سفرالتكوين:عقاب آدم 3 / 17
وقال الله لآدم: »لأنّك سمعت كلام امرأتك، فأكلت من الشجرة التّي أوصيتك بأن لا تأكل منها تكون الأرض ملعونة بسببكَ. بكدّك تأكل طعامك منها، طول أيّام حياتك وشوكًا وعوسجًا تنبت لك، ومن عشب الحقل تقتات. من عرق جبينك تأكل خبزك حتّى تعود إلى الأرض لأنّك منها أُخذت فأنت تراب وإلى التراب تعود«.
أحبّائي ما زلنا في عالم الخطيئة، هذه الخطيئة التي دعت الله أن يتدخّل. ننتبه هنا، »قال الله لآدم«: الله لا فم له ولا لسان ولا شفتان بهما يتكلّم. عندما نقول: »قال الله« فإنّه يكلّمنا في أعماق ضميرنا، أو هو يكلّمنا بواسطة شخص من الأشخاص، بواسطة نبيّ، بواسطة رجل تقيّ، بواسطة أب أو أم أو معلّم أو معلّمة. قال الله لآدم أي جاءت كلمة الله ربّما على لسان البشر إلى آدم، من هو آدم؟
أنا، أنتَ، أنتِ، كلّ واحد منّا هو آدم، هو الإنسان، لأنّ كلمة آدم كما سبق وقلنا تعني الإنسان المأخوذ من التراب، بالعربي أدم: التراب الأحمر، التراب الأسمر. إذًا آدم هو أنا وأنت. ومن خلال هذا الصوت، صوت الله إلى آدم، نسمع صوت الله إلى كلّ واحد منّا. »لأنّك سمعت كلام امرأتك«. هذا لا يعني أنّ على الرّجل أن لا يسمع كلام امرأته، ولكن الكلمة تتضمّن أنّ آدم فضّل أن يسمع كلام امرأته على سماع كلام الله. هنا نتذكّر يسوع المسيح: »من أحبّ أبًا أو أمٌّا أكثر منّي، لا يستحقّني، أو من لا يترك من أجلي أبًا أو أمٌّ وامرأة وأخوة وأخوات لا يستحقّني«. هنا تفضيل صوت الله على صوت البشر أم صوت البشر على صوت الله؟ لهذا إغتاظ الربّ هنا. نتكلّم بكلام البشر: لم يرضَ الربّ عن تصرّف آدم، عن تصرّف الإنسان لأنّه فضّل أن يسمع كلام البشر وألاّ يسمع كلام الله. وهذا ما يحدث لنا مرارًا عديدة عندما نفضّل مصلحتنا على المصلحة العامّة، عندما نفضّل ما يقوله الناس على ما يقوله الله: مثلاً الوصايا واضحة. »لا تقتل« مثلاً ومع القتل هناك الغضب، هناك الحقد، هناك أمور عديدة تصل بنا إلى القتل. ومع ذك نحن بسبب أنانيّتنا أو بسبب عبوديّتنا لشهواتنا ولشخصنا نفضّل أن نسمع صوت يقوله لنا الناس من الخارج ولا نسمع صوت الله. إذا خطأ آدم حين فضّل أن يسمع كلام إمرأته ولا يسمع كلام الربّ ولا يطيع أمر الربّ، وصيّة الربّ. ماذا قال له الربّ: »أكلت من الشجرة التي أوصيتك بأن لا تأكل منها«. نحن هنا أمام مثل، وهذا المثل يدلّ على أنّ الكلمة المهمّة ليست الأكل من الشجرة بل أوصى: الوصيّة، يعني الربّ أعطانا وصيّة، أعطانا الوصايا. نتذكّر هنا أحبّائي أنّ هذا الكلام الذي نقرأه هنا، لم يكتب في بداية الكون. كلاّ، كتب في القرن الخامس ق. م. عني بعد الوصايا بالشرق الأوسط بألفي سنة وبعد وصايا موسى أقلّه بـ 700 سنة. هنا الكاتب عندما يتحدّث عن الوصيّة من خلال أكل من ثمرة، أكل من شجرة المهم لهذه الصورة المهم الوصيّة. الربّ أعطانا وصايا ويجب علينا أن نحفظ هذه الوصايا ونعمل بها وهنا نعطي فكرة صغيرة: إذا كان عندنا صورة للمسيح، للعذراء مريم، لأحد القدّيسين، هل نتوقّف عند الألوان؟ هل نتوقّف عند الأشكال؟ كلاّ. ننطلق من اللون، ننطلق من الشكل، ننطلق من التعبير حتّى نصل إلى الشخص، إلى يسوع المسيح، إلى العذراء مريم، إلى أحد القدّيسين. وكذا نقول على مستوى الرسم، الرسم الفنيّ، عندما يرسم الكاتب، المصوّر يرسم لوحة أمّا كتابة، إمّا بالألوان فهو لا يريدنا أن نتوقّف عند الحروف والكلمات والألوان بل أن ننطلق من الكلمات والحروف والألوان ونصل إلى عمق الفكرة. وهنا المهمّ هي الوصيّة: خالف آدم الوصيّة كرامة امرأته، أغاظ الربّ وما أراد أن يغيظ امرأته، لهذا السبب كان العقاب. هنا نفهم من القصّة العقاب، لا ننظر إليه في المستقبل بل في الماضي يعني الكاتب انطلق من حياة الفلاّح في الحقل، هذا الفلاّح الذي يحرث الأرض الذي يعمل في الأرض، انطلق من حياة الفلاّح وأفهمه إنّه إن كان يتعب، إن كان يعرق، إن كان يتألّم فالسبب ليس ا؟، السبب هو نفسه أو بل بالأحرى السبب هي الخطيئة، الخطيئة هي سبب التعب، سبب المرض وسبب الموت كما سنعرف أو عرفنا قبل ذلك. يبدأ فيقول: تكون الأرض ملعونة بسببك نلاحظ أوّلاً: ليس الإنسان ملعون. الله لا يلعن الإنسان أبدًا، اللعنة يعني منع البركة، لا يمكن لله أن يمنع البركة حتّى عن الأرض. لا يمنعها علىطول، كانوا يعتبرون أنَّ الجفاف، القحط، الشوك، العوسج، الموسم الصغير هو علامة على أنّ الله قطع بركته. لكنّ الإنسان لا يُلعن أبدًا، الإنسان باركه الله منذ البداية بعد أن خلقه على صورته ومثاله فهو لا يلعن. لكن الأرض هي التي تنال اللّعنة وإذا أصاب لعنة إلى الإنسان فبطريقة غير مباشرة كمن يضرب الحجر على الطريق فيخلص الحجر ويصيب شخصًا من الأشخاص. لكن هنا مع إنّ الإنسان هو الذي خطأ فالإنسان لا يُلعن (وهنا ممنوع أن نلعن بعضنا) فيقول لنا المزمور: »أنت تلعن والله يبارك« يعني ماذا تنفع لعنك إلاّ لتدلّ على روحك السيّئة، روحك الرديئة، روحك المملؤة بالخطيئة. نلاحظ إذًا وأشدّد على هذا. إنّ الإنسان لا يُلعن بطريقة مباشرة. هي الأرض تُلعن يعني الأرض إذا كان فيها من الصعوبة،إذا حلّ فيها الجفاف والفحط علامة اللعنة، علامة البركة. ولكن الربّ لا يلعن على الدّوام، الربّ هو إله البركة وهذا ما نلاحظه خصوصًا عند الأنبياء يمكن أن يهدّد النبيّ بالعقاب للشعب بسبب خطاياه ولكن كلّ كتاب من كتب الأنبياء ينتهي أخيرًا بالبركة. مثلاً عاموس النبيّ الذي هدّد ليس فقط شعب إسرائيل وشعب يهوذا ولكن هدّد كلّ الشعوب المجاورة لأنّهم لم يحترموا حقوق الإنسان. داسوا الناس بنوارج من حديد مثلاً أو باعوهم كالعبيد. كان العقاب ولكن في النهاية الربّ يعود، يتوب إذا شئنا أن نقول ويطلب منّا التوبة لكي يمنحنا البركة. ويتابع النص. »بكدّك، بعرق جبينك، تأكل خبزك، تأكل طعامك« الخبز يعني هو كلّ طعام، عندما يكون موجود الخبز في العالم القديم ليس مثل اليوم، (إذا كان في خبز يعني في طعام) والإنسان لا يموت من الجوع لكن هذا الإنسان لم يحصل على طعامه وليس هذا التعب يومًا أو يومين: »طول أيّام حياتك بعرق جبينك تأكل خبزك«. هنا نتذكّر يسوع المسيح وقت التجارب، في وقت التجارب أراد الشيطان، أراد إبليس بأن يمنع يسوع بأن يأكل خبزه بعرق جبينه. صام يسوع، جاع، قابله الشيطان إبليس: »إن كنت ابن الله فمرّ بأن يتحوّل هذا الحجر إلى خبز وهكذا لا تتعب في أن تؤمّن طعامك بعرق جبينك«. ولكن يسوع هو إنسان تام، إنسان كامل شبيه بنا في كلّ شيء، عرف التعب، عرف النوم، عرف الجوع، عرف العطش، فقد أراد أن يأكل خبزه مثلنا بعرق جبينه. هنا نلاحظ شيء مهمّ جدٌّا يعني هذه الخطيئة لا ترتبط بهذا العمل. نسمعها مرّات عديدة، مثلاً فعلت خطيئة وأصاب ابني مرض، ماذا أقول الربّ يعاقبني بسبب خطيئتي. هذا غلط كبير لأنّ الربّ ليس شخص كبير حامل عصا ويمشي وراءنا. كلاّ الربّ هو الأب الحنون. يريدنا أن ننمو، أن نكبر، أن نتقدّس في القامة، في الحكمة، في النعمة. لكن بشكل إجمالي كلّ ما في العالم من ألم، كل ما في العالم من عذاب، كل ما في العالم من موت، إنّما سببه الإنسان. على كلّ حال إذا عدنا إلى خبرتنا البسيطة نرى الآلام التي نسبّبها لنفوسنا أو نسبّبها بعضنا لبعض. ويعطي الكاتب صورة عن هذا الألم، عن هذا التعب في عمل الأرض: »شوكًا وعوسجًا تنبت لك« الشوك والعوسج هو ما يقتل الحبّ، البذار الطيّب. تذكّروا مثل الزارع: نبت الزرع وسط الشوك فخنقه الشوك. ومن عشب الحقل تقتات: كانوا يحسبون أنّ الإنسان لا يأكل اللّحوم وبحسب الكتاب المقدّس يسمح له بأن يأكل اللّحم بعد الطوفان. هنا نلاحظ أنّ الإنسان يأكل من عشب الحقل. وإذا رجعنا إلى الوراء على مستوى الحيّة، الحيّة أيضًا هي تسحق على الأرض وتأكل من عشب الأرض لا بل تأكل من تراب الأرض.
لمّا تبع الإنسان صوت الحيّة، صوت الشيطان صار يتصرّف مثل الحيّة، مثل الشيطان. بعرق جبينك تأكل خبزك حتّى تعود إلى الأرض. كانوا يدفنون الناس في الأرض، يحفرون في التراب، يضعون الجسد ويغطّونه بالتراب. وهكذا أخذ الإنسان من التراب وهو يعود إلى التراب. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا كما قال أيّوب حياة الإنسان هي جهل وعناء يصوّرها بيوم الأجير، يوم الأجير الذي يعمل من طلوع الشمس حتّى غروبها وهذا الأجير يتمنّى بسرعة بأن يأتي غروب الشمس حتّى ينتهي نهاره، حتّى ينتهي تعبه، ولماذا؟ حتّى ينال أجره. وهكذا الإنسان منذ أن يخرج من التراب حتّى يعود إلى التراب يرافقه التعب والكدّ وعرق الجبين وينتظر ساعة الموت، ساعة الموت تكون ساعة الراحة من التعب. هنا نتذكّر إنّه عند الشّعب اليهوديّ، وعند شعوب عديدة حتّى الشعب اليونانيّ أو غيره. لم يكن سماء وجهنّم، كان الإنسان من بعد الموت، يذهب إلى موضع تحت الأرض لجميع الموتى سواء كانوا أبرارًا أو أشرارًا. سمّوه اليهود »الشيول« الشيول يعني الصمت، السكوت، وسمّاه اليونان »الهادس«. كان ينتظر هناك الموضع كلب كبير حتّى إنّ الّذين دخلوا هذا المكان لا يستطيعوا أن يخرجوا لكنّ الشعب العبرانيّ بآخر مسيرته مع التوراة سيفهم خصوصًا مع دانيال النبيّ فصل 12، أنّ الربّ سيقيم الموتى من القبور. وآدم الذي مات، شأنه شأن جميع الناس. إذًا ذهب إلى الشيول نسميّه تحت الأرض، إلى مثوى الأموات. من هنا نقول بأنّ الأموات مثل الخيال، مثل الضباب، لكنّ الربّ كما قال حزقيال يستطيع أن يعيد إليهم اللّحم والدم بالمعنى الروحيّ يعني يعطيهم الجسد الممجّد على مثال جسد المسيح الممجّد. ويتابع النصّ فيقول (سفر التكوين 3/20) وسمّى امرأته حوّاء لأنّها أم كلّ حيّ وهنا ننتبه أنّنا أمام النظرة إلى الوقت السابق يعني بما إنّه كل ولد يلد كان صبيّ أم بنت، تلده المرأة، إذًا المرأة هي أمّ كلّ حيّ. ولماذا نقول آدم سمّاها لأنّ له سلطة عليها من له سلطة على شخص يعطيه إسمًا. وآدم أعطيَ السلطة على حوّاء خصوصًا من بعد الخطيئة يقول له هنا قرأناه في المرّة الماضية 3/16: »إلى زوجك يكون اشتياقك وهو عليك يسود« لكن نعرف مع العهد القديم لا رجل ولا إمرأة بل نحن كلّا واحد في المسيح بعد أن تعمّدنا في المسيح. ويقول النصّ في 3/21 وصنع الربّ الإله لآدم وامرأته ثيابًا من جلد وكساهما مع أنّ الإنسان خطأ، رجلاً وامرأة، ومع إنّهما ابتعدا عن الربّ يهتمّ بهما. هنا نحن أحبّائي أمام صورة، يعني الربّ لا يترك الإنسان أبدًا حتّى لو تركه الإنسان. الربّ لا يغضب غضب الموت على الإنسان. ولو أغاظة الإنسان الربّ يبقى إله الرحمة، إله العناية. مثلما الأب يعطي ابنه الثوب كذلك الربّ أعطى آدم وامرأته ثياب من جلد حتّى يكسوهما. وقال الربّ الإله، صار آدم كواحد منّا يعرف الخير والشرّ وهنا نحسّ بهذه المزحة البسيطة بأنّ الربّ يقول: ظنّ آدم إنّه يعرف الخير والشرّ. كلاّ بل هو عرف الشرّ بدون الخير، عرف وصايا البشر دون وصايا الله ولهذا السبب لأنّه تعلّق بالشرّ. فلن يكون له أن يبقى في الفردوس، أن يبقى في السعادة مع الله أن تكون له شجرة الحياة. لا يبقى إلاّ أن يخرج من جنّة عدن، جنّة عدن ليست مكانًا محدّدًا، جنّة عدن هي حالة من السعادة. حالة من السعادة يعيشها الأبرار، يعيشها الذين يعيشون بحسب وصايا الله الذين يعيشون في نعمة الله ولكنّ آدم خطأ، ابتعد عن الله يجب عليه أن يعود ليعرف من جديد النعمة، نعمة الحياة مع الله، جنّة عدن، الفردوس فطرد آدم وأقام القاروبين شرقي جنّة عدن وسيفًا مشتعلاً متقلّبًا لحراسة الطريق إلى شجرة الحياة هنا عندنا كلمات رمزيّة سنعود إليها في الحلقة الثانية ولكن منذ الآن نفهم السيف هو نحن نعرف كلام الله، هو سيف ذو حدّين. كلام الله هو الذي يجب أن يوجّه حياتنا والنّار تدلّ دومًا على حضور الله الدئم. نتذكّر النّار في العليقة الملتهبة كيف أنّ النّار تدلّ على حضور الله. ظهر الله من خلال العلّيقة وكلّم موسى. اكتشفنا وقلنا يكلّمه في قلبه، في ضميره ولكن هذه الصفة الخارجيّة، هذا الشكل الخارجيّ، هذه العلّيقة الملتهبة التي لا تحترق هذه العلّيقة تدلّ بشكل خارجيّ على الله الحاضر مع موسى. وهنا أيضًا على باب الجنّة، هناك السّيف، سيف كلام الله، هناك النّار حضور الله، هذا السّيف وهذه النّار تدلاّن على أنّ آدم لمّا كان له وعد في الجنّة، سيكون خارجًا. ولكن سوف نفهم بأنّه لن يبقَ خارجًا على الدوام لأنّ يسوع المسيح بتجسّده سيعيده إلى الجنّة، إلى الفردوس. طُرد آدم بخطيئته، طُردت حوّاء بخطيئتها، ولكن يسوع المسيح سيعيدهما إلى الجنّة بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى الموت، دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت. ولكنّ بعمل إنسان واحد هو يسوع المسيح جاء الخلاص وجاءت النعمة ونحن نعيش في هذا الخلاص وفي هذه النعمة. آمين