كلام الرَب كلام الرَجاء مزمور:60

كلام الرَب كلام الرَجاء

 

مزمور:60

أحبّائي، نقرأ المزمور 60: كلام الربّ كلام الرجاء. لكبير المغنّين على مقام السوسن، نشيد لداود للتعليم.

عندما حارب آراميّ النهرين وصوبة فرجع يوآب وضرب اثني عشر ألفًا من الأدوميّين في وادي الملح.

ويبدأ المزمور بآية 3: خذلتنا، يا الله... وهو يدوس أعداءنا.

هو مزمور قاسٍ جدٌّا مزمور 60. وما يقدّم لنا من مناخ يجعلنا بعيدين بعض الشيء عن المقدّمة. ما هو مناخ هذا المزمور؟ هو توسّل جماعيّ، هو بكاء. حصلت كارثة على مستوى القبائل ربّما على مستوى مدينة احتلّها العدوّ ودمّرها وسلب من سلب وهرب الباقون. لهذا نجد أكثر من مرّة فعل خلّص.

1 - الله يخلّص التائبين

يقول هنا في آية 7: »خلّصنا فيخلُص... الذين نحبُّهم«.

إذًا، هنا وفي 13: عبثًا يخلّصنا البشر. اكتشف المؤمن أنّ خلاص البشر لا يمكن أن يُحسَب خلاصًا.

في أيّ حال، حين كانت أورشليم محاصرة على يد البابليّين سنة 587 - 586 قبل المسيح، انتظروا المعونة، انتظر الشعب العون من مصر، اقترب الفرعون ثمّ عاد إلى الوراء. البشر لا يستطيعون أن يخلّصونا. وفي أيّ حال خلاصهم لا فائدة منه. يخلّصوننا اليوم، وماذا نفعل غدًالله أمّا الله فوحده خلاصه ثابت. فهناك أعداء، هناك مدينة تدمّر، هناك السلب، هناك النهب، وربّما أيضًا هناك هزّة أرضيّة، هناك زلزلة.

لهذا يقول في آية 4: زلزلتَ الأرض وكسّرتها فاجبُرْ كسرَها لأنّها متزعزعة.

نحن أمام كارثة على مستوى قبيلة من القبائل أو على مستوى جميع القبائل. هذا في أصل النشيد. لكن هذا النشيد سيصبح نشيدًا هامٌّا في احتفالات التوبة.

2 - التوبة

لماذا هنا التوبة؟ لأنّهم كانوا يعتبرون أنّ ما يصيب الشعب هو عقاب عن خطيئته. ويبدأ المزمور منذ الكلمة الأولى: خذلتنا، يا الله، وبدّدتنا. وتعود الكلمة في آية 12: أحقٌّا خذلتنا، يا الله، وتبدّل الوضع عندك؟

آ 2 ما عدت تخرج مع جيوشنا، فنحن في الضيق. وفي الآية 3، كنت غاضبًا فعد إلينا. هذه الكلمة مهمّة جدٌّا: هو غاضب. ولماذا يغضب الله؟ بسبب خطايانا. وعندما يغضب الله يبتعد، ولهذا، بما أنّ الله ابتعد، بما أنّ تابوت العهد ليس مع الشعب أو حتّى إذا كان مع الشعب، فتكون الضربة قاسية جدٌّا. لهذا قال: كنت غاضبًا. يعني ابتعدت عنّا، رفضت أن تكون معنا، أن تكون بقربنا، لهذا نطلب منك أن تعود إلينا. وهذا الغضب هنا في الآية 3 نقرأ عنه في آية 12: ما عدت تخرج مع جيوشنا. آ 13: كن نصيرًا لنا في الضيق. نحن في الضيق وأنت بعيد.

كما يقول النبيّ عن المؤمنين بواسطة صاحب الكرم: هو يجلس بعيدًا ويتألّم ويتأمّل. الاثنان سواء. وماذا يطلب المؤمن؟ يطلب الخلاص بعد أن وصل الشعب إلى عمق الألم، إلى عمق الضيق، إلى عمق الشدّة. يقول في آية 5: أريتَ شعبك الشدائد وسقيتنا حتّى الثمالة، أو إذا أردنا صرنا سكرانين ما عدنا نعرف أن نمشي. نترنّح مثل شخص سكران. لا شكّ هنا كأنّه يقول: هي الدينونة المقتربة منّا.

أحبّائي، هكذا صوّر الكاتب المسألة كما قلت: إمّا دمار مدينة أو سلب أو نهب أو هزّة أرضيّة. لكن الذي جمع المزامير عاد وأعطى مقدّمة أخرى.

نعود إلى أوّل المزمور. نحن نقرأ مزمور 60 لكبير المغنّين. صرنا نعرف ماذا يعني. يعني رئيس الجوقة على مقام السوسن، إذًا هو لحن من الألحان يعرفه الموسيقيّون. نشيد لداود يعني ارتبط بداود. هو في الأساس لم يكن مرتبطًا بداود. هذا أنشده ربّما أحد الكهنة في مدينة من المدن، في منطقة من المناطق، بعد أن حلّ بها الدمار والخراب.

3 - عودة إلى الله

للتعليم: هذه الكلمة مهمّة جدٌّا. هو مزمور يعلّم الناس كيف يعودون إلى الله، وخصوصًا في وقت الشدّة والضيق. من المؤسف أنّ الإنسان مرّات عديدة لا يرجع إلى الله، إلاّ حين تكون الشدّة وحين يكون الضيق، وإلاّ ينسى. كما يقول المثل المعروف: لنأكل ونشرب. لماذا نضيّع وقتنا؟ لنأكل ونشرب، لماذا نتعب نفوسنا؟ الحياة أمامنا ونحن نقطف أزهارها.

أراد هذا المؤمن، هذا المرتّل، أن يجعل من هذا المزمور تعليمًا لنا. لكن نقرأ آية 2 عندما حارب آراميّ النهرين وصوبة: ماذا عمل؟ جميع بلاد الرافدين، يعني بلاد الآراميّين إمّا بلاد الرافدين، إمّا صوبة التي هي مدينة شرقيّ دمشق. فرجع يوآب وضرب اثني عشر ألفًا من الآدوميّين في وادي الملح. يعني نحن أيضًا في منطقة فلسطين.

هي صورة الحرب، ولكن في النهاية هي أبعد من صورة الحرب، هي حرب من نوع آخر. وهذه الحرب ليست حرب البشر، بل هي حرب الله، حتّى يقول: كلّ هذه الأرض هي أرضه. أبدًا، هذه الأرض هي أرضه.

خلّصنا بيمينك وأعنّا فيخلُص الذين نحبّهم. من هم الذين نحبّهم؟ أو الذين يجب أن نحبّهم. لا شكّ، قسّم المرتّل شعبه والشعوب الأخرى، إذ هو يحبّ شعبه ولا يحبّ الشعوب الأخرى، فيخّلص الذين يحبّهم. من هم الذين نحبّهم؟ الله سوف يقول من هم الذين نحبّهم أو يجب علينا أن نحبّهم.

وقال الله في مقدسه أو قال بحسب قداسته، يعني هو منفصل عن الناس. يقول لنا هوشع: أنا إله لا إنسان، أنا قدّوس فيما بينكم، أنا لا أتصرّف كما تتصرّفون، طرقي غير طرقكم، أحكامي غير أحكامكم. فإذًا، قال الله في قداسته.

4 - الله يقسّم

وهنا جمع كلّ هذه الشعوب التي كانت مرّة تتوافق ومرّة تتنافر. قال الله في مقدسه: بغبطة أقسّم شكيم. شكيم يعني منطقة نابلس، وبالتالي أرض السامرة التي انفصلَت عن أورشليم من سنة 722 وما بعد، لمّا مضى معظم أهلها إلى المنفى، أُقسّم شكيم بغبطة، بفرح.

ما معنى أقسّم؟ يعني هي لي. مثلما اليوم عندنا أرض نقسّمها قطعًا حتّى نستثمرها ونبيعها. وهنا بغبطة أقسّم شكيم. هي نابلس اليوم وهي لي أنا. فإذًا، شكيم هي لي وليس فقط لشعب واحد. وأقيس وادي سكوت. وادي سكوت هي شرق الأردنّ. إذًا، غربيّ الأردنّ وشرقيّ الأردنّ هما لله. ثمّ لي جلعاد ولي منسّى. جلعاد ومنسّى هما يمتدّان من حوران الحاليّة إلى نهر الأردنّ. هذا ما قاله. لي جلعاد ولي منسّى. هما لي.

عندما أقسّمُ أقيس. عندما نقيس الأرض يعني هي لي أنا. وأقسّم يعني أنا قسّمت هذه الأراضي للناس. فالحرب ممنوعة. مثل اليوم يقولون: ممنوع على الدول الكبيرة أن تسيطر على الدول الصغيرة. وهذا يعود إلى أيّام العهد القديم.

أنا أقيس الأرض وأنا أوزّعها على البشر. ليسوا هم من يأخذون بالقوّة أراضي بعض. راجعوا التاريخ: كلّ هذه الحروب هي حتّى نأخذ أرض الآخرين، مع أنّ الربّ هو الذي قال أنا أقسّم هذه الأرض، أنا أقيس وادي سكوت.

نتذكّر هنا هذه الحرب الأخيرة، الحرب العالميّة الثانية، كيف امتدّت ألمانيا إلى أوروبّا. وقبلها أيضًا امتدّ نابوليون إلى أوروبّا. وكيف في هذه الحرب العالميّة الثانية أرادت اليابان أن تأخذ الصين كلّها، ولكن كلّ هذه الأمور تنتهي بالفشل وبالدمار كما قلنا أكثر من مرّة. تركت الحرب العالميّة الثانية وراءها ستّين مليون قتيل. لي جلعاد ولي منسّى يعني: شرقيّ الأردنّ. وموآب مغسلتي.

موآب هنا قرب البحر الميت. هي مغسلتي، وعلى آدوم ألقي أنا الربّ حذائي. في الماضي كان، إذا إنسان يملك أرضًا، يجعل حذاءه في هذه الأرض حتّى يقول هذه الأرض لي. وأخيرًا وعلى فلسطية هتاف انتصاري.

أنا انتصرت على الفلسطيّين، وانتصرت عليهم لا بالحرب، لكن انتصرت عليهم بالتوبة لمّا صاروا يعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم.

5 - لله الأرض كلّها

11: »من يقودني إلى المدينة الحصينة، من يهديني بعد إلى أدوم؟« هنا نلاحظ دائمًا العبارات الحربيّة التي تدلّ أوّل ما تدلّ، على عادات ذلك الزمان، والناس يأخذون الصور من المناخ الذي يعيشون فيه. ولكن في النهاية هي حرب من نوع آخر، وهذه الحدود ليست فقط حدود شعب من الشعوب أو بعض القبائل المتحالفة، هذه الأرض هي أرض الله. لهذا السبب جاءت المقدّمة توسّع أكثر، ما توقّفت عند سكوت أو جلعاد أو منسّى مع جواره، بل راحت أبعد من دمشق بل وصلت إلى منطقة بلاد النهرين إلى الفرات إلى دجلة. يعني وصلت إلى كلّ الأرض المعروفة في ذلك الزمان.

ومن قال إنّ هذه الأرض هي لي لا للبشر؟ الله قال: أنا أقسّم الأرض، أنا أقيسها، فهي كلّها لي. لي جلعاد، لي منسّى، لي إفرائيم، لي يهوذا، لي موآب، لي أدوم. كلّ هذا هو لي.

نتذكّر، أحبّائي، هنا المزمور 87. رائع. يقول: يمكن أن تُولد أنت في أيّ مكان، لكن في النهاية كلّنا مولودون في أورشليم، كلّنا مولودون في مدينة الله. ونلاحظ هذه الشعوب. هناك أدوم، موآب، فلسطية، كلّ هؤلاء الأشخاص يُذكَرون هنا. هم كلّهم في أرض الربّ.

فبعد اليوم ما من أرض خاصّة بالربّ، كلّ أرض إنّما هي أرض الربّ. وعندما نقرأ المزمور بهذه الطريقة، بهذه الروح، تتبدّل أمور عديدة. لا للتوسّع على حساب الآخرين، ونترك وراءنا القتل والدمار والسلب والنهب، لأنّ الربّ لا يريد كلّ هذا. وعندما تصلّي فئة، فهي تصلّي باسم جميع الفئات، وعندما يصلّي شعب فهو يصلّي باسم جميع الشعوب. كنْ نصيرًا لنا في الضيق، فعبثًا يخلّصنا البشر.

نعم البشر لا يستطيعون أن يخلّصوا البشر. وفي تاريخ الشعوب يُدعَى حليف قويّ ليطرد عدوٌّا، ولكن ليحلّ محلّه. هذا في الواقع ما حصل للملك آحاز حين كان في وجهه التحالف بين صيدا (صيدون) والسامرة ودمشق وغزّة. تحالفوا على أورشليم، ماذا فعل آحاز؟ هرب من هذا الحلف الذي يحيط بأرض يهوذا، وارتمى بين يدي الملك الآشوريّ، وقدّم له كلّ الغنى الذي في الهيكل.

وماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنّ هذا العدوّ الآشوريّ سيقضي أوقاتًا طويلة، ونحن نعرف أنّه سيهدم السامرة ويهجّر سكّانها. وسنة 701 بعد أن يقيم الخراب والدمار سيحاصر أورشليم. لهذا يقول إشعيا: الشعب السالك في الظلمة. إذًا المنطقة كلّها صارت مظلمة، لم يبقَ سراج، قنديل، ضوء. تدمّر كلّ شيء، أو هرب الناس. الشعب السالك في الظلمة هو أبصر نورًا عظيمًا. هذا الذي وصل إلى حافّة الموت، أشرق عليه نور عظيم.

وكيف أشرق هذا النور العظيم؟ لا شكّ، في الماضي كانت انتصارات محدودة، لكنّ انتصار الربّ في هذا الوقت هو انتصار من نوع آخر. كلّ الملابس الحربيّة يجب أن تُحرق، السلاح يجب أن يتحوّل، السيف يصبح محراثًا، الرمح يصبح منجلاً، فأسًا. ما كان للموت وللخراب وللدمار، صار للحياة، للزراعة، للغلّة، لتأمين الطعام، بحيث لا يبقى محتاج في ما بين الشعوب. نحن نعرف اليوم أنّ هناك أكثر من مليار وخمسمئة مليون يعيشون تحت عتبة الفقر. البشر لا يستطيعون أن يخلّصوا أحدًا، البشر يحملون الخطيئة وبالتالي الموت.

وهكذا، أحبّائي، انطلقنا من هذا المزمور الذي عاش كارثة صعبة: إمّا دمار مدينة، إمّا زلزال، إمّا سلب ونهب، ولكن سيفهم في النهاية أنّه ليس هو فقط شعب ا؟، فهناك خلاص يطلبونه هم لهم، وهناك خلاص يطلبونه للّذين يحبّونهم أو من يجب عليهم أن يحبّوهم.

وا؟ قال من هو شعبه: شكيم، وادي سكوت، جلعاد، منسّى، موآب، أدوم، فلسطية. جميع الأمم حتّى كوش البلاد الإفريقيّة، كلّ هذا شعب ا؟، هو أرض ا؟، وما يريده ا؟ في النهاية أن يمنح الخلاص للجميع، أن يمنع الحرب، لا نقاتل بعد اليوم إلاّ باسم ا؟، وهو يدوس أعداءنا. ومن هم أعداؤنا، بحسب القدّيس بولس هم الخطيئة، هم الشرّ، هم الموت، كما يقول مار بولس عن يسوع: آخر عدوّ يدوسه يسوع هو الموت. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM