نداء المضطهدين مزمور:54

 

نداء المضطهدين

مزمور54

1 - الصلاة العاديّة المتكرّرة

أحبّائي، المزامير هي صلاة. وهي صلاة بشكل خاصّ حين تأتي ساعة الضيق: مع المرض، مع الاتّهام، مع الملاحقة. الصلاة تنبع عندئذ من قلب الله. تنبع عندئذ من قلب المؤمن. لا شكّ، هناك مرّات نصلّي لأنّنا اعتدنا أن نصلّي. نصلّي في الصباح، عندما يبدأ نهارنا. نصلّي في المساء عند نهاية نهارنا. فنشكر الربّ ونستغفره عن خطايانا ونستعدّ لليوم التالي. نصلّي قبل الطعام وبعد الطعام، قبل الدرس وبعد الدرس.

كدت أقول هي صلاة منظّمة حسب الساعة، بحسب الوقت وقد اعتدنا عليها. وهناك صلوات نتلوها كلّ يوم لأنّنا اعتدنا عليها. لا شكّ. هناك خطر، خطر العادة. ونذكر لمّا كنّا ندخل إلى الصفوف ويصلّي الأستاذ كأنّه يسمّع الأمثولة أو يقرأ الأمثولة، لا يتطلّع، ينظر إلى هنا وهناك. لا شكّ. مثل هذه الصلاة ليست بصلاة. وتلك التي نكرّرها (يقول لنا يسوع) مثل الوثنيّين الذين ينسون أنّ الله يعرف ما نحتاج إليه، ليست بصلاة.

التكرار يكون عظيمًا عندما تتبدّل العاطفة، عندما يقول شخص شابّ لابنة أو ابنة لشابّ: أنا أحبّكِ أو أنا أحبّكَ. ولو قالها خمسين مرّة، ففي كلّ مرّة هناك رنّة جديدة. ونحن عندما نتلو ونكرّر صلاة من الصلوات، سواء ارحمني يا الله أنا الخاطئ، أو السلام عليك يا مريم، أو صلاة الأبانا، أو يا يسوع الرحوم ارحمهم، أو يا قلب يسوع، كلّ هذه الصلوات التي نتلوها، إذا لم نجعل فيها قلبنا، إذا لم يكن كلّ مرّة نقولها كأنّنا نقولها للمرّة الأولى، عندئذٍ تصبح صلواتنا كالآلة. نقول باللغة العامّيّة صلاتنا ميكانيكيّة. ونشبه عندئذ ما يفعلون في الصين: يجعلون الدولاب يدور، وكلّ مرّة يدور الدولاب نعتبر أنّنا تلونا صلاة. كلاّ. لا يمكن للربّ يسوع أن يقبل بهذه الصلوات، كلاّ ثمّ كلاّ. أترى الشابّ يقول للشابّة: أنا أحبّك ولا يفكّر بما يقول؟ أو لا سمح الله يكذب فيما يقول؟ كلاّ ثمّ كلاّ.

2 - صلاة في وقت الضيق والألم

إذًا، هناك وقت للصلاة، وقت خاصّ، عند المرض: يا ربّ أين أنت؟ في الضيق، في الاضطهاد. نجّني، احفظني، احكم لي، استمع إلى صلاتي، أصغ لأقوال فمي. هي صلاة تخرج من أعماق القلب وكأنّها تسيل عرقًا، تسيل دمًا كما كان يسوع في بستان الزيتون. هذه الصلاة لا يمكن إلاّ أن تجرح القلوب، أن تؤثّر في الإنسان، أن تجعله قريبًا من الله. أترى ا؟ لا يسمع صرختنا صرخة الألم وصرخة العذاب، أتراه لا يسمع؟ أتراه لا يتألّم؟ أهو حجر؟ أهو صخر؟ أهو خشب؟ أهو حديد؟ كلاّ ثمّ كلاّ. إذا خرجت صلاتُنا من أعماق القلب، من أعماق الألم، من أعماق الصعوبة، تصعد حالاً إلى الربّ. ونقرأ المزمور 54، نداء المضطهَدين حيث يقول المؤمن منذ البداية: خلّصني باسمك يا الله. ويقول في النهاية: أنقذتَني من كلّ ضيق وبأعدائي شمتت عيني. في البداية طلب. وفي النهاية أعلن أنّ الله استجاب له فأنقذه.

إذًا، قرأنا المزمور 54 وعنوانه نداء المضطهَدين. كُتب المزمور في زمن لا نعرفه. تلاه شخص لا نعرف اسمه. هو مؤمن مثلي، مثلك، مثل كلّ واحد منّا. هو يصرخ إلى الله. كما قال أحدهم. سألوه: لماذا تصرخ، لماذا تصرخ وأنت تنشد وأنت تغنّي؟« - لأنّي أتألّم. وهنا هذا المؤمن يتألّم ويستعدّ لأن يقدّم للربّ الذبيحة المطلوبة لكن ينتظر أوّل ما ينتظر عناية الله، محبّة الله، سخاء الله، صلاح الله. ويقول: أنا في ضيق.

3 - صرخةُ داود: أنقذتَني

آية 9: أنقذتني من كلّ ضيق. أنا في ضيق والأعداء كثيرون، أعدائي كثيرون. ومن هم هؤلاء الأعداء؟ الغرباء أو المغرورون. ثمّ الطغاة المستبدّون. لا رحمة في قلوبهم لأنّهم لا يعرفون الله أو لا يريدون أن يعرفوا الله، كما قيل في المزمور 53: قال الجاهل في قلبه لا إله. اعتبر أن لا وجود لله، إذًا، يفعل ما يشاء ولا يحسب ؟ حسابًا. يعتبر كأنّه غير موجود. اليوم إذا أردت أن أضرب ولدًا، أحسب حساب والده، والدته، عمّه، خاله، أخيه. ولكن حين لا أحسب حسابًا لأحد، أفعل ما أشاء. وهنا هذا الغريب، هذا الطاغية لا يريد أن يحسب حسابًا لله، فيفعل ما يشاء.

إذًا، لا شيء يوقفه عن عمله، مهما كثر الشرّ والظلم والعذاب، حتّى ولو وصل به عمله إلى الموت. هو لا يحسب حسابًا لله. وفي المزمور ذاته، أحبّائي، نقرأ 54: 2 عندما جاء بنو زيف وقالوا لشاول: داود مختبئ عندنا. ماذا فعل الذي جمع كلّ هذه المزامير الـ 150؟ جعل لهذا المزمور ما يُدعَى »الإطار الحياتيّ«. صار قريبًا من داود، وبالتالي قريبًا من كلّ واحد. حين أكون في حالة تشبه حالة داود أو قريبة من حالة داود، أستطيع أن أصلّيه. ماذا فعل بنو زيف؟ زيف هي قرية قريبة من بيت لحم، أتوا وأخبروا شاول بأنّ داود الذي يلاحقه الملك مختبئ عندهم. أرادوا أن يكشفوا له داود. وهكذا يقتله شاول. يعني داود هو في وضع صعب جدٌّا، وضعٍ من الضيق. ماذا سيفعل؟ فشاول يلاحقه من موضع إلى آخر حتّى وصلت به الأمور إلى الفلسطيّين على شاطئ البحر بين غزّة وعسقلان وغيرها من المدن الخمس. أخبروا شاول أين يختبئ داود وهكذا عرّضوا حياة داود للخطر، للموت.

في هذا الإطار، استعاد داود كلام المزمور وأعطاه نفحة حياة. كأنّي به هو اخترعه، هو أنشده للمرّة الأولى، وهو يصلّيه إلى الربّ. ولا يمكن أن يصلّيه قبل الخلاص. لا يمكن أن يصلّيه حين سمع بالخبر، بل هو يصلّي هذا المزمور بعد أن كان له الخلاص. الصلاة للربّ لا تسبق عطايا الربّ. الربّ هو يسبقنا دائمًا. المبادرة هي دائمة للربّ. لا يمكن أن تكون المبادرة للإنسان.

4 - خلِّصني يا الله

ونقرأ، أحبّائي، آية 3: خلّصني باسمك يا الله. ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أنت خلّصني، يا ربّ، أنت خلّصني، يا ربّ، من الضيق، من الموت، من الاضطهاد. وإن أنا قلت لك خلّصني، فلأنّي نلت الخلاص، سبق ونلت الخلاص.

وما هو السلاح الذي به ينجّيني الله، يخلّصني الله؟ اسم الربّ يكفي، اسمه، قدرته، حضوره، عمله. خلّصني باسمك يا ربّ، يا الله، وبجبروتك. أحسنْ إليّ. كأنّ الاسم يقابل الجبروت. اسم الله قدير، وجبروته يدلّ على أنّه الله الجبّار. خلّصني فتحسن إليّ، تعمل معي إحسانًا، تعمل معي صدقة. فأنا فقير، أنا تعيس، أحتاج إلى غناك، إلى حضورك، إلى أبوّتك، أمومتك، إلى حنانك، إلى قدرتك في وجه أعدائي. خلّصني باسمك يا الله. كأنّنا نقول: خلّصتَني باسمك يا الله، وبجبروتك أحسنتَ إليّ. فالإنسان لا يقدر أن يتلو مثل هذه الصلاة إلاّ بعد أن يكون ذاق طعم نعمة الربّ وتدخُّل الله في حياته.

5 - الله يُصغي، يَستمع

آية 4: استمع صلاتي يا الله وأَصغ إلى كلامي. والشيء ذاته، أحبّائي. الربّ يستمع إلى صلاتنا. ولو لم يكن المؤمن متأكّدًا أنّ الله استمع في الماضي ويستمع اليوم، وهو يستمع غدًا، ما كان قال له: استمع صلاتي. أو قال له: أصغِ إلى كلامي. الله العظيم يُصغي إلى كلام شخص حقير. الله القدّوس يستمع صلاة إنسان خاطئ. الله الرحوم يستمع صلاة إنسان قاسي القلب.

ولماذا يصرخ المؤمن ولماذا يستغيث؟ ولماذا يطلب المساعدة؟ الغرباء قاموا عليّ، والطغاة يطلبون حياتي. هم يقدرون، لا شكّ. هم الأقوى، هم الأكثر عددًا، وهم يتوخّون أن يقتلوا محبّ الله. كما يقول فيما بعد: أنقذْني من كلّ ضيق. وخصوصًا في آية 7: لأمانته لي. الله هو أمين لي، هو ثابت. حفظني في الماضي، وهو يحفظني الآن. حفظني في الماضي، لماذا؟ لأنّه الإله الأمين، لأنّه الثابت على مواعيده.

رأى المرتّل الأشرار وهم عدد كبير، رأى الغرباء الكثر. قاموا عليّ قومة واحدة. ولم يقل: الطاغي، بل الطغاة في صيغة الجمع، هم عديدون يحاصرونني، يطلبون حياتي، يعني يريدون موتي. وما الذي يدفعهم إلى ذلك؟ فأنا بريء. أنا لست قاتلاً ولا مجرمًا إنّما هم يتصرّفون بعد أن نسوا وصايا الله التي تقول: لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ، لا تشهد شهادة زور. حين يفعلون ما يفعلون، لا ينطلقون من وصايا الله، بل لا يحسبون حسابًا لله. يحسبون أنّ الله غير موجود، وإن كان موجودًا فهو لا يتدخّل، وإن تدخّل فهو أضعف من أن يفعل.

لماذا يقولون هذا؟ لماذا نقول نحن هذا؟ لأنّ الله يتأخّر. لأنّ الله لا يفعل بالسرعة التي نريدها نحن له أن يفعل. لا، الله ليس خادمًا عندنا. هو ينتظر ويعرف أن ينتظر، لهذا يقول الجهّال، يقول الكافرون والأشرار: الله لا يتدخّل. فهو أضعف من أن يتدخّل، أو هو لا يريد أن يتدخّل. هو في علوّ سمائه ونحن في عمق أرضنا أرض البكاء ووادي الدموع. أترى المؤمن وقع في هذه التجربة؟ أترى المؤمن اعتبر أنّ الله لا نحسب له حسابًا لأنّه لا يفعل؟

هناك حظوظ، هناك ظروف حوّلت الظلم إلى حقّ إذا أردنا. لكنّ الله لا يمكن أن نحسب له حسابًا. عنده أشغال غيرنا. تلك كانت تجربة أيّوب. أين اهتمامك بالإنسان؟ ما الإنسان حتّى تنظر إليه؟ تفكّر فيه؟ هو لا شيء، وأنت تعتبره كلّ شيء.

6 - ا؟ سندٌ لي

إذًا، لماذا لا يتصرّف القويّ وكأنّ الله لا وجود له؟ لماذا يحسب حسابًا لله بعد أن علّمته الخبرة أن لا يرى تدخّل الله؟ ولكنّ هذه الفكرة لم تدم طويلاً في فم هذا المؤمن.

لا يحسبون حسابًا لله. إذن، لا وجود له. كلاّ ثمّ كلاّ. الله حاضر والله يفعل. والويل للأقوياء إن لم يحسبوا حسابًا له، فعقابهم آتٍ في القريب. وينشد المرتّل دائمًا مزمور 54: 6: لكنّ الله نصير لي، الربّ سند لحياتي. مثل مار بولس عندما قال: إن كان المسيح لم يقم فإيماننا باطل ونحن بعدُ مقيمون في خطايانا. لكن أنا أقول بسرعة: كلاّ كلاّ. المسيح قام. وبما أنّه قام، لا يمكن إلاّ أن نقوم بفعل إيمان ينطلق من الخبرة التي عاشها بولس على طريق دمشق لمّا سمع صوت الربّ، لمّا رأى وجه الربّ، وقال له: ماذا تريد أن أفعل؟ وأرسله إلى حنانيّا لينال العماد المقدّس. وهنا تجاه الجميع، الذين يحسبون حسابًا لله. المؤمن يقول: كلاّ. الله نصير لي، هو يعطيني النصر، يعطيني الغلبة. الله هو سند لي، فلا يستطيع أحد أن يوقعني، فلا يستطيع أحد أن يحمل إليّ الموت. فالربّ يسند حياتي حتّى ولو متّ يقيمني من القبر، على ما قال أيّوب أيضًا: أنا سأرى الربّ.

فعل الإيمان هذا مهمّ جدٌّا في حياتنا. وبدون فعل الإيمان نبقى أضعف من أن نقاوم الأقوياء، الغرباء (آية 5) الطغاة. لا يستطيع داود، وهو صاحب عصابة، أن يحارب جيش شاول. هو فعل إيمان. الله ينصرني، الله يسندني، الله يعينني. وكيف يفعل؟ يردّ الشرّ على الثائرين عليّ ويسكتهم. يعني هو يحارب عنّي، يدافع عنّي. وإن أرادوا أن يتكلّموا أَسكتَهم. لماذا؟ ألأنّني طاهر؟ كلاّ. لأنّي قدّيس؟ كلاّ. بل لأنّه الإله الأمين. يُسكتهم لأمانته حتّى لا ينتظر أمانتي. وإن لم أكن أمينًا، فهو لا يمكن إلاّ أن يكون أمينًا. لا يمكن أن يكون خائنًا. ففي أعماق قلبي نداء إلى أمانة الله. عندئذ يذبح المؤمن، يذهب إلى الهيكل، يذبح ذبيحة ويحمد اسم الربّ.

هذا الاسم الذي أنشده في آية 3: خلّصني باسمك، هو يعود إليه في آية 8: وأحمد اسمك لأنّك صالح. ماذا عملت يا ربّ؟ (آية 9) أنقذتني من كلّ ضيق. لم يشمت أعدائي بي بل أنا شمتُّ بهم، لا بقوّتي بل بقوّتك، لا بقدرتي بل بقدرتك، لا بجبروتي بل بجبروتك، لا باسمي بل باسمك القدّوس. فبهذا الاسم ننال كلّ خلاص. آمين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM