الاثنا عشر.

 

الاثنا عشر

بعد الكلام الذي فيه دعا يسوع »الشاب الغنيّ« لكي يتبعه، فرفض ومضى حزينًا (مت 19: 229، تدخّل بطرس. هذا الشابّ فضّل المال على المسيح. ترك المسيح وتعلّق بماله، فخسر الدخول إلى الملكوت. حينذاك قال بطرس: »ها نحن تركنا كلّ شيء وتبعناك، فماذا يكون نصيبنا؟« فأجاب يسوع: »الحقّ أقول لكم: متى جلس ابن الإنسان على عرش مجده، عند تجديد كلّ شيء، تجلسون أنتم على اثني عشر كرسيٌّا وتدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر« (آ 27-28).

من اثني عشر سبطًا في العهد القديم، إلى اثني عشر رسولاً في العهد الجديد. فالرقم 12 يدلّ على الملء والكمال. وهذا يعني البشريّة المؤمنة كلّها قبل المسيح وبعده، التي ستكون 24 في سفر الرؤيا (4: 4) حول عرش الحمل »في ثياب بيضاء وأكاليل من ذهب«. عن حقبتين يكون كلامنا، مع نهايةٍ تَجمع العهد القديم إلى العهد الجديد لإبراز الموضوع الروحيّ، الذي هو الشهادة لحضور الله في العالم.

1- اثنا عشر ولدًا

حين نقرأ سفر التكوين (29: 31-30: 24) نتعرّف إلى أبناء يعقوب من امرأتين اثنتين هما ليئة وراحيل، ثمّ من جاريتين هما بلهة وزلفة. نبدأ فنقول إنّه كان ليعقوب امرأة واحدة هي راحيل، هي وحدها المحبوبة، ولكنّها كانت عاقرًا.

وتجاه راحيل، هناك ليئة، المكروهة. عنها قال الكتاب: »ورأى الربّ أنّ ليئة مكروهة، فجعلها ولودًا... فولدت ابنًا وسمّته رأوبين« (تك 29: 31-32). هنا نتذكّر ما قاله سفر التثنية (21: 19): »إذا كان لرجل زوجتان، إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة«. ذاك وضعٌ عرفه الشرقُ القديم. فبجانب سارة، كانت هاجر مع ابنها اسماعيل. وكذا نقول عن أمّ صموئيل حنّة التي كانت محبوبة لدى زوجها ألقانة. ضرّتها هي فننة، وقد قال 1 صم 1: 2 في هذا المجال: »كانت له (لألقانة) زوجتان. إحداهما حنّة والأخرى فننة. فرُزقت فننة بنين، وأمّا حنّة فما كان لها بنون.

لا نتوقّف عند عدد الزوجات، بعد أن صرنا في مستوى الإنجيل حيث »الرجل يترك أباه وأمّه ويتّحد بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا« (مت 19: 5). وفي هذا لم يجدّد يسوع على مستوى الشرع، بل عاد إلى البدء، إلى سفر التكوين (2: 24) حيث خُلق الانسانُ ذكرًا وأنثى. وفي الزواج لن يكونا بعدُ اثنين بل »جسد واحد جمعه الله« (آ 6).

وسيقول بولس الرسول في الرسالة الأولى إلى كورنتوس: يكون لكلّ رجل امرأته، لا نساؤه. ويكون لكلّ امرأة زوجها، لا أزواجها. الزوج يوفي امرأته حقّها. والمرأة توفي زوجها حقّه. جسد الرجل هو لامرأته، لا لنسائه. وجسد المرأة هو لزوجها، لا لأزواجها (1 كور 7: 1-4).

بعد هذا التوضيح حول الزواج الذي تطوّر في الشعب اليهوديّ فصار أحاديٌّا في زمن المسيح، ولا يزال اليوم عند الشعب الأوّل كما هي الحال عند الشعب الثاني والذي يشجب كلّ رجل يأخذ أكثر من امرأة سواء على مستوى الشرع والعرف، أو على مستوى واقع الحال، نحاول أن نفهم ماذا يريد النصّ الكتابيّ أن يقول؟

لا يمكن أن تكون سعادة حيث تكون أكثر من امرأة لزوج واحد. فإذا أخذنا بالقراءة الحرفيّة، تزاحمت الأختان راحيل وليئة على قلب يعقوب. ولا نقول شيئًا عن زلفة وبلهة اللتين ولدتا ليعقوب أكثر من ولد. هنا نذكر حوارًا بين الأختين بعد أن وجد رأوبين، بكرُ أبناء يعقوب، نبتة اللفّاح الذي اعتُبر دواء لكي تصبح المرأة ولودًا. قالت راحيل لليئة: »أعطيني من لفّاح ابنك«. فقالت لها: »أما كفاك أن أخذت زوجي حتّى تأخذي لفّاح ابني أيضًا؟« قالت راحيل: »إذًا ينام يعقوب عندك الليلة بدل لفّاح ابنك« (تك 30: 14-15). وهكذا صار الرجل سلعة تتقاسمه نساؤه. استعدّ ليكون مع راحيل، فإذا ليئة تقول له: »إدخل عليّ الليلة بدل لفاح ابني« (آ 16). فأطاعها. فنام عندها تلك الليلة.

مع أنّ ليئة مكروهة، رزقها الله أولادًا، باركها الله، لأنّ الأولاد العديدين علامة بركة في البيت. وفي كلّ مرّة تلد، كانت ليئة تعتبر أنّ قلب زوجها سيتغيّر تجاهها. ولكن لا. مع البكر رأوبين، تطلّعت إلى الله لكي يرى عناءها (29: 32). مع الثاني (شمعون) انتظرت أن يسمع الربّ صلاتها. مع »لاوي« رجت أن يلوي قلب زوجها عليها، أن يميل إليها. وأعطت زوجها الابن الرابع، فكأنّها ملأت الكون بأقطاره الأربعة. فحمدت الله وسمّت ولدها »يهوذا«.

ومثل ليئة كانت فننة: كان لها البنون والبنات (1 صم 1: 4). تنال فننة الحصص الكثيرة من الذبيحة، أمّا حنّة »فيعطيها (زوجها) حصّة واحدة، مع أنّه كان يحبّها، لأنّ الربّ جعلها عاقرًا« (آ 5). وماذا فرض منطق البشر؟ أن تتباهى المرأة الولود تجاه العاقر، بحيث تعوّض عن حالها »كمكروهة«. وتابع كتاب صموئيل: »كانت فننة ضرّتها تُغضبها وتهينها بسبب ذلك« (آ 6). لهذا، كانت حنّة تبكي (آ 7). وفي النهاية، »كشفت نفسها أمام الربّ«. فهي »امرأة حزينة النفس« (آ 15). وراحيل غارت من أختها. وقالت ليعقوب: »أعطي وُلدًا وإلاّ أموت« (تك 30: 1) من الحزن. أو ترفض أن تأكل مثل حنّة. أو تضع حدٌّا لحياتها. أترى المرأة كبيرة بعدد أبنائها؟ يبدو أنّ الأمر تطوّر. لهذا سيقول ألقانة لامرأته حنّة: »أما أنا خير لك من عشرة بنين؟« (1 صم 1: 8).

ذاك منطق الله. لا منطق البشر. والولد الذي تلدْ العاقر، يساوي سبعة أولاد من امرأة ولود. هكذا أنشدت حنّة: »العاقر ولدت سبعة (عدد الكمال)، وكثيرةُ البنين ذبلت« (1 صم 2: 5). في أيّ حال، ما سمعنا شيئًا عن أولاد فننة. أمّا ابن حنّة، صموئيل، الذي انتظرَتْه طويلاً، فنقل الشعب إلى المؤسّسة الملكيّة وكان ذاك الرائي والنبيّ والقاضي الذي لعب دورًا كبيرًا في تاريخ بني إسرائيل. ويوسف، الابن الوحيد لراحيل، كان أداة خلاص لجميع إخوته. فبدا أكبر منهم ولا سيّما في تجاوبه مع نداء الله من قلب الشدّة والسجن بانتظار الرفعة والمركز الثاني بعد فرعون.

2- اثنا عشر سبطًا

إذا عدنا إلى التاريخ، نقول في مرحلة أولى إنّ يعقوب تزوّج راحيل، وإسرائيل ليئة. ثمّ جُمع الشخصان في معنى سياسيّ، وفي حقبة متأخّرة، فتبدّل اسم يعقوب إلى اسم إسرائيل، مع العلم أنّ تقليد يعقوب معروف منذ زمان بعيد، بدليل ما نقرأ في سفر هوشع (10: 11؛ 12: 3، 13): »وهو بعدُ في البطن، قبض على عقب أخيه. وفي أوان رجولته صارع الله. صارع الملاك وقاوم. بكى وتضرّع إليه«. أمّا لفظ إسرائيل، فأضيف في الكتاب، ولا سيّما بعد المنفى في عودة إلى التاريخ القديم حيث الحلف الإسرائيليّ قاوم مركبات فرعون في السهل الساحليّ (صورة على جدار معبد أمون في الكرنك). أمّا مملكة الشمال، فكان اسمها أفرائيم حتّى فترة متأخّرة.

في مرحلة ثانية، كلّ الأسماء المرتبطة بيعقوب ثمّ بإسرائيل، هي أسماء قبائل: بلهة، زلفة، ليئة، راحيل، يعقوب. هنا نفهم كلام إنجيل متّى (2: 18): »راحيل تبكي على بنيها ولا تريد أن تتعزّى لأنّهم ليسوا بموجودين«. يعود هذا النصّ إلى إر 31: 15 الذي يتكلّم عن راحيل أمّ قبائل الشمال الذين مضوا إلى المنفى. كان تجمّع أوّل حول بلهة: دان، نفتالي. وارتبطت بلهة براحيل أمّ يوسف وبنيامين. وتجمّع آخر حول زلفة مع جاد وأشير. وارتبطت زلفة بليئة مع القبائل المرتبطة بها وهي: رأوبين، شمعون، لاوي، يهوذا. ثمّ يسّاكر، زبولون. وفي النهاية، دينة أيضًا هي قبيلة. والجميع كانوا تحت راية يعقوب في علاقته مع الأراميّين والعهد بينه وبينهم.

نتذكّر هنا أنّ المرأة تدلّ على الشعب، على القبيلة، على المدينة. فبنت صهيون مثلاً تعني قلعة صهيون ثمّ مدينة أورشليم. ولكن كيف صارت هذه القبائل اثنتي عشرة، ولماذا اجتمعت حول شخص يعقوب، في شمال فلسطين؟

الأساس الأوّل هو رباط دينيّ. فمعبد شكيم مثلاً أو بيت إيل، تخدمه قبائل أو عشائر على مدى أشهر السنة الاثني عشر. وهكذا تخدم المعبدَ كلُّ قبيلة شهرًا واحدًا في السنة. ولم يتوقّف الأمر عند قبائل يعقوب، ثمّ إسرائيل، بل وصل إلى إسماعيل الذي وعد الربّ فيه إبراهيم فقال: »ها أنا أباركه وأنمّيه وأكثّره جدٌّا، ويلد اثني عشر رئيسًا، وأجعل نسله أمّة عظيمة« (تك 17: 20). وذكر الكتاب في تك 25: 12 أسماء القبائل التي ارتبطت بإسماعيل وعُرف بعضها في التراث العربيّ: نبايوت، قيدار، أدبئيل... وأنهى النصّ: »هؤلاء هم بنو إسماعيل، وهذه أسماؤهم بحسب ديارهم وحصونهم، وهم اثنا عشر رئيسًا لقبائلهم« (آ 16). والأمر هو هو بالنسبة إلى الأدوميّين الذين ارتبطوا بعيسو، شقيق يعقوب (أي حليفه في وقت من الأوقات): »وهؤلاء أمراء بني عيسو« (تك 3: 15).

هذا ما ندعوه »أمفيكتيونيا« (كلمة يونانيّة) أي تجمّع القبائل حول المعبد. ذاك كان الأمر بالنسبة إلى معبد دلفوي في اليونان، وفي الجزيرة العربيّة قبل الإسلام. ومن حلف دينيّ انتقلوا إلى حلف سياسيّ، حيث صار ابن القبيلة يدعو ابن القبيلة الأخرى »أخاه«. وبما أنّهم كلّهم إخوة، فهذا يعني أنّهم من أب واحد. وهكذا صار أبناء يعقوب اثني عشر ولدًا مع ابنة واحدة. كوّنوا ما فعله مثلاً يشوع في شكيم: »جمع أسباط بني إسرائيل في شكيم. واستدعى شيوخهم ورؤساءهم وقضاتهم وقادتهم، فحضروا أمام الربّ« (يش 24: 1).

كان في فلسطين أكثر من معبد، وبالتالي أكثر من أمفيكتيونيا أو تجمّع عشائر وقبائل مع قبيلة رئيسيّة: يهوذا في الجنوب حول معبد حبرون. أفرائيم في الشمال حول شكيم. وقد يكون يعقوب جمعهم حول بيت إيل، كما سيفعل داود حين يجعل عاصمة القبائل، أورشليم. مع سليمان تضعضع هذا التنظيمُ القبليّ، فقسمت الأرض اثنتي عشرة قسمة مع وكيل. »وكانوا يؤمّنون الطعام له ولأهل بيته، كلّ واحد شهرًا في السنة« (1 مل 4: 7).

ومع تنظيم الملكيّة مدى قرون، والذهاب إلى السبي، لم يعد من أثر للقبائل ولا سيّما مع وجود الممالك الكبرى منذ الأشوريّين البابليّين والفرس واليونان. ولكن بقي المعنى الروحيّ: الرقم 12 هو رقم الكمال. لأنّه ضرب 4 (رقم العالم بأقطاره الأربعة) و3 (رقم اللاهوت): هو يدلّ على كلّ شعب الله الروحيّ. هذا ما يستعيده كتاب الأخبار الذي دوِّن في القرن الثالث ق. م. وهذا سيمتدّ إلى العهد الجديد مع سفر الرؤيا. »وسمعتُ أنّ عدد المختومين مئة وأربعة وأربعين ألفًا من جميع عشائر إسرائيل: اثنا عشر ألفًا من عشيرة يهوذا، اثنا عشر ألفًا من عشيرة رأوبين...« (رؤ 7: 4ي). إذا كان الرقم 12 رقم الملء والكمال، فحين يُربَّع يصبح كمال الكمال وملء الملء. وحين يُضرب بمكعّب 10 (10×10×10) ليصبح ألفًا، نكون مع 144000 الذي هو رقم لا يُعدّ ولا يُحصى في منطق البشر، بل يعرفه الله وحده. لهذا واصل سفر الرؤيا كلامه فقال: »ثمّ نظرتُ فرأيتُ جمعورًا كبيرًا لا يُحصى، من كلّ أمّة وقبيلة وشعب ولسان (أربعة أسماء دلالة على الكون كلّه بجهاته الأربع)، وكانوا اقفين (وقفة القيامة) أمام العرش (الإلهيّ) وأمام الحمل (يسوع الذبيح والقائم من الموت) يلبسون ثيابًا بيضًا (ثوب المعموديّة، واللون الأبيض يدلّ على الانتصار والغلبة) ويحملون بأيديهم أغصان النخل« (آ 9).

3- اثنا عشر رسولاً

كلّ هذا يصل بنا إلى العهد الجديد، حيث اختار يسوع اثني عشر رسولاً، »وأعطاهم سلطانًا يطردون به الأرواح النجسة، ويشفون الناس من كلّ داء ومرض« (مت 10: 1). ويتابع متّى فيورد »أسماء الرسل الاثني عشر: أوّلهم سمعان الملقّب ببطرس، وأخوه أندراوس، ويعقوب بن زبدى وأخوه يوحنّا، وفيلبّس وبرتلماوس، وتوما ومتّى جابي الضرائب، ويعقوب بن حلفى وتدّاوس، وسمعان الوطنيّ الغيور، ويهوذا الإسخريوطيّ الذي أسلم يسوع« (آ 2-4).

إذا قابلنا هذه اللائحة مقابلة دقيقة، نرى اختلافات طفيفة. في الترتيب أوّلاً بين متّى ومرقس. ففي مرقس يأتي متّى قبل توما، وأندراوس بعد ابني زبدى (مر 3: 16ي). ويبدأ مرقس: »وصعد (يسوع) إلى الجبل، ودعا الذين أرادهم فحضروا إليه. وأقام منهم اثني عشر سمّاهم رسلاً، يرافقونه فيرسلهم مبشّرين« (آ 13). وفي الأسماء ثانيًا. ففي لو 6: 15 اختفى اسم »تدّاوس« وحلّ محلّه »يهوذا بن يعقوب« (آ 16). وعنه نقرأ في يو 14: 22: »يهوذا، لا ذاك الإسخريوطيّ«. وذُكر أيضًا في إنجيل يوحنّا »نتنائيل« (1 45-51) الذي ماهاه بعضهم مع برتلماوس.

ما أراد العهد الجديد أن يبيّن أوّلاً، هو أنّ الرقم 12 الذي رافق العهد القديم، يرافق العهد الجديد. فالمجموعة تبدو »شخصًا واحدًا«. قال مت 10: 5: »وأرسل يسوع هؤلاء الاثني عشر وأوصاهم«. هم الشعب الجديد بعد الشعب القديم بقيادة موسى. هم الشعب الثاني في يسوع المسيح بعد الشعب الأوّل. وحين صاروا أحد عشر في خيانة يهوذا، وجب أن يكتمل الرقم 12، وذلك قبل حلول الروح القدس يوم العنصرة والانطلاق في الرسالة.

»وفي تلك الأيّام، خطب بطرس في الإخوة« (أع 1: 15). ونلاحظ قبل مواصلة الاجتماع لاختيار الرسول الثاني عشر، أنّ عدد الحاضرين مئة وعشرون نفسًا«. حين نعرف أنّ الجماعة التي تستطيع أن تبني لها مجمعًا تتألّف من عشرة رجال، نفهم أنّنا أمام جماعات يقودها 12 رسولاً. لهذا تبقى جماعة بدون رسول يسير في مقدّمتها. وواصل بطرس كلامه بعد الإشارة إلى يهوذا الخائن: »يجب أن نختار واحدًا ليكون شاهدًا معنا على قيامة يسوع« (آ 24). ووقع الاختيار على متّيّا »فانضمّ إلى الرسل الاثني عشر« (آ 26).

إذا عدنا إلى الأسماء المذكورة في اللائحة، نجد أنّ أشخاصًا يُذكرون ونحن لا نعرف عنهم شيئًا. ويحاول التقليد أن يُقدّم لنا المعلومات التي تعطينا فكرة على انتشار البشارة وموت الرسل شهداء بعد أن كانوا شهودًا للربّ »في أورشليم واليهوديّة كلّها والسامرة، حتّى أقاصي الأرض« (أع 1: 8). في سفر الأعمال، كلام عن بطرس ويوحنّا اللذين يترافقان في أورشليم، كما في السامرة. لهذا يرد اسمهما معًا في لائحة سفر الأعمال (1: 13: بطرس ويوحنّا). ونعرف أنّ »يعقوب أخا يوحنّا« »قُتل بحدّ السيف« (أع 12: 1). ولكن ماذا عن أندراوس وتوما ومتّى... فالرسالة هي عمل الاثني عشر.

يذكرهم سفر الرؤيا كتاج من اثني عشر كوكبًا على رأس المرأة التي ترمز إلى الكنيسة (12: 1). أمّا أورشليم الجديدة، فسورها يقوم »على اثني عشر أساسًا، على كلّ واحد منها اسم من أسماء رسل الحمل الاثني عشر« (21: 14). لا حاجة لذكر الأشخاص فردًا فردًا. هم شخص واحد. صار الرقم 12 اسم علم. فنقرأ مثلاً في مت 20: 17: »فأخذ يسوع الاثني عشر«. وفي العشاء السرّيّ، جلس يسوع إلى المائدة مع الاثني عشر (مت 26: 20). كما أنّ يسوع واحد، كما أنّ الكنيسة واحدة، فالاثنا عشر واحد هم. يمثّلون الرسالة منذ البداية، وسيكونون في النهاية، التي »تجيء بعدما تُعلن بشارَة الملكوت هذه في العالم كلّه« (مت 24: 14).

خاتمة

الأرقام في عالمنا الحديث تبحث عن الدقَّة وصولاً إلى الكسور. كسور الميلمتر والسنتيمتر، وكسور الدقيقة والثانية. ولكن لم يكن الأمر كذلك في العالم القديم، لا في الكتاب المقدّس وحده، بل في الشرق وفي الغرب. وإن كان الرقم في الأصل حقيقيٌّا، إلاّ أنّ الكاتب يبحث عن رمزيّته. تلك كانت نظرتنا إلى الرقم 12، من الجزيرة العربيّة إلى اليونان والرومان وسائر الشعوب. هو يدلّ على الكلّيّة ويمنعنا من التوقّف عند التفاصيل والاختلاف في الأسماء. في النهاية صار »اثنا عشر« اسم علم فنقول جاء الاثنا عشر، كما نقول جاء بطرس ويوحنّا. في هذا الإطار نفهم أنّه إن كان العهد القديم اكتنز غنى العالم حوله، فالعهد الجديد أخذ غنى التوراة فأوصله إلى الإنجيل. من الأسباط الاثني عشر، إلى القضاة بمن فيهم جدعون ويفتاح وشمشون، إلى الأنبياء الاثني عشر مع هوشع وعاموس. وتكون القمّة مع الرسل الذين هم قبل الأنبياء والمعلّمين، فيتبعون الحمل ويموتون معه، ولكنّهم معه يقومون.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM