إلق ِعلى الرب همك مزمور:55

 

إلق ِعلى الرب همك

مزمور:55

1 - نقرأ المزامير لنبدّل حياتنا

أحبّائي، نحن الآن في الحلقة الأخيرة من المزمور 55. هذا المزمور تأملّنا فيه في 3 حلقات. ويمكن أن تكون حلقة خامسة وسادسة. والمخرجة قالت لي: هذه المزامير عميقة جدٌّا، ولكنّنا لا ننتبه إلى الغنى الذي تحمله، والسبب؟ لأنّنا نقرأها بسرعة. والسبب؟ لأنّنا لا نصلّيها في أعماق قلوبنا، والسبب؟ لأنّنا لا نجعل كلماتها تدخل إلى حياتنا.

لا شكّ لا نريد لهذه الكلمات أن تدخل لأنّها تحرّك قلوبنا، تحرّك حياتنا. نريد أن نبقى منغلقين على ذاتنا. لا نريد أن ننفتح على الآخرين، وخصوصًا لا نريد أن ننفتح على الله. لأنّه إن دخل الله في قلبنا، في حياتنا، أجبرَنا على أن نبدّل حياتنا.

مرّات عديدة، أحبّائي، تصبح هذه المزامير، بل تصبح كلمة الله، كأنّها قلعة مغلقة: ندور حولها ولكنّنا لا ندخل إليها، وهذا هو الشرّ، هذا هو الخوف. نتذكّر خصوصًا فصل 7 من نبوءة إشعيا: حين أراد النبيّ أن يعيد الشجاعة إلى قلب الملك: اطلبْ من الربّ ما تريد، في السماء، في الأرض، تحت الأرض. ماذا قال الملك: لا أطلب. لماذا قال لا أطلب؟ لأنّه إن طلب من الربّ، إن قبل الآية من الربّ، فهذه الآية ستفرض عليه أن يبدّل حياته. وهل هو مستعدّ أن يبدّل حياته؟ كلاّ.

ونحن أيضًا، لا نريد أن نسمع كلام الله، لا نريد أن نتعمّق في كلام الله، لأنّه يفرض علينا الموقف اللازم، موقف الإيمان، موقف الاتّكال. لهذا مرّات عديدة نقرأ هذه المزامير، هذا إذا قرأناها، نقرأها بفكر ضائع، مشتّت، لا نتوقّف عند كلّ كلمة، عند كلّ حركة، لأنّ الربّ قبل كلّ شيء هو الإله الكلمة، وهو لا يغنينا ولا يخلّصنا إلاّ بالكلمة. ولا ننسَ أنّ يسوع المسيح سمّاه يوحنّا في بداية إنجيله، الكلمة: في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، وكان الكلمة الله.

وهكذا، أحبّائي، نتابع تأمّلنا في هذا المزمور، المزمور 55، بعنوان: ألقِ على الربّ همّك. نعم نُلقي على الربّ همّنا، هو يهتمّ بنا، هو يعولنا، يطعمنا، يسقينا، كما يفعل الراعي مع خرافه. الربّ راعيّ فلا يعوزني شيء. لأنّه يعولني، يأخذني إلى المروج الخصبة، إلى المياه، ويبعد عنّي الشرّ ويبعد عنّي الألم، يبعد عنّي الأعداء. ألقِ على الربّ همّك وهو يعولك. يا ليتنا نردّد هذه العبارة كلّ هذا النهار، ونسمع هذا المزمور في المساء. لتكن هذه العبارة في فمنا نردّدها ونحن ننام: ألقِ على الربّ همّك. لا تحمل هموم الدنيا كلّها. اتركها للربّ وهو يفعل، كما يقول في آية 23: لا يدع الصدّيق يضطرب إلى الأبد. يمكن أن تكون هناك محنة ولكن لا تكون هذه المحنة إلى الأبد.

2 - صرخة المؤمن

ونقرأ، أحبّائي، آية 17 من المزمور 55: أمّا أنا فإلى الله أصرخ... أمّا أنا فعليك أتوكّل. آية 23 مهمّة جدٌّا: لا يدع الصديق لأنّه الصادق. في هذا العالم، عالم الكذب، عالم الغشّ والفساد والعنف والخصام، يبقى الصدّيق حصّة الله، لأنّه يكون صادقًا. وكم مرّة يقال: إذا كان هناك مئة مقابل واحد، ليس ضروريٌّا أن تكون المئة على حقّ. فالواحد إذا عاش صديقًا صادقًا مع الربّ، يكون هو بجانب الحقّ. أمّا الآخرون فهم بجانب الباطل.

ونلاحظ هنا أوّلاً صرخة المرتّل في آية 17: أمّا أنا فإلى الله أصرخ. يعني بالله أستنجد، لا أطلب نجدة من أحد. نحن مساكين حين نصرخ إلى البشر: وماذا يستطيع البشر أن يفعلوا لنا؟ لا شيء. هم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا لأنفسهم، فكيف يفعلون لنا. أنا إلى الله أصرخ. ولماذا أصرخ؟ لأنّي متأكّد أنّه يخلّصني وإلاّ ما كنتُ صرخت. الولد عندما يكون في خطر، يصرخ: يا أميّ، يا أبي، لأنّه متأكّد أنّ أمّه أو أباه أو أخاه أو أخته إذا سمعوه يأتون إليه. والله لا شكّ يسمع، والله لا شكّ يخلّص.

إذًا صرخة المؤمن هي صرخة الإيمان، صرخة الثقة بالربّ. أنا أصرخ لأنّي متأكّد أنّ الله يخلّصني. وتكون صلاته متّصلة مستمرّة. كما يقول الإنجيل: صلّوا ولا تتعبوا من الصلاة. ويعطينا الإنجيل أكثر من مثل عن هذه الصلاة، مساءً وصباحًا وظهرًا. نلاحظ هنا أنّنا في الهيكل. في الهيكل، لماذالله لأنّ النهار يبدأ في المساء، دائمًا يوم العيد يبدأ في المساء، عيد الميلاد يبدأ مساء 24 - 25 كانون الأوّل. نتذكّر في سفر التكوين الفصل الأوّل: كان مساء وكان صباح. وهنا يبدأ النهار، مساء نصلّي صلاة المساء وصباحًا نصلّي صلاة الصبح، وظهرًا أشكو وأنوح فيسمع الربّ صوتي. هل يكتفي بأن يسمع؟ كلاّ، بل هو يفعل.

3 - الغلبة لله

آية 19: يفتديني بسلام إذا اقتربوا ووقفوا بكثرة حولي. هو يحيط بي، فيحيط بي السلام. لا يستطيعون أن يفعلوا بي شيئًا. ولو مررت في وادي الموت، لا أخاف سوءًا.

نتذكّر هنا، كما يقول الكتاب، عبور الشعب في قلب البحر. ونحن نلاحظ في آية 20 هذه العظمة: الله لا يتحرّك. فهو الجالس منذ الأزل. الجالس على عرشه كالملك وكالديّان. هو لا يتحرّك اليوم، لأنّي أنا دعوته وكأنّ ا؟ وُلد البارحة، كلاّ. ا؟لله هو هو منذ الأزل. هو المخلّص، هو الفادي، هو الخالق، يفتديني فأكون بسلام إذا وقفوا بكثرة حولي. الله الجالس منذ الأزل يسمع لي فيبدّدهم. وهكذا فالغلبة ليست لي أنا، الغلبة هي لله. لأنّ لا عهد لهم وهم لا يخافون الله.

نلاحظ هنا، أحبّائي، أنّ الربّ لا يعاقب لكي يعاقب، ولا يغضب على الإنسان لكي يحطّمه، بل يغضب على الحالة التي يعيش فيها الإنسان، كما قلناها أكثر من مرّة، الله لا يلعن الإنسان، بل يقول: ملعونة الحيّة، ملعونة الأرض، يعني تنقصها البركة. ولماذا تنقصها البركة؟ بسبب الإنسان، بسبب خطيئة الإنسان التي قطّعت المجرى الذي يوصل البركة بالحقل، بالإشجار، بكلّ ما جعله الله في خدمتنا. هو حاضر هنا. ولماذا يذلّهم؟ لماذا ينزلهم من رفعتهم، من كبريائهم؟ ليعلّمهم أوّلاً العهد، الصدق. أنتم لا تعرفون العهد ولا المعاهدة ولا الاتّفاق ولا الأمانة، أنا أُحدركم من عليائكم حتّى تعرفوا كيف تكون الصداقة، كيف تكون العدالة، كيف يكون العهد بين البشر.

فا؟ لا يفعل كما يفعل العدوّ مع عدوّه، يذلّه، يضع رجله على رقبته، يدوسه، كلاّ ثمّ كلاّ. يذلّه، يحدره من عليائه حتّى يعلّمه كيف يكون العهد خصوصًا وإنّهم لا يخافون ا؟، يعلّمهم المخافة. لا مخافة العبيد بل مخافة الأبناء الذين يتّقون الله، الذين يسلكون بحسب الوصايا، الذين يعيشون شريعة المحبّة.

4 - الشرّ يلاحق الأعداء

في آية 16: سيباغت الموت أعدائي فيهبطون أحياءً إلى عالم الأموات لأنّ الشرّ في وسط مساكنهم. إذًا هم طلبوا الموت. فالشرّ لا يمكن إلاّ أن يقود إلى الموت، هذا ما حصل في خبر الطوفان. لولا الشرّ المتكاثر لما جاء الطوفان. هو الشرّ الذي ينزلنا أحياء إلى عالم الأموات. وأوّل خطيئة واضحة: يوم تأكل من هذه الشجرة، يوم تخالف الوصايا، موتًا تموت. وهؤلاء أشخاص يخبرنا عنهم المزمور: يعيشون في الإثم، الفساد، الظلم، الغشّ، المكر، كلّهم (آية 11 و12).

كلّ هؤلاء يهيّئون الموت. هم أرادوا الموت للآخرين، فإذًا، الموت يصيبهم. والنصّ واضح: لأنّ الشرّ في وسط مساكنهم. إذا كانت الخطيئة منذ البداية هي التي تسبّب الموت، فهي أيضًا اليوم تسبّب الموت. لا شكّ. نحن لا نربط كلّ خطيئة بعقاب، وكأنّ ا؟ يمسك العصا ويلاحقنا. كلاّ. على كلّ حال العصا لا يمكن أن تلاحق المؤمن.

العصا هي عصا الراعي الذي يقود خرافه إلى المرعى الطيّب، إلى المياه العذبة. قد تتحوّل هذه العصا من عصا الرعاية إلى عصًا من حديد كما يقول المزمور 2 حتّى تؤدّب الأشخاص، تؤدّب الخطأة، تؤدّب المتمرّدين على الربّ. وإلاّ تبقى العصا عصا الرعاية والمحبّة. هي تحمي القطيع من الأخطار، من الذئاب وسائر الحيوانات المفترسة، وتوجّه الرعيّة، الماشية، الخراف، إلى حيث يجب أن تمشي.

آية 21. رفيقي رفع يد العداوة على مسالميه، فأخلّ بعهده. هذه الجملة معروفة عندنا من زمان. رفع عليّ عقبه، أو كان عدوّه. وطبّقها الكتاب المقدّس على يهوذا، الذي خان الربّ وباعه. على مسالميه فأخلّ بعهده. هؤلاء الذين عاشوا معه بسلام جعل عليهم العداوة، رفع يد العداوة. ونلاحظ أيضًا علاقته مع مسالميه مع الذين حملوا السلام. أخلّ معهم. أعطوه الأمانة فأخلّ بالأمانة. هم كانوا متعلّقين بالعهد، هو خان العهد. وكيف خانه؟ بالخبث والرياء.

آية 22 واضحة وقويّة: كلام فمه أليَن من الزبدة. في الماضي لم يكن هناك برّاد ولا ثلاّجة، لذلك كانت الزبدة دائمًا تذوب. إذًا، كلام فمه يذوب، إذا أردنا. أمّا في قلبه فيكمن الحقد. هذا هو وجه الرياء، وجه الكذب. يستقبلك بالبسمة ولكنّها بسمة الموت.

5 - الخطيئة تجرّ الخطيئة

نتذكّر هنا كلام الشاعر: إذا رأيت أنيابًا بارزة فلا تظنّن أنّ الليث يبتسم. وهنا الشيء ذاته. هم كلامُهم ليّن، لذيذ، كلّه نعيم، لكنّ الحقد يكمن في القلب. يمكن للملك أن يرسل رسالة جميلة في يد شخص، وهذه الرسالة قد تقول: أقتل حامل هذه الرسالة. نتذكّر هنا داود النبيّ، صاحب المزامير. دعا إليه أوريّا من الجبهة، من المعركة، استقبله أجمل استقبال وأرسله ينام في بيته، قال له كلامًا ألين من الزبدة، أحلى من العسل. ولكن في الصباح، أوريّا الحثيّ، أوريّا الغريب الذي أراد أن يضحّي ولا ينام في بيته وجيشُه في العراء، بل نام في ساحة القصر، هذا نال الحقد من داود. قال ليوآب قائد الجيش: اجعله في موقع خطر وتراجعوا.

لهذا يتابع النصّ في آية 22: كلماته أرقّ من الزيت وهي سيوف مسلولة. استلّه داود، لا بيده ولا بيد قائد الجيش يوآب، ولا بيد أحد من الجيش. فأراد أن يقتله العدوّ. يا ليت أوريّا مات وهو يدافع عن الوطن، فإذا هو يدافع عن شهوة داود، عن زنى داود. وهكذا تظهر هذه الحقيقة: فمه ألين من الزبدة، كلماته أرقّ من الزيت، ولكنّ الحقد، الحقد يحمل السيف، والسيف يحمل الموت.

لهذا سيعود المزمور ويقول لنا كما قلنا في العنوان: ألقِ على الربّ همّك. أنت لا تهتمّ. ويقول لنا الإنجيل: إن شربوا سمٌّا مميتًا فلا يؤذيهم. هو الربّ يهتمّ بنا، نلقي عليه همّنا، ولا نحسب أنّنا نستطيع أن نخلّص نفوسنا بنفوسنا، كلاّ. معونتنا باسم الربّ، وهو القدير، لأنّه خلق السماوات والأرض. معونتنا باسم الربّ الذي وحده يخلّصني، معونتنا باسم الربّ الذي يفتديني ولو كنت في الأسر، ولو كنت في العبوديّة، ويغمرني بالسلام. ويبعدني عن السلاح. هذا هو المعنى السلبيّ. ويمنحني ملء البركات، هذا هو المعنى الإيجابيّ. وسيفهم هذا المؤمن، هذا المرتّل العائش في قلب الشرّ، في قلب الغشّ والكذب والخصوم والعنف، يفهم أنّه لا يلقي إلاّ على الربّ همّه. لا يشتكي إلاّ إلى الله، لا يبكي إلاّ أمام الله، لا يطلب إلاّ أمام الله. ويتأكّد من قول الربّ: لا يدع الصديق يضطرب إلى الأبد. إذا كان صادقًا مع الله، إذا كان أمينًا لنداء الله، فالله لا يتركه مضطربًا، لا يتركه مبلبلاً، بل يغمر قلبَه بالسلام.

هنا نلاحظ كم مرّة تأتي كلمة السلام تجاه هذا العنف والشرّ. مثلاً في آية 19: يفتديني بسلام إذا اقتربوا. في آية 21: على مسالميه. هنا أيضًا كلمة السلام، وخصوصًا عندما تريد الحمامة، التي هي عنوان السلام، أن ترتفع أو أن تمضي إلى البرّيّة. هذا السلام تدعونا إليه هذه الحمامة. فكما أنّ الشعب عاش في البرّيّة بسلام، بعد أن ترك عبوديّة مصر، وسمع وصايا الله على جبل سيناء، نحن أيضًا مدعوّون إلى تلك البرّيّة حيث يأخذنا الربّ وهناك يكلّم قلبنا، يجرّدنا من كلّ ما يمكن أن نستند إليه في هذا العالم، ويقول لنا: أنا حصّتك وأنت حصّتي. فلا يبقى لنا أيّها الربّ إلاّ أن نقول: عليك توكّلت فلا أخزى، عليك ألقيت همّي وأنت تهتمّ بي، أنت لا تترك من تَصادَق معك، من أحبّك، أنت لا تسمح أن يضطرب قلبه لأنّك تغمره بالسلام. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM