خالق السماوات والأرض.

 

خالق السماوات والأرض

حين تعلن الكنيسة إيمانها، تبدأ كلامها: الله الآب، خالق السماوات والأرض. ثمّ تنشد المسيح المخلِّص. الذي من أجلنا تألَّم ومات وقبر. ثمّ الروح القدس الذي يرافق الكنيسة ويُنميها بمعمَّدين جدد، تطلُّعًا إلى القيامة والحياة الجديدة. هذا الإيمان بالله الخالق، يشارك فيه اليهود والمسيحيّون والمسلمون. لا ننطلق هنا من نظرة عقليّة، فلسفيّة. ولا من براهين علميّة، تعيدنا إلى الوراء وتعيدنا، بحيث لا نستطيع أن نعرف متى بدأ الكون، بعد أن وصلنا إلى عشرة مليارات أو خمسة عشر مليارًا من السنين. نظرتُنا إلى الله الخالق تحاول الردَّ على فئات ثلاث: أولئك الذين يعتبرون العالم أزليٌّا، شأنه شأن الله. هو يرافق الله وكأنَّه إله مثله. ثمّ الذين تحدَّثوا عن »القدر« الذي هو فوق الآلهة والبشر. إنَّه يوجِّه حياة الأفراد والشعوب. وأخيرًا، هناك مَن انطلق من المادّة الأولى التي هي موجودة. فما بقي على الله سوى أن يرتِّبها، على مثال ما فعل مردوك الإله البابليّ، بعد أن قهر »تيامات« أو المياه المالحة التي تحاول أن تعيد الكون إلى العدم، كما كاد يحصل في زمن الطوفان.

1- إله أزليّ، عالم أزليّ

كم مرّة طرح علينا الصغار، كصدى لما يقوله الكبار: من خلق العالم؟ نجيب الله. فيضيفون سؤالاً آخر: ومن خلق الله؟ إذا كنّا لا نرى جوابًا عن »الله«، فلماذا نريد جوابًا عن العالم؟ إنَّه وُجد منذ الأزل.

طُرح هذا السؤال في عالم الشرق الأوسط. وطُرح أيضًا في الشرق الأقصى. فقالت البوذيّة متسائلة: »هل الكون أزليّ أم لا؟ نحن أمام أوَّل سؤال بين الأسئلة العشرة التي يتداولها المفكِّرون والنسّاك في خطّ بوذا. وتوزَّعت الآراء. في النهاية، كان حرب: ما هو مفيد وضروريّ أن يتعلَّمه الإنسان، هو الحياة المقدَّسة الروحيّة، وإذا شئنا كلامًا عن الخلق، نقول: يعرف العالم تطوُّرًا دائريٌّا يجعله ينتقل عبر حقبات من الشتات والتدهور والدمار. ثمّ يعود إلى الشتات من جديد. وما يُشرق على كلِّ دورة هو أعمال البشر، الشرّيرة أو الصالحة، على ما يحدث لكلِّ إنسان.

وتحدَّثت مصر القديمة عن نشأة الكون، مع شخص هو الباري الذي رتَّب الأرض والسماء والكواكب، وجعل كلَّ خليقة في موقعها. وعادت »ولادة العالم« في اليونان إلى عالم الأسطورة. مع ولادة الآلهة. ثمّ خلق البشر. في الأصل، هناك الشواش، الغموض، الهوّة السحيقة التي لا حدَّ لها. ثمَّ جاءت الأرض فولدت السماء. وبها كانت الولادات الإلهيّة. وتجاه الأرض، كان البحر مع الظلمة.

أجل، هذه المادّة الأولى تحمل في طيّاتها مبدأ الحركة الذي يُنعشها. قيل هو الكلمة، هو الحبّ، أو العلّة الفاعلة كما قال الفيلسوف أرسطو. وقال أفلاطون: فنّان إلهيّ فبرك العالم منطلقًا من مادّة وُجدت قبل الوجود، وما كان لها شكل ولا لون.

وماذا قال الكتاب المقدَّس؟ »في البدء خلق الله السماوات والأرض«. أيّ، في وقت حدَّده الله، بدأ الكون يُوجَد. ومن وجده، من كوَّنه؟ الله. واسم الله يعني كلّيّ القدرة. كلّيّ الوساعة والمعرفة. وإذ قال خلق السماوات والأرض، دلَّ على أنَّه خلق كلَّ شيء: الشمس والقمر، والكواكب والنجوم. النبات والحيوان والإنسان. ما كان شيء، وصار شيء. ما كان نور، فقال الله: »ليكن نور! فكان نور«. هنا يأتي فعل »خلَق« الذي هو خاصّ بالله. ما يفعله الله يتجاوز إمكانيّات الشر. هو خلق وحوش البحر (تك 1: 21). خلق السماء والأرض (تك 1: 1؛ 2: 3-4). خلق الإنسان (تك 1: 27).

قال عنه عاموس النبيّ: »صوَّر الجبال، خلق الريح، جعل الظلمة فجرًا. هذا الذي يطأ مشارف الأرض، اسمه الربّ، إله الأكوان« (عا 4: 13). وقال أشعيا بفم الربّ: »يعلم البشر من مشرق الشمس إلى مغربها أنَّ لا إله غيري. أنا الربّ ولا آخر. أنا مبدعُ النور وخالق الظلمة... أنا الربّ صانع هذا كلِّه« (أش 45: 6-7). وبما أنّنا في عالم يونانيّ مع هذه النظرة الفلسفيّة القائلة بأزليّة العالم، كان فعل إيمان لدى تلك الأمّ التي مات شبّانها السبعة، لأنَّهم رفضوا أن يتركوا الإله الحيّ ويتعبَّدوا للأوثان: »أنظر يا ولدي إلى السماء والأرض وكلِّ ما فيهما، واعلم أنَّ الله خلق كلَّ شيء من العدم (من لا شيء)، وكذلك الجنس البشريّ« (2مك 7: 28).

أجل، لم يكن شيء وصار شيء. في وقت من الأوقات حدَّده الله. كما حدَّد ملء الزمن فتجسّد الابن (غل 4: 4). فالله عيَّن المكان حين خلق الكون. وعيَّن الزمان. فهو وحده الأزليّ. وهو وحده الخالق. والشمس التي ألَّهها الأقدمون صارت سراجًا للبشر. وكذلك القمر. ونقول الشيء عينه عن البحر الذي وضع الله له حدٌّا. والعظيم في هذا الكلام أنَّ الله لم يخلق في الماضي وتوقَّف، بل هو يخلق كلَّ يوم. ويحفظ الخليقة من العدم. يمسك الكون بيده كما الولد يمسك ابنه. وما الذي يدفعنا إلى هذا الكلام؟ فعل إيمان بكلام الله. »في البدء خلق الله«. إن كنتَ تؤمن تابع القراءة. وإلاّ لاحاجة إلى قراءة الكتاب المقدَّس، لأنَّه يقدِّم عالم الله، وأنت تريد أن تبقى على مستوى البشر. عندئذٍ لا تفهم أنَّك في محيط إلهيّ، كما السمكة في الماء، إن هي خرجت ماتت. وكذلك أنت وأنا. نحن نتنشَّق الله. ننظر جمالات الكون ونتطلَّع إلى مصدر كلِّ جمال. وإلى عظمة الخليقة، فنصل إلى مبدع كلِّ عظمة.

2- الله والقدر

نبدأ فنقول إنَّ لفظ الله ليس »اسمًا« لذلك الذي خلق السماء والأرض، بل صفة من صفاته تدلّ على ثباته وقدرته. وكذلك نقول عن يهوه »الإله الذي هو«. إنه حاضر الآن وفيما بعد. يعمل من أجل خليقته، من أجل أحبّائه. نحن ندعوه أيُّها الإله، أيُّها العليّ، أيّها الربّ، كلُّها صفات تنطلق من عالم البشر، لتبيِّن لنا أنّ الله شخص حيّ، يتحاور معنا. يسمع لنا. ويُسمعنا صوته.

مثلُ هذا الإله بعيد كلَّ البُعد عن هذه القوّة الغاشمة التي ندعوها »القدر«. كانوا يقولون: القدر فوقنا. هو كلام جبانة. ويدلّ على تهرُّب من كلِّ مسؤوليّة، بل القدر هو فوق الآلهة والبشر. الحمد لله أنَّ الآلهة ليست بشيء لدى المؤمن. قال بولس الرسول في هذا المجال: زعم الناس أنَّ في السماء أو الأرض آلهة! مساكين. أمّا نحن »فلنا إله واحد وهو الآب الذي منه كلُّ شيء وإليه نرجع« (1كور 8: 6).

القدر يدلّ على مصير لا يُردّ. ما هو مكتوب. ولا يمكن أن يُمحى أو يتحوَّل. مهما فعلت إرادة البشر، لا تستطيع أن تغيِّر فيه شيئًا. ما سيحصل سيحصل، بالرغم من رغباتنا ومجهودنا. القدر يرتبط بقدرة تعلو على الإنسان، بحيث يتحتَّم علينا أن نخضع دون جدال.

نحن لا نحسب أنَّ »القدر« موجود عند المؤمنين. فمن لا يؤمن بالإله الواحد، يربط القدر بالصدفة. بحيث يكون قوّة لاشخصيّة. أمّا من يؤمن، فيربط القدر بالله. بما أنَّه القدير، فهو يفعل ما يشاء، ولا يحقُّ للإنسان أن يجادل مخطَّطات الله. من أنت حتّى تجادل الله؟ الربّ يميت ويحيي، يُصعد ويُحدر إلى أعماق الموت. وراح بعضهم يقولون: المصير الأبديّ لكلِّ إنسان »كُتب« وهو في حشا أمِّه.

لهذا يحاول الإنسان أن يعرف ما سيحصل له. بواسطة الأسترولوجيا: ينظرون إلى الكواكب ويستخلصون منها مسيرة حياتهم. ولكنَّ المؤمن لا يعتقد إطلاقًا أنَّ مستقبله »سُجِّل« مسبقًا في توازن الكواكب. فهذا يعني نفيًا لكلِّ حرّيّة ومسؤوليّة. فيهزأ النبيّ أشعيا من مثل هؤلاء »المنجِّمين«، ويقول لبابل (وبالتالي لكلِّ مدينة وكلِّ شعب): »تمسَّكي بسحرك وكثر شعوذاتك، شأنك في ذلك منذ صباك... أتعبتْك كثرةُ المشيرين. أين راصدو الأفلاك، الناظرون في نجوم السماء، المنبئون عند كلِّ رأس شهر؟ أين هم، فليأتوا ليخلِّصوك ممّا هو آتٍ عليك! ها هم يصيرون كالقشّ. تحرقهم النار. ومن يد اللهيب لا يقدرون أن يُنقذوا أنفسهم« (أش 47: 12-14).

الإنسان حرّ. أما يكون الله حرٌّا؟ أم أنَّ القدر فرض عليه أن يعمل؟ ذاك ما يقوله الجاهل في قلبه، ليعلن: لا وجود لله. أو كما في القرن العشرين: مات الله فيصبح الكون مثل إناء فارغ يتمرجح على الموج في البحر. يقولون: لا وجود لعناية الله. لا نعرف كيف ترد الأمور. يبقى علينا أن نتهيَّأ لها. وإذا تجسَّد القدر في إله من الآلهة، نقدِّم له الذبائح الضروريّة.

كم نحن بعيدون عن النظرة الصحيحة إلى الله! أتُرى هناك مشيئة فوق مشيئته؟ مستحيل. قال: »مشورتي هي التي تثبت، وأنا أفعل كلَّ ما أشاء. من المشرق أدعو الطير الكاسر، ومن الأرض البعيدة، رجلَ مقاصدي. قلتُ ذلك وسآتي به. تصوَّرتُه وسوف أفعله« (أش 46: 10-11). الله خلق الكون بكلمة من فمه. الله جبل الكون، كما الفنّان يصنع إناء. قال عنه أشعيا: »جابل النور وبارئ الظلمة، صانع السلام وخالق الخير. أنا يهوه صانع كلِّ هذا. هذا ما قال يهوه: بارئ السماوات هو الله، جابل الأرض وصانعُها، وهو الذي كوَّنها« (أش 45: 7، 18). ويواصل النبيّ كلامه: »هذا ما قال يهوه، قدّوس إسرائيل وجابله: أتيتم تسألون عن نبيّ، وتسألوني في ما تعمل يدي. أنا صنعت الأرض. وبرأت البشر عليها. نشرتْ يداي السماوات، وأضأتُ جميع نجومها« (مز 45: 11-12).

لاحتميّة على مستوى الله، في إطار قول بعض الفلاسفة: وجب على الله أن يخلق. وأن يخلق أجمل ما يمكن! كلاّ. فالله كاملٌ في ذاته، لأنَّه ليس شخصًا واحدًا، بل عيلة. الآب والإبن والروح القدس. هي المحبّة الكاملة. والاكتفاء الذي لا ينقصه شيء. وإن هو أراد أن يخلق، فمن فيض محبَّته. وبملء حرّيّته. وفي أيِّ حال، خلقُه يبقى سرٌّا لنا. ولا نستطيع أن نفهمه أبدًا. لماذا خلق؟ نتخدَّث عن المحبّة. وكيف خلق الآن، لا قبل ولا بعد؟ لا نستطيع الجواب. من أمره، من أوصاه، من فرض عليه أن يعمل ما عمل؟ أسئلة تائهة، باهتة، تتعدّى مفهوم الإنسان الذي لم يعرف بعد سوى قشرة في الكون. ويريد أن يعرف الله! فما يسمّيه آخرون القدر، ندعوه نحن القدرة الإلهيّة المحبّة، التي تجعل من البشر أبناء الله. لهذا، تكون لنا دالّة الأبناء الأحبّاء، التي تنفي كلَّ خوف يميِّز العبيد.

3- الله الخالق والمادّة الأولى

حين عاش العبرانيّون في منطقة بابل، حاولوا التكلُّم عن الخلق بلغة البلاد التي يعيشون فيها. وماذا قال البابليّون عن الخلق؟ »لمّا في العلاء لم يكن للسماء اسم، وفي الأسفل لم تنل اليابسة اسمًا، أنجبهما »أبسو« (الأب) الأوَّل، كما ولدتهما تيامات (الأمّ). امتزجت مياه أبسو الحلوة، مع مياه تيامات المالحة. لم يُبنَ مسكن للآلهة. ساعة لم يظهر بعدُ أيُّ إله، ولا تسلَّم اسمًا ولا عرف مصيره، عندئذٍ خُلقت الآلهة من أبسو ومن تيامات«.

ما نستنتج هنا، وجود أساس من أجل الخلق الذي هو ترتيب كلِّ شيء في مكانه. المياه الحلوة والمياه المالحة. المياه التي فوق السماوات والتي تُنزل مطرًا على الأرض. والمياه التي تحت الأرض فتخرج ينابيع لحاجات الخليقة. فالفوضى حاضرة. لهذا تدخَّل مردوك الإله البابليّ، فأزال تيامات. وعبَّر الكتاب المقدَّس عن ذلك: »وقال الله: ''لتجتمع المياه التي تحت السماء إلى مكان واحد، وليظهر اليبس''. فكان كذلك وسمّى الله اليبس أرضًا. ومجتمع المياه سمّاه بحارًا« (تك 1: 10). عند ذلك، صار الكون حسنًا. رضي الله عنه. وهو يستطيع أن يستقبل النبات، ثمَّ الحيوان والإنسان.

نستطيع أن نقرأ هذا الترتيب في نصٍّ أشوريّ يعود إلى القرن الثاني عشر ق.م.: »بعد أن ابتعدت السماء عن الأرض، وقد تأسَّستا معًا، ووُجدت الإلاهات الأمَّهات ووُضعت الأرض وصُنعت الأرض. بعد أن تحدَّدت قواعد السماء والأرض...«. ذاك هو فعل الإله الأكبر في بلاد الرافدين، أي ما يقابل العراق اليوم وبعض إيران.

ولكنَّ الشعب المقدَّس يتجاوز مثل هذه النظرة. لا شكَّ في أنَّه أخذ أسلوبًا سبقه، ولكنَّه حوَّل هذا الأسلوب، بحيث يبدو الله ذاك الذي يسود الخليقة، ولا يتشابك معها. فسماء السماوات لا تصل إليه. والبشر كلا شيء أمامه. إن كانت هناك من »مادّة أولى« كما قال الأقدمون''، فهذه المادّة هو الذي خلقها وهو يوجِّهها.

تحدَّثت النصوص القديمة عن ولادات متعاقبة، فوصلت بنا الأمور إلى الحلوليّة: الله يحلُّ في كلِّ شيء. وهكذا يكون كلُّ شيء الله. وصار الله والعالم واحدًا. هنا، إمّا يكون الله كلَّ شيء والعالم لا شيء، وإمّا يكون العالم هو الواقع الوحيد. أمّا الله، فلا يبقى له مكان، أو هو مجموع الخلائق. في هذا الإطار، نفهم أن تُعبَد الطبيعة بعد أن صارت »كائنًا حيٌّا«. لهذا، عبدت الشعوب القديمة الشمس والقمر، البحر والنهر. النيل معبود مصر. وجبل سيناء موقع حجّ. بل المرتفعات صارت مقدَّسة حين ينزل الإله عليها، وتطأ رجلاه قمَّتها.

في عمل الخلق، تُعلَن علاقة أصيلة بين الله والكون كلِّه. وندلّ بهذه العلاقة على زمن أوَّل، على البدء. كما ندلّ على عمل بدأ في وقت من الأوقات. وضع الله أساسات الأرض والسماء. وما زال يعمل ولن يزال. الخلق هو تعلُّق المخلوق بمبدأه.

الله خالق في ما أنَّه أب. هو أبو الابن الذي تجسَّد، يسوع المسيح. والخلق ليس إيلادًا. فالخليقة ليست من جوهر الله. وإذ تحدَّث الوحي عن فعل الله الخالق، أعلن أنَّ العالم، وإن تميَّز عن الله، يبقى في جذوره، مرتبطًا به. الخلق فعلٌ تمَّ في كلمة. وقال الله. وقال الله. هو نداء إلى المديح والنشيد: »السماوات تنطق بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه« (مز 19: 2). وحين نقول إنَّ الله هو خالق العالم، نؤكِّد أنَّ العالم ليس نتيجة صدفة، بل غاية مشروع. هنا قال الكوردينال راتسنغر (البابا بندكتُس 16): »الفيزياء والعلوم البيولوجيّة تعرِّفنا بوجه الخالق... والعالم ما خرج من الظلمة والعبث. بل تفجَّر من العقل، من الحرّيّة، من الجمال، من الحبّ«.

الخاتمة

حين نتكلَّم عن الله الخالق، نكتشف قدرة إلهنا. ولكنَّنا لا نجعله مثل القدر يقرِّر عنّا. ويصادر حرّيّتنا. هذا كُتب له. قُطع حبل حياته. انتهى الزيت في سراجه، فانطفأ. فقدرة الله هي قدرة المحبّة التي هي في النهاية ضعف. وهي تريد لنا الحياة، لا الموت.

والخليقة لا يمكن أن تُوجَد إلاّ في ارتباطها بالله. في الماضي، شدَّد الكتاب على عمل الله، بحيث ضاعت حرّيّة الإنسان. أو هو ترك قدرة الله تسيطر على الإنسان بحيث لا يُذكر ما عمله. هذا يعني في النتيجة أنَّ الإنسان لا يُسأل عن أعماله، إذا كان الله يعملها فيه. وإن كان الأمر كذلك، فكيف أُدان أنا الإنسان، إذا كنت لا أعمل أعمالي طوعًا؟ أمّا اليوم، فأرادوا للكون أن يتحرَّر من الله، وكأنَّه يستطيع أن يزاحم الله على مستوى الوجود. مثل هذا الفكر يجعل العالم أزليٌّا مثل الله. وفي أقصى درجة، إن هو خُلق، فاليوم استقلّ عن الخالق وهو يسير مسيرته، ويكفي ذاته بذاته. ولكنّنا لا ننسى أنَّ الله هو الذي بسط السماوات ويطويها كما الرداء. هو أسَّس الأرض، وأقرَّ حجمها، ومدَّ عليها الخيط وقاسها (أي 38: 4-5).

الخليقة انطلقت من الله، وتعود إلى الله. فتكون الأرض أرضًا جديدة، والسماء سماء جديدة. والبشريّة كلُّها تجتمع في شخص المسيح.

تلك هي نظرتنا إلى الله الخالق. نعبده، نخافه. وبالأحرى نحبّه بعد أن صرنا أولاده. أمّا ارتباطنا به فصورة عن ارتباط الخليقة كلِّها. فيبقى علينا أن نحمل نشيد الخليقة إلى الخالق: »فهو الذي خلقها بأمره، وثبَّتها إلى الأبد« (مز 148: 5-6).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM