الخير أمام جميع الناس« (روم 12: 17). مثل هذه التنبيهات تجد ما يقابلها في كو 4: 5: »كونوا حكماءَ في معاملة الذين في خارج الكنيسة«، وفي أف 4: 15: »نعيش الحقَّ في المحبّة« (رج تي 2: 9-10).

وتلفت انتباهَنا الاستعارةُ العباديّة المستعملة في 2: 17. فضيق الرسول يبدو بشكل تقدمة تكمِّل الذبيحة اليوميّة والدائمة للإيمان المسيحيّ. نجد هذه الفكرة في 2تم 4: 6 وفي الرسائل الكبرى. ففي 1كو 3: 16-17 تبدو الجماعةُ التي أسَّسها بولسُ بكرازته، هيكلَ الروح القدس والموضوعَ الجديد والنهائيّ للعبادة. وكلمةُ الله التي يتلفَّظ بها الرسول، هي تقدمةُ بخور تليها في الطقس اليهوديّ بركةُ الكاهن للشعب. لكنَّ أكملَ عبارةٍ عن هذا الموضوع نقرأها في روم 15: 16-17 حيث يتكلَّم بولس عن »النعمة التي وهبَها الله لي حتّى أكون خادمَ المسيح يسوعَ عند غير اليهود وأن أخدم إنجيل الله ككاهنٍ، فتصير تقدمةُ غيرِ اليهودِ مقبولةً عند الله ومقدَّسة بالروح القدس«.

ويُدخلنا بولسُ أيضًا في موضوع مدينة الله فيعبِّر عن واقع المسيح الذي هو في العالم وليس من العالم. نقرأ في 1: 27: »أن تكون سيرتُكم في الحياة لائقة بإنجيل المسيح«. وفي 3: 20: »أمّا نحن فمدينتُنا في السماء«. في سياق هذين النصَّين نجد معارضة: ففي 1: 27 يشجِّع بولس المهتدين على أن يقاوموا الضغط الاجتماعيّ الذي يريد لهم أن يشاركوا في عبادة المدينة الرسميّة، فيذكِّرهم بأنّهم منذ الآن مواطنون في مدينة جديدة ربُّها المسيح وشريعتُها الإنجيل. فواجباتُهم كمواطنين في ملكوت المسيح أهمُّ من واجباتهم كمواطنين في رومة. تتبدَّل النظرة في 3: 20 حيث مدينة المسيحيّين السماويّة لا تعارض مدينةَ رومة بل أرض إسرائيل. نحن في 2مك 6: 1، 11: 25، أمام سلطة تيوقراطيّة تخضع لشريعة الله وعوائد الآباء. فالعلاقة الخاصّة مع الله، تنتج عن اختيار ميَّز هذه البلاد عن سائر بلدان الأرض، وبدا فوق البلدان لأنّه يطال الذين يعيشون خارج حدوده. وهذا ما قاله بولس عن الحقوق السامية التي تتمتَّع بها مدينةُ الربِّ يسوع المسيح السماويّة. وتتحدَّث الرسالة إلى أفسس عن رعيّة إسرائيل، ولكنَّنا لا نجد معارضةً بين اليهود والأمم. فالأمم ليسوا مرذولين من رعيّة إسرائيل (أف 2: 12)، لم يعودوا »غرباء أو ضيوفًا« بل مواطني »القدّيسين« (أف 2: 19)، »لأنّ المسيح الذي هو سلامُنا جعل من الاثنين شعبًا واحدًا« (أف 2: 14) يملك مع المسيح في السماوات (أف 2: 6). وما يقابل موضوع مدينة الله نقرأه في غل 4: 25-26: »أورشليم الحاضرة التي هي وبنوها في العبوديّة. أمّا أورشليم العليا فحرّةٌ وهي أمُّنا«.

7- النشيد للمسيح (2: 6-11)

أ- أصل النصّ

حين يتوسَّع بولسُ في حديثه إلى أهل فيلبّي، يُدرج نشيدًا ليتورجيٌّا من أصلٍ آراميّ وُجد قبل بولس وارتبط بليتورجيّا العشاء الأخير. في هذا النشيد تمتزج صورةُ ابن الإنسان (دا 7: 1ي) بصورة عبد الربّ (أش 2: 13-53: 12). ويركِّز الشرّاح على تجرّد المسيح وامّحائه كأساس شرحٍ لاهوتيّ للتجسُّد. تخلّى المسيحُ عن صورة الله وأخذ صورةَ العبد، أي صورةَ البشر، فوصل إلى المجد عن طريق الاتّضاع. في هذا النشيد نرى الله والمسيحَ ونرى كيف أنّ المسيحَ صار ربَّ الخليقة.

ب- بنيةُ النشيد وأهمّيّته اللاهوتيّة

ميَّز الشرّاح في هذا النشيد ستّة مقاطع: ثلاثةٌ منها تُنشد اتّضاعَ ابن الإنسان (آ6-8) وثلاثةٌ تنشد ارتفاعه (آ9-11).

هذا النشيد هو أقوى تعبير عن التعليم البولسيّ على المسيح، وهو أساس النظريّة الكرستولوجيّة الحديثة، عنيتُ بها لاهوتَ الامّحاء.

يعرض النشيدُ وجهَين ليسوع على هذه الأرض، لا زمنَين متعاقبَين يفصلهما التجسُّد، ليصل في النهاية إلى التمجيد.

ونتساءل: ماذا تعني كلمة »مورفي« اليونانيّة أو الصورة؟ هل تعني الجوهر أو الطبيعة، الصورة أو الحالة؟ الصورة هي الجلاء الخارجيّ والمنظور للكائن. والمساواة مع الله، هل تعني طبيعة المسيح أو حالته الوجوديّة؟ ثمّ إنّ العبد »دولوس« لا يدلُّ على العبوديّة بل على وضع الخادم (العابد) تجاه الله.

لم يعدَّ مساواته لله غنيمة؟ هل يملك هذه الغنيمة، هل سيمتلكها؟ وكيف نماثل بين المسيح وعبد الربّ، ونقابله مع آدم؟

ويأتي الفعل الأساسيّ »كينو« الذي يعني أفرغ، إمّحى، تجرّد. من هنا نظريّة »كينوسيس«: إنّ المسيح تجرَّد بالتجسّد عن صفاتٍ خاصَّةٍ بالله (المعرفة الكلّيّة، الحضورُ الكليّ، القدرة الكلّيّة)، محتفظًا بصفاته الإلهيّة كالقداسة والمحبّة والبرارة.

صار شبيهًا بالبشر... هذا يدلّ على أنّ المسيح ماثل البشر بشكلٍ واقعيّ وتاريخيّ، وكان الصليبُ قِمَّةَ تلك المماثلة. وستُبرز الآياتُ اللاحقة تمجيدَ يسوع دون أن تذكر بوضوحٍ موضوعَ القيامة. قال النصّ: »أعطاهُ اللهُ الاسمَ الذي هو فوق كلِّ اسم، أي أعطاه اسمَه بالذات، صار »كيريوس« أي الربّ وهو مرادف الكلمة العبريّة يهوه. ولهذا فسجود كلِّ الخلائق يتمِّم نبوءة أشعيا (45: 23)، واعترافُ إيمانهم (يسوعُ هو الربّ) يستعيد عبارةً ليتورجيّة أساسيّة في الكنيسة الأولى. كلُّ معاني كلمة الربّ في العالم الكتابيّ والهلّينيّ، تجتمع لتعلن سموَّ المسيح الممجَّد.

أدخل بولسُ هذا النشيد ساعةَ نبَّه جماعة فيلبّي إلى الأخطار التي تتعرَّض لها: اعترافُ الإيمان الحقيقيّ بسلطان المسيح الذي اقتناه بتجرُّدٍ تامّ حتّى موت الصليب، يُتيح للمؤمنين أن يعرفوا كيف يتصرَّفون كما يليق.

كونوا على فكر المسيح، تخلَّقوا بخُلُق المسيح الذي تجرَّد من ذاته وأخذ صورة العبد وتواضع، وأطاع حتّى الموت، الموتِ على الصليب.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM