تقديم: سلسلة تراث الأجداد.

 

سلسلة

تراث الأجداد

1

المطران يوسف الدبس

تحفة الجيل في تفسير الأناجيل

1

إنجيل يسوع المسيح المقدس

كما كتب متى

أعاد نشره

الخوري بولس الفغالي

طبعة أولى

2009

المقدمة

إن كان العنوان تجده في جميع النسخ اللاتينيَّة واليونانيَّة لهذا الإنجيل وقد عُنون في النسخة السريانيَّة، "بتأييد ربِّنا وإلهنا يسوع المسيح نبتدئ نكتب كتاب الإنجيل المقدَّس والإنجيل الأوَّل بشارة متّى". وفي العربيَّة القديمة، "إنجيل يسوع المسيح كما كتب مار متّى أحد تلاميذه الاثني عشر" (وعنونَته نسختنا السريانيَّة المطبوعة في رومة سنة 1703 بشارة مار متّى الرسول)، ارتأى بعضهم أنَّ متّى وضع هذا العنوان لإنجيله، والأصحّ أنَّه قد وضعته الكنيسة التي حكمت أنَّ هذا الإنجيل لمتّى ومن ذلك برهان جليٌّ على لزوم التقليد الرسوليّ للإيمان الحقيقيّ. فمن أين يتأكَّد أنَّ هذا الإنجيل لمتّى دون، غيره وبماذا يمتاز عن الأناجيل المزوَّرة إلاّ بالتقليد وحكم الكنيسة؟

إنَّ لفظة إنجيل يونانيَّة تأويلها بشرى، وقد وردت في كلام شيشرون في اللاتينيَّة بمعنى الصلة التي تعطى جزاء عن تبليغ بشريّ. فالإنجيل ينطوي على البشرى المفرحة بمجيء المسيح وحياته وآياته وتعليمه وافتدائه البشر، وقد كتبه متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا بإلهام الروح القدس.

إنَّ مار متّى يهوديّ أصلاً قد دعاه المسيح من التعشير إلى أن يكون رسولاً، فترك كلَّ شيء وتبعه كما روى متّى عن نفسه في ف 9 من بشارته. وبعد صعود المخلِّص بشَّر اليهودَ أوَّلاً حيث كتب إنجيله، ثمَّ بشَّر بإيمان المسيح في بلاد النوبة حيث نال إكليل الشهادة من الملك هيراكوس لأنَّه أبى أن يزوِّجه بإيفيجانيا ابنة الملك التي كانت نذرت عفَّتها لله.

إنَّ متّى كتب إنجيله قبل باقي الإنجيليّين في أورشليم كما شهد القدّيسون إيرونيموس* وإيريناوس* وأثناسيوس* وغيرهم، وبأمر الرسل كما قال إبيفانيوس* في أرتقة ،51 وذلك في السنة التي تفرَّق الرسل للإنذار وهي سنة 37 لميلاد المخلِّص والرابعة بعد موته. ولا يقرب من التصديق رأي بارونيوس* أنَّ متّى كتب إنجيله سنة 41 لميلاد الربّ. وأقلّ احتمالاً من ذلك رأى القدّيس إيريناوس* في ك3 رأس 1 أنَّ هذا الإنجيل كُتب إذ كان الرسولان بطرس وبولس ينذران في رومة، إذ ينتج من ذلك أنَّه كتب في سنة 18 أو 20 بعد صعود المخلِّص، وهذا غير صحيح.

ارتأى غايطانوس* وناكرو معموديَّة الأطفال أنَّ متّى كتب إنجيله باليونانيَّة لأنَّ بعض الأسماء العبرانيَّة توجد فيه مترجمة إلى اليونانيَّة كقوله عمّانوئيل* الذي تأويله إلهنا معنا. (1: 23)، وإيلي إيلي لما شبقتاني (27: 46) لكنَّ هذه التفسيرات أزادها المترجم اليونانيّ. ولهذا قد أثبت إبيفانيوس* وإيرونيموس* وأوغسطينوس* وأوسابيوس* وغيرهم برأي كلّيّ العموم أنَّ متّى كتب إنجيله بلغة العبرانيّين، إذ سأله اليهود عند ذهابه إلى الأمم أن يدوِّن لهم خطًّا ما أنذرهم به شفاهًا، كما ارتأى فم الذهب في ميمر 1، ونقل عنه أوتيميوس* ثمَّ إيرونيموس* في المؤلِّفين الكنائسيّين في متّى وأوسابيوس في ك 3 من تاريخه رأس .18 ومن المؤكَّد أنَّ العبرانيّين في زمان المسيح كانوا يتكلَّمون باللغة السريانيَّة لا بالعبرانيَّة المحضة، ولذا كانت السريانيَّة لغتهم الدارجة.

إنَّ مار برتلماوس الرسول عند سفره للإنذار في الهند (لا الهند الأقصى بل رابيا أو العربيَّة السعيدة التي سمّاها القدماء الهند الخارج) قد أخذ معه نسخة من إنجيل متّى، كما شهد أوسابيوس* في ك5 من تاريخ رأس 10 وإيرونيموس* في المؤلِّفين الكنائسيّين في بانتانوس*. وأخذ مار برنابا نسخة منه إلى قبرس، وقد وُجدت هذه النسخة مع جسده في أيّام زينون* الملك ثمَّ فقدت بصروف الزمان. وقال مار إيرونيموس* في المحلّ المذكور آنفًا إنَّه شاهد هذا الإنجيل مكتوبًا بالعبرانيَّة في قيساريَّة في مكتبة القدّيس بمفيلوس* الشهيد. إلاَّ أنَّ نصَّ مار متّى قد فقد منذ مدّات. والنسخة التي أشهرها مونستاروس يوحنّا تيليوس* على أنَّها الأصليَّة هي مشبوهة وفيها رائحة التشهير. هذا وإن ارتأى ألبرتوس ويدمانستاديوس* الذي هو أوَّل من طبع العهد الجديد بالسريانيَّة وقويدوس فبريسيوس* الذي ترجمه إلى اللاتينيَّة، أنَّ الترجمة السريانيَّة هي الأصليَّة لمتّى.

إنَّ الإنجيل الذي كتبه متّى بلغة اليهود وقتئذٍ، قد تُرجم حالاً إلى اليونانيَّة. زعم بعضهم أنَّ الذي ترجمه إلى اليونانيَّة هو متّى نفسه. وقال تاوافيلكتوس* هو يوحنّا الرسول. وقال غيرهم هو برنابا الرسول. وقال أنسطاسيوس* الأنطاكيّ في ك 8 أنَّ بولس ولوقا ترجماه إلى اليونانيَّة. ونسخة إنجيل متّى السريانيَّة الموجودة الآن ليست عن العبرانيَّة بل مترجمة عن اليونانيَّة. والسريان يزعمون أنَّ مرقس الإنجيليّ هو الذي ترجم العهد الجديد من اليونانيَّة إلى السريانيَّة، ولكن هذا يصعب تصديقه، فإنَّ كيرلُّس* الأورشليميّ وكيرلُّس* الإسكندريّ وإقليمنضوس* الإسكندريّ ومار أفرام* السريانيّ وغيرهم ممَّن عاشوا في سورية أو مصر لم يذكروا ذلك. ثمَّ إنَّ مار إيرونيموس*، إذ هذَّب الأناجيل الأربعة في اللاتينيَّة بأمر القدّيس داماسوس* البابا، فهذَّب إنجيل متّى على النسخة اليونانيَّة لا العبرانيَّة، كما قال هو في مقدِّمة الأناجيل لداماسوس* البابا. فإنَّ مار إيرونيموس* ترجم العهد العتيق من العبرانيَّة إلى اللاتينيَّة. وأمّا العهد الجديد فلم يترجم بل هذَّبه على موجب النسخة اليونانيَّة. فلم يكن إذًا إيرونيموس* مترجم العهد الجديد في اللاتينيَّة، بل ترجمه آخر أقدم منه. ولذا ترى النصَّ اللاتينيّ في إنجيلَي متّى ومرقس في النسخة اللاتينيَّة الدارجة ليست عن العبرانيَّة بل عن اليونانيَّة كما يظهر جليًّا لمن يقابل. وكما برهن ذلك بللرمينُس* في ك 2 في كلام الله رأس 7.

إنَّ متّى إذ كتب بلغة العبرانيّين يظهر أنَّه اتَّبع النسخة العبرانيَّة عند إيراد الشواهد من العهد العتيق، كما قال مار إيرونيموس* في المؤلِّفين الكنائسيّين في متّى، غير أنَّ المترجم اليونانيّ ذكر هذه الشواهد عند ترجمته لها بموجب النسخة اليونانيَّة السبعينيَّة لأنَّها كانت أكثر شهرة عند الأمم.

قد اختلف العلماء والنسّاخ في تقسيم بشارة متّى وقد جزَّأتها النسخة اللاتينيَّة الدارجة إلى 28 فصلاً والسريانيَّة إلى 80 فصلاً ونحن نتبع هذا التقسيم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM